الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب الخُطْبة يومَ النحر ورَمْي أيام التشريق والتوديع
(باب خطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع)
سميت هذه الأيام أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون؛ أي: يُقدِّدون فيها لحوم الأضاحي.
مِنَ الصِّحَاحِ:
1929 -
عن أبي بَكْرة رضي الله عنه عنه قال: خَطَبنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَومَ النَّحْرِ، قال:"إنَّ الزَّمانَ قَد اسْتَدارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّماواتِ والأَرْضَ، السَّنةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَة حُرُم، ثَلاثة مُتَوالِيات: ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمَادَى وشَعْبانَ"، ثُمَّ قال:"أيُّ شَهْرٍ هذا؟ فقُلْنا: الله ورسُولُهُ أعْلَمُ، قال: "أليْسَ ذا الحِجَّةِ؟ " قلنا: بَلَى، قال: "فأيُّ بَلَدٍ هذا؟ "، قُلْنا: الله ورسُولُهُ أعلم، قال: "أليْسَ البَلْدَةَ؟ " قُلْنا: بَلَى، قال: "فأيُّ يَوْم هذا؟ "، قُلْنا: الله ورسُولُهُ أعلم، قال: "أليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنا: بَلَى، قال: "فإنَّ دِماءكمْ وَأَمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرام، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْألكُمْ عَنْ أعْمالِكُمْ، أَلا فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَاّلًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قالوا: نعَمْ، قال:"اللهمَ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سامع".
"من الصحاح":
" عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا النبي عليه الصلاة والسلام"؛ أي: وعظنا.
"يوم النحر قال: إن الزمان": أراد به السنة.
"قد استدار كهيئته": صفة مصدر محذوف؛ أي: استدار استدارة مثل حالته.
"يوم خلق الله السماوات والأرض": أراد به: دوره بالشهور الهلالية التي يدور عليها حساب السنة العربية، وبطلان ما أبدعه الجاهلية من النسيء المذكور في القرآن:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]، وهو تأخيرهم تحريم رجب إلى شعبان، والمحرم إلى صفر، وذلك لأنهم كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم يحاربون، شقَّ عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرًا آخر، حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرام، وربَّما زادوا عدد الشهور، فجعلوه ثلاثة عشر أو أربعة عشر؛ ليتسع بهم الوقت، وكانوا إذا أخَّروا ذا الحجة إلى المحرم أو صفر أو غيرهما، أخَّروا الحج أيضًا إليه، حتى بلغ دور تأخير ذي الحجة على حسابهم إلى ذي الحجة، ووافق ذلك السنة التي حجَّ فيها الرسول عليه الصلاة والسلام حجة الوداع، فأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان، وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه حساب الأشهر يوم خلق السموات والأرض.
"السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر": عطف على قوله: ثلاث، وإنما أضافه صلى الله عليه وسلم إلى مضر، وهو القبيلة؛ لشدة محافظتهم على تحريمه.
"الذي بين جمادى وشعبان"، وإنما وصف رجب بقوله:(الذي) للتأكيد، أو لبيان أن رجب الحرام هو الذي بينهما، لا ما كانوا يسمونه رجب على حساب النسيء.
"ثم قال: أي شهر هذا؟ ": سألهم ليذكرهم حرمة الشهور ويقررها في نفوسهم؛ ليبني عليه ما أراد تقريره.
"قلنا: الله ورسوله أعلم": وهذا مراعاة للأدب والاحتراز عن التقدم بين يدي الله ورسوله، والتوقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال.
"قال: أليس ذا الحجة؟ ": خبر (ليس) محذوف؛ أي: ما نحن فيه.
"قلنا: بلى" يا رسول الله!
"قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلدة؟ "؛ أي: البلدة المحرمة، وهي اسم خاص لمكة.
"قلنا: بلى" يا رسول الله! "قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم": جمع عِرْض، وهو الأوصاف التي يُمدح ويُذم الرجل بها.
"عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم"؛ أي: ستبعثون وتحضرون يوم القيامة.
"فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالًا"؛ يعني: إذا فارقتُ الدنيا، فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحدًا، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل.
"لا يضرب بعضهم رقابَ بعض"؛ فإن هذه الأفعال من الضلالة.
"ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائبَ"؛ أي: فليبلغ من سمع كلامي وحضرني ما سمع مني إلى الغائبين.
"فرب مبلَّغ": بفتح اللام.
"أوعى من سامع"؛ أي: فرب غائب إذا بلغه كلامي، كان أشدَّ حفظًا وأدومَ قراءة ومراعاةً ممن سمع مني، وهذا تحريضٌ على تعليم الناس أحاديثه عليه الصلاة والسلام وغيره من العلوم الشرعية، فإنه لولا التعليم والتعلم،
لانقطع العلم بين الناس.
* * *
1930 -
عن وَبَرَةَ قال: سَألْتُ ابن عُمَرَ: مَتَى أَرْمي الجمارَ؟، قال: إذا رمَى إمامُكَ فارْمِهْ، فأعَدْتُ عَلَيْهِ المسألَةَ، فقال: كُنَّا نتَحَيَّنُ، فإذا زالَت الشَّمْسُ رَمَيْنا.
"عن وَبَرة": - بفتحتين -: "أنه قال: سألت ابن عمر: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه"؛ يعني: اقتد في الرمي بمن هو أعلم منك بوقته.
"فأعدتُ عليه المسألة فقال: كنا نتحيَّن"؛ أي: نطلب الحين، وهو الوقت؛ أي: ننتظر دخول وقت الرمي، وقيل: أي نحفظ الوقت ونراقبه.
"فإذا زالت الشمس رمينا"؛ أي: جمار أيام التشريق.
* * *
1931 -
وعن سَالِم، عن ابن عُمر رضي الله عنه: "أنَّهُ كانَ يَرْمي جَمْرَةَ الدُّنْيا بِسَبع حَصَيات يُكَبرُ على إثْرِ كُلّ حَصاةٍ، ثُمَّ يتقَدَّمُ حتَّى يُسْهِلَ، فيقُومُ مُسْتَقْبلَ القِبْلَةِ طَويلًا، ثم يَدْعُو وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمي الوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبرُ كُلَّما رَمَى بحَصاةٍ، ثُمَّ يَأخُذُ بِذاتَ الشمالِ، فيُسْهِلُ، ويقُومُ مُسْتَقبلَ القِبْلة، ثُمَّ يَدْعُو، وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَقُومُ طَويلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذاتِ العَقَبةِ مِنْ بَطْنِ الوادِي بِسَبع حَصَيات، يُكَبرُ عِنْدَ كُلِّ حَصاةٍ، ولا يَقِفُ عِنْدَها، ثُمَّ يَنْصَرفُ، فيقول: هكذا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَل.
"وعن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يرمي جمرة الدُّنيا": تأنيث الأدنى؛ أي: الأقرب، وهي التي يُبدأ بها في الرمي، وصفها بالدنيا؛ لدنوها من
منازل النازلين عند مسجد الخيف، وهناك كان مناخه عليه الصلاة والسلام، وإضافتها كإضافة المسجد الجامع، أو فيه حذف؛ أي: جمرة العقبة الدنيا؛ يعني: يرمي في الموضع الأول من المواضع الثلاثة.
"بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة"؛ أي: عقيبه.
"ثم يتقدم"؛ أي: يذهب قليلًا من ذلك الموضع.
"حتى يُسهِلَ"؛ أي: يبلغ إلى موضع سهل لين، وهو الموضع الذي رمى فيه.
"فيقوم مستقبل القبلة طويلًا"؛ أي: قيامًا طويلًا.
"ويدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى"؛ أي: الجمرة الوسطى.
"بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم يأخذ بذات الشمال"؛ أي: يذهب على شمال الجمرة الوسطى.
"فيسهل": يقال: أسهل: إذا صار إليه.
"وبقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو، ويرفع يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة": وهي الجمرة التي تلي مكة.
"من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة، ولا يقفُ عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يفعله".
* * *
1932 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: اسْتَأذَنَ العَبَّاسُ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبيتَ بِمكَّةَ لَياليَ مِنًى مِنْ أجْلِ سِقايتهِ، فأذِنَ لَهُ.
"وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: استأذن العباسُ بن عبد المطلب رسول الله
أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته": وهي في الأصل مصدر، أطلق هنا على المحل، أو المراد: أهل السقاية.
"فأذن له": إذنه عليه الصلاة والسلام للعباس بذلك يدلُّ على جواز ترك المبيت بمنى لمن هو مشغول بإسقاء الماء لأجل الناس، وكذا لمن له ضرورة وعذر، فإن ترك المبيت بغير عذر أثم عندنا ولا شيء عليه، وعند الشافعي لزمه في ليلة درهم، وفي ليلتين درهمان، وفي ثلاث ليال دم. وقال مالك: يلزمه بكل ليلة دم.
* * *
1933 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ إلى السِّقايَة، فاسْتَسْقَى، فقال العبَّاسُ: يا فَضْلُ! اذْهَبْ إلى أُمِّكَ، فائْتِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِشَرابٍ مَنْ عِنْدِها، فقال:"اسْقِني"، فقال: يا رسُولَ الله! إنهمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيَهُمْ فِيهِ، فقال:"اسْقِني"، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ وهُمْ يَسْقُونَ ويَعْمَلُونَ فيها، فقال:"اعْمَلُوا، فإنَّكمْ عَلَى عَمَلٍ صالِحٍ"، ثُمَّ قال:"لولا أنْ تُغْلَبُوا لنَزَلْتُ حتَّى أَضَعَ الحَبْلَ على هذه"، وأشَارَ إلى عاتِقِهِ.
"وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية، فاستسقى، فقال العباس: يا فضل! ": هو فضل بن عباس.
"اذهب إلى أمك، فأتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها، فقال"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام: "اسقني": من هذه السقاية.
"فقال"؛ أي: العباس.
"يا رسول الله! إنهم يجعلون أيديهم فيه، فقال: اسقني، فشرب منه": شربه عليه الصلاة والسلام لدفع وسوستهم من جعل أيديهم فيه، وفيه دليل
على أن الماء الطاهر لا يصير نجسًا بجعل الناس أيديهم فيه ما لم تتيقَّنْ نجاسة أيديهم.
"ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح، ثم قال: لولا أن تغلبوا"؛ أي: لولا مخافة غلبة الناس عليكم في الاستقاء اقتداءً بفعلي.
"لنزلت": من دابتي.
"حتى أضع الحبل على هذه، وأشار إلى عاتقه": وشاركتكم في الاستقاء، وفيه حثٌّ على العمل في البر.
* * *
1934 -
وقال أَنسَ رضي الله عنه: إن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاء، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بالمُحَصَّبِ، ثُئمَ كبَ إلى البَيْتِ، فطاف به.
"وقال أنس رضي الله عنه: إن النبي عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء": في اليوم الآخر من أيام التشريق.
"ثم رقد رقدة"؛ أي: نام نومةً من الليلة التي بعد أيام التشريق.
"بالمحصَّب" بفتح الصاد: موضع قريب إلى الأبطح من مكة.
"ثم ركب، وسار إلى البيت، فطاف به": طواف الوداع، فنزولُ المحصَّب في هذه الليلة سنَّة عند ابن عمر.
* * *
1935 -
وسُئِلَ أنسٌ رضي الله عنه عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ صلى الظُّهْرَ والعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟، قال: بمِنًى، قيل: فأيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النفْرِ؟، قال: بِالأَبْطَح، ثُمَّ
قال: افْعَلْ كما يَفْعَلُ أُمَراؤُك.
"وسئل أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أين صلَّى الظُّهر والعصر يوم التروية؟ ": وهو اليوم الثامن من ذي الحجة.
"قال: بمنى، قيل: فأين صلى العصر يوم النَّفَر؟ ": بفتحتين؛ أي: يوم الرجوع، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، ويسمى النفر الثاني؛ لأن من لم ينفر في اليوم الثاني من منى، نفر في اليوم الثالث منه.
"قال: بالأَبطح" بفتح الهمزة: وهو مسيل واسع فيه رقاقُ الحصى، أراد به: المحصب، عبَّر عن موضع واحد تارة بالأبطح وأخرى بالمحصب، أوَّلُهُ عند منقطع وادي منى، وآخره متصل بالمقبرة التي يسميه أهل مكة بالمعلَّى.
"ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك": أراد به: من يقتدي به الناس.
* * *
1936 -
قالت عائشةُ رضي الله عنها: نُزولُ الأَبطَح لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّما نزَلَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ كانَ أسْمَحَ لِخُروجِهِ إذا خَرَجَ.
"قالت عائشة: نزول الأبطح ليس بسنة"؛ أي: ليس بنسكٍ من مناسك الحج.
"إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أسمح"؛ أي: أسهل.
"لخروجه إذا خرج": من منى إلى مكة لطواف الوداع.
* * *
1937 -
وقالت: أحْرَمْتُ مِنْ التَّنْعِيم بعُمْرَةٍ، فدَخَلْتُ، فَقَضَيْتُ عُمْرَتي، وانتُظَرني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالأَبطَح حتَّى فَرَغْتُ، فَأمَرَ النَّاسَ بالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ،
فَمَرَّ بالبَيْتِ، فطافَ بهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْح، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَدِينَةِ.
"وقالت"؛ أي: عائشة.
"أحرمتُ من التنعيم بعمرة، فدخلت": مكة.
"فقضيت عمرتي"؛ أي: أتممتها، وهذه العمرة هي التي خرجت منها بسبب حيضها.
"وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغت، فأمر الناس بالرحيل، فخرج، فمر بالبيت فطاف به"؛ أي: بالبيت طواف الوداع.
"قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة".
* * *
1938 -
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: كانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ في كُلِّ وَجْهٍ، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْده بالبَيْتِ"، إلَاّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحائِضِ.
"وعن ابن عباس أنه قال: كان الناس": إذا فرغوا من أفعال الحج.
"ينصرفون في كل وجه"؛ أي: يذهبون في كل جانب إلى أوطانهم بلا طواف الوداع.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهيًا عن ذلك: "لا ينفرن"؛ أي: لا يذهبن.
"أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت"؛ أي: يطوف بالبيت طواف الوداع أي: حتى يطوف طواف الوداع، وهذا يدل على وجوب طواف الوداع.
"إلا أنه خفف عن الحائض"؛ يعني: جوَّز لها ترك طواف الوداع، وكذا عن النفساء، ولا دم عليها، وعليه الأكثر، وبه قال الشافعي.
1939 -
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: حاضَتْ صَفِيّهُ لَيْلَةَ النَّفرِ، فقالتْ: ما أُراني إلَاّ حابستكُمْ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَقْرَى، حَلْقَى، أطافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قيل: نعمْ، قال:"فانْفِري".
"وقالت عائشة رضي الله عنها: حاضت صفية ليلة النفر"؛ أي: ليلة يوم النفر؛ لأنه لم يشرع في تلك الليلة، بل في يومها.
"فقالت: ما أراني"؛ أي: ما أظنني.
"إلا حابستكم"؛ أي: مانعتكم عن الرحلة إلى المدينة، بأن تنتظروا تطهري، فأطوف طواف الوداع، كان ظنًا منها أن الحج كما يتوقف انعقاده على طواف الزيارة، يتوقف على طواف الوداع.
"قال النبي عليه الصلاة والسلام: عَقرَى حَلْقى" بغير تنوين: صفتان للمرأة، دعاء بصيرورتها عاقرًا، وإصابة داءٍ في حلقها.
وقيل: بالمصيبة، من (العقر) بمعنى: الخمش وحلق الرأس؛ لأن العرب كانوا يفعلون ذلك عند شدة المصيبة.
ومحلهما رفع؛ أي: هي عقرى حلقى، أو مصدران على فَعْلَى بمعنى: العقر والحلق؛ أي: أصابها الله بعقر في جسدها وبوجع في حلقها، وكيف كان، فهو دعاءٌ لا يراد به وقوعه، إنما هو عادة بينهم في التلطف.
"أطافت يوم النح"؛ أي: طواف الفرض.
"قيل: نعم، قال: فانفري": أجاز عليه الصلاة والسلام لها أن تنفر إذا حاضت من غير طواف الوداع.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1940 -
عن عَمرو بن الأَحْوَص قال: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في
حَجَّةِ الوَداعِ: "أيُّ يَوْمٍ هذا؟ "، قَالُوا: يَوْمُ الحَجِّ الأكبَرِ، قال:"فَإنَّ دِمَاءكمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُم حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في بَلَدِكمْ هذا، أَلا لا يَجْني جانٍ إلَاّ عَلَى نَفْسِهِ، أَلا لا يَجْني جانٍ عَلَى وَلَده، ولا مَوْلُودٌ عَلَى والِده، ألا وإنَّ الشَّيْطانَ قَدْ أَيسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هذا أبَدًا، ولَكِنْ سَتكُونُ لهُ طاعَة فِيما تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَسَيَرضَى بهِ"، صحيح.
"من الحسان":
" عن عمرو بن الأحوص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الحج الأكبر": قال ابن عباس: هو يوم عرفة؛ لأنه من أدرك عرفة، فقد أدرك معظم الحج، سمي بالحج الأكبر؛ لأنه أكبر من يوم الجمعة، وهو حج المساكين.
وقيل: هو الذي حجَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اجتمع فيه حج المسلمين وعيد اليهود والنصارى، ولم يجتمعْ قبله ولا بعده.
"قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ألا لا يجني جانٍ على ولده، ولا مولود على والده": تقدم بحثه.
"ألا وإن الشيطان قد أيسَ أن يُعبَد في بلدكم هذا"؛ يعني: أنتم أبناء العرب لن تعبدوا الطاغوت وغير الله من الأصنام بعد هذا.
"أبدًا": بمعنى: خالدًا، فيكون ظرفًا لـ (أيس)، أو بمعنى: قط، فيكون راجعًا إلى النفي؛ أي: لا يعبد قط.
"ولكن ستكون له طاعةٌ فبما تحقِرون من أعمالكم، فسيرضى به".
1941 -
عن رافع بن عَمْرو المُزَني قال: رأيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ بمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى على بَغْلَةٍ شَهباءَ، وعليٌّ يُعَبرُ عنهُ، والنَّاسُ بينَ قائِم وقاعِدٍ.
"عن رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء"؛ أي: بيضاء لا يخالط لونها سواد؛ أي: راكب عليها.
"وعلي يعبر"؛ أي: يبلِّغ "عنه"، والتعبير في الأصل: إنهاء المعنى بتوسط العبارة في نفسك.
"والناس بين قائم وقاعد"؛ أي: بعضهم قيام، وبعضهم قعود، نصبُهُ عليه الصلاة والسلام عليًا لإسماع موعظته من لم يسمع؛ لكثرة الازدحام في ذلك الموضع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان في ذلك الموسم بين أمة لا يُحصى عديدهم، وكان صوته صلى الله عليه وسلم لا يبلغ أُخريات القوم.
* * *
1942 -
عن أَبي الزُّبَيْر، عن عائشة، وابن عبَّاسٍ رضي الله عنهم: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ طَوافَ الزِّيارَة يَوْمَ النَّحْرِ إلى اللَّيْلِ.
"عن أبي الزَبير": اسمه محمد بن مسلم المكي التابعي.
"عن عائشة وابن عباس: أن النبي عليه الصلاة والسلام أخَّر طواف الزيارة": وهو طواف الإفاضة.
"يوم النحر إلى الليل"، وأول وقته عند الشافعي بعد نصف ليلة العيد. وعند أبي حنيفة وأحمد ومالك: بعد طلوع فجر يوم النحر، وأما آخره فأي وقت طاف جاز سواء يوم النحر وأيام التشريق وبعدها، ولكن ينبغي أن لا يخرج
من مكة حتى يطوف.
* * *
1943 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْمُلْ في السَّبْعِ الذي أَفاضَ فيهِ.
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرمُلْ في السبع الذي أفاض فيه"؛ أي: من عرفة.
* * *
1944 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رَمَى أحدكم جَمْرَةَ العَقَبةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَاّ النِّسَاءَ"، ضعيف منقطع.
"عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حلَّ له كل شيء إلا النساء"، (ضعيف منقطع).
* * *
1945 -
عن القاسم، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: أفاضَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلى مِنًى، فَمَكَثَ بها لَياليَ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمي الجَمْرَةَ إذا زالَتِ الشمسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بسبع حَصَياتٍ، يُكَبرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ، ويقِفُ عندَ الأولَى والثانيةِ، فيطيلُ القِيامَ، ويتضَرعُ، وَيرمِي الثالِثة، فلا يقِفُ عِنْدَها.
"عن القاسم، عن عائشة: أنها قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي: طاف طواف الفرض.
"من آخر يومه"؛ أي: في آخر يوم النحر.
"حين صلى الظهر": وفي الكلام تقدير، فالمعنى: صلى الظهر والعصر معًا في يوم عرفة، ووقف، ثم أفاض من آخر يومه، يدل عليه حديث حجة الوداع.
"ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس": بيان لوقت الرمي في أيام التشريق.
"كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة فلا يقفُ عندها".
* * *
1946 -
عن أَبي البَدَّاح بن عاصِم بن عَدِيٍّ عن أبيه قال: رَخَّص رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِرِعاءِ الإبلِ في البَيْتُوتَةِ أنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَرْمُوهُ في أَحَدِهِما.
"عن أبِي البَدَّاح بن عاصم بن عدي، عن أبيه: أنه قال: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة"؛ أي: في ترك المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق؛ لاشتغالهم برعي الإبل وحفظها.
"أن يرمُوا"؛ أي: رخَّص لهم أن يرموا.
"يوم النحر جمرة العقبة، ثم يجمعوا رميَ يومين بعد يوم النحر، فيرموه في أحدهما"؛ أي: فيرموا رمي يومين في أحد اليومين من أيام التشريق، فإن رموا ذلك في اليوم الثاني منها، كان الرمي عن اليوم الأول فيه قضاء، والرمي عن اليوم الثاني أداء، وإن رموا في اليوم الأول منها، كان رمي اليوم الأول أداء، ورمي اليوم الثاني تعجيلًا، وهذا لا يجوز عند الشافعي ومالك؛ لأن ما لم يجب