الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب دُخُول مَكَّةَ والطواف
(باب دخول مكّة والطواف)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1845 -
قال نافِع: إنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما كانَ لا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا باتَ بذِي طُوَى حتَّى يُصْبحَ، ويَغْتَسِلُ، ويَدْخُلُ مَكَّةَ نهارًا، وإذا نفَرَ مَرَّ بذِي طُوًى، وباتَ بها حتَّى يُصْبحَ، ويَذْكُرُ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يفعلُ ذلك.
"من الصحاح":
" قال نافعٌ: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يَقْدَمُ مكّة إلَّا بات بذي طُوى" بضم الطاء وفتحها: اسم موضع بمكة داخل الحرم، وقيل: اسم بئر عند مكّة في طريق أهل المدينة، يعني: أنه كان إذا وصل إلى ذلك الموضع ليلاً لم يدخل مكّة، بل بات فيه.
"حتَّى يصبح ويغتسل فيه فيدخل مكّة نهارًاً" فالأفضل أن يدخلها نهارًا؛ ليرى البيت من البعيد ويدعو.
"وإذا نفر منها"؛ أي: رجع من مكّة "مر بذي طُوى وبات بها حتَّى يصبح، ويذكر" عطف على خبر (كان)؛ أي: كان ابن عمر يجمع هذه الأفعال ويذكر "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك".
* * *
1846 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا جَاءَ إلى مَكَّةَ دَخَلَها مِنْ أَعْلَاها وخَرَجَ مِنْ أَسفَلِهَا.
"وقالت عائشة رضي الله عنها: إن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام لمَّا جاء إلى مكّة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها"، فيكون ذلك سنَّة.
* * *
1847 -
عن عُرْوَةُ بن الزُّبَيْر: قَدْ حجَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرتنِي عائشةُ رضي الله عنها أن أَوَّلَ شيءٍ بدأَ بِهِ حينَ قَدِمَ أَنَّهُ توضَّأَ، ثُمَّ طافَ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ حَجَّ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فكانَ أَوَّلَ شيءٍ بدأَ بِهِ الطَّوافُ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ مِثْلَ ذلك.
"وقال عروة بن الزُّبير: قد حج النَّبيّ عليه الصلاة والسلام فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: أنه" الضمير للشأن "أولُ شيء بدأ به حين قدم"؛ أي: قدم مكَّة "أنه توضأ" فالجملةُ المنعقدةُ من المبتدأ والخبر مفسِّرةٌ لضمير الشأن، أو عائدٌ إلى النَّبيّ عليه الصلاة والسلام، فالجملة خبر (أَنَّ)، ويجوز أن ينصب (أول) على الظرفية بعاملٍ مضمر، فتكون (أن) الثَّانية بدلًا من الأولى، وفي بعض النسخ:(أَنَّ أول شيء).
"ثم طاف بالبيت" يدل على استحباب طواف القدوم كتحية المسجد.
"ثم لم تكن عمرةٌ، كذا رواه البُخاريّ، (كان) تامة؛ أي: ثم لم يوجد بعد الطواف عمرةٌ، فيكون من كلام عروة.
"ثم حج أبو بكر رضي الله عنه، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرةٌ، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهما، مثل ذلك"، وفي رواية مسلم -:(ثم لم يكن غيَّره) بالغين المعجمة والياء المشددة؛ أي: (ثم لم يكن) بعد الطواف (غيَّره)؛ أي: لم يغير الحجَّ، ولم ينقله، ولم يفسخه إلى غيره، لا عمرة ولا قران.
* * *
1848 -
وقال ابن عمر: كانَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا طَافَ في الحَجِّ أو العُمْرَةِ أَوَّلَ ما يَقْدَمُ سَعَى ثلاثةَ أَطْوافٍ، ومشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ.
"وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم" بنصب (أول) على الظرفية؛ أي: في أول قدومه.
"سعى ثلاثة أطواف"؛ أي: أسرع بالمشي فيها.
"ومشى" على السكون.
"أربعة، ثم سجد سجدتين"؛ أي: صَلَّى ركعتين، "ثم يطوف بين الصفا والمروة".
* * *
1849 -
وقال: رَمَلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثلاثًا، ومَشى أَرْبَعاً، وكانَ يَسْعَى بين المِيْلَينِ بَطْنَ المَسِيلِ إذا طَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ.
"وقال"؛ أي: الراوي: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر"؛ أي: ابتدأ من الحجر الأسود وأسرع في مشيه حتَّى وصل إليه، فعل ذلك "ثلاثًا، ومشى أربعاً، يدل على استحباب الرَّمَل في الثلاثة الأُول والهِينة في الأربعة الأخيرة.
"وكان يسعى ببطن المسيل": اسم موضع بين الصفا والمروة.
"إذا طاف بين الصفا والمروة"؛ يعني: إذا نزل من الصفا يمشي على السكون حتَّى وصل أول بطن المسيل، ثم سعى سعياً شديداً حتَّى وصل إلى آخره.
* * *
1850 -
وقال جَابرِ رضي الله عنه: إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أتى الحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى على يمينهِ، فرَمَلَ ثَلاثاً، ومشَى أَرْبَعاً.
"وقال جابر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكّة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه"؛ أي: يمين الحجر الأسود، يعني: دار حول الكعبة بحيث جعل الكعبة على يساره، "فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً".
* * *
1851 -
وسُئِلَ ابن عُمر عَنْ اسْتِلَامِ الحَجَر؛ قال: رأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ ويُقَبلُهُ.
"وسئل ابن عمر عن استلام الحجر فاستلمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله" والاستلام: أن يتناوله بلمس أو تقبيل أو إدراكِ بعضٍ، والحجر للبيت بمثابة اليد اليمنى يَسُوغُ تقبيله للوافدين إليه تعظيماً له.
* * *
1852 -
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إلَّا الرّكنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ.
"وقال ابن عمر رضي الله عنه لم أر النبيَّ عليه الصلاة والسلام يستلم من البيت إلَّا الركنين اليمانيين": هما الركن الأسود والركن اليماني، وإنَّما قيل: اليمانيان؛ للتغليب، خصَّهما بالاستلام لبقائهما على بناء إبراهيم، دون الركنين الآخرين يقال لهما: الشاميان.
* * *
1853 -
وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: طافَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَداعِ على بَعِيرٍ
يَسْتَلِمُ الرُّكنَ بِمِحْجَنٍ.
"وقال ابن عباس رضي الله عنهما طافَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن"؛ أي: الحجر الأسود.
"بمحجن"؛ أي: بعصاً معوجِّ الرأس مثل الصولجان.
* * *
1854 -
وعنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طَافَ بالبَيْتِ على بَعِيرٍ كلَّمَا أَتَي على الرُّكنِ أَشَارَ بشيءٍ في يَدِهِ، وكبَّرَ.
"وعنه: أن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت على بعير، كلما أتى على الركن أشار بشيء في يده وكبَّر" الحديث يدل على جواز الطواف راكبًا، ولكن المشي أفضل.
* * *
1855 -
وعن أبي الطُّفَيْل رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بالبَيتِ، ويَسْتَلِمُ الرُّكنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، ويُقَبلُ المِحْجَنَ.
"وعن أبي الطفيل أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" وفيه من التعظيم ما ليس في تقبيل اليد؛ لأنَّه أقرب إلى التواضع، وأبعدُ من تهمة الترفُع، وفيه دليل على أن العاجز عن الاستلام بيده له ذلك بعصاً وسوطٍ ونحوِهما، وله تقبيل ذلك الشيء.
* * *
1856 -
وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لا نَذْكُرُ إلَّا
الحَجَّ، فلمَّا كُنّا بِسَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأَنا أَبْكِي، فقالَ:"لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ "، قلتُ: نعم، قال:"فإنَّ ذلكَ شيءٌ كتبَهُ الله على بناتِ آدَمَ، فاَفْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيْرَ أن لا تَطُوفي بالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي".
"وقالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع النَّبيّ عليه الصلاة والسلام لا نذكر إلَّا الحج"؛ أي: لا ننوي ولا نُحرِمُ إلَّا بالحج.
"فلما كُنَّا بسَرِف" بفتح السِّين وكسر الراء المهملتين: اسم موضع بمكة على ستة أميال، وقيل: سبعة، وقيل: عشرة، وهو منصرِفٌ على تأويل المكان، وغيرُ منصرفٍ على تأويل البقعة.
"طَمِثْتُ" بفتح الطاء وكسر الميم؛ أي: حِضْتُ.
"فدخل النَّبيّ عليه الصلاة والسلام وأنا أبكي، قال: لعلك نَفِسْتِ؟ " بفتح النون وكسر الفاء؛ بمعنى: حضت.
"قلت: نعم، قال: فإنَّ ذلك شيء كتبه الله تعالى عليّ بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاجُّ غَيرَ أن لا تطوفِي بالبيت حتَّى تطهري" يدل على أن للحائض أن تأتي بمناسك الحج إلَّا الطواف، فإنَّه لا يجوز بدون الطهارة.
* * *
1857 -
وقال أبو هريرةَ رضي الله عنه: بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ رضي الله عنه في الحَجَّةِ التي أَمَّرَهُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا قبْلَ حَجَةِ الوَداعِ يَوْمَ النَّحْرِ في رَهْطٍ يُؤَذِّن في النَّاسِ: أَلا لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيانٌ.
"وقال أبو هريرة رضي الله عنه: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره النَّبيّ عليه الصلاة والسلام عليها، بتشديد الميم؛ أي: جعله أميرًا على القافلة في السنة التاسعة "قبل حَجة الوداع" بفتح الحاء وكسرها.
"يوم النحر" منصوب على الظرفية لـ (بعثني)، "في رهط" متعلِّقٌ به.
"يؤذِّن" بصيغة الغائب، والضمير راجع إلى الرهط باعتبار اللفظ، ويجوز أن يكون لأبي هريرة على الالتفات؛ أي: يُعْلِم "في النَّاس" ويروى على صيغة المتكلم.
"ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان": وكانوا في الجاهلية يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا فيها.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1858 -
سُئِلَ جابر رضي الله عنه عَنِ الرَّجُلِ يَرى البَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟، قال: قد حَجَجْنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نكُنْ نفعَلُهُ.
"من الحسان":
" سئل جابر رضي الله عنه عن الرجل يرى البيتَ" حال من الرجل، وكذا "يرفع يديه" قال: قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله"؛ أي: لم يكن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند رؤية الكعبة، وبهذا قال أبو حنيفة والشّافعيّ ومالك رحمهم الله تعالى.
* * *
1859 -
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: أَقْبَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فدخلَ مَكَّةَ، فأَقْبَلَ إلى الحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طافَ بالبَيْتِ، ثُمَّ أتى الصَّفَا، فَعَلاهُ حتَّى ينْظُرَ إلى البَيْتِ، فرفعَ يَدَيْهِ، فجعَلَ يذكُرُ الله ما شاءَ ويدعُو.
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكّة، فأقبل إلى
الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا فعَلَاه حتَّى ينظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء ويدعو": وبهذا قال أحمد وسفيان الثوري.
* * *
1860 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطَّوَافُ حَولَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ إلَّا أَنكمْ تتكَلَّمُونَ فيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فيهِ فلا يَتكَلَّمَنَّ إلَّا بِخَيْرٍ"، ووقفَه الأكثَرون على ابن عباس.
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبيّ عليه الصلاة والسلام قال: الطواف حول البيت مثل الصَّلاة"؛ أي: في وجوب الطهارة عن الحدث والخبب وستر العورة.
"إلَّا أنكم تتكلمون فيه" يجوز أن يكون الاستثناء متصلاً؛ أي: إلَّا في التكلم، وأن يكون منقطعاً؛ أي: لكن رخِّص لكم التكلُّم فيه.
"فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير""وقفه الأكثرون على ابن عباس".
* * *
1861 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَياضاً مِنَ اللَّبن، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بني آدَمَ" صحيح.
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل الحجر الأسود من الجنة، وفي بعض النسخ:(حجر الأسود) بالإضافة، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وهذا يجوز حمله على ظاهره، ويجوز التأويل بأنه أراد به مشاركتَه لجواهر الجنة في الكرامة كأنه نزل منها.
"وهو أشد بياضاً من اللبن"؛ يعني: أنه كان من الصفاء والنورانية على هذا النعت.
"فسوَّدته خطايا بني آدم" معناه: ذنوب الزائرين بيت الله انتقلت منهم إلى الحجر فصار أسود، كما جاء في الحديث:"إن مسح الحجر الأسود ينفي الذنوب" وهذا شيء يقبله المؤمن بالإيمان تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام، وفيه تنبيهٌ على أن الخطايا تؤثر في الجماد فتجعلُ المبيضَّ منه مسوداً، فكيف بقلوبكم؟!.
"صحيح".
* * *
1862 -
وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحَجَرِ: "والله لَيَبْعَثنَّهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يبْصِرُ بِهِمَا، ولسانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ على مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ، وعلى مَنِ استلَمَهُ بغير حقٍّ".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به يشهد على مَن استلمه"(على) هاهنا بمعنى اللام.
"بحق"؛ أي: بتعظيم وإحترام.
"وعلى من استلمه بغير حق"؛ أي: باستهزاء واستخفاف، والنطقُ - بعد أن كان جماداً لا حياة فيه - ليميز بين المشهود له وعليه من زوَّاره، ولا امتناع فيه لأنَّه تعالى قادر على جميع الممكنات.
* * *
1863 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الرُّكْنَ والمَقَامَ ياقُوتتَانِ مِنْ ياقُوتِ الجَنَّةِ طَمَسَ الله نُورَهُمَا، ولَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهما لأَضَاءَا مَا بين المَشْرِقِ والمَغْرِبِ".
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الرُّكنَ والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة" والتأويل: أن فضلهما على سائر الأحجار كفضل ياقوت الجنة الباقية على ياقوت هذه الدُّنيا الفانية، وهذا لامتناع تبدُّل ما احتوت عليه الجنة وزوالِه.
"طمس الله"؛ أي: أذهب.
"نورهما" ليكون الإيمان بهما بالغيب، لأنَّه لو لم يطمس نورهما لكان الإيمان بهما إيماناً بالشهادة، والموجِبُ للثواب هو الإيمان بالغيب.
"ولو لم يطمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب".
* * *
1864 -
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما: أنَّهُ كانَ يُزَاحِمُ على الرُّكْنَيْنِ، وقال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ مَسْحَهُمَا كَفارَةٌ لِلخَطايَا" وسَمِعَتْهُ يقولُ: "مَنْ طافَ بهذا البيتِ أُسْبوعاً يُحْصِيهِ، فيُصَلِّي ركعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، وما وَضَعَ رَجُلٌ قَدَماً ولا رَفَعَهَا إلَّا كتَبَ الله لَهُ بها حَسَنَةً، ومَحَا عَنْهُ بِهَا سَيئَةً ورَفَع لَهُ بها دَرَجَةً".
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزاحم" على بناء الفاعل.
"على الركنين"؛ أي: اليمانيين، يعني: يُوْقع نفسه بين الخلق المجتمعِ عند الحجر الأسود والركن اليماني حتَّى يتمسَّح بهما.
"وقال: سمعت رسول الله يقول؟ إن مسحهما كفارةٌ للخطايا، وسمعته
يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعاً"؛ أي: سبعة أيام متوالية بحيث "يحصيه"؛ أي: يعدُّه ولا يترك بين الأيام السبعة يوماً.
"وصلَّى" إثر طوافِ كلّ يوم "ركعتين، كان كعتق رقبة" وقيل: أسبوعًا؛ أي: سبعاً.
"وما وضع رجلٌ قدماً ولا رفعها إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة".
* * *
1865 -
عن عبد الله بن السَّائب رضي الله عنه: أنَّهُ سَمعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ فيما بينَ رُكْنِ بني جُمَع والرُّكْنِ الأَسْوَد: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ".
"عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول: فيما بين ركن بني جُمَح" بضم الجيم وفتح الميم: بطنٌ من قريش، أراد به الركن اليماني، وإضافته إليهم لأن مساكنهم كانت من ذلك الشق.
"والركن الأسود" هو الحجر الأسود.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
* * *
1866 -
عن صَفِيةَ بنت شَيْبَة قالتْ: أخْبَرتْنِي بنتُ أَبي تُجْراةَ قالتْ: دَخَلْتُ مع نِسْوَة مِنْ قُرَيْشٍ دارَ آلِ أبي حُسِيْنٍ ننظُرُ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى وإنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شدَّةِ السَّعِي، وسَمِعْتُهُ يقولُ:"اسْعُوْا، فإنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ".
"عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني بنت أبي تُجْراة" بضم التاء وسكون الجيم.
"قالت: دخلتُ مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر" بصيغة المتكلم.
"إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأينه يسعى وإن مئزره ليدور" حول رجليه ويلتف بهما "من شدة السعي، وسمعته يقول: اسعوا فإن الله كتب"؛ أي: فرض "عليكم السعي" بين الصفا والمروة، ومَن لم يَسْعَ لم يصحَّ حجّه عند الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: هو تطوُّعٌ، وعنه أنه واجب.
* * *
1867 -
عن قُدَامَةَ بن عبد الله بن عَمَّارٍ قال: رَأَيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ على بَعِيرٍ، لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ، ولا إلَيْكَ إلَيْكَ.
"عن قدامة بن عبد الله بن عمار رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة على بعير لا ضرب" هناك "ولا طرد"؛ أي: لم يكونوا يضربون الناس ولا يطردونهم.
"ولا" قول: "إليك إليك" اسم فعل؛ أي: ابعد عني، كما هو عادة الملوك والجبابرة، بل يمشي عنده مَن شاء من الفقير والغني.
* * *
1868 -
عن ابن يَعْلَى، عن أبيه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ بالبَيْتِ مُضْطَبعاً ببُرْدٍ أَخْضَرَ.
"وعن يعلى بن أمية: أن النبي عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت