الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدولة المرابطية
الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها
قد تقدم لنا عِنْد الْكَلَام على نسب البربر وشعوبها أَن صنهاجة إِحْدَى قبائل البرانس من البربر وَأَنَّهُمْ أعظم قبائلها بالمغرب لَا يكَاد قطر من أقطاره يَخْلُو من بطن من بطونهم فِي جبل أَو بسيط حَتَّى زعم كثير من النَّاس أَنهم ثلث البربر
وَتقدم لنا أَن النسابين من الْعَرَب زَعَمُوا أَن صنهاجة وكتامة من حمير خَلفهم الْملك إفريقيش بالمغرب فاستحالت لغتهم إِلَى البربرية وَالتَّحْقِيق خلاف ذَلِك وَأَنَّهُمْ من كنعان بن حام كَسَائِر البربر وَتَحْت صنهاجة قبائل كَثِيرَة تَنْتَهِي إِلَى السّبْعين مِنْهُم لمتونة وكدالة ومسوفة ومسراته ومداسة وَبَنُو وَارِث وَبَنُو دحير وَبَنُو زِيَاد وَبَنُو مُوسَى وَبَنُو فشتال وَغير ذَلِك وَتَحْت هَذِه الْقَبَائِل بطُون وأفخاذ تفوت الْحصْر
وَكَانَت لَهُم بالمغرب دولتان عظيمتان إِحْدَاهمَا دولة بني زيري بن مُنَاد الصنهاجيين بإفريقية ورثوا ملكهَا من يَد الشِّيعَة العبيديين وَالْأُخْرَى دولة الملثمين بالمغرب الْأَقْصَى والأوسط والأندلس كَمَا سَيَأْتِي
وموطن هَؤُلَاءِ الملثمين أَرض الصَّحرَاء والرمال الجنوبية فِيمَا بَين بِلَاد البربر وبلاد السودَان ومساحة أَرضهم نَحْو سَبْعَة أشهر طولا فِي أَرْبَعَة عرضا وَفِيهِمْ قوما لَا يعْرفُونَ حرثا وَلَا زرعا وَلَا فَاكِهَة وَإِنَّمَا أَمْوَالهم الْأَنْعَام وعيشهم اللَّحْم وَاللَّبن يُقيم أحدهم عمره لَا يَأْكُل خبْزًا إِلَّا أَن يمر ببلادهم التُّجَّار فيتحفونهم بالخبز والدقيق وَإِنَّمَا قيل لَهُم الملثمون لأَنهم
يتلثمون وَلَا يكشفون وُجُوههم أصلا
قَالَ ابْن خلكان اللثام سنة لَهُم يتوارثونها خلفا عَن سلف وَسبب ذَلِك على مَا قيل إِن حمير كَانَت تتلثم لشدَّة الْحر وَالْبرد تَفْعَلهُ الْخَواص مِنْهُم فَكثر ذَلِك حَتَّى صَار تَفْعَلهُ عامتهم وَقيل كَانَ سَببه أَن قوما من أعدائهم كَانُوا يقصدون غفلتهم إِذا غَابُوا عَن بُيُوتهم فيطرقون الْحَيّ فَيَأْخُذُونَ المَال والحريم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بعض مشايخهم أَن يبعثوا النِّسَاء فِي زِيّ الرِّجَال إِلَى نَاحيَة ويقعدوا هم فِي الْبيُوت مُتَلَثِّمِينَ فِي زِيّ النِّسَاء فَإِذا أَتَاهُم الْعَدو وظنوهم نسَاء خَرجُوا عَلَيْهِم فَفَعَلُوا ذَلِك وثاروا عَلَيْهِم بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُمْ فلزموا اللثام تبركا بِهِ بِمَا حصل لَهُم من الظفر بالعدو
وَقَالَ عز الدّين ابْن الْأَثِير فِي كَامِله مَا مِثَاله وَقيل إِن سَبَب تلثمهم أَن طَائِفَة من لمتونة خَرجُوا مغيرين على عَدو لَهُم فخالفهم الْعَدو إِلَى بُيُوتهم وَلم يكن بهَا إِلَّا الْمَشَايِخ وَالصبيان وَالنِّسَاء فَلَمَّا تحقق الْمَشَايِخ أَنه الْعَدو أمروا النِّسَاء أَن يلبسن ثِيَاب الرجل ويتلثمن ويضيقنه حَتَّى لَا يعرفن ويلبسن السِّلَاح ففعلن ذَلِك وَتقدم الْمَشَايِخ وَالصبيان أمامهن واستدار النِّسَاء بِالْبُيُوتِ فَلَمَّا أشرف الْعَدو رأى جمعا عَظِيما فَظَنهُ رجَالًا وَقَالُوا هَؤُلَاءِ عِنْد حريمهم يُقَاتلُون عَنْهُن قتال الْمَوْت والرأي أَن نسوق النعم ونمضي فَإِن اتبعونا قاتلناهم خَارِجا عَن حريمهم فَبَيْنَمَا هم فِي جمع النعم من المراعي إِذْ أقبل رجال إِلَى الْحَيّ فَبَقيَ الْعَدو بَينهم وَبَين النِّسَاء فَقتلُوا من الْعَدو خلقا كثيرا وَكَانَ من قتل النِّسَاء أَكثر فَمن ذَلِك الْوَقْت جعلُوا اللثام سنة يلازمونه فَلَا يعرف الشَّيْخ من الشَّاب وَلَا يزيلونه لَيْلًا وَلَا نَهَارا
وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو مُحَمَّد بن حَامِد الْكَاتِب
(قوم لَهُم شرف الْعلَا من حمير
…
وَإِذا انتموا صنهاجة فهم هم)
(لما حووا أحراز كل فَضِيلَة
…
غلب الْحيَاء عَلَيْهِم فتلثموا)
وَقَالَ ابْن خلدون كَانَ دين صنهاجة أهل اللثام الْمَجُوسِيَّة شَأْن برابرة