المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نكبة الوزير ابن عطية والسبب فيها - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌نكبة الوزير ابن عطية والسبب فيها

‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

كَانَ الْوَزير أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عَطِيَّة من أهل مراكش وَأَصله الْقَدِيم من طرطوشة ثمَّ بعد من دانية

وَكَانَ أَبوهُ أَبُو أَحْمد بن عَطِيَّة كَاتبا لأمير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف اللمتوني ثمَّ لِابْنِهِ تاشفين من بعده وَتحصل فِي قَبْضَة الْمُوَحِّدين فَعَفَا عَنهُ عبد الْمُؤمن

وَلما حاصر عبد الْمُؤمن فاسا اعتزم أَبُو أَحْمد هَذَا الْفِرَار فتقبض عَلَيْهِ فِي طَرِيقه وسيق إِلَى عبد الْمُؤمن فَاعْتَذر فَلم يقبل عبد الْمُؤمن عذره وسحب إِلَى مصرعه فَقتل رحمه الله

وَكَانَ ابْنه أَبُو جَعْفَر صَاحب التَّرْجَمَة كَاتبا لإسحاق بن عَليّ اللمتوني بمراكش فشمله عَفْو أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَن شَمله من ذَلِك الفل

وَخرج فِي جملَة الشَّيْخ أبي حَفْص الهنتاتي حِين نَهَضَ لقِتَال مُحَمَّد بن هود الماسي

فَلَمَّا كَانَ الْفَتْح وَكتب رسَالَته الْمُتَقَدّمَة وقف عَلَيْهَا عبد الْمُؤمن فاستحسنها واستكتبه لذَلِك ثمَّ ارْتَفَعت مكانته عِنْده فاستوزره فَظهر غناؤه وكفايته وحمدت سيرته وإدارته وقاد العساكر وَجمع الْأَمْوَال وبذلها وَبعد فِي الدولة صيته ونال من الرُّتْبَة عِنْد السُّلْطَان مَا لم ينله أحد فِي دولته وتحبب إِلَى النَّاس بإجمال السَّعْي وَالْإِحْسَان فعمت صنائعه وَفَشَا معروفه وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة مبخت المحاولات ناجح المساعي سعيد المآخذ ميسر المآرب وَكَانَت وزارته زينا للْوَقْت وكمالا للدولة رحمه الله

ثمَّ لما كَانَت سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَفد أَشْيَاخ إشبيلية على عبد الْمُؤمن وَرَغبُوا مِنْهُ فِي ولَايَة بعض أبنائه عَلَيْهِم فعقد لِابْنِهِ السَّيِّد أبي يَعْقُوب عَلَيْهَا وَبعث مَعَه لوزير ابْن عَطِيَّة الْمَذْكُور لمباشرة الْأُمُور وَإِصْلَاح الْأَحْوَال فأغنى فِي ذَلِك الْغناء الْجَمِيل

وَلما غَابَ وَجهه عَن الحضرة وجد حساده السَّبِيل إِلَى التَّدْبِير عَلَيْهِ

ص: 131

وَالسَّعْي بِهِ حَتَّى أوغروا صدر الْخَلِيفَة عَلَيْهِ فاستوزر عبد السَّلَام بن مُحَمَّد الكومي وانبرى لمطالبة ابْن عَطِيَّة وجد فِي التمَاس عوراته وتشنيع سقطاته وطرحت بِمَجْلِس السُّلْطَان أَبْيَات مِنْهَا

(قل للْإِمَام أَطَالَ الله مدَّته

قولا تبين لذِي لب حقائقه)

(إِن الزراجين قوم قد وترتهم

وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه)

(وللوزير إِلَى آرائهم ميل

فَذَاك مَا كثرت فيهم علائقه)

(فبادر الحزم فِي إطفاء نارهم

فَرُبمَا عَاق من أَمر عوائقه)

(هم الْعَدو وَمن والاهم كهم

فاحذر عَدوك وَاحْذَرْ من يصادقه)

(الله يعلم أَنِّي نَاصح لكم

وَالْحق أَبْلَج لَا تخفى طرائقه)

قَالُوا فَلَمَّا وقف عبد الْمُؤمن على هَذِه الأبيات البليغة فِي مَعْنَاهَا وغر صَدره على وزيره أبي جَعْفَر وأضمر لَهُ فِي نَفسه شرا فَكَانَ ذَلِك من أقوى أَسبَاب نكبته وَقيل أفْضى إِلَيْهِ بسر فأفشاه

وانْتهى ذَلِك كُله إِلَى أبي جَعْفَر وَهُوَ بالأندلس فقلق وَعجل الِانْصِرَاف إِلَى مراكش فحجب عِنْده قومه ثمَّ قيد إِلَى الْمَسْجِد فِي الْيَوْم بعده حاسر الْعِمَامَة واستحضر النَّاس على طبقاتهم وقرروا على مَا يعلمُونَ من أمره وَمَا صَار إِلَيْهِ مِنْهُم فَأجَاب كل بِمَا اقْتَضَاهُ هَوَاهُ وَأمر بسجنه ولف مَعَه أَخُوهُ أَبُو عقيل عَطِيَّة وَتوجه فِي أثر ذَلِك عبد الْمُؤمن إِلَى زِيَارَة تربة الْمهْدي فاستصحبهما بِحَال ثقاف

وَصدر عَن أبي جَعْفَر فِي هَذِه الْحَرَكَة من لطائف الْآدَاب نظما ونثرا فِي سَبِيل التوسل بتربة إمَامهمْ الْمهْدي عجائب فَلم تَجِد شَيْئا مَعَ نُفُوذ الله تَعَالَى فِيهِ

وَلما انْصَرف من وجهته أعادهما مَعَه قَافِلًا إِلَى مراكش فَلَمَّا حَاذَى تاكمارت أنفذ الْأَمر بِقَتْلِهِمَا بالشعراء الْمُتَّصِلَة بالحصن على مقربة من الملاحة هُنَالك فمضيا لسبيلهما وَذَلِكَ فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة

وَمِمَّا خَاطب بِهِ الْوَزير الْمَذْكُور عبد الْمُؤمن مستعطفا لَهُ من رِسَالَة تغالى فِيهَا فغالته الْمنية وَلم ينل الأمنية وَهَذِه سنة الله تَعَالَى فِيمَن لَا يحترم

ص: 132

جناب الألوهية وَلم يحرص لِسَانه من الْوُقُوع فِيمَا يخدش فِي وَجه فضل الْأَنْبِيَاء على غَيرهم قَوْله سامحه الله تالله لَو أحاطت بِي كل خطية وَلم تنفك نَفسِي عَن الْخيرَات بطية حَتَّى سخرت بِمن فِي الْوُجُود وأنفت لآدَم من السُّجُود وَقلت إِن الله تَعَالَى لم يوحي فِي الْفلك إِلَى نوح وأبرمت لحطب نَار الْخَلِيل حبلا وبريت لقدار ثَمُود نبْلًا وحططت عَن يُونُس شَجَرَة اليقطين وَأوقدت مَعَ هامان على الطين وقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول فنبذتها وافتريت على الْعَذْرَاء البتول فقذفتها وكتبت صحيفَة القطيعة بدار الندوة وظاهرت الْأَحْزَاب بالقصوى من العدوة وأبغضت كل قرشي وأكرمت لأجل وَحشِي كل حبشِي وَقلت إِن بيعَة السَّقِيفَة لَا توجب إِمَامَة الْخَلِيفَة وشحذت شفرة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة واعتلقت من حِصَار الدَّار وَقتل أشمطها بشعبة وَقلت تقاتلوا رَغْبَة فِي الْأَبْيَض والأصفر وسفكوا الدِّمَاء على الثَّرِيد الأعفر وغادرت الْوَجْه من الهامة خضيبا وناولت من قرع سنّ الْحُسَيْن قَضِيبًا ثمَّ أتيت حَضْرَة الْمَعْصُوم لائذا ويقبر الإِمَام الْمهْدي عَائِدًا لأذن لمقالتي أَن تسمع وَتغْفر لي هَذِه الخطيئات أجمع مَعَ أَنِّي مقترف وبالذنب معترف

(فعفوا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن لنا

بِحمْل قُلُوب هدها الخفقان)

وَالسَّلَام على الْمقَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته

وَكتب مَعَ ابْن لَهُ صَغِير آخِرَة

(عطفا علينا أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد

بَان العزاء لفرط البث والحزن)

(قد أغرقتنا ذنُوب كلهَا لجج

وَرَحْمَة مِنْكُم أنجى من السفن)

(وصادفنا سِهَام كلنا غَرَض

وعطفة مِنْكُم أوفى من الجنن)

(هَيْهَات للخطب أَن تسطو حوادثه

بِمن أجارته رحماكم من المحن)

(من جَاءَ عنْدكُمْ يسْعَى على ثِقَة

بنصره لم يخف بطشا من الزَّمن)

(فالثوب يطهر عِنْد الْغسْل من درن

والطرف يرهص بعد الركض فِي سنَن)

(أَنْتُم بذلتم حَيَاة الْخلق كلهم

من دون من عَلَيْهِم لَا وَلَا أثمن)

(وَنحن من بعض من أحيت مكاركم

كلتا الحياتين من نفس وَمن بدن)

ص: 133

(وصبية كفراخ الْوَرق من صغر

لم يألفوا النوح فِي فرع وَلَا فنن)

(قد أوجدتهم أياد مِنْك سَابِقَة

وَالْكل لولاك لم يُوجد وَلم يكن)

فَوَقع عبد الْمُؤمن على هَذِه القصيدة الْآن وَقد عصيت قبل وَكنت من المفسدين

وَمِمَّا كتب بِهِ من السجْن

(أنوح على نَفسِي أم أنْتَظر الصفحا

فقد آن أَن تنسى الذُّنُوب وَأَن تمحى)

(فها أَنا فِي ليل من السخط حائر

وَلَا اهتدي حَتَّى أرى للرضا صبحا)

وامتحن عبد الْمُؤمن الشُّعَرَاء بهجو ابْن عَطِيَّة فَلَمَّا أسمعوه مَا قَالُوا أعرض عَنْهُم وَقَالَ ذهب ابْن عَطِيَّة وَذهب الْأَدَب مَعَه

وَكَانَ لأبي جَعْفَر أَخ اسْمه عَطِيَّة قتل مَعَه كَمَا قُلْنَا ولعطية هَذَا ابْن أديب كَاتب وَهُوَ أَبُو طَالب عقيل بن عَطِيَّة وَمن نظمه فِي رجل تعشق قينة كَانَت ورثت مَالا من مَوْلَاهَا فَكَانَت تنْفق عَلَيْهِ مِنْهُ فَلَمَّا فرغ المَال ملها

فَقَالَ أَبُو طَالب

(لَا تلحه إِن مل من حبها

فَلم يكن ذَلِك عَن ود)

(لما رَآهَا قد صفا مَا لَهَا

قَالَ صفا الوجد مَعَ الوجد)

ويروى أَن الْوَزير ابْن عَطِيَّة رحمه الله مر مَعَ الْخَلِيفَة عبد الْمُؤمن بِبَعْض طرق مراكش فأطلت جَارِيَة بارعة الْجمال من شباك فَقَالَ عبد الْمُؤمن

(قدت فُؤَادِي من الشباك إِذْ نظرت

)

فَقَالَ الْوَزير مجيزا لَهُ

(حوراء ترنو إِلَى العشاق بالمقل

)

فَقَالَ عبد الْمُؤمن

(كَأَنَّمَا لحظها فِي قلب عاشقها

)

فَقَالَ الْوَزير

(سيف الْمُؤَيد عبد الْمُؤمن بن عَليّ

)

وَلَا خَفَاء أَن هَذِه طبقَة عالية رحم الله الْجَمِيع بمنه

ص: 134