الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي سنة خمس وَسِتِّينَ بعْدهَا وَجه يُوسُف بن عبد الْمُؤمن أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا حَفْص إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد فَعبر الْبَحْر من قصر الْمجَاز إِلَى طريف فِي عشْرين ألفا من الْمُوَحِّدين والمتطوعة فَدَخَلُوا بِلَاد الْعَدو وَبعث السَّيِّد أَبُو حَفْص أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا سعيد إِلَى بطليوس فعقد الصُّلْح مَعَ الطاغية ابْن أذفونش وَهُوَ يَوْمئِذٍ أعظم مُلُوك فرنج الجزيرة وَانْصَرف ونهضوا جَمِيعًا إِلَى مرسية وَمَعَهُمْ إِبْرَاهِيم بن همشك كَانَ من قواد ابْن مردنيش فَنزع عَنهُ إِلَى الْمُوَحِّدين فحاصروا ابْن مردنيش الثائر بمرسية وأعمالها واستولوا على أَكثر بِلَاده واتصل الْخَبَر بالخليفة بمراكش وَقد خف إِلَى الْجِهَاد
وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِبِنَاء قنظرة تانسيفت وَكَانَ الشُّرُوع فِي بنائها يَوْم الْأَحَد ثَالِث صفر من السّنة الْمَذْكُورَة
الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد
لما اتَّصل بأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن مَا اتّفق لشقيقه السَّيِّد أبي حَفْص من الِاسْتِيلَاء على غَالب بِلَاد ابْن مردنيش وَظُهُور الْمُسلمين على عدوهم بهَا وَكَانَ بعض مُلُوك الفرنج بهَا لم يزَالُوا يشغبون على الْمُسلمين بالغارات على أَطْرَاف بِلَادهمْ تاقت نَفسه إِلَى العبور إِلَى بِلَاد الأندلس بِقصد إصْلَاح حَالهَا وَجِهَاد الْعَدو بهَا وَقد توافدت لَدَيْهِ وَهُوَ بمراكش جموع الْعَرَب من إفريقية صُحْبَة السَّيِّد أبي زَكَرِيَّا صَاحب بجاية وَالسَّيِّد أبي عمرَان صَاحب تلمسان
وَكَانَ يَوْم قدومهم عَلَيْهِ يَوْمًا مشهودا فاعترضهم وَسَائِر عساكرهم
ونهض إِلَى الأندلس فِي مائَة ألف من الْعَرَب والموحدين واستخلف على مراكش أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا عمرَان فاحتل بقرطبة سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ ارتحل بعْدهَا إِلَى إشبيلية ولقيه السَّيِّد أَبُو حَفْص هُنَالك منصرفا من بعض غَزَوَاته
وَلما نزل أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بإشبيلية خافه مُحَمَّد بن مردنيش وَحمل على قلبه فَمَرض وَمَات وَقيل إِن أمه سمته لِأَنَّهُ كَانَ قد أَسَاءَ إِلَى خواصه وكبراء دولته فنصحته فتهددها وخافت بطشه فَسَمتْهُ وَلما مَاتَ مُحَمَّد بن مردنيش جَاءَ أَوْلَاده وَإِخْوَته إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَهُوَ بإشبيلية فَسَلمُوا إِلَيْهِ جَمِيع بِلَاد شَرق الأندلس الَّتِي كَانَت لأبيهم فَأحْسن إِلَيْهِم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتزَوج أختهم وَأَصْبحُوا عِنْده فِي أعز منزلَة وصنع فِي وليمتها مهرجانا عَظِيما يقصر الْوَصْف عَنهُ
وَلما صفت لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف الأندلس خرج من إشبيلية غازيا بِلَاد الْعَدو فَنزل على مَدِينَة لَهُ تسمى وبذة فَأَقَامَ محاصرا لَهَا شهورا إِلَى أَن اشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحصار وعطشوا فراسلوه فِي تَسْلِيم الْمَدِينَة وَأَن يعطيهم الْأمان على نُفُوسهم فَامْتنعَ من ذَلِك فَلَمَّا اشْتَدَّ بهم الْعَطش سمع لَهُم فِي بعض اللَّيَالِي لغط عَظِيم وأصوات هائلة وَذَلِكَ أَنهم اجْتَمعُوا بأسرهم ودعوا الله تَعَالَى فَجَاءَهُمْ مطر عَظِيم مَلأ مَا كَانَ عِنْدهم من الصهاريج فارتووا وتقووا على الْمُسلمين فَانْصَرف عَنْهُم إِلَى إشبيلية بعد أَن هادنهم مُدَّة سبع سِنِين
فليعتبر الْوَاقِف على هَذِه الْقَضِيَّة وليعلم أَن هَؤُلَاءِ الْكفَّار جاحدون ينسبون إِلَى الله تَعَالَى مَا لَا يَلِيق بِهِ من التَّثْلِيث وأنواع الْكفْر وَمَعَ ذَلِك لما انْقَطع رجاؤهم وَرَجَعُوا إِلَيْهِ تَعَالَى بالاضطرار الصَّادِق رَحِمهم سُبْحَانَهُ وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ فَلَا يَنْبَغِي بعد هَذَا لِلْمُؤمنِ الموحد إِذا حصل فِي شدَّة أَن ييأس من رَحْمَة الله فَإِنَّهُ {لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} والسر فِي الِاضْطِرَار فَإِنَّهُ عِنْد أَرْبَاب البصائر هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي
إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا يَا مَوْلَانَا عنْدك من المرحومين وَاجعَل كل من يَرْحَمنَا عنْدك من المرحومين فَأَنت أهل ذَلِك والقادر عَلَيْهِ
ثمَّ بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ خُرُوج الْعَدو إِلَى أَرض الْمُسلمين مَعَ القومس الأحدب فَخرج إِلَيْهِم وأوقع بهم بِنَاحِيَة قلعة رَبَاح وأثخن فيهم وَرجع إِلَى إشبيلية
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة شرع أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فِي بِنَاء جَامع إشبيلية فتم وَصليت بِهِ الْجُمُعَة فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا
وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا عقد أَمِير الْمُؤمنِينَ الجسر على وَادي إشبيلية بالقوارب وَبنى قصبتها الداخلية وَبنى الزلاليق للسور وَبنى سور بَاب جَوْهَر وَبنى الرصفان المتدرجة بضفتي الْوَادي وجلب المَاء من قلعة جَابر حَتَّى أدخلهُ إشبيلية وَأنْفق فِي ذَلِك أَمْوَالًا لَا تحصى
ثمَّ انْتقض ابْن أذفونش وأغار على بِلَاد الْمُسلمين فاحتشد الْخَلِيفَة وسرح السَّيِّد أَبَا حَفْص إِلَيْهِ فغزاه بعقر دَاره وافتتح قنصرة بِالسَّيْفِ وَهزمَ جموعه فِي كل جِهَة
ثمَّ ارتحل الْخَلِيفَة من إشبيلية رَاجعا إِلَى مراكش سنة إِحْدَى وَسبعين لخمس سِنِين من إِجَازَته إِلَى الأندلس وَعقد على قرطبة لِأَخِيهِ أبي الْحسن وعَلى إشبيلية لِأَخِيهِ أبي عَليّ
وَأصَاب مراكش طاعون فَهَلَك من السَّادة أَبُو عمرَان وَأَبُو سعيد وَأَبُو زَكَرِيَّا وَقدم الشَّيْخ أَبُو حَفْص الهنتاتي من قرطبة فَهَلَك فِي طَرِيقه وَدفن بِمَدِينَة سلا وَهُوَ جد الْمُلُوك الحفصيين أَصْحَاب تونس وإفريقية
واستدعى الْخَلِيفَة أَخَوَيْهِ السيدين أَبَا عَليّ وَأَبا الْحسن فعقد لأبي عَليّ على سجلماسة وَرجع أَبُو الْحسن إِلَى قرطبة وَعقد لِابْني أَخِيه السَّيِّد أبي حَفْص لأبي زيد مِنْهُمَا على غرناطة وَلأبي مُحَمَّد على مالقة