المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن انتقال العرب من جزيرتهم إلى ارض إفريقية ثم منها إلى المغرب الأقصى والسبب في ذلك - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌الخبر عن انتقال العرب من جزيرتهم إلى ارض إفريقية ثم منها إلى المغرب الأقصى والسبب في ذلك

أبي يُوسُف يَعْقُوب ابْن السَّيِّد أبي حَفْص عمر بن عبد الْمُؤمن فَلَقِيَهُمْ ابْن غانية فِي جموعه فانتصر عَلَيْهِم وَانْهَزَمَ الموحدون وَقبل جمَاعَة من وُجُوههم وَأسر عَليّ بن الروبرتير فِي آخَرين وامتلأت أَيدي الْعَرَب من أثاثهم وأسلابهم

وَوصل سرعَان النَّاس إِلَى الْمَنْصُور وَهُوَ بتونس فَنَهَضَ إِلَيْهِم فِي الْحَال وَنزل القيروان ثمَّ أغذ السّير إِلَى الحامة فَالتقى الْجَمْعَانِ وأنشبوا الْحَرْب فَكَانَت الْهَزِيمَة على ابْن غانية وأحزابه وأفلت من المعركة بذماء نَفسه وَمَعَهُ خَلِيله قراقوش وأتى الْقَتْل على أَكْثَرهم

ثمَّ صبح الْمَنْصُور مَدِينَة قابس وَكَانَت فِي يَد قراقوش فافتتحها وَنقل من كَانَ بهَا من حرم ابْن غانية وَذَوِيهِ فِي الْبَحْر إِلَى تونس وثنى الْعَنَان إِلَى توزر فافتتحها وَقتل من وجد بهَا ثمَّ إِلَى قفصة فنازلها أَيَّامًا حَتَّى نزلُوا على حكمه فَقتل من كَانَ بهَا من الحشود وَهدم سورها واستبقى أَهلهَا وَجعل أملاكهم بِأَيْدِيهِم على حكم الْمُسَاقَاة

وَلما فرغ من أَمر قفصة نَهَضَ إِلَى عرب إفريقية ففتك بهم واستباح حللهم وَأَمْوَالهمْ وشردهم فِي كل وَجه ثمَّ بعد ذَلِك جاؤوه تَائِبين خاضعين فَنقل أهل الْفِتْنَة وَالْخلاف مِنْهُم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَرجع إِلَى مراكش فَدَخلَهَا فِي رَجَب سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة

‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

أعلم أَن أَرض إفريقية وَالْمغْرب لم تكن للْعَرَب بوطن فِي الْأَيَّام السالفة لَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي صدر الْإِسْلَام وَإِنَّمَا كَانَ الْمغرب وطنا لأمة البربر خَاصَّة لَا يشاركهم فِيهِ غَيرهم

وَلما جَاءَت الْملَّة الإسلامية وأظهرها الله على الدّين كُله زحفت جيوش

ص: 161

الْمُسلمين من الْعَرَب إِلَى أَرض الْمغرب فِي جملَة مَا زحف إِلَيْهِ من أقطار الأَرْض لَكِن الْعَرَب الداخلون إِلَى أَرض الْمغرب فِي ذَلِك الْعَصْر إِنَّمَا كَانُوا يدْخلُونَ إِلَيْهِ غزَاة مجاهدين على ظُهُور خيولهم فيقضون الوطر من فتح الأقطار والأمصار ثمَّ يَنْقَلِب جمهورهم إِلَى وطنهم ومقرهم من جَزِيرَة الْعَرَب وَإِن بَقِي الْقَلِيل مِنْهُم بِهِ فَإِنَّمَا كَانُوا يستوطنون مِنْهُ الْأَمْصَار دون الْبَادِيَة ويسكنون الْقُصُور دون الْخيام فَلم تكن الْعَرَب تسكن الْمغرب يَوْمئِذٍ بقبائلهم وخيامهم وَلَا استوطنوه بأحيائهم وحللهم كَمَا هُوَ شَأْنهمْ الْيَوْم لِأَن الْملك الَّذِي حصل لَهُم والغلب الَّذِي مكنهم الله مِنْهُ كَانَ يمنعهُم من سُكْنى الْبَادِيَة ويعدل بهم إِلَى الحضارة وَلَا بُد فَكَانَت الْخَيْمَة بِأَرْض الْمغرب مَعْدُومَة رَأْسا أَو قَليلَة جدا لبَعض البربر مِمَّن كَانَ يتخذها مِنْهُم وهم قَلِيل وَإِنَّمَا كَانَ يسكن الْجُمْهُور مِنْهُم بالمداشر وكهوف الْجبَال وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أواسط الْمِائَة الْخَامِسَة فَدخلت الْعَرَب أَرض إفريقية واستوطنها بحللهم وخيامهم

ثمَّ لما كَانَت أَوَاخِر الْمِائَة السَّادِسَة فِي دولة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله نقل الْكثير مِنْهُم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى فاستوطنوه بحللهم وخيامهم كَذَلِك وَصَارَت أَرض الْمغرب منقسمة بَين أمتين أمة الْعَرَب أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَأمة البربر أهل اللِّسَان الْبَرْبَرِي بعد أَن كَانَت بِلَاده خَاصَّة بالبربر لَا يشاركهم فِيهَا غَيرهم كَمَا قُلْنَا

وَاعْلَم أَن أمة الْعَرَب تَنْقَسِم أَولا إِلَى قسمَيْنِ عدنان وقحطان ثمَّ يَنْقَسِم كل من عدنان وقحطان إِلَى شعبين عظيمين فَأَما عدنان وهم الإسماعيلية ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عليهما السلام فينقسمون إِلَى ربيعَة وَمُضر وَأما قحطان وهم اليمانية ذُرِّيَّة قحطان بن عَابِر بن شالح بن أرفخشد بن سَام بن نوح عليه السلام فينقسمون إِلَى حمير وكهلان هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف الْمَشْهُور من نسب الْفَرِيقَيْنِ وَقد يذكر النسابون لكل مِنْهُمَا شعوبا

ص: 162

أخر لَكنا لم نعتبرها إِمَّا لانقراضها أَو لقُوَّة الْخلاف فِيهَا أَو لقلتهَا جدا واندراجها فِيمَن ذَكرْنَاهُ.

ثمَّ يتشعب كل من هَذِه الشعوب الْأَرْبَعَة إِلَى قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ وفصائل لَا حصر لَهَا لكننا ننبه على الْغَرَض الْمَقْصُود مِنْهَا فَنَقُول من جملَة قبائل مُضر

بَنو سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر

وَمن قبائلها أَيْضا بَنو جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوازان بن مَنْصُور الْمَذْكُور فِي النّسَب السَّابِق وَقد نسبت الخنساء جشم هَذَا إِلَى جده فَقَالَت تهجو دُرَيْد بن الصمَّة

(معَاذ الله ينكحني حبركي

قصير الشبر من جشم بن بكر)

وَمن قبائلها أَيْضا بَنو هِلَال بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر الْمَذْكُور أَيْضا

وَمن جملَة قبائل كهلان القحطانيين بَنو الْحَارِث بن كَعْب بن عَمْرو بن عِلّة بن جلد بن مذْحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان وكهلان هُوَ ابْن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان

وَاعْلَم أَن هَؤُلَاءِ الْقَبَائِل الْأَرْبَعَة الَّتِي ذَكرنَاهَا هِيَ الَّتِي ذكر المؤرخون أَنَّهَا انْتَقَلت إِلَى أفريقية وَالْمغْرب وَقد يُضَاف إِلَيْهِم غَيرهم من قبائل الْعَرَب لكِنهمْ لَيْسُوا بمشهورين كالأربعة الْمَذْكُورَة

وَأما خبر دُخُولهمْ إِلَى الْمغرب وَالسَّبَب فِيهِ فقد ذكر المؤرخون أَن بني سليم بن مَنْصُور وَبني هِلَال بن عَامر لم يزَالُوا بِجَزِيرَة الْعَرَب بُرْهَة من الدَّهْر إِلَى أَن مضى الصَّدْر من دولة بني الْعَبَّاس وَكَانُوا أَحيَاء ناجعة بِأَرْض الْحجاز ونجد فبنوا سليم مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة المنورة وَبَنُو هِلَال فِي جبل غَزوَان عِنْد الطَّائِف ثمَّ تحيز بَنو سليم وَالْكثير من هِلَال بن عَامر إِلَى الْبَحْرين وعمان وصاروا جندا للقرامطة ثمَّ غلب القرامطة على بِلَاد الشَّام وظاهرهم على

ص: 163

ذَلِك بَنو سليم وَبَنُو هِلَال ثمَّ انْتَقَلت دولة العبيديين من إفريقية إِلَى مصر وغلبوا القرامطة على الشَّام وانتزعوه مِنْهُم وردوهم على أَعْقَابهم إِلَى الْبَحْرين ونقلوا أشياعهم من بني سليم وَبني هِلَال فأنزلوهم بصعيد مصر فِي العدوة الشرقية من بَحر النّيل فأقاموا هُنَالك وَكَانَ لَهُم أضرار بالبلاد وَلما انْتَقَلت الدولة العبيدية من إفريقية إِلَى مصر كَمَا قُلْنَا استنابوا على إفريقية بني زيري بن مُنَاد الصنهاجيين فملكوها وَكَانُوا يخطبون بملوك العبيديين على منابرهم ويضربون السِّكَّة بِأَسْمَائِهِمْ ويؤدون إِلَيْهِم إتاوة مَعْلُومَة وَطَاعَة مَعْرُوفَة

وَلما انساق ملك إفريقية إِلَى الْمعز بن باديس بن الْمَنْصُور بن بلكين بن زيري بن مُنَاد الصنهاجي كَانَ لَهُ رَغْبَة فِي مَذْهَب أهل السّنة خَالف فِيهِ أسلافه الَّذين كَانُوا على مَذْهَب الشِّيعَة الرافضة وَكَانَ الْخَلِيفَة من العبيديين بِمصْر يَوْمئِذٍ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه معد بن الظَّاهِر بن الْحَاكِم بن الْعَزِيز بن الْمعز لدين الله والمعز هَذَا هُوَ الَّذِي انْتقل إِلَى مصر وَبنى مَدِينَة الْقَاهِرَة

وَكَانَ الْمعز بن باديس الصنهاجي لَا تزَال المراسلات والهدايا تخْتَلف بَينه وَبَين الْمُسْتَنْصر العبيدي صَاحب مصر كَمَا كَانَت أسلافهما ثمَّ إِن الْمعز بن باديس ركب ذَات يَوْم لبَعض مذاهبه وَذَلِكَ فِي أول ولَايَته فكبا بِهِ فرسه فَنَادَى مستغيثا بالشيخين أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما فَسَمعته الْعَامَّة وَكَانَ جمهورهم سنيا فثاروا بالرافضة وقتلوهم أَبْرَح قتل وأعلنوا بالمعتقد الْحق وَنَادَوْا بشعار الْإِيمَان وَقَطعُوا من الْأَذَان حَيّ على خير الْعَمَل

وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة فِي أَيَّام الظَّاهِر العبيدي وَالِد الْمُسْتَنْصر فكاتب الْمعز بن باديس فِي ذَلِك فَاعْتَذر إِلَيْهِ بالعامة فأغضى عَنهُ

وَاسْتمرّ ابْن باديس على إِقَامَة الدعْوَة لَهُم والمهاداة مَعَهم وَهُوَ فِي أثْنَاء ذَلِك يُكَاتب وزيرهم الْقَائِم بِأُمُور دولتهم أَبَا الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد الجرجرائي ويستميله ويعرض ببني عبيد وشيعتهم ويغض مِنْهُم

ثمَّ هلك الْوَزير أَبُو الْقَاسِم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولي الوزارة

ص: 164

بعده أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ اليازوري أَصله من قرى فلسطين وَكَانَ أَبوهُ فلاحا بهَا فَلَمَّا ولي الوزارة خاطبه الْمعز بن باديس دون مَا كَانَ يُخَاطب بِهِ من قبله من الوزراء كَانَ يَقُول فِي كِتَابه إِلَيْهِم عبدكم وَصَارَ يَقُول فِي كتاب اليازوري صنيعتكم فحقد ذَلِك عَلَيْهِ وَصَارَت القوارص تسري من بَعضهم إِلَى بعض إِلَى أَن أظلم الجو بَين الْمعز بن باديس وَبَين الْمُسْتَنْصر العبيدي ووزيره اليازوري فَقطع ابْن باديس الْخطْبَة بهم على منابره سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وأحرق بنود الْمُسْتَنْصر ومحا اسْمه من السبكة والطرز ودعا للقائم العباسي خَليفَة بَغْدَاد وجاءه خطابه وَكتاب عَهده فقرئ بِجَامِع القيروان ونشرت الرَّايَات السود وهدمت دور الإسماعيلية

وَبلغ الْخَبَر بذلك كُله إِلَى الْمُسْتَنْصر بِالْقَاهِرَةِ فَقَامَتْ قِيَامَته ففاوض وزيره أَبَا مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ اليازوري فِي أَمر ابْن باديس فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يسرح لَهُ الْعَرَب من بني هِلَال وَبني جشم الَّذين بالصعيد وَأَن يتَقَدَّم إِلَيْهِم بالاصطناع ويستميل مشايخهم بالعطاء وتولية أَعمال إفريقية وتقليدهم أمرهَا بَدَلا من صنهاجة الَّذين بهَا لينصروا الشِّيعَة ويدافعوا عَنْهُم فَإِن صدقت المخيلة فِي ظفرهم بِابْن باديس وَقَومه صنهاجة كَانُوا أَوْلِيَاء للدولة وعمالا بِتِلْكَ القاصية وارتفع عدوانهم من ساحة الْخلَافَة وَإِن كَانَت الْأُخْرَى فلهَا مَا بعْدهَا وَأمر الْعَرَب على كل حَال أَهْون على الدولة من أَمر صنهاجة الْمُلُوك

فَبعث الْمُسْتَنْصر وزيره إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاء وأرضخ لأمرائهم فِي الْعَطاء وَوصل عامتهم بِبَعِير ودينار لكل وَاحِد مِنْهُم وأباح لَهُم إجَازَة النّيل وَقَالَ لَهُم قد أعطيناكم الْمغرب وَملك ابْن باديس العَبْد الآباق فَلَا تفتقرون بعْدهَا

وَكتب اليازوري إِلَى الْمعز أما بعد فقد أنفذنا إِلَيْكُم خيولا فحولا وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهَا رجَالًا كهولا ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا

فشرهت الْعَرَب إِذْ ذَاك وعبروا النّيل إِلَى برقة فنزلوا بهَا واستباحوها

ص: 165

وافتتحوا أمصارها وأعجبتهم الْبِلَاد فَكَتَبُوا لإخوانهم الَّذين بقوا شَرْقي النّيل يرغبونهم فِي الْبِلَاد فأجازوا إِلَيْهِم بعد أَن أعْطوا للمستنصر لكل رَأس دينارين فَأخذ مِنْهُم أَضْعَاف مَا أَخَذُوهُ وتقارعوا على الْبِلَاد فَحصل لبني سليم شرقها ولبني هِلَال غربها ثمَّ انتشروا فِي أقطار أفريقية مثل الْجَرَاد لَا يؤمرون بِشَيْء إِلَّا أَتَوا عَلَيْهِ

وَبِالْجُمْلَةِ فَلم تمر إِلَّا مُدَّة يسيرَة حَتَّى استولوا على ضواحي إفريقية ونازلوا أمصارها واقتضوا من أَهلهَا الإتاوة وحضروا ابْن باديس فِي مصره وصاهرهم ببناته تأليفا لَهُم وَمَعَ ذَلِك فَلم يجد شَيْئا والْحَدِيث فِي ذَلِك طَوِيل وَلَيْسَ تتبعه من غرضنا

قَالَ ابْن خلدون ولهؤلاء الهلاليين فِي الْحِكَايَة عَن دُخُولهمْ إِلَى إفريقية طرق يَزْعمُونَ أَن الشريف ابْن هَاشم كَانَ صَاحب الْحجاز وَمَكَّة ويسمونه شكر بن أبي الْفتُوح وَأَنه أصهر إِلَى الْحسن بن سرحان فِي أُخْته جازية فأنكحه إِيَّاهَا وَولدت مِنْهُ ولدا واسْمه مُحَمَّد وَإنَّهُ حدث بَينهم وَبَين الشريف الْمَذْكُور مغاضبة وفتنة فَأَجْمعُوا الرحلة عَن أَرض نجد إِلَى إفريقية وتحيلوا عَلَيْهِ فِي استرجاع أختهم جازية الْمَذْكُورَة فطالبته بزيارة أَبَوَيْهَا فأزارها إيَّاهُم وَخرج بهَا إِلَى حللهم وَأقَام مَعهَا مُدَّة الزِّيَارَة فارتحلوا بِهِ وَبهَا وكتموا رحلتهم عَنهُ وموهوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُم يباكرون بِهِ للصَّيْد والقنص وَيَرُوحُونَ بِهِ إِلَى بُيُوتهم بعد بنائها فَلم يشْعر بالرحلة إِلَى أَن فَارق مَوضِع ملكه وَصَارَ حَيْثُ لَا يملك أمرهَا عَلَيْهِم ففارقوه وَرجع إِلَى مَكَانَهُ من مَكَّة وَبَين جوانحه من حبها دَاء دخيل وَأَنَّهَا من بعد ذَلِك كلفت بِهِ مثل مَا كلف بهَا الى ان مَاتَت من حبه ويتناقلون من أَخْبَارهَا فِي ذَلِك مَا يعفي على خبر قيس وليلى ويروون كثيرا من أشعارها محكمَة المباني مثقفة الْأَطْرَاف وفيهَا المطبوع والمنتحل والمصنوع لم يفقد فِيهَا من البلاغة شَيْء وَإِنَّمَا فقد مِنْهَا الْإِعْرَاب فَقَط وَلَا مدْخل لَهُ فِي البلاغة

وَفِي هَذِه الْأَشْعَار شَيْء كثير دَخلته الصَّنْعَة وفقدت فِيهِ صِحَة الرِّوَايَة

ص: 166

فَلذَلِك لَا يوثق بِهِ وَلَو صحت رِوَايَته لكَانَتْ فِيهِ شَوَاهِد بآياتهم ووقائعهم مَعَ زناتة وحروبهم وَضبط لأسماء رجالاتهم وَكثير من أَحْوَالهم لَكنا لَا نثق بروايتها وَرُبمَا يشْعر الْبَصِير بالبلاغة بالمصنوع مِنْهَا وَغَيره وهم متفقون على الْخَبَر عَن حَال جازية هَذِه والشريف خلفا عَن سلف وجيلا عَن جيل ويكاد القادح فِيهَا والمستريب فِي أمرهَا أَن يرْمى عِنْدهم بالجنون لتواترها بَينهم

وَهَذَا الشريف الَّذِي يشيرون إِلَيْهِ هُوَ من الهواشم وَهُوَ شكر بن أبي الْفتُوح الْحسن بن جَعْفَر بن أبي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْأَكْبَر ابْن مُوسَى الثَّانِي ابْن عبد الله أبي الْكِرَام بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْكَامِل بن حسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

وَأَبُو الْفتُوح هُوَ الَّذِي خطب لنَفسِهِ بِمَكَّة أَيَّام الْحَاكِم العبيدي وَبَايع لَهُ بَنو الْجراح أُمَرَاء طيىء بِالشَّام وبعثوا عَنهُ فوصل إِلَى أحيائهم وَبَايع لَهُ كَافَّة الْعَرَب ثمَّ غلبتهم عَسَاكِر الْحَاكِم العبيدي وَرجع إِلَى مَكَّة وَهلك سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فولي بعده ابْنه شكر هَذَا وَهلك سنة ثَلَاث وَخمسين وَولي بعده ابْنه مُحَمَّد الَّذِي يزْعم هَؤُلَاءِ الهلاليون أَنه من جازية هَذِه

وَقَالَ ابْن حزم إِن شكر بن أبي الْفتُوح لم يُولد لَهُ قطّ وَإِنَّمَا صَار أَمر مَكَّة من بعده إِلَى عبد كَانَ لَهُ

وَقَالَ ابْن خلدون بل أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من الهلاليين لهَذَا الْعَهْد أَنه وقف على بِلَاد الشريف شكر بن أبي الْفتُوح وَأَنَّهَا بقْعَة من أَرض نجد مِمَّا يَلِي الْفُرَات وَإِن وَلَده بهَا لهَذَا الْعَهْد وَالله أعلم

وَاعْلَم أَن جازية بنت سرحان هَذِه كَانَت من بني دُرَيْد بن أثبج بن أبي ربيعَة بن نهيك بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة فَهِيَ هلالية أثبجية دريدية وَمن مزاعمهم أَنَّهَا لما صَارَت إِلَى إفريقية وَفَارَقت الشريف ابْن هَاشم الْمَذْكُور خَلفه عَلَيْهَا مِنْهُم ماضي بن مقرب من رجالات دُرَيْد فأقامت

ص: 167

عِنْده مُدَّة ثمَّ غاضبته وَلَحِقت بأخيها الْحسن بن سرحان فَمنعهَا مِنْهُ فَقَامَتْ عشيرة ماضي بن مقرب مَعَه وقاتلوا الْحسن بن سرحان وعشيرته وثارت الْفِتْنَة بَينهم وَقتل فِيهَا الْحسن بن سرحان واستمرت الْعَدَاوَة بَينهم إِلَى أَيَّام الْمُوَحِّدين فَهَذَا سَبَب انْتِقَال هَؤُلَاءِ الْعَرَب من الْحجاز ونجد إِلَى إفريقية

وَأما سَبَب انتقالهم من إفريقية إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى فقد ذكرنَا أَن بني سليم بن مَنْصُور وَبني هِلَال بن عَامر اقترعوا على بِلَاد إفريقية فَكَانَ لبني سليم شرقها ولبني هِلَال غربها ثمَّ تغلبُوا على ضواحيها وأمصارها وضايقوا مُلُوكهَا بهَا

وانضم إِلَى بني هِلَال بن عَامر بَنو جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر فعلت أَيْديهم على الْجَمِيع وَاسْتمرّ أَمرهم على ذَلِك إِلَى أَن كَانَت دولة يَعْقُوب الْمَنْصُور الموحدي رحمه الله وثار ابْن غانية بِبِلَاد إفريقية كَمَا تقدم فظاهرته الْعَرَب من جشم وهلال على الْمُوَحِّدين وأوقعوا بمقدمة الْمَنْصُور فَنَهَضَ إِلَيْهِم من تونس وأوقع بالملثمين أَولا ثمَّ بالعرب ثَانِيًا وَقل جمعهم وَاتبع آثَارهم إِلَى أَن شردهم إِلَى صحارى برقة وانتزع تِلْكَ الْبِلَاد من أَيْديهم ثمَّ راجعوا بصائرهم فَأتوهُ طائعين خاضعين حَسْبَمَا قدمنَا الْخَبَر عَن ذَلِك مُسْتَوفى

وَكَانَ الَّذين قَاتلُوهُ أَولا ثمَّ راجعوا طَاعَته ثَانِيًا هم قبائل هِلَال بن عَامر وجشم بن مُعَاوِيَة بن بكر كَمَا قُلْنَا وهم أَصْحَاب غرب إفريقية وَأما بَنو سليم بن مَنْصُور فَلم يقاتله مِنْهُم أحد فَلذَلِك بَقِي بَنو سليم بِأَرْض إفريقية

وَنقل الْمَنْصُور رحمه الله بني هِلَال وَبني جشم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى حِين أَتَوْهُ طائعين وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَأنْزل قَبيلَة ريَاح من بني هِلَال بِبِلَاد الهبط فِيمَا بَين قصر كتامة الْمَعْرُوف بِالْقصرِ الْكَبِير إِلَى أزغار الْبَسِيط الأفيح هُنَاكَ إِلَى سَاحل الْبَحْر الْأَخْضَر فاستقروا بهَا وطاب لَهُم الْمقَام وَأنزل قبائل جشم بِلَاد تامسنا الْبَسِيط الأفيح مَا بَين سلا

ص: 168

ومراكش وَهُوَ أَوسط بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وأبعدها عَن الثنايا المفضية إِلَى القفار لإحاطة جبل الدَّرن بهَا فَلم ييمموا بعْدهَا قفرا وَلَا أبعدوا رحْلَة

وَاعْلَم أَن هذَيْن البسيطين يسميان الْيَوْم فِي عرف عَامَّة أهل الْمغرب بالغرب والحوز فالغرب عبارَة عَن بِلَاد الهبط وأزغار وَمَا فِي حكمهَا والحوز عبارَة عَن بِلَاد تامسنا وَمَا اتَّصل بهَا إِلَى مراكش فَكَانَ لرياح بِلَاد الْمغرب وَكَانَ لجشم بِلَاد الْحَوْز

ثمَّ أعلم أَيْضا أَن قَبيلَة ريَاح هم بَنو ريَاح بن أبي ربيعَة بن نهيك بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة وهم بطُون كَثِيرَة وجلهم قد بَقِي بِأَرْض إفريقية وَالَّذين انتقلوا مِنْهُم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى كَانَ رئيسهم فِي ذَلِك الْعَصْر مَسْعُود بن سُلْطَان بن زِمَام الذوادي من بني ذواد بن مرداس بن ريَاح فَأَقَامَ مَعَهم مُدَّة ثمَّ جمع جمَاعَة من قومه وفر إِلَى إفريقية وَذَلِكَ فِي حُدُود التسعين وَخَمْسمِائة وأبدأ وَأعَاد هُنَالك فِي الإجلاب مَعَ الثوار إِلَى أَن هلك فِي بعض تِلْكَ الْمدَّة

وَأقَام الْبَاقُونَ بعد فرار كَبِيرهمْ مَسْعُود الْمَذْكُور بِبِلَاد الهبط وأزغار إِلَى أَن انقرضت دولة الْمُوَحِّدين وَكَانَ عُثْمَان بن نصر رئيسهم أَيَّام الْمَأْمُون الموحدي وَقَتله سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة

وَلما تغلب بَنو مرين على ضواحي الْمغرب ضرب الموحدون على ريَاح هَؤُلَاءِ الْبَعْث مَعَ عساكرهم فَقَامُوا بحماية ضواحيهم وانضم إِلَيْهِم بَنو عَسْكَر بن مُحَمَّد المرينيون حِين خالفوا إخْوَانهمْ بني حمامة بن مُحَمَّد سلف الْمُلُوك مِنْهُم فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ جَوْلَة قتل فِيهَا عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة أَبُو الْمُلُوك المرينيين وَقتل مَعَه ابْنه إِدْرِيس فأوجدت ريَاح السَّبِيل لبني مرين على أنفسهم فِي طلب الثأر فأثخنوا فيهم بعد أَن ملكوا الْمغرب واستلحموهم قتلا وسبيا مرّة بعد أُخْرَى

وَكَانَ آخر من أوقع بهم السُّلْطَان أَبُو ثَابت المريني سنة سبع وَسَبْعمائة تتبعهم بِالْقَتْلِ إِلَى أَن لَحِقُوا برؤوس الهضاب وأسنمه الرِّبَا المتوسطة فِي

ص: 169

المرج المستبحر بأزغار فصاروا إِلَى عدد قَلِيل وَلَحِقُوا بالقبائل الغارمة وَذَهَبت ريَاح أدراج الرِّيَاح هَذَا خبرهم على الْجُمْلَة

وَأما بَنو جشم أَصْحَاب تامسنا فَإِن الْمَنْصُور لما نقلهم إِلَيْهَا نقل مَعَهم قبائل أُخْرَى كَانُوا قد قَاتلُوهُ مَعَهم وَلم يَكُونُوا ن نسبهم وَلَكنهُمْ كَانُوا مندرجين فيهم فَكَانَ يُطلق على الْجَمِيع جشم وَهَؤُلَاء الْقَبَائِل هم الْمُقدم والعاصم من بني هِلَال بن عَامر ثمَّ من الأثبج مِنْهُم وقرة من بني هِلَال أَيْضا والخلط من بني عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر فَهَؤُلَاءِ الْقَبَائِل لَيْسُوا من جشم كَمَا ترى وَلَكنهُمْ لما انغمروا فيهم وانتقلوا إِلَى الْمغرب بانتقالهم أطلق على الْجَمِيع جشم

فَأَما الْمُقدم والعاصم فهما ابْنا مشرف بن أثبج بن أبي ربيعَة بن نهيك بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة وَأما قُرَّة فهم بَنو قُرَّة بن عبد منَاف بن أبي ربيعَة بن نهيك بن هِلَال فَهَؤُلَاءِ الْقَبَائِل الثَّلَاثَة أَعنِي الْمُقدم والعاصم وقرة هلاليون وَأما الْخَلْط فهم بطن من بني عقيل بِالتَّصْغِيرِ

قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ الْخَلْط بَنو عَوْف وَبَنُو مُعَاوِيَة ابْني المنتفق بن عَامر بن عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة الْمَذْكُور فِي الْأَنْسَاب الْمُتَقَدّمَة فقد بَان لَك بِهَذَا أَن هَذِه الْقَبَائِل الْأَرْبَع أَعنِي العاصم ومقدما وقرة والخلط لَيْسُوا من بني جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر من حَيْثُ النّسَب وَأَن الثَّلَاث الأول من بني هِلَال بن عَامر وَأَن الرَّابِعَة وَهِي الْخَلْط من بني عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر يجْتَمع الْجَمِيع كَمَا ذَكرْنَاهُ أَولا وَالله تَعَالَى أعلم

ولنتكلم الْآن على أَخْبَار جشم على الْجُمْلَة فَنَقُول لما نزل بَنو جشم ببسيط تامسنا أَقَامُوا بِهِ بُرْهَة من الدَّهْر ثمَّ تميز جمهورهم إِلَى العاصم ومقدم وَبني جَابر وسُفْيَان والخلط

فَأَما مقدم والعاصم فَكَانُوا مَعَ إخْوَانهمْ ببسيط تامسنا الْمَذْكُور وَكَانَ

ص: 170

للموحدين عَلَيْهِم عسكرة وجباية وَكَانَ شيخ العاصم لعهد الْمُوَحِّدين ثمَّ عهد الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور مِنْهُم حسن بن زيد وَكَانَ لَهُ أثر فِي الْفِتْنَة الَّتِي ثارت بَين الْمَأْمُون وَبَين يحيى بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور

وَلما هلك يحيى الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة أَمر الرشيد بن الْمَأْمُون بقتل حسن بن زيد الْمَذْكُور مَعَ قَائِد وقائد ابْني عَامر من شُيُوخ بني جَابر كل مِنْهُمَا اسْمه قَائِد فَقتلُوا جَمِيعًا

ثمَّ صَارَت الرياسة لأبي عياد وبنيه وَكَانَ رئيسهم لعهد بني مرين عياد بن أبي عياد وَكَانَ لَهُ تلون على الدولة فِي النفرة تَارَة والاستقامة أُخْرَى فر إِلَى تلمسان وَرجع مِنْهَا أَعْوَام تسعين وسِتمِائَة وفر إِلَى السوس وَرجع مِنْهُ سنة سبع وَسَبْعمائة وَلم يزل هَذَا دأبه وَكَانَت لَهُ ولَايَة مَعَ السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني من قبل ذَلِك ومقاماته فِي الْجِهَاد مَعَه مَذْكُورَة وَبقيت رياسته فِي بنيه إِلَى أَن انقرض أَمرهم وتلاشوا وَالله خير الْوَارِثين

وَأما بَنو جَابر بن جشم فَكَانَت لَهُم شَوْكَة أَيْضا وَكَانَ لَهُم أثر فِي الْفِتْنَة الناشئة بَين الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور وَيحيى بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور فَكَانُوا شيعَة ليحيى وَلما ولي الرشيد بن الْمَأْمُون أَمر بقتل قَائِد وقائد ابْني عَامر وهما يَوْمئِذٍ شَيخا بني جَابر فقتلا وَقتل مَعَهم حسن بن زيد شيخ العاصم كَمَا تقدم وَكَانُوا جَمِيعًا معتقلين عِنْد الرشيد

وَولي أَمر بني جَابر بعدهمَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن قيطون ثمَّ قبض عَلَيْهِ قَائِد الْمُوَحِّدين أَبُو الْحسن بن يَعْلُو وَكَانَ ذَلِك بِأَمْر أبي حَفْص المرتضى الموحدي وَولي رياسة بني جَابر بعده إِسْمَاعِيل بن يَعْقُوب بن قيطون ثمَّ تحيز بَنو جَابر هَؤُلَاءِ عَن أَحيَاء جشم إِلَى سفح الْجَبَل بتادلا وَمَا إِلَيْهَا يجاورون هُنَالك صناكة من البربر الساكنين بقنته وهضابه فيسهلون إِلَى الْبَسِيط تَارَة ويأوون إِلَى الْجَبَل فِي حلف البربر وجوارهم أُخْرَى إِذا دهمتهم مَخَافَة من السُّلْطَان

ص: 171

قَالَ ابْن خلدون والرياسة فيهم لهَذِهِ العصور يَعْنِي أَوَاخِر الْمِائَة الثَّامِنَة فِي ورديغة من بطونهم قَالَ أدْركْت شَيخا عَلَيْهِم لعهد السُّلْطَان أبي عنان حُسَيْن بن عَليّ الورديغي ثمَّ هلك وأقيم مقَامه ابْنه النَّاصِر بن حُسَيْن وَلحق بهم الْوَزير الْحسن بن عمر عِنْد نزوعه عَن السُّلْطَان أبي سَالم المريني سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة ونهضت إِلَيْهِم عَسَاكِر السُّلْطَان فأمكنوا مِنْهُ ثمَّ لحق بهم أَبُو الْفضل ابْن السُّلْطَان أبي سَالم عِنْد فراره من مراكش سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ونازله السُّلْطَان عبد العزيز المريني وأحاط بِهِ وبهم فلحق ببرابرة صناكة ثمَّ أمكنوا مِنْهُ على مَال حمل إِلَيْهِم وَلحق بهم أثْنَاء هَذِه الْفِتَن الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن المريني على عهد الْوَزير عمر بن عبد الله المتغلب على الْمغرب وَطَلَبه الْوَزير عمر فأخرجوه عَنْهُم وَطَالَ بذلك مراس النَّاصِر هَذَا للفتنة فنكرته الدولة وتقبضت عَلَيْهِ وأودعته السجْن فَمَكثَ فِيهِ سِنِين ثمَّ تجافت عَنهُ الدولة من بعد ذَلِك وأطلقته ثمَّ رَجَعَ من الْمشرق فتقبض عَلَيْهِ الْوَزير أَبُو بكر بن غَازِي المستبد بالمغرب على ولد السُّلْطَان عبد الْعَزِيز وأودعه السجْن ونقلوا الرياسة عَن بَيته إِلَى غَيرهم وَالله تَعَالَى مُقَلِّب الْأُمُور

وَقد يزْعم كثير من النَّاس أَن ورديغة من بني جَابر لَيْسُوا من جشم وَأَنَّهُمْ بطن من بطُون سدراته إِحْدَى شعوب لواتة من البربر ويستدلون على ذَلِك بموطنهم وجوارهم البربر وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك

وَأما سُفْيَان فهم الَّذين كَانَت لَهُم الرياسة والشوكة عِنْد دُخُول الْعَرَب إِلَى الْمغرب كَانَت رياستهم يَوْمئِذٍ فِي أَوْلَاد جرمون على سَائِر بطُون جشم واستمروا على ذَلِك سَائِر أَيَّام الْمُوَحِّدين وَلما ضعف أَمر بني عبد الْمُؤمن استكثروا بهم فِي حروبهم فَكَانَت لَهُم عزة ودالة على الدولة بِسَبَب الْكَثْرَة وَقرب الْعَهْد بالبداوة وخبوا وَوَضَعُوا فِي الْفِتَن مَعَ أعقاب الْمُلُوك من بني عبد الْمُؤمن المتنازعين على الْملك وظاهروا الْبَعْض مِنْهُم على الْبَعْض وَسَاءَتْ آثَارهم بالمغرب وَكَانَ شيخهم الْمَشْهُور على عهد يحيى بن النَّاصِر الموحدي

ص: 172

جرمون بن عِيسَى السفياني وَكَانَت بَينهم وَبَين الْخَلْط عَدَاوَة فَصَارَت الْخَلْط شيعَة لِلْمَأْمُونِ وبنيه وَصَارَت سُفْيَان بِسَبَب ذَلِك شيعَة ليحيى بن النَّاصِر مُنَازعَة فِي الْخلَافَة بمراكش ثمَّ قتل الرشيد ن الْمَأْمُون مَسْعُود بن حمدَان شيخ الْخَلْط رُبمَا نذْكر بعد فصاروا إِلَى يحيى بن النَّاصِر وَصَارَت سُفْيَان إِلَى الرشيد

ثمَّ ظهر بَنو مرين بالمغرب واتصلت حروبهم مَعَ الْمُوَحِّدين وَنزع جرمون سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة عَن الرشيد وَلحق بِمُحَمد بن عبد الْحق المريني حَيَاء مِمَّا وَقع لَهُ مَعَ الرشيد وَذَلِكَ أَنه نادمه ذَات لَيْلَة حَتَّى سكر فَقَامَ يرقص طَربا ثمَّ حمل عَلَيْهِ وَهُوَ سَكرَان وعربد وأساء الْأَدَب ثمَّ أَفَاق فندم وفر إِلَى مُحَمَّد بن عبد الْحق وَهلك سنة تسع وَثَلَاثِينَ بعْدهَا وَعلا كَعْب ابْنه كانون بن جرمون عِنْد السعيد بن الْمَأْمُون ثمَّ خَالف عَلَيْهِ عِنْد نهوضه إِلَى بني مرين سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَرجع إِلَى آزمور فملكها وفت ذَلِك فِي عضد السعيد فَرجع عَن حركته وَقصد كانون بن جرمون ففر أَمَامه ثمَّ حضر مَعَه بعد ذَلِك حركته إِلَى تلمسان وَقتل بحصن تامزردكت قبل مقتل السعيد بِيَوْم وَاحِد قتلته الْخَلْط فِي فتْنَة وَقعت بَينهم فِي محلّة السعيد وَهِي الَّتِي جرت عَلَيْهَا تِلْكَ الْوَاقِعَة

وَقَامَ بِأَمْر سُفْيَان من بعده أَخُوهُ يَعْقُوب بن جرمون وَقتل ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن كانون وَحضر مَعَ عمر المرتضى الموحدي حَرَكَة أَمَان أيملولين سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَرَحل يَعْقُوب عَن السُّلْطَان واختل عسكره بِسَبَب ذَلِك فَرجع وَاتبعهُ بَنو مرين فَكَانَت الْهَزِيمَة ثمَّ عَفا لَهُ المرتضى عَنْهَا ثمَّ قَتله مَسْعُود وَعلي ابْنا أَخِيه كانون بثأر أخيهما مُحَمَّد سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة ولحقا بِيَعْقُوب بن عبد الْحق المريني وَقدم المرتضى ابْنه عبد الرَّحْمَن فعجز عَن الْقيام بأَمْره فَقدم عَمه عبد الله بن جرمون فعجز أَيْضا فَقدم مَسْعُود بن كانون فَأَقَامَ شَيخا على سُفْيَان واستمرت حَالهم مَعَ الْمُوَحِّدين وَبني مرين على هَذَا النَّحْو من إخلاص الطَّاعَة والنصرة تَارَة والتمريض فيهمَا أُخْرَى

ص: 173

وَقَالَ ابْن خلدون واتصلت الرياسة على سُفْيَان فِي بني جرمون هَؤُلَاءِ إِلَى عهدنا قَالَ وَأدْركت شَيخا عَلَيْهِم لعهد السُّلْطَان أبي عنان يَعْقُوب بن عَليّ بن مَنْصُور بن عِيسَى بن يَعْقُوب بن جرمون بن عِيسَى

وَكَانَت سُفْيَان هَؤُلَاءِ أَحيَاء حلوا بأطراف تامسنا مِمَّا يَلِي آسفي وغلبتهم الْخَلْط على بسائطها الفسيحة وَبَقِي من أحيائهم الْحَارِث والكلابة ينتجعون أَرض السوس وقفاره وَيطْلبُونَ ضواحي بِلَاد حاحة من المصامدة فَبَقيت فيهم لذَلِك شدَّة وبأس ورياستهم فِي أَوْلَاد مُطَاع من الْحَارِث وَطَالَ عيثهم فِي ضواحي مراكش وإفسادهم فَلَمَّا استبد سُلْطَان مراكش الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن أبي يفلوسن المريني سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة كَمَا نذْكر استخلصهم وَرفع مَنْزِلَتهمْ ثمَّ استقدمهم فِي بعض أَيَّامه للعرض بخيلهم ورجلهم على الْعَادة وشيخهم يَوْمئِذٍ مَنْصُور بن يعِيش من أَوْلَاد مُطَاع فتقبض عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَقتل من قتل مِنْهُم وأودع الآخرين سجونه فَذَهَبُوا مثلا لآخرين وخضضت شوكتهم وَالله قَادر على مَا يَشَاء

وَأما الْخَلْط فقد كَانُوا ببسيط تامسنا أولي عدد وَقُوَّة وَكَانَ شيخهم هِلَال بن حميدان بن مقدم وَلما ولي الْعَادِل بن الْمَنْصُور الموحدي خالفوا عَلَيْهِ وهزموا عساكره وَبعث هِلَال بيعَته إِلَى الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَتَبعهُ الموحدون على ذَلِك ثمَّ جَاءَ الْمَأْمُون فظاهروه على أمره وتحيزت أعداؤهم إِلَى يحيى بن النَّاصِر منازعه وَلم يزل هِلَال بن حميدان مَعَ الْمَأْمُون الى أَن هلك فِي حركته سنته وَبَايع بعده لِابْنِهِ الرشيد وَجَاء بِهِ إِلَى مراكش وَهزمَ سُفْيَان واستباحهم ثمَّ هلك هِلَال بن حميدان فولي مَكَانَهُ أَخُوهُ مَسْعُود بن حميدان ثمَّ خَالف على الرشيد فاحتال الرشيد عَلَيْهِ حَتَّى وَفد عَلَيْهِ بمراكش فَقتله فِي جمَاعَة من قومه سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَولي أَمر الْخَلْط بعده يحيى بن هِلَال وفر بقَوْمه إِلَى يحيى بن النَّاصِر وحاصروا مراكش ثمَّ استولوا عَلَيْهَا وعاثوا فِيهَا وَخرج

ص: 174

الرشيد إِلَى سجلماسة ثمَّ عَاد إِلَيْهِم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ بعْدهَا وغلبهم عَلَيْهَا ثمَّ راجعوا طَاعَة الرشيد وطردوا يحيى بن النَّاصِر إِلَى بني معقل عرب الصَّحرَاء فتقبض الرشيد على وشاح وَعلي ابْني هِلَال وسجنهم بآزمور سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ثمَّ أطلقهُم ثمَّ بعد ذَلِك غدر بمشيختهم بعد الاستدعاء والتأنيس وقتلهم أَجْمَعِينَ ثمَّ بعد ذَلِك حَضَرُوا مَعَ السعيد بن الْمَأْمُون حركته إِلَى بني عبد الواد أَصْحَاب تلمسان وجروا عَلَيْهِ الْوَاقِعَة حَتَّى قتل فِيهَا بِسَبَب فتنتهم مَعَ سُفْيَان يَوْمئِذٍ فَلم يزل المرتضى يعْمل الْحِيلَة فيهم إِلَى أَن تقبض على أَشْيَاخهم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة فَقَتلهُمْ وَلحق عواج بن هِلَال بن حميدان ببني مرين وَقدم المرتضى عَلَيْهِم عَليّ بن أبي عَليّ من بَيت الرياسة فيهم ثمَّ رَجَعَ عواد إِلَى الْمُوَحِّدين سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة فأغزاه عَليّ بن أبي عَليّ فَقتل فِي غزاته تِلْكَ

ثمَّ كَانَت وَاقعَة أم الرجلَيْن لبني مرين على المرتضى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة فَنزع عَليّ بن أبي عَليّ إِلَى بني مرين ثمَّ صَار الْخَلْط كلهم إِلَى بني مرين وَكَانَت الرياسة فيهم أول دولة بني مرين لأبي عَطِيَّة مهلهل بن يحيى الخلطي وأصهر إِلَيْهِ السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق فأنكحه مهلهل ابْنَته عَائِشَة الَّتِي كَانَ مِنْهَا ابْنه السُّلْطَان أَبُو سعيد بن يَعْقُوب وَلم يزل مهلهل كَبِيرا عَلَيْهِم إِلَى أَن هلك سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ قَامَ بِأَمْر الْخَلْط ابْنه عَطِيَّة وَكَانَ لعهد السُّلْطَان أبي سعيد وَابْنه السُّلْطَان أبي الْحسن وَبَعثه السُّلْطَان أَبُو الْحسن سفيرا عَنهُ إِلَى سُلْطَان مصر الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون

وَلما هلك عَطِيَّة قَامَ بِأَمْر الْخَلْط ابْنه عِيسَى بن عَطِيَّة ثمَّ ابْن أَخِيه رمام بن إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة وَهُوَ الَّذِي بلغ المبالغ من الْعِزّ والترف والدالة على السُّلْطَان والقرب من مَجْلِسه إِلَى أَن هلك فولي أَمر الْخَلْط بعده أَخُوهُ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ثمَّ أخوهما سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم ثمَّ أخوهم مبارك بن

ص: 175

إِبْرَاهِيم على مثل حَالهم أَيَّام السُّلْطَان أبي عنان المريني وَمن بعده إِلَى أَن كَانَت الْفِتْنَة بالمغرب بعد مهلك السُّلْطَان أبي سَالم المريني وَاسْتولى على الْمغرب أَخُوهُ السُّلْطَان عبد الْعَزِيز وأقطع ابْنه نَاحيَة مراكش فَكَانَ إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة هَذَا مَعَه

وَلما تقبض على أبي الْفضل تقبض على مبارك الْمَذْكُور وأودع السجْن إِلَى أَن غلب السُّلْطَان عبد الْعَزِيز على عَامر بن مُحَمَّد الهنتاتي وَقَتله فَقتل مَعَه مبارك بن إِبْرَاهِيم هَذَا لما كَانَ يعرف بِهِ من صحبته ومداخلته فِي الْفِتَن كَمَا يذكر فِي أَخْبَار بني مرين وَولي ابْنه مُحَمَّد بن مبارك على قبيل الْخَلْط

قَالَ ابْن خلدون إِلَّا أَن الْخَلْط الْيَوْم دثرت كَأَن لم تكن بِمَا أَصَابَهُم من الخصب والترف مُنْذُ مِائَتَيْنِ من السنين بذلك الْبَسِيط الأفيح زِيَادَة على الْعِزّ والدعة فأكلتهم السنون وَذهب بهم الترف وَالله غَالب على أمره أه

وَلما انقرضت الدولة المرينية من الْمغرب وَجَاءَت دولة الشرفاء السعديين وَقَامَ مِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَعْرُوف بالمهدي انحاشت الْخَلْط إِلَيْهِ وأظهروا الْخدمَة والنصيحة وَغلب مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَذْكُور على فاس وَأخرج أَبَا حسون الوطاسي عَنْهَا فَذهب أَبُو حسون الْمَذْكُور إِلَى دولة التّرْك بالجزائر واستنصر بهم على السعديين فلبوا دَعوته وَقدم مَعَه مِنْهُم عَسْكَر جرار إِلَى فاس فأخرجوا مُحَمَّد الشَّيْخ السَّعْدِيّ عَنْهَا بعد حروب عَظِيمَة جرت الْخَلْط هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ فِيهَا الْهَزِيمَة فَلَمَّا اسْتَقل بِالْأَمر مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَذْكُور خلع الْخَلْط من الجندية ووظف عَلَيْهِم الْخراج ومحا اسمهم من ديوَان الْخدمَة وَنقل أعيانهم إِلَى مراكش واتخذهم رهائن عِنْده

وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك إِلَى دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمَنْصُور

ص: 176