الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استفحل أمره على الْإِسْلَام فَلَقِيت رجلا من رجال الله وَلَا أزكى على الله أحدا وَكَانَ من أخص أودائي فَسَأَلَنِي مَا تَقول فِي هَذَا الْجَيْش هَل يفتح لَهُ وينصر فِي هَذِه السّنة أم لَا فَقلت لَهُ مَا عنْدك فِي ذَلِك فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد ذكره فِي كِتَابه ووعد نبيه صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْفَتْح فِي هَذِه السّنة وَبشر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فِي كِتَابه الَّذِي أنزلهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فموضع الْبُشْرَى فتحا مُبينًا من غير تكْرَار الْألف فَإِنَّهَا لإِطْلَاق الْوُقُوف فِي تَمام الْآيَة فَانْظُر أعدادها بِحِسَاب الْجمل فَنَظَرت فَوجدت الْفَتْح يكون فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ جزت إِلَى الأندلس وَقد نصر الله جَيش الْمُسلمين وَفتح الله بِهِ قلعة رَبَاح والأركو وكركرا وَمَا انضاف إِلَى هَذِه القلاع من الولايات هَذَا عاينته من الْفَتْح مِمَّن هَذِه صفته فَأخذت للفاء ثَمَانِينَ وللتاء أَرْبَعمِائَة وللحاء الْمُهْملَة ثَمَانِيَة وللألف وَاحِد وللميم أَرْبَعِينَ وللباء اثْنَيْنِ وللياء عشرَة وللنون خمسين وَأما الْألف فقد أَخذ عَددهَا وَكَانَ الْمَجْمُوع إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهِي سنو الْهِجْرَة إِلَى هَذِه السّنة فَهَذَا من الْفَتْح الإلهي لهَذَا الشَّخْص انْتهى
ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس
كَانَ يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله لما عزم عى الْمسير إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد أوصى إِلَى نوابه ووكلائه بِبِنَاء قَصَبَة مراكش والاعتناء بتشييد قُصُورهَا فَمن آثاره الْبَاقِيَة بهَا إِلَى الْآن بَابهَا الْمَعْرُوف بِبَاب أكناور وَلَا مزِيد على ضخامته وارتفاعه وَأمرهمْ بِبِنَاء الْجَامِع الْأَعْظَم بهَا الْمَنْسُوب إِلَيْهِ إِلَى الْيَوْم وتشييد مناره الماثل بِهِ ومنار جَامع الكتبيين الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فِي الِارْتفَاع وَعظم الهيكل قَالَ ابْن سعيد طول صومعة الكتبيين بمراكش مائَة ذِرَاع وَعشر أَذْرع
وَلما اجتاز الْمَنْصُور فِي سَفَره هَذَا بِأَرْض سلا أَمر أَيْضا بِبِنَاء مَدِينَة رِبَاط الْفَتْح فأسست سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وأكمل سورها وَركبت أَبْوَابهَا وَأمر بِبِنَاء الْمَسْجِد الْأَعْظَم بطالعة سلا ومدرسة الجوفية مِنْهُ قَالَ صَاحب الرَّوْض المعطار كَانَ يعْمل فِي بنائِهِ وَنقل حجارته وترابه سَبْعمِائة أَسِير من أُسَارَى الفرنج فِي قيودها وَأمر بِبِنَاء جَامع حسان ومناره الْأَعْظَم الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فِي الضخامة وَحسن الصَّنْعَة قَالُوا وَلم يتم بِنَاؤُه
وَلما فرغ الْمَنْصُور من وقْعَة الأرك واحتل بِمَدِينَة إشبيلية أَخذ فِي إتْمَام بِنَاء جَامعهَا الْأَعْظَم وتشييد مناره المشاكل للمنارين الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ ثَالِثَة الأثافي بِالنِّسْبَةِ لَهما بل قيل إِنَّه لَيْسَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام منار أعظم مِنْهُ وَعمل لهَذَا الْمنَار تفافيح من أَمْلَح مَا يكون قَالَ فِي القرطاس بلغت من الْعظم إِلَى مَا لَا يعرف قدره إِلَّا أَن الْوُسْطَى مِنْهَا لم تدخل على بَاب الْمنَار حَتَّى قلعت الرخامة من أَسْفَله وزنة العمود الَّذِي ركبت عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ ربعا من الْحَدِيد وَكَانَ الَّذِي صنعها ورفعها فِي أَعلَى الْمنَار الْمَذْكُور الْمعلم أَبُو اللَّيْث الصّقليّ وموهت تِلْكَ التفافيح بِمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا
وَلما كمل جَامع إشبيلية وَصلى فِيهِ أَمر بِبِنَاء حصن البرج على وَادي إشبيلية وَقد تقدم لنا فِي أَخْبَار عبد الْمُؤمن أَنه هدم أسوار مَدِينَة فاس وَأَن حافده الْمَنْصُور هَذَا شرع فِي بنائها ثمَّ أتمهَا ابْنه النَّاصِر من بعده
وَلما رَجَعَ الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وجد كل مَا أَمر بِهِ من البناءات قد تمّ على أكمل حَال واحسنه مثل القصبة والقصور وَالْجَامِع والصوامع وَأنْفق على ذَلِك كُله من أَخْمَاس الْغَنَائِم وَكَانَ قد تغير على الوكلاء والصناع الَّذين توَلّوا بِنَاء ذَلِك لِأَنَّهُ سعى إِلَيْهِ بِأَنَّهُم احتجنوا الْأَمْوَال وصنعوا للجامع سَبْعَة أَبْوَاب على عدد أَبْوَاب جَهَنَّم فَلَمَّا دخله الْمَنْصُور وَتَطوف بِهِ أعجبه فَسَأَلَ عَن عدد أبوابه فَقيل إِنَّهَا سَبْعَة أَبْوَاب وَالثَّامِن هُوَ الَّذِي دخل مِنْهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الْمَنْصُور عِنْد ذَلِك لَا بَأْس بالغالي إِذا قيل حسن
وَاتخذ الْمَنْصُور رحمه الله فِي جَامعه هَذَا لمصلاه بِهِ مَقْصُورَة عَجِيبَة كَانَت مُدبرَة بحيل هندسية بِحَيْثُ تنصب إِذا اسْتَقر الْمَنْصُور ووزراؤه بمصلاه مِنْهَا وتختفي إِذا انفصلوا عَنْهَا
حكى الشريف الغرناطي شَارِح الحازمين عَن الْكَاتِب البارع أبي الْحسن عبد الْملك بن عَيَّاش أحد كتاب الْمَنْصُور قَالَ كَانَت لأبي بكر يحيى بن مجير الشَّاعِر الْمَشْهُور وفادة على الْمَنْصُور فِي كل سنة فصادف فِي إِحْدَى وفاداته فَرَاغه من إِحْدَاث الْمَقْصُورَة الَّتِي كَانَ أحدثها بجامعه الْمُتَّصِل بقصره فِي حَضْرَة مراكش وَكَانَت قد وضعت على حركات هندسية ترْتَفع بهَا لِخُرُوجِهِ وتنخفض لدُخُوله وَكَانَ جَمِيع من بِبَاب الْمَنْصُور يَوْمئِذٍ من الشُّعَرَاء والأدباء قد نظموا أشعارا أنشدوه إِيَّاهَا فِي ذَلِك فَلم يزِيدُوا على شكره وتجزيته الْخَيْر فِيمَا جدد من معالم الدّين وآثاره وَلم يكن فيهم من تصدى لوصف الْحَال حَتَّى قدم أَبُو بكر بن مجير فَأَنْشد قصيدته الَّتِي أَولهَا
(أعلمتني ألقِي عَصا التسيار
…
فِي بَلْدَة لَيست بدار قَرَار)
وَاسْتمرّ فِيهَا حَتَّى ألم بِذكر الْمَقْصُورَة فَقَالَ يصفها
(طورا تكون بِمن حوته مُحِيطَة
…
فَكَأَنَّهَا سور من الأسوار)
(وَتَكون حينا عَنْهُم مخبوءة
…
فَكَأَنَّهَا سر من الْأَسْرَار)
(وَكَأَنَّهَا علمت مقادير الورى
…
فتصرفت لَهُم على مِقْدَار)
(فَإِذا أحست بِالْإِمَامِ يزورها
…
فِي قومه قَامَت إِلَى الزوار)
(يَبْدُو فتبدو ثمَّ تخفى بعده
…
كتكون الهلالات للأقمار)
فطرب الْمَنْصُور لسماعها وارتاح لاختراعها
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب وَقد بطلت حركات هَذِه
الْمَقْصُورَة الْآن وَبقيت آثارهما حَسْبَمَا شاهدته سنة عشر وَألف وَالله وَارِث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَمن شعر ابْن مجير يصف خيل الْمَنْصُور من قصيدة مدحه بهَا قَوْله
(لَهُ حلبة الْخَيل الْعتاق كَأَنَّهَا
…
نشاوى تهادت تطلب العزف والقصفا)
(عرائس أغنتها الحجول عَن الحلى
…
فَلم تَبْغِ خلخالا وَلَا التسمت وَقفا)
(فَمن يقق كالطرس تحسب أَنه
…
وَإِن جردوه فِي ملاءته التقا)
(وأبلق أعْطى اللَّيْل نصف إهابه
…
وغار عَلَيْهِ الصُّبْح فاحتبس النصفا)
(وَورد تغشى جلده شفق الدجا
…
فَإذْ حازه دلى لَهُ الذيل والعرفا)
(وأشقر مج الراح صرفا أديمه
…
وأصفر لم يمسح بهَا جلده صرفا)
(وَأَشْهَب قضى الْأَدِيم مدثر
…
عَلَيْهِ خطوط غير مفهمة حرفا)
(كَمَا خطخط الراهي بمهرق كَاتب
…
فجر عَلَيْهِ ذيله وَهُوَ مَا جَفا)
(تهب على الْأَعْدَاء مِنْهَا عواصف
…
ستنسف أَرض الْمُشْركين بهَا نسفا)
(ترى كل طرف كالغزال فتمتري
…
أظبيا ترى تَحت الْعَجَاجَة أم طرفا)
(وَقد كَانَ فِي الْبَيْدَاء يألف سربه
…
فربته مهْرا وَهِي تحسبه خشفا)
(تنَاوله لفظ الْجواد لِأَنَّهُ
…
إِذا مَا أردْت الجري أعطاكه ضعفا)
وَمِمَّا مدح بِهِ الْمَنْصُور رحمه الله قَول بعض شعراء عصره حِين طلب مِنْهُ الفنش الصُّلْح فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ
(أهل بَان يسْعَى إِلَيْهِ ويرتجى
…
ويزار من أقْصَى الْبِلَاد على الرجا)
(من قد غَدا بالمكرمات مُقَلدًا
…
وموشحا ومختما ومتوجا)
(عمرت مقامات الْمُلُوك بِذكرِهِ
…
وتعطرت مِنْهُ الرِّيَاح تأرجا)
وَدخل عَلَيْهِ الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكانمي الْأسود الشَّاعِر فأنشده
(أَزَال حجابه عني وعيني
…
ترَاهُ من المهابة فِي حجاب)
(وقربني تفضله وَلَكِن
…
بَعدت مهابة عِنْد اقترابي)
وكانم بِكَسْر النُّون جنس من السودَان وهم بَنو عَم تكروره وَلَيْسَ