المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما شيده المنصور رحمه الله من الآثار بالمغرب والأندلس - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌ذكر ما شيده المنصور رحمه الله من الآثار بالمغرب والأندلس

استفحل أمره على الْإِسْلَام فَلَقِيت رجلا من رجال الله وَلَا أزكى على الله أحدا وَكَانَ من أخص أودائي فَسَأَلَنِي مَا تَقول فِي هَذَا الْجَيْش هَل يفتح لَهُ وينصر فِي هَذِه السّنة أم لَا فَقلت لَهُ مَا عنْدك فِي ذَلِك فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد ذكره فِي كِتَابه ووعد نبيه صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْفَتْح فِي هَذِه السّنة وَبشر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فِي كِتَابه الَّذِي أنزلهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فموضع الْبُشْرَى فتحا مُبينًا من غير تكْرَار الْألف فَإِنَّهَا لإِطْلَاق الْوُقُوف فِي تَمام الْآيَة فَانْظُر أعدادها بِحِسَاب الْجمل فَنَظَرت فَوجدت الْفَتْح يكون فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ جزت إِلَى الأندلس وَقد نصر الله جَيش الْمُسلمين وَفتح الله بِهِ قلعة رَبَاح والأركو وكركرا وَمَا انضاف إِلَى هَذِه القلاع من الولايات هَذَا عاينته من الْفَتْح مِمَّن هَذِه صفته فَأخذت للفاء ثَمَانِينَ وللتاء أَرْبَعمِائَة وللحاء الْمُهْملَة ثَمَانِيَة وللألف وَاحِد وللميم أَرْبَعِينَ وللباء اثْنَيْنِ وللياء عشرَة وللنون خمسين وَأما الْألف فقد أَخذ عَددهَا وَكَانَ الْمَجْمُوع إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهِي سنو الْهِجْرَة إِلَى هَذِه السّنة فَهَذَا من الْفَتْح الإلهي لهَذَا الشَّخْص انْتهى

‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

كَانَ يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله لما عزم عى الْمسير إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد أوصى إِلَى نوابه ووكلائه بِبِنَاء قَصَبَة مراكش والاعتناء بتشييد قُصُورهَا فَمن آثاره الْبَاقِيَة بهَا إِلَى الْآن بَابهَا الْمَعْرُوف بِبَاب أكناور وَلَا مزِيد على ضخامته وارتفاعه وَأمرهمْ بِبِنَاء الْجَامِع الْأَعْظَم بهَا الْمَنْسُوب إِلَيْهِ إِلَى الْيَوْم وتشييد مناره الماثل بِهِ ومنار جَامع الكتبيين الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فِي الِارْتفَاع وَعظم الهيكل قَالَ ابْن سعيد طول صومعة الكتبيين بمراكش مائَة ذِرَاع وَعشر أَذْرع

ص: 194

وَلما اجتاز الْمَنْصُور فِي سَفَره هَذَا بِأَرْض سلا أَمر أَيْضا بِبِنَاء مَدِينَة رِبَاط الْفَتْح فأسست سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وأكمل سورها وَركبت أَبْوَابهَا وَأمر بِبِنَاء الْمَسْجِد الْأَعْظَم بطالعة سلا ومدرسة الجوفية مِنْهُ قَالَ صَاحب الرَّوْض المعطار كَانَ يعْمل فِي بنائِهِ وَنقل حجارته وترابه سَبْعمِائة أَسِير من أُسَارَى الفرنج فِي قيودها وَأمر بِبِنَاء جَامع حسان ومناره الْأَعْظَم الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فِي الضخامة وَحسن الصَّنْعَة قَالُوا وَلم يتم بِنَاؤُه

وَلما فرغ الْمَنْصُور من وقْعَة الأرك واحتل بِمَدِينَة إشبيلية أَخذ فِي إتْمَام بِنَاء جَامعهَا الْأَعْظَم وتشييد مناره المشاكل للمنارين الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ ثَالِثَة الأثافي بِالنِّسْبَةِ لَهما بل قيل إِنَّه لَيْسَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام منار أعظم مِنْهُ وَعمل لهَذَا الْمنَار تفافيح من أَمْلَح مَا يكون قَالَ فِي القرطاس بلغت من الْعظم إِلَى مَا لَا يعرف قدره إِلَّا أَن الْوُسْطَى مِنْهَا لم تدخل على بَاب الْمنَار حَتَّى قلعت الرخامة من أَسْفَله وزنة العمود الَّذِي ركبت عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ ربعا من الْحَدِيد وَكَانَ الَّذِي صنعها ورفعها فِي أَعلَى الْمنَار الْمَذْكُور الْمعلم أَبُو اللَّيْث الصّقليّ وموهت تِلْكَ التفافيح بِمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا

وَلما كمل جَامع إشبيلية وَصلى فِيهِ أَمر بِبِنَاء حصن البرج على وَادي إشبيلية وَقد تقدم لنا فِي أَخْبَار عبد الْمُؤمن أَنه هدم أسوار مَدِينَة فاس وَأَن حافده الْمَنْصُور هَذَا شرع فِي بنائها ثمَّ أتمهَا ابْنه النَّاصِر من بعده

وَلما رَجَعَ الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وجد كل مَا أَمر بِهِ من البناءات قد تمّ على أكمل حَال واحسنه مثل القصبة والقصور وَالْجَامِع والصوامع وَأنْفق على ذَلِك كُله من أَخْمَاس الْغَنَائِم وَكَانَ قد تغير على الوكلاء والصناع الَّذين توَلّوا بِنَاء ذَلِك لِأَنَّهُ سعى إِلَيْهِ بِأَنَّهُم احتجنوا الْأَمْوَال وصنعوا للجامع سَبْعَة أَبْوَاب على عدد أَبْوَاب جَهَنَّم فَلَمَّا دخله الْمَنْصُور وَتَطوف بِهِ أعجبه فَسَأَلَ عَن عدد أبوابه فَقيل إِنَّهَا سَبْعَة أَبْوَاب وَالثَّامِن هُوَ الَّذِي دخل مِنْهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ الْمَنْصُور عِنْد ذَلِك لَا بَأْس بالغالي إِذا قيل حسن

ص: 195

وَاتخذ الْمَنْصُور رحمه الله فِي جَامعه هَذَا لمصلاه بِهِ مَقْصُورَة عَجِيبَة كَانَت مُدبرَة بحيل هندسية بِحَيْثُ تنصب إِذا اسْتَقر الْمَنْصُور ووزراؤه بمصلاه مِنْهَا وتختفي إِذا انفصلوا عَنْهَا

حكى الشريف الغرناطي شَارِح الحازمين عَن الْكَاتِب البارع أبي الْحسن عبد الْملك بن عَيَّاش أحد كتاب الْمَنْصُور قَالَ كَانَت لأبي بكر يحيى بن مجير الشَّاعِر الْمَشْهُور وفادة على الْمَنْصُور فِي كل سنة فصادف فِي إِحْدَى وفاداته فَرَاغه من إِحْدَاث الْمَقْصُورَة الَّتِي كَانَ أحدثها بجامعه الْمُتَّصِل بقصره فِي حَضْرَة مراكش وَكَانَت قد وضعت على حركات هندسية ترْتَفع بهَا لِخُرُوجِهِ وتنخفض لدُخُوله وَكَانَ جَمِيع من بِبَاب الْمَنْصُور يَوْمئِذٍ من الشُّعَرَاء والأدباء قد نظموا أشعارا أنشدوه إِيَّاهَا فِي ذَلِك فَلم يزِيدُوا على شكره وتجزيته الْخَيْر فِيمَا جدد من معالم الدّين وآثاره وَلم يكن فيهم من تصدى لوصف الْحَال حَتَّى قدم أَبُو بكر بن مجير فَأَنْشد قصيدته الَّتِي أَولهَا

(أعلمتني ألقِي عَصا التسيار

فِي بَلْدَة لَيست بدار قَرَار)

وَاسْتمرّ فِيهَا حَتَّى ألم بِذكر الْمَقْصُورَة فَقَالَ يصفها

(طورا تكون بِمن حوته مُحِيطَة

فَكَأَنَّهَا سور من الأسوار)

(وَتَكون حينا عَنْهُم مخبوءة

فَكَأَنَّهَا سر من الْأَسْرَار)

(وَكَأَنَّهَا علمت مقادير الورى

فتصرفت لَهُم على مِقْدَار)

(فَإِذا أحست بِالْإِمَامِ يزورها

فِي قومه قَامَت إِلَى الزوار)

(يَبْدُو فتبدو ثمَّ تخفى بعده

كتكون الهلالات للأقمار)

فطرب الْمَنْصُور لسماعها وارتاح لاختراعها

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب وَقد بطلت حركات هَذِه

ص: 196

الْمَقْصُورَة الْآن وَبقيت آثارهما حَسْبَمَا شاهدته سنة عشر وَألف وَالله وَارِث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا

وَمن شعر ابْن مجير يصف خيل الْمَنْصُور من قصيدة مدحه بهَا قَوْله

(لَهُ حلبة الْخَيل الْعتاق كَأَنَّهَا

نشاوى تهادت تطلب العزف والقصفا)

(عرائس أغنتها الحجول عَن الحلى

فَلم تَبْغِ خلخالا وَلَا التسمت وَقفا)

(فَمن يقق كالطرس تحسب أَنه

وَإِن جردوه فِي ملاءته التقا)

(وأبلق أعْطى اللَّيْل نصف إهابه

وغار عَلَيْهِ الصُّبْح فاحتبس النصفا)

(وَورد تغشى جلده شفق الدجا

فَإذْ حازه دلى لَهُ الذيل والعرفا)

(وأشقر مج الراح صرفا أديمه

وأصفر لم يمسح بهَا جلده صرفا)

(وَأَشْهَب قضى الْأَدِيم مدثر

عَلَيْهِ خطوط غير مفهمة حرفا)

(كَمَا خطخط الراهي بمهرق كَاتب

فجر عَلَيْهِ ذيله وَهُوَ مَا جَفا)

(تهب على الْأَعْدَاء مِنْهَا عواصف

ستنسف أَرض الْمُشْركين بهَا نسفا)

(ترى كل طرف كالغزال فتمتري

أظبيا ترى تَحت الْعَجَاجَة أم طرفا)

(وَقد كَانَ فِي الْبَيْدَاء يألف سربه

فربته مهْرا وَهِي تحسبه خشفا)

(تنَاوله لفظ الْجواد لِأَنَّهُ

إِذا مَا أردْت الجري أعطاكه ضعفا)

وَمِمَّا مدح بِهِ الْمَنْصُور رحمه الله قَول بعض شعراء عصره حِين طلب مِنْهُ الفنش الصُّلْح فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ

(أهل بَان يسْعَى إِلَيْهِ ويرتجى

ويزار من أقْصَى الْبِلَاد على الرجا)

(من قد غَدا بالمكرمات مُقَلدًا

وموشحا ومختما ومتوجا)

(عمرت مقامات الْمُلُوك بِذكرِهِ

وتعطرت مِنْهُ الرِّيَاح تأرجا)

وَدخل عَلَيْهِ الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكانمي الْأسود الشَّاعِر فأنشده

(أَزَال حجابه عني وعيني

ترَاهُ من المهابة فِي حجاب)

(وقربني تفضله وَلَكِن

بَعدت مهابة عِنْد اقترابي)

وكانم بِكَسْر النُّون جنس من السودَان وهم بَنو عَم تكروره وَلَيْسَ

ص: 197