الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد أنفذته الطعنة وارتحل النَّاس وَلَا يَدْرُونَ أَيْن ثمَّ اهتدوا بالطبول فقصدوا جِهَة إشبيلية ثمَّ سَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُرِيد العبور إِلَى الْمغرب فَاشْتَدَّ ألمه وَمَات بِالطَّرِيقِ رحمه الله قَالَه ابْن مطروح
وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت الْعَاشِر من شهر ربيع الآخر سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قرب الجزيرة الخضراء فَحمل إِلَى تينملل فَدفن بهَا إِلَى جنب قبر أَبِيه وَقيل إِنَّه لم يمت حَتَّى وصل إِلَى مراكش وَكَانَ وَلَده يَعْقُوب الْخَلِيفَة بعده هُوَ الَّذِي يدْخل على ابيه وَيخرج وَيصرف الْأُمُور بَين يَدَيْهِ من يَوْم طعن إِلَى أَن مَاتَ قَالُوا وكتم وَلَده مَوته حَتَّى وصل إِلَى مَدِينَة سلا فأفشاه
وَكَانَ قبل مَوته بأشهر كثيرا مَا ينشد قَول الشَّاعِر ويردده
(طوى الجديدان مَا قد كنت أنشره
…
وأنكرتني ذَوَات الْأَعْين النجل)
ورثاه الأديب أَبُو بكر يحيى بن مجير بقصيدة طَوِيلَة أَجَاد فِيهَا وأولها
(جلّ الأسى فأسل دم الأجفان
…
مَاء الشؤون لغير هَذَا الشان)
بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته
قَالَ ابْن خلكان كَانَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن أَبيض تعلوه حمرَة شَدِيد سَواد الشّعْر مستدير الْوَجْه أفوه أعين إِلَى الطول مَا هُوَ فِي صَوته جهارة رَقِيق حَوَاشِي الطَّبْع حُلْو الْأَلْفَاظ حسن الحَدِيث طيب المجالسة أعرف النَّاس كَيفَ تَكَلَّمت الْعَرَب وأحفظهم لأيامها فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام صرف عنايته إِلَى ذَلِك وَلَقي فضلاء إشبيلية أَيَّام ولَايَته بهَا وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا متفننا لِأَن أَبَاهُ هذبه وَقرن بِهِ وبإخواته أكمل رجال الْحَرْب والمعارف فَنَشَأَ فِي ظُهُور الْخَيل بَين أبطال الفرسان وَفِي قِرَاءَة الْعلم بَين أفاضل الْعلمَاء وَكَانَ ميله إِلَى الْحِكْمَة والفلسفة أَكثر من ميله إِلَى الْأَدَب وبقيه الْعُلُوم وَيُقَال إِنَّه كَانَ يحفظ صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن
الْكَرِيم مَعَ جملَة صَالِحَة من الْفِقْه ثمَّ طمح إِلَى علم الْحِكْمَة وَبَدَأَ من ذَلِك بِعلم الطِّبّ وَجمع من كتب الْحِكْمَة شَيْئا كثيرا
وَكَانَ مِمَّن صَحبه من الْعلمَاء بِهَذَا الشَّأْن الْوَزير أَبُو بكر مُحَمَّد بن طفيل كَانَ متحققا بِجَمِيعِ أَجزَاء الْحِكْمَة قَرَأَ على جمَاعَة من أَهلهَا مِنْهُم أَبُو بكر بن الصَّائِغ الْمَعْرُوف بِابْن باجة وَغَيره وَلابْن طفيل هَذَا تصانيف كَثِيرَة
وَكَانَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن حَرِيصًا على الْجمع بَين علم الشَّرِيعَة وَالْحكمَة وَلم يزل يجمع إِلَيْهِ الْعلمَاء من كل فن من جَمِيع الأقطار وَمن جُمْلَتهمْ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشد الْمَعْرُوف بالحفيد
وَكَانَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن شَدِيد الملوكية بعيد الهمة جماعا مناعا ضابطا لخراج مَمْلَكَته عَارِفًا بسياسة رَعيته وَكَانَ سخيا جوادا فِي مَحل السخاء والجود قد اسْتغنى النَّاس فِي أَيَّامه وَكَانَ من ضَبطه وسياسته رُبمَا يحضر حَتَّى لَا يكَاد يغيب حَتَّى لَا يكَاد يحضر وَله فِي غيبته نواب وخلفاء وحكام قد فوض الْأُمُور إِلَيْهِم لما علم من صَلَاحهمْ وأهليتهم لذَلِك
قَالَ ابْن خلكان وَالدَّنَانِير اليوسفية المغربية منسوبة إِلَيْهِ
وَمِمَّا يستطرف من أخباره رحمه الله أَن الأديب أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد السَّلَام الكرواني وكروان قَبيلَة من البربر مَنَازِلهمْ بضواحي فاس كَانَ نِهَايَة فِي حفظ الْأَشْعَار الْقَدِيمَة والمحدثة وَتقدم فِي هَذَا الشَّأْن وَله فِيهِ تآليف وَكَانَ مَعَ ذَلِك صَاحب نَوَادِر جَالس بهَا عبد الْمُؤمن ثمَّ وَلَده يُوسُف ثمَّ وَلَده يَعْقُوب
فَمن نوادره أَنه حضر يَوْمًا إِلَى بَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن الْمَذْكُور وَحضر إِلَيْهِ أَيْضا الطَّبِيب سعيد الغماري فَقَالَ أَمِير