الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله
لما هلك الْمُنْتَصر فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم اجْتمع الْوَزير ابْن جَامع والموحدون وَبَايَعُوا للسَّيِّد أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن يُوسُف وَهُوَ أَخُو الْمَنْصُور
قَالَ ابْن أبي زرع بَايعُوهُ على كره مِنْهُ بقبة الْمَنْصُور من قَصَبَة مراكش وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الشيخوخة وَكَانَ عَالما فَاضلا متورعا فاستقام لَهُ الْأَمر نَحْو شَهْرَيْن وخطب لَهُ فِي جَمِيع أَعمال الْمُوَحِّدين مَا عدا مرسية فَإِن ابْن أَخِيه السَّيِّد أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن الْمَنْصُور الملقب بالعادل كَانَ واليا عَلَيْهَا وَكَانَ وزيره بهَا الشَّيْخ أَبَا زيد بن يرجان الْمَعْرُوف بالأصفر وَكَانَ من دهاة الْمُوَحِّدين وَكَانَ الْمَنْصُور رحمه الله إِذا رَآهُ يستعيذ بِاللَّه من شَره وَيَقُول مَاذَا يجْرِي على يَديك من الْفِتَن يَا اصفر وَكَانَ من خَبره أَنه لما بُويِعَ المخلوع أَمر بِإِطْلَاق ابْن يجارن لِأَنَّهُ كَانَ مَحْبُوسًا على مَا عِنْد ابْن خلدون فَأطلق ثمَّ صده ابْن جَامع عَن ذَلِك وأنفذ أَخَاهُ أَبَا إِسْحَاق فِي الأسطول ليغربه إِلَى ميورقة فلاذ ابْن يرجان حِينَئِذٍ بِعَبْد الله بن الْمَنْصُور صَاحب مرسية وَنزل مِنْهُ منزلَة الْوَزير وأغراه بالتوثب على الْأَمر وَشهد لَهُ أَنه سمع من الْمَنْصُور رَحْمَة الله الْعَهْد لَهُ بالخلافة من بعد النَّاصِر وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ إِنَّك أَحَق بالخلافة من عبد الْوَاحِد أَنْت ولد الْمَنْصُور وأخو النَّاصِر وَعم الْمُنْتَصر وَلَك الرَّأْي وَحسن السياسة والحزم وَلَو دَعَوْت الْمُوَحِّدين إِلَى بيعتك لم يخْتَلف عَلَيْك اثْنَان
وَكَانَ النَّاس على كره من ابْن جَامع وولاة الأندلس يَوْمئِذٍ كلهم بَنو الْمَنْصُور فأصغى إِلَيْهِ عبد الله هَذَا وَكَانَ مترددا فِي بيعَة عَمه فبرز إِلَى مجْلِس حكمه واستدعى من بمرسية وأعمالها من الْمُوَحِّدين وَالْفُقَهَاء والأشياخ فَدَعَاهُمْ إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ وَتسَمى بالعادل وَكَانَ إخْوَته أَبُو الْعَلَاء
الْأَصْغَر صَاحب قرطبة وَأَبُو الْحسن صَاحب غرناطة وَأَبُو مُوسَى صَاحب مالقة فَبَايعُوهُ سرا وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي عبد الله بن أبي حَفْص بن عبد الْمُؤمن الْمَعْرُوف بالبياسي صَاحب جيان وَقد عَزله المخلوع بِعَمِّهِ أبي الرّبيع بن أبي حَفْص فَانْتقضَ وَبَايع للعادل وزحف مَعَ ابي الْعَلَاء صَاحب قرطبة وَهُوَ أَخُو الْعَادِل إِلَى إشبيلية وَبهَا عبد الْعَزِيز أَخُو الْمَنْصُور والمخلوع فَدخل فِي دعوتهم وَامْتنع السَّيِّد أَبُو زيد بن أبي عبد الله أَخُو البياسي عَن بيعَة الْعَادِل وَتمسك بِطَاعَة المخلوع وَخرج الْعَادِل من مرسية إِلَى إشبيلية فَدَخلَهَا مَعَ أبي زيد بن يرجان وَبلغ الْخَبَر إِلَى مراكش فَاخْتلف الموحدون على المخلوع وَبَادرُوا بعزل ابْن جَامع وتغريبه إِلَى هسكورة لكراهيتهم لَهُ وَجَرت خطوب أفضت إِلَى خلع عبد الْوَاحِد وَقَتله
وَفِي القرطاس أَن عبد الْوَاحِد الْعَادِل كتب إِلَى أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين الَّذين بِحَضْرَة مراكش يَدعُوهُم إِلَى بيعَته وخلع عبد الْوَاحِد وَوَعدهمْ على ذَلِك الْأَمْوَال الجزيلة والمنازل الرفيعة والولايات الجليلة فسارعوا إِلَى ذَلِك ودخلوا على عبد الْوَاحِد وتهددوه بِالْقَتْلِ إِلَّا أَن يخلع نَفسه ويبايع للعادل فأجابهم إِلَى ذَلِك فَخَرجُوا عَنهُ ووكلوا بِالْقصرِ من يحفظه وَكَانَ ذَلِك يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد بعده دخلُوا على عبد الْوَاحِد الْقصر وأحضروا القَاضِي وَالْفُقَهَاء والأشياخ فَأشْهد على نَفسه بِالْخلْعِ وَبَايع للعادل ثمَّ دخلُوا عَلَيْهِ بعد مُضِيّ ثَلَاث عشرَة لَيْلَة من خلعه فخنقوه حَتَّى مَاتَ وانتهبوا قصره واستولوا على أَمْوَاله وحريمه فَكَانَ عبد الْوَاحِد هَذَا أول من خلع وَقتل من بني عبد الْمُؤمن وَصَارَ أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين لخلفائهم كالأتراك لبني الْعَبَّاس فَكَانَ فعلهم ذَلِك سَببا لذهاب ملكهم وانقراض دولتهم وَالله تَعَالَى لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَكَانَت وَفَاة عبد الْوَاحِد المخلوع خَامِس رَمَضَان الْمُعظم سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة