الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاصرين لَهُ بالمشرق فَهُوَ أول من زاحم الْخَلِيفَة فِي هَذَا اللقب ثمَّ تبعه على ذَلِك عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْأمَوِي صَاحب الأندلس وَرَأى أَن لَهُ فِي الْخلَافَة حَقًا اقْتِدَاء بسلفه الَّذين كَانُوا خلفاء بالمشرق وَكِلَاهُمَا أَعنِي العبيدي والأموي قرشي من عبد منَاف ثمَّ لم يتجاسر أحد لَا من مُلُوك الْعَجم بالمشرق وَلَا من مُلُوك البربر من الْمغرب على اللقب بأمير الْمُؤمنِينَ لِأَنَّهُ لقب الْخَلِيفَة الْأَعْظَم الْقرشِي كَمَا علمت إِلَى أَن جَاءَت دولة المرابطين وَكَانَ مِنْهُم يُوسُف بن تاشفين وَاسْتولى على المغربين والأندلس وَعظم سُلْطَانه واتسعت مَمْلَكَته وخاطب الْخَلِيفَة العباسي بالمشرق فولاه على مَا بِيَدِهِ وَتسَمى بأمير الْمُسلمين أدبا مَعَ الْخَلِيفَة حَسْبَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سالفا وَلما جَاءَ عبد الْمُؤمن هَذَا لم يبال بذلك كُله واتسم بالخليفة وتلقب بأمير الْمُؤمنِينَ وَتَبعهُ على ذَلِك بنوه من بعده ولسان الْحَال ينشد
(لقد هزلت حَتَّى بدا من هزالها
…
كلاها وَحَتَّى سامها كل مُفلس)
وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة أَمر عبد الْمُؤمن بِبِنَاء رِبَاط مَدِينَة تازا فبنيت وحصن سورها ثمَّ كَانَت محاربته لتاشفين بن عَليّ على نَحْو مَا أسلفناه وَالله تَعَالَى أعلم
ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي
كَانَ مُحَمَّد بن هود بن عبد الله السلاوي رجلا من سوقة أهل سلا وَكَانَ أَبوهُ سمسارا بهَا يَبِيع الكنابيش وَكَانَ هُوَ قصارا بهَا مُدَّة ثمَّ لحق بِعَبْد الْمُؤمن عِنْدَمَا ظهر وَبَايَعَهُ وَشهد مَعَه فتح مراكش ثمَّ فَارقه وَظهر برباط ماسة من نَاحيَة السوس ودعا لنَفسِهِ وَتسَمى بالهادي وَتمكن ناموسه من قُلُوب الْعَامَّة وَكثير من الْخَاصَّة فَأقبل إِلَيْهِ الشراد من كل جَانب وانصرفت إِلَيْهِ وُجُوه الأغمار من أهل الْآفَاق وَأخذ بدعوته أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة ورجراجة وقبائل تامسنا وهوارة وفشت ضلالته فِي جَمِيع الْمغرب
قَالَ فِي القرطاس بَايعه جَمِيع الْقَبَائِل حَتَّى لم يبْق تَحت طَاعَة عبد الْمُؤمن إِلَّا مراكش فسرح إِلَيْهِ عبد الْمُؤمن عسكرا من الْمُوَحِّدين لنظر يحيى بن إِسْحَاق أنكمار النازع إِلَيْهِ من إيالة تاشفين بن عَليّ حَسْبَمَا تقدم فَالتقى بالماسي وقاتله فانتصر الماسي عَلَيْهِ وَعَاد مهزوما إِلَى عبد الْمُؤمن فسرح إِلَيْهِ عبد الْمُؤمن ثَانِيًا الشَّيْخ أَبَا حَفْص الهنتاتي فِي جَيش عَظِيم من أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وَغَيرهم واحتفل عبد الْمُؤمن فِي الاستعداد ونهض الشَّيْخ أَبُو حَفْص من مراكش فاتح ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وشيعه عبد الْمُؤمن إِلَى وَادي تانسيفت ثمَّ دَعَا لَهُ وودعه وَانْصَرف الشَّيْخ أَبُو حَفْص فِي جيوش الْمُوَحِّدين حَتَّى انْتَهوا إِلَى رابطة ماسة فبرز إِلَيْهِم مُحَمَّد بن هود فِي نَحْو سِتِّينَ ألفا من الرجالة وَسَبْعمائة من الفرسان فَكَانَت بَينهم حَرْب شَدِيدَة ثمَّ انتصر عَلَيْهِم الموحدون فهزموهم وَقتل مُحَمَّد بن هود فِي المعركة مَعَ كثير من أَتْبَاعه وفضت جموعه وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الَّذِي بَاشر قتل ابْن هود هُوَ الشَّيْخ أَبُو حَفْص رَئِيس الْجَيْش فلقبه الموحدون سيف الله تَشْبِيها لَهُ بِخَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه
وَكتب الشَّيْخ أَبُو حَفْص إِلَى عبد الْمُؤمن برسالة الْفَتْح من إنْشَاء الْفَقِيه أبي جَعْفَر بن عَطِيَّة الْقُضَاعِي الْكَاتِب الْمَشْهُور يَقُول فِيهَا كتَابنَا هَذَا من وَادي ماسة بعد مَا تجدّد من أَمر الله الْكَرِيم وَنَصره تَعَالَى الْمَعْهُود الْقَدِيم وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم فتح بهر الْأَنْوَار إشراقا وأحدق بنفوس الْمُؤمنِينَ إحداقا وَنبهَ للأماني النائمة جفونا وأحداقا واستغرق غَايَة الشُّكْر استغراقا فَلَا تطِيق الألسن لكنه وَصفه إدراكا وَلَا لحَاقًا جمع أشتات الطّلب والأرب وتقلب فِي النعم أكْرم مُنْقَلب وملأ دلاء الأمل إِلَى عقد الكرب
(فتح تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لَهُ
…
وتبرز الأَرْض فِي أثوابها القشب)
وَتَقَدَّمت بشارتنا بِهِ جملَة حِين لم تعط الْحَال بشرحه مهلة كَانَ أُولَئِكَ الضالون قد بطروا عُدْوانًا وظلما واقتطعوا الْكفْر معنى واسما وأملى الله تَعَالَى لَهُم ليزدادوا إِثْمًا وَكَانَ مقدمهم الشقي قد استمال النُّفُوس بخزعبلاته واستهوى الْقُلُوب بمهولاته وَنصب لَهُ الشَّيْطَان من حبلاته فَأَتَتْهُ المخاطبات من بعد وكثب وانسلت إِلَيْهِ الرُّسُل من كل حدب واعتقدته الخواطر أعجب عجب وَكَانَ الَّذِي قادهم إِلَى ذَلِك وأوردهم تِلْكَ المهالك وُصُول من كَانَ بِتِلْكَ السواحل مِمَّن ارتسم برسم الإنقطاع عَن النَّاس فِيمَا سلف من الأعوام واشتغل على زَعمه بِالْقيامِ وَالصِّيَام آنَاء اللَّيَالِي وَالْأَيَّام لبسوا الناموس أثوابا وتدرعوا الرِّيَاء جلبابا فَلم يفتح الله تَعَالَى لَهُم للتوفيق بَابا
وَمِنْهَا فِي ذكر صَاحبهمْ الماسي الْمُدَّعِي للهداية فصرع بِحَمْد الله تَعَالَى لحينه وبادرت إِلَيْهِ بَوَادِر منونه وأتته وافدات الْخَطَايَا عَن يسَاره وَيَمِينه وَقد كَانَ يدعى أَنه بشر بِأَن الْمنية فِي هَذِه الأعوام لَا تصيبه والنوائب لَا تنوبه وَيَقُول فِي سواهُ قولا كثيرا ويختلق على الله تَعَالَى إفكا وزورا فَلَمَّا رَأَوْا هَيْئَة اضطجاعه وَمَا خطته الأسنة فِي أَعْضَائِهِ وأضلاعه وَنفذ فِيهِ من أَمر الله تَعَالَى مَا لم يقدروا على استرجاعه هزم من كَانَ لَهُم من الْأَحْزَاب وتساقطوا على وجوهم تساقط الذُّبَاب وأعطوا على بكرَة أَبِيهِم صفحات الرّقاب وَلم تقطر كلومهم إِلَّا على الأعقاب فامتلأت تِلْكَ الْجِهَات بأجسامهم وآذنت الْآجَال بانقراض آمادهم وَأَخذهم الله تَعَالَى بكفرهم وفسادهم فَلم يعاين مِنْهُم إِلَّا من خر صَرِيعًا وَسَقَى الأَرْض نجيعا وَلَقي من أَمر الهنديات فظيعا ودعت الضَّرُورَة باقيهم إِلَى الترامي فِي الْوَادي فَمن كَانَ يؤمل الْفِرَار ويرتجيه ويسبح طامعا فِي الْخُرُوج إِلَى مَا ينجيه اختطفته الأسنة اختطافا وأذاقته موتا ذعافا وَمن لج فِي الترامي على لججه ورام الْبَقَاء فِي ثبجه قضى عَلَيْهِ شرقه وألوى بذقنه غرقه وَدخل