المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثورة محمد بن هود السلاوي المعروف بالماسي - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌ثورة محمد بن هود السلاوي المعروف بالماسي

المعاصرين لَهُ بالمشرق فَهُوَ أول من زاحم الْخَلِيفَة فِي هَذَا اللقب ثمَّ تبعه على ذَلِك عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْأمَوِي صَاحب الأندلس وَرَأى أَن لَهُ فِي الْخلَافَة حَقًا اقْتِدَاء بسلفه الَّذين كَانُوا خلفاء بالمشرق وَكِلَاهُمَا أَعنِي العبيدي والأموي قرشي من عبد منَاف ثمَّ لم يتجاسر أحد لَا من مُلُوك الْعَجم بالمشرق وَلَا من مُلُوك البربر من الْمغرب على اللقب بأمير الْمُؤمنِينَ لِأَنَّهُ لقب الْخَلِيفَة الْأَعْظَم الْقرشِي كَمَا علمت إِلَى أَن جَاءَت دولة المرابطين وَكَانَ مِنْهُم يُوسُف بن تاشفين وَاسْتولى على المغربين والأندلس وَعظم سُلْطَانه واتسعت مَمْلَكَته وخاطب الْخَلِيفَة العباسي بالمشرق فولاه على مَا بِيَدِهِ وَتسَمى بأمير الْمُسلمين أدبا مَعَ الْخَلِيفَة حَسْبَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سالفا وَلما جَاءَ عبد الْمُؤمن هَذَا لم يبال بذلك كُله واتسم بالخليفة وتلقب بأمير الْمُؤمنِينَ وَتَبعهُ على ذَلِك بنوه من بعده ولسان الْحَال ينشد

(لقد هزلت حَتَّى بدا من هزالها

كلاها وَحَتَّى سامها كل مُفلس)

وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة أَمر عبد الْمُؤمن بِبِنَاء رِبَاط مَدِينَة تازا فبنيت وحصن سورها ثمَّ كَانَت محاربته لتاشفين بن عَليّ على نَحْو مَا أسلفناه وَالله تَعَالَى أعلم

‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

كَانَ مُحَمَّد بن هود بن عبد الله السلاوي رجلا من سوقة أهل سلا وَكَانَ أَبوهُ سمسارا بهَا يَبِيع الكنابيش وَكَانَ هُوَ قصارا بهَا مُدَّة ثمَّ لحق بِعَبْد الْمُؤمن عِنْدَمَا ظهر وَبَايَعَهُ وَشهد مَعَه فتح مراكش ثمَّ فَارقه وَظهر برباط ماسة من نَاحيَة السوس ودعا لنَفسِهِ وَتسَمى بالهادي وَتمكن ناموسه من قُلُوب الْعَامَّة وَكثير من الْخَاصَّة فَأقبل إِلَيْهِ الشراد من كل جَانب وانصرفت إِلَيْهِ وُجُوه الأغمار من أهل الْآفَاق وَأخذ بدعوته أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة ورجراجة وقبائل تامسنا وهوارة وفشت ضلالته فِي جَمِيع الْمغرب

ص: 110

قَالَ فِي القرطاس بَايعه جَمِيع الْقَبَائِل حَتَّى لم يبْق تَحت طَاعَة عبد الْمُؤمن إِلَّا مراكش فسرح إِلَيْهِ عبد الْمُؤمن عسكرا من الْمُوَحِّدين لنظر يحيى بن إِسْحَاق أنكمار النازع إِلَيْهِ من إيالة تاشفين بن عَليّ حَسْبَمَا تقدم فَالتقى بالماسي وقاتله فانتصر الماسي عَلَيْهِ وَعَاد مهزوما إِلَى عبد الْمُؤمن فسرح إِلَيْهِ عبد الْمُؤمن ثَانِيًا الشَّيْخ أَبَا حَفْص الهنتاتي فِي جَيش عَظِيم من أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وَغَيرهم واحتفل عبد الْمُؤمن فِي الاستعداد ونهض الشَّيْخ أَبُو حَفْص من مراكش فاتح ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وشيعه عبد الْمُؤمن إِلَى وَادي تانسيفت ثمَّ دَعَا لَهُ وودعه وَانْصَرف الشَّيْخ أَبُو حَفْص فِي جيوش الْمُوَحِّدين حَتَّى انْتَهوا إِلَى رابطة ماسة فبرز إِلَيْهِم مُحَمَّد بن هود فِي نَحْو سِتِّينَ ألفا من الرجالة وَسَبْعمائة من الفرسان فَكَانَت بَينهم حَرْب شَدِيدَة ثمَّ انتصر عَلَيْهِم الموحدون فهزموهم وَقتل مُحَمَّد بن هود فِي المعركة مَعَ كثير من أَتْبَاعه وفضت جموعه وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الَّذِي بَاشر قتل ابْن هود هُوَ الشَّيْخ أَبُو حَفْص رَئِيس الْجَيْش فلقبه الموحدون سيف الله تَشْبِيها لَهُ بِخَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه

وَكتب الشَّيْخ أَبُو حَفْص إِلَى عبد الْمُؤمن برسالة الْفَتْح من إنْشَاء الْفَقِيه أبي جَعْفَر بن عَطِيَّة الْقُضَاعِي الْكَاتِب الْمَشْهُور يَقُول فِيهَا كتَابنَا هَذَا من وَادي ماسة بعد مَا تجدّد من أَمر الله الْكَرِيم وَنَصره تَعَالَى الْمَعْهُود الْقَدِيم وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم فتح بهر الْأَنْوَار إشراقا وأحدق بنفوس الْمُؤمنِينَ إحداقا وَنبهَ للأماني النائمة جفونا وأحداقا واستغرق غَايَة الشُّكْر استغراقا فَلَا تطِيق الألسن لكنه وَصفه إدراكا وَلَا لحَاقًا جمع أشتات الطّلب والأرب وتقلب فِي النعم أكْرم مُنْقَلب وملأ دلاء الأمل إِلَى عقد الكرب

(فتح تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لَهُ

وتبرز الأَرْض فِي أثوابها القشب)

ص: 111

وَتَقَدَّمت بشارتنا بِهِ جملَة حِين لم تعط الْحَال بشرحه مهلة كَانَ أُولَئِكَ الضالون قد بطروا عُدْوانًا وظلما واقتطعوا الْكفْر معنى واسما وأملى الله تَعَالَى لَهُم ليزدادوا إِثْمًا وَكَانَ مقدمهم الشقي قد استمال النُّفُوس بخزعبلاته واستهوى الْقُلُوب بمهولاته وَنصب لَهُ الشَّيْطَان من حبلاته فَأَتَتْهُ المخاطبات من بعد وكثب وانسلت إِلَيْهِ الرُّسُل من كل حدب واعتقدته الخواطر أعجب عجب وَكَانَ الَّذِي قادهم إِلَى ذَلِك وأوردهم تِلْكَ المهالك وُصُول من كَانَ بِتِلْكَ السواحل مِمَّن ارتسم برسم الإنقطاع عَن النَّاس فِيمَا سلف من الأعوام واشتغل على زَعمه بِالْقيامِ وَالصِّيَام آنَاء اللَّيَالِي وَالْأَيَّام لبسوا الناموس أثوابا وتدرعوا الرِّيَاء جلبابا فَلم يفتح الله تَعَالَى لَهُم للتوفيق بَابا

وَمِنْهَا فِي ذكر صَاحبهمْ الماسي الْمُدَّعِي للهداية فصرع بِحَمْد الله تَعَالَى لحينه وبادرت إِلَيْهِ بَوَادِر منونه وأتته وافدات الْخَطَايَا عَن يسَاره وَيَمِينه وَقد كَانَ يدعى أَنه بشر بِأَن الْمنية فِي هَذِه الأعوام لَا تصيبه والنوائب لَا تنوبه وَيَقُول فِي سواهُ قولا كثيرا ويختلق على الله تَعَالَى إفكا وزورا فَلَمَّا رَأَوْا هَيْئَة اضطجاعه وَمَا خطته الأسنة فِي أَعْضَائِهِ وأضلاعه وَنفذ فِيهِ من أَمر الله تَعَالَى مَا لم يقدروا على استرجاعه هزم من كَانَ لَهُم من الْأَحْزَاب وتساقطوا على وجوهم تساقط الذُّبَاب وأعطوا على بكرَة أَبِيهِم صفحات الرّقاب وَلم تقطر كلومهم إِلَّا على الأعقاب فامتلأت تِلْكَ الْجِهَات بأجسامهم وآذنت الْآجَال بانقراض آمادهم وَأَخذهم الله تَعَالَى بكفرهم وفسادهم فَلم يعاين مِنْهُم إِلَّا من خر صَرِيعًا وَسَقَى الأَرْض نجيعا وَلَقي من أَمر الهنديات فظيعا ودعت الضَّرُورَة باقيهم إِلَى الترامي فِي الْوَادي فَمن كَانَ يؤمل الْفِرَار ويرتجيه ويسبح طامعا فِي الْخُرُوج إِلَى مَا ينجيه اختطفته الأسنة اختطافا وأذاقته موتا ذعافا وَمن لج فِي الترامي على لججه ورام الْبَقَاء فِي ثبجه قضى عَلَيْهِ شرقه وألوى بذقنه غرقه وَدخل

ص: 112