الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاة النَّاصِر رحمه الله
قَالَ ابْن أبي زرع لما قدم النَّاصِر إِلَى مراكش منصرفا من وقْعَة الْعقَاب أَخذ الْبيعَة لوَلَده يُوسُف الملقب بالمنتصر فَبَايعهُ كَافَّة الْمُوَحِّدين وخطب لَهُ على جَمِيع مَنَابِر الْمغرب والأندلس فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من ذِي الْحجَّة سنة تسع وسِتمِائَة
وَلما تمت لَهُ الْبيعَة دخل النَّاصِر قصره واحتجب فِيهِ عَن النَّاس وانغمس فِي لذاته مصطحبا ومغتبقا إِلَى شعْبَان من سنة عشر وسِتمِائَة فَمَاتَ مسموما بتدبير وزرائه عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَالَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي عشر من شعْبَان الْمَذْكُور
وَقَالَ ابْن خلكان تَقول المغاربة إِن النَّاصِر رحمه الله كَانَ قد أوصى إِلَى عبيده المشتغلين بحراسة بستانه بمراكش أَن كل من ظهر لَهُم بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُبَاح الدَّم لَهُم ثمَّ أَرَادَ أَن يختبر قدر أمره عِنْدهم فتنكد وَجعل يمشي فِي الْبُسْتَان لَيْلًا فعندما رَأَوْهُ جَعَلُوهُ غَرضا لرماحهم فَجعل يَقُول أَنا الْخَلِيفَة أَنا الْخَلِيفَة فَمَا تحققوه حَتَّى فرغوا مِنْهُ وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك
قلت الصَّحِيح فِي وَفَاة النَّاصِر مَا ذكره الْوَزير ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل قَالَ ثمَّ صرف النَّاصِر وَجهه إِلَى غَزْو الأندلس فِي عزم لم يبلغ إِلَيْهِ ملك قبله وَلما احتل رِبَاط الْفَتْح من سلا نزل بِهِ الْمَوْت فَتوفي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عَاشر شعْبَان سنة عشر وسِتمِائَة فانحل الْعَزْم وَتَفَرَّقَتْ الجموع والبقاء لَهُ وَحده
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف الْمُنْتَصر بِاللَّه ابْن النَّاصِر بن الْمَنْصُور رحمه الله
لما هلك مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بُويِعَ ابْنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْمَنْصُور وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة ولقب بالمنتصر بِاللَّه وَغلب عَلَيْهِ الْوَزير أَبُو سعيد بن جَامع ومشيخة الْمُوَحِّدين فَقَامُوا بأَمْره واستبدوا عَلَيْهِ وتأخرت بيعَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص من إفريقية لصِغَر سنّ الْمُنْتَصر ثمَّ وَقعت المحاولة من الْوَزير ابْن جَامع وَصَاحب الأشغال عبد الْعَزِيز بن أبي زيد فوصلت بيعَته حِينَئِذٍ واشتغل الْمُنْتَصر عَن تَدْبِير الْأَمر وَالْجهَاد بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّبَاب
وَعقد للسادات على عمالات ملكه فعقد للسَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن ويلقب بِالظَّاهِرِ على فاس وأعمالها وَهُوَ أَخُو الْمَنْصُور ووالد عمر المرتضى الْآتِي ذكره وَعقد لِعَمِّهِ السَّيِّد أبي إِسْحَاق بن الْمَنْصُور على إشبيلية وَمَا اضيف إِلَيْهَا ولعمه أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْمَنْصُور على بلنسية وشاطبة وأعمالها ولعمه أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْمَنْصُور على مرسية ودانية وأعمالها وَبعث مَعَه الشَّيْخ أَبَا زيد بن يرجان وَكَانَ من أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين ودهاتهم
وَفِي دولة الْمُنْتَصر هَذَا فشل أَمر الْمُوَحِّدين وَذَهَبت ريحهم وأشرفت دولتهم على الْهَرم وَاسْتولى الفنش على المعاقل الَّتِي أَخذهَا الْمُسلمُونَ وَهزمَ حامية الأندلس فِي كل جِهَة واستبدت السَّادة بالأطراف والتاثت الْأُمُور بالأندلس وَالْمغْرب أجمع أما الأندلس فبتكالب الْعَدو عَلَيْهَا وفناء حماتها وَأما الْمغرب فبخلاء كثير من قراه وأمصاره من وقْعَة الْعقَاب
ثمَّ ظَهرت بَنو مرين بِجِهَة فاس سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَكَانُوا موطنين بصحراء فيجيج وَمَا والاها فاقتحموا الْمغرب فِي هَذِه السنين لخلائه
من الحامية واكتسحوا بسائطه بالغارت وانحازت رعاياه إِلَى المعاقل والحصون وَكَثُرت الشكايات بهم إِلَى الْمُنْتَصر وَهُوَ مُقيم بمراكش فَكتب إِلَى السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم صَاحب فاس يَأْمُرهُ بغزوهم فَخرج إِلَيْهِم وَهُوَ بِبِلَاد الرِّيف فأوقعوا بِهِ وقْعَة شنعاء كَانَت باكورة فتحهم وَعَاد السَّيِّد مفلولا إِلَى فاس وَأَصْحَابه عُرَاة بَين يَدَيْهِ يخصفون عَلَيْهِم من ورق النَّبَات الْمَعْرُوف بالمشعلة فسميت السّنة سنة المشعلة وَكَانُوا قد أَسرُّوا السَّيِّد أَبَا إِبْرَاهِيم ثمَّ عرفوه فأطلقوه ثمَّ صمدت بَنو مرين بعْدهَا إِلَى تازا ففلوا حاميتها وعظمت شوكتهم بالمغرب على مَا نذكرهُ بعد أَن شَاءَ الله
وَفِي سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة هزم الْمُسلمُونَ بقصر أبي دانس من الأندلس وَهِي من الهزائم الْكِبَار الَّتِي تقرب من هزيمَة الْعقَاب لِأَن الْعَدو كَانَ قد نزل قصر أبي دانس وحاصره فَخرج إِلَيْهِ جَيش إشبيلية وجيش قرطبة وجيش جيان وحشود بِلَاد غرب الأندلس لاستنقاذ قصر أبي دانس وَكَانَ ذَلِك بِأَمْر الْمُنْتَصر فَسَارُوا يؤمُّونَ الْعَدو فَلم تقع عينهم على عينه إِلَّا وَقد خامر قُلُوب الْمُسلمين الرعب وولوا الأدبار لما كَانَ قد رسخ فِي نُفُوسهم من بأسه يَوْم الْعقَاب فتكالب الْعَدو بعْدهَا على الْمُسلمين وتمرس بهم وَهَان عَلَيْهِ أَمرهم وخشعت نُفُوسهم لَهُ وَلما فروا مِنْهُ فِي هَذِه الخرجة ركبهمْ بِالسَّيْفِ وقتلهم عَن آخِرهم وَرجع الفنش إِلَى قصر أبي دانس فحاصره حَتَّى اقتحمه عنْوَة وَقتل جَمِيع من بِهِ من الْمُسلمين
وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة توفّي صَاحب إفريقية الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فَبَايع الموحدون بإفريقية ابْنه ابا زيد عبد الرَّحْمَن فَقَامَ بِالْأَمر وأطفأ النائرة وافاض الْعَطاء ومهد النواحي ورتب الْأُمُور حَتَّى ورد كتاب الْمُنْتَصر من مراكش لثَلَاثَة أشهر من ولَايَته بِتَأْخِيرِهِ وتولية السَّيِّد أبي الْعَلَاء الْأَكْبَر مَكَانَهُ وَهُوَ إِدْرِيس بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فَقدم إفريقية فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة ووالى
الهزائم على ابْن غانية الثائر بإفريقية حَتَّى شرد إِلَى الصَّحرَاء وَأَبُو الْعَلَاء هَذَا هُوَ الَّذِي بنى البرجين اللَّذين على بَاب المهدية وحصنها وَهُوَ الَّذِي بنى برج الذَّهَب بإشبيلية أَيَّام ولَايَته عَلَيْهَا فِي دولة أَبِيه وَأقَام أَبُو الْعَلَاء بإفريقية إِلَى أَن توفّي بتونس مِنْهَا فِي شعْبَان سنة عشْرين وسِتمِائَة
وَاسْتولى على إفريقية بعده ابْنه أَبُو زيد بن إِدْرِيس وَسَاءَتْ سيرته فِي النَّاس وَأقَام على ذَلِك إِلَى دولة الْعَادِل عبد الله بن الْمَنْصُور صَاحب مراكش فَعَزله وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص
ثمَّ غلب عَلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص وتداول ملك إفريقية بنوه من بعده واستبدوا بهَا واقتطعوها عَن نظر بني عبد الْمُؤمن أَصْحَاب مراكش فَلم تعد إِلَيْهِم بعد
وَأما يُوسُف الْمُنْتَصر فَإِنَّهُ اسْتمرّ مُقيما بمراكش على لذاته إِلَى أَن توفّي وَكَانَ من خبر وَفَاته أَنه كَانَ مُولَعا باتخاذ الْحَيَوَان واستنتاجه فَكَانَ يُؤْتى إِلَيْهِ بأصناف الْبَقر من الأندلس فيرسلها فِي بستانه الْكَبِير من حَضْرَة مراكش وَيحمل بَعْضهَا على بعض للتناسل فَخرج ذَات يَوْم للتطوف على تِلْكَ الْبَقر وَالنَّظَر إِلَيْهَا فتوسط قطيعا مِنْهَا وَقد ركب فنشيا فأنكرته بقرة شرود كَانَت فِي ذَلِك القطيع فطعنته فِي صَدره طعنة أَتَت عَلَيْهِ من حِينه وَذَلِكَ فِي عشي يَوْم السبت الثَّانِي عشرَة من ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وسِتمِائَة وَلم يخلف إِلَّا حملا من جَارِيَة لَهُ
قَالَ ابْن خلكان لم يكن فِي بني عبد الْمُؤمن أحسن وَجها من الْمُنْتَصر وَلَا أبلغ فِي المخاطبة إِلَّا أَنه كَانَ مشغوفا براحته فَلم يبرح عَن حَضرته فضعفت الدولة فِي أَيَّامه وَالله تَعَالَى أعلم