الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك
لما اجْتمع إِلَى عبد الله بن ياسين من أَشْرَاف صنهاجة نَحْو ألف رجل سماهم المرابطين للزومهم رابطته
وَلما تفقهوا ورسخ فيهم الدّين قَامَ فيهم خَطِيبًا فوعظهم وشوقهم إِلَى الْجنَّة وخوفهم من النَّار وَأمرهمْ بتقوى الله وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَأخْبرهمْ بِمَا فِي ذَلِك من ثَوَاب الله تَعَالَى وعظيم جَزَائِهِ ثمَّ ندبهم إِلَى جِهَاد من خالفهم من قبائل صنهاجة وَقَالَ لَهُم معشر المرابطين إِنَّكُم الْيَوْم جمع كثير نَحْو ألف رجل وَلنْ يغلب ألف من قلَّة وَأَنْتُم وُجُوه قبائلكم ورؤساء عشائركم وَقد أصلحكم الله تَعَالَى وهداكم إِلَى صراطه الْمُسْتَقيم فَوَجَبَ عَلَيْكُم أَن تشكروا نعْمَته عَلَيْكُم بِأَن تأمروا بِالْمَعْرُوفِ وتنهوا عَن الْمُنكر وتجاهدوا فِي الله حق جهاده فَقَالُوا لَهُ أَيهَا الشَّيْخ الْمُبَارك أمرنَا بِمَا شِئْت تجدنا سَامِعين لَك مُطِيعِينَ وَلَو أمرتنا بقتل آبَاءَنَا لفعلنَا فَقَالَ لَهُم اخْرُجُوا على بركَة الله وأنذروا قومكم وخوفوهم عِقَاب الله وأبلغوهم حجَّته فَإِن تَابُوا فَخلوا سبيلهم وَإِن أَبَوا من ذَلِك وتمادوا فِي غيهم ولجوا فِي طغيانهم استعنا بِاللَّه تَعَالَى عَلَيْهِم وجاهدناهم حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَهُوَ خير الْحَاكِمين فَسَار كل رجل مِنْهُم إِلَى قومه وعشيرته فوعظهم وَأَنْذرهُمْ ودعاهم إِلَى الإقلاع عَمَّا هم بسبيله فَلم يرفعوا بذلك رَأْسا
فَخرج إِلَيْهِم عبد الله بن ياسين بِنَفسِهِ وَجمع أَشْيَاخ قبائلهم ووجوهها وَقَرَأَ عَلَيْهِم حجَّة الله ودعاهم إِلَى التَّوْبَة ورغبهم فِي الْجنَّة وخوفهم من النَّار وَأقَام ينذرهم سَبْعَة أَيَّام وهم فِي ذَلِك كُله لَا يلتفتون إِلَى قَوْله وَلَا يزدادون إِلَّا فَسَادًا فَلَمَّا يئس مِنْهُم قَالَ لأَصْحَابه قد أبلغنا فِي الْحجَّة
وأنذرنا وأعذرنا وَقد وَجب علينا الْآن جهادهم فاغزوهم على بركَة الله فَبَدَأَ أَولا بقبيلة كدالة فغزاهم فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل من المرابطين فَانْهَزَمُوا بَين يَدَيْهِ وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وَأسلم الْبَاقُونَ إسلاما جَدِيدا وَحسنت حَالهم وأدوا مَا يلْزمهُم من كل مَا فرض الله عَلَيْهِم وَكَانَ ذَلِك فِي صفر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة
ثمَّ سَار إِلَى قَبيلَة لمتونة فَنزل عَلَيْهَا وَقَاتلهمْ حَتَّى أظهره الله عَلَيْهِم وأذعنوا إِلَى الطَّاعَة وَبَايَعُوهُ على إِقَامَة الْكتاب وَالسّنة
ثمَّ سَار إِلَى قَبيلَة مسوفة فَقَاتلهُمْ حَتَّى أذعنوا لَهُ وَبَايَعُوهُ على مَا بايعته لمتونة وكدالة
فَلَمَّا رأى ذَلِك سَائِر صنهاجة سارعوا إِلَى التَّوْبَة والمبايعة وأقروا لَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فَكَانَ كل من أَتَاهُ تَائِبًا مِنْهُم يطهره بِأَن يضْربهُ مائَة سَوط ثمَّ يُعلمهُ الْقُرْآن وَشَرَائِع الْإِسْلَام وَكَانَ يَأْمُرهُم بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَأَدَاء الْعشْر وَاتخذ لذَلِك بَيت مَال يجمع فِيهِ مَا يرفع إِلَيْهِ من ذَلِك
ثمَّ أَخذ فِي اشْتِرَاء السِّلَاح وأركاب الجيوش من ذَلِك المَال وَجعل يَغْزُو الْقَبَائِل حَتَّى ملك جَمِيع بِلَاد الصَّحرَاء وذلل قبائلها
ثمَّ جمع أسلاب الْقَتْلَى فِي تِلْكَ الْمَغَازِي وَجعلهَا فَيْئا للمرابطين وَبعث بِمَال دثر مِمَّا اجْتمع لَدَيْهِ من الزكوات والأعشار والأخماس إِلَى طلبة الْعلم بِبِلَاد المصامدة فاشتهر أمره فِي جَمِيع بِلَاد الصَّحرَاء وَمَا والاها من بِلَاد السودَان وبلاد الْقبْلَة وبلاد المصامدة وَسَائِر أقطار الْمغرب وَأَنه قَامَ رجل بكدالة يَدْعُو إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَيحكم بِمَا أنزل الله وَأَنه متواضع زاهد فِي الدُّنْيَا وطار لَهُ ذكر فِي الْعَالم وَتمكن ناموسه من الْقُلُوب وأحبته النَّاس
ثمَّ توفّي يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي على أثر ذَلِك وَحكى ابْن خلدون أَن وَفَاة يحيى بن إِبْرَاهِيم كَانَت قبل اعتزال عبد الله بن ياسين وَأَصْحَابه فِي الجزيرة وَالله أعلم