الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني
لما توفّي أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ولي بعده ابْنه أَبُو الْمعز تاشفين بن عَليّ بِعَهْد من أَبِيه إِلَيْهِ وَأخذ بِطَاعَتِهِ وبيعته أهل العدوتين مَعًا كَمَا كَانُوا فِي عهد أَبِيه
وَكَانَ أَمر عبد الْمُؤمن بن عَليّ يَوْمئِذٍ قد استفحل بتينملل وَسَائِر بِلَاد المصامدة أهل جبل درن قَالَ ابْن الْخَطِيب كَانَ تاشفين بن عَليّ قد اسْتَخْلَفَهُ أَبوهُ على بِلَاد الأندلس ثمَّ استقدمه لمدافعة أَصْحَاب مُحَمَّد بن تومرت مهْدي الْمُوَحِّدين فَلم ينجح أمره بِخِلَاف مَا عوده الله فِي بِلَاد الأندلس من النَّصْر لما قَضَاهُ الله من الإدبار على دولتهم
وَلما خرج عبد الْمُؤمن بن عَليّ من تينملل يُرِيد فتح بِلَاد الْمغرب وَكَانَ مسيره على طَرِيق الْجبَال سير أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف ابْنه تاشفين الْمَذْكُور مُعَارضا لَهُ على طَرِيق السهل وَأَقَامُوا على ذَلِك مُدَّة توفّي أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي أَثْنَائِهَا وأفضى الْأَمر إِلَى ابْنه تاشفين وَهُوَ فِي الْحَرْب
وَقدم أهل مراكش إِسْحَاق بن عَليّ بن تاشفين نَائِبا عَن أَخِيه تاشفين بمراكش وأعمالها وَمضى تاشفين بعد الْبيعَة لَهُ مُتبعا لعبد الْمُؤمن حَتَّى انتهيا تلمسان فَنزل عبد الْمُؤمن بكهف الضَّحَّاك بَين الصخرتين من جبل تيطرى المطل عَلَيْهَا وَنزل تاشفين بالبسيط مِمَّا يَلِي الصفصاف وَوَصله هُنَاكَ مدد صنهاجة من قبل يحيى بن الْعَزِيز صَاحب بجاية مَعَ قائده طَاهِر بن كباب لعصبية الصنهاجية وَفِي يَوْم وُصُوله أشرف على عَسْكَر الْمُوَحِّدين وَكَانَ يدل بإقدام وشجاعة فَقَالَ لجيش لمتونة إِنَّمَا جِئتُكُمْ لأخلصكم من صَاحبكُم عبد الْمُؤمن هَذَا وأرجع إِلَى قومِي فامتعض تاشفين لكلمته وَأذن لَهُ فِي المناجزة فَحمل على الْقَوْم فَرَكبُوا وصمموا للقائه فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ
وبعسكره وَكَانَ الموحدون قد قتلوا قبل ذَلِك الروبرتير قَائِد تاشفين على الرّوم وَقتلُوا عسكره فِي بعض الغارات ثمَّ فتكوا بعسكر ثَالِث من عَسَاكِر تاشفين ونالوا مِنْهُ أعظم النّيل
وَفِي القرطاس زحف المرابطون لقِتَال الْمُوَحِّدين فنهاهم تاشفين فَلم ينْتَهوا وتعلقوا فِي الْجَبَل لقتالهم فهبط عَلَيْهِم الموحدون فهزموهم هزيمَة شنعاء
وَلما توالت هَذِه الوقائع على تاشفين أجمع الرحلة إِلَى وهران فَبعث ابْنه إِبْرَاهِيم ولي عَهده إِلَى مراكش فِي جمَاعَة من لمتونة وَبعث كَاتبا مَعَه أَحْمد بن عَطِيَّة ورحل هُوَ إِلَى وهران سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فَأَقَامَ عَلَيْهَا شهرا ينْتَظر قَائِد أسطوله مُحَمَّد بن مَيْمُون إِلَى أَن وصل إِلَيْهِ من المرية بِعشْرَة أساطيل فأرسى قَرِيبا من مُعَسْكَره وزحف عبد الْمُؤمن من تلمسان وَبعث فِي مقدمته الشَّيْخ أَبَا حَفْص عمر بن يحيى فقدموا وهران وفضوا جموع المرابطين الَّذين بهَا ولجأ تاشفين إِلَى رابية هُنَاكَ فأحدقوا بهَا وأضرموا النيرَان حولهَا حَتَّى إِذا غشيهم اللَّيْل خرج تاشفين من الْحصن رَاكِبًا على فرسه فتردى من بعض حافات الْجَبَل وَهلك لسبع وَعشْرين من رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَنَجَا فل الْعَسْكَر إِلَى وهران فانحصروا مَعَ أَهلهَا حَتَّى جهدهمْ الْعَطش ونزلوا جَمِيعًا على حكم عبد الْمُؤمن يَوْم عيد الْفطر من السّنة الْمَذْكُورَة فَأتى عَلَيْهِم الْقَتْل رحمهم الله
وَقَالَ فِي القرطاس إِن تاشفين بن عَليّ خرج ذَات لَيْلَة وَهُوَ بوهران ليضْرب فِي محلّة الْمُوَحِّدين فتكاثرت عَلَيْهِ الْخَيل وَالرجل ففر أمامهم وَكَانَ بجبل عَال مشرف على الْبَحْر فَظن أَن الأَرْض مُتَّصِلَة بِهِ فَأَهوى من شَاهِق بِإِزَاءِ رابطة وهران فَمَاتَ رحمه الله وَكَانَ ذَلِك فِي لَيْلَة مظْلمَة ممطرة وَهِي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة آنِفا
فَوجدَ من الْغَد بِإِزَاءِ الْبَحْر مَيتا فاحتز رَأسه وَحمل إِلَى تينملل فعلق على شَجَرَة هُنَاكَ وَذَلِكَ بعد مُلَازمَة الْحَرْب مَعَ الْمُوَحِّدين فِي الْبَيْدَاء لم يأو إِلَى ظلّ قطّ من يَوْم بُويِعَ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنتَيْن وشهرا وَنصف شهر
وَقَالَ ابْن خلكان لما تَيَقّن تاشفين بن عَليّ أَن دولتهم ستزول أَتَى مَدِينَة وهران وَهِي على الْبَحْر وَقصد أَن يَجْعَلهَا مقره فَإِن غلب على الْأَمر ركب مِنْهَا إِلَى الأندلس وَكَانَ فِي ظَاهر وهران ربوة على الْبَحْر تسمى صلب الْكَلْب وبأعلاها رِبَاط يأوي إِلَيْهِ المتعبدون وَفِي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة صعد تاشفين إِلَى ذَلِك الرِّبَاط ليحضر الْخَتْم فِي جمَاعَة يسيرَة من خواصه وَكَانَ عبد الْمُؤمن بجمعه فِي تاكرارت وَهِي وَطنه وَاتفقَ أَنه أرسل منسرا من الْخَيل إِلَى وهران فوصلوها فِي الْيَوْم السَّادِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان ومقدمهم الشَّيْخ أَبُو حَفْص عمر بن يحيى صَاحب الْمهْدي فكمنوا عَشِيَّة وأعلموا بانفراد تاشفين فِي ذَلِك الرِّبَاط فقصدوه وَأَحَاطُوا بِهِ وأحرقوا بَابه فأيقن الَّذين فِيهِ بِالْهَلَاكِ فَخرج رَاكِبًا فرسه وَشد الركض عَلَيْهِ ليثب الْفرس النَّار وينجو فترامى الْفرس نازيا لروعته وَلم يملكهُ اللجام حَتَّى تردى من جرف هُنَالك إِلَى جِهَة الْبَحْر على حِجَارَة فِي مَحل وعر فتكسر الْفرس وَهلك تاشفين فِي الْوَقْت وَقتل الْخَواص الَّذين كَانُوا مَعَه وَكَانَ عسكره فِي نَاحيَة أُخْرَى لَا علم لَهُم بِمَا جرى فِي ذَلِك اللَّيْل وَجَاء الْخَبَر بذلك إِلَى عبد الْمُؤمن فوصل إِلَى وهران وَسمي ذَلِك الْموضع الَّذِي فِيهِ الرِّبَاط صلب الْفَتْح وَمن ذَلِك الْوَقْت نزل عبد الْمُؤمن من الْجَبَل إِلَى السهل ثمَّ توجه إِلَى تلمسان وَهِي مدينتان قديمَة وحادثة بَينهمَا شوط فرس ثمَّ توجه إِلَى فاس فحاصرها وَاسْتولى عَلَيْهَا سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ قصد مراكش سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعْدهَا فحاصرها أحد عشر شهرا وفيهَا إِسْحَاق بن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين
وَجَمَاعَة من مَشَايِخ دولتهم فقدموه بعد موت أَبِيه عَليّ بن يُوسُف نَائِبا عَن أَخِيه تاشفين فاستولى عَلَيْهَا وَقد بلغ الْقَحْط من أَهلهَا كل مبلغ وَأخرج إِلَيْهِ إِسْحَاق بن عَليّ وَمَعَهُ سير بن الْحَاج وَكَانَ من الشجعان وَمن خَواص دولتهم وَكَانَا مكتوفين وَإِسْحَاق دون بُلُوغ فعزم عبد الْمُؤمن أَن يعْفُو عَن إِسْحَاق لصِغَر سنه فَلم يُوَافقهُ خواصه وَكَانَ لَا يخالفهم فخلى بَينهم وَبَينهمَا فَقَتَلُوهُمَا ثمَّ نزل عبد الْمُؤمن الْقصر وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَقَالَ ابْن خلدون أَقَامَ الموحدون على مراكش تِسْعَة اشهر وأمير الملثمين يَوْمئِذٍ إِسْحَاق بن عَليّ بن يُوسُف بَايعُوهُ صَبيا صَغِيرا عِنْد بُلُوغ خبر أَخِيه وَلما طَال عَلَيْهِم الْحصار وَجَهْدهمْ الْجُوع برزوا إِلَى مدافعة الْمُوَحِّدين فَانْهَزَمُوا وتتبعهم الموحدون بِالْقَتْلِ واقتحموا عَلَيْهِم الْمَدِينَة فِي أخريات شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَقتل عَامَّة الملثمين وَنَجَا إِسْحَاق فِي جملَته وأعيان قومه إِلَى القصبة حَتَّى نزلو اعلى حكم الْمُوَحِّدين وأحضر إِسْحَاق بَين يَدي عبد الْمُؤمن فَقتله الموحدون بِأَيْدِيهِم وَتَوَلَّى كبر ذَلِك أَبُو حَفْص عمر بن واكاك مِنْهُم وانمحى أثر الملثمين وَاسْتولى الموحدون على الْبِلَاد وَالله غَالب على أمره
قَالَ ابْن جُنُون كَانَت لمتونة أهل ديانَة وَصدق وَنِيَّة خَالِصَة وَصِحَّة مَذْهَب ملكوا بالأندلس من بِلَاد الإفرنج إِلَى الْبَحْر الغربي الْمُحِيط وَمن بِلَاد العدوة من مَدِينَة بجاية إِلَى جبل الذَّهَب من بِلَاد السودَان وخطب لَهُم على أَزِيد من ألفي مِنْبَر بالتثنية وَكَانَت أيامهم أَيَّام دعة ورفاهية ورخاء مُتَّصِل وعافية وَأمن تناهى الْقَمْح فِي أيامهم إِلَى أَن بيع أَرْبَعَة أوسق بِنصْف مِثْقَال وبيعت الثِّمَار ثَمَانِيَة أوسق بِنصْف مِثْقَال والقطاني لَا تبَاع وَلَا تشترى وَكَانَ ذَلِك مصحوبا بطول أيامهم وَلم يكن فِي عمل من أَعْمَالهم خراج وَلَا مَعُونَة وَلَا تسقيط وَلَا وظيف من الْوَظَائِف المخزونية حاشا الزَّكَاة وَالْعشر وَكَثُرت
الْخيرَات فِي دولتهم وعمرت الْبِلَاد وَوَقعت الْغِبْطَة وَلم يكن فِي أيامهم نفاق وَلَا قطاع طَرِيق وَلَا من يقوم عَلَيْهِم وأحبهم النَّاس إِلَى أَن خرج عَلَيْهِم مُحَمَّد بن تومرت مهْدي الْمُوَحِّدين سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة
وَأما الْأَحْدَاث الْوَاقِعَة فِي أيامهم فَفِي شهر ذِي الْحجَّة من سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ظهر النَّجْم المعكف بالمغرب
وَفِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة كسفت الشَّمْس الْكُسُوف الْكُلِّي الَّذِي لم يعْهَد قبله مثله وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ عِنْد الزَّوَال فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر
وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَسبعين بعْدهَا كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة الَّتِي لم ير النَّاس مثلهَا بالمغرب انهرمت مِنْهَا الْأَبْنِيَة وَوَقعت الصوامع والمنارات وَمَات فيهاخلق كثير تَحت الْهدم وَلم تزل الزلزلة تتعاقب فِي كل يَوْم وَلَيْلَة من أول يَوْم ربيع الأول إِلَى آخر يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة
وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة ولد الْفَقِيه القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْأَصْبَغ الْمَعْرُوف بِابْن المناصف صَاحب الأرجوزة
وَفِي سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة توفّي الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الطلاع
وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة توفّي أَبُو الْفضل يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بِابْن النَّحْوِيّ بقلعة حَمَّاد صحب أَبَا الْحسن اللَّخْمِيّ وَغَيره من الْمَشَايِخ وَكَانَ أَبُو الْفضل من أهل الْعلم وَالدّين على هدي السّلف الصَّالح وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَلما أفتى فُقَهَاء الْمغرب بإحراق كتب الشَّيْخ أبي حَامِد الْغَزالِيّ رضي الله عنه وَأمر أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بحرقها انتصر أَبُو الْفضل هَذَا لأبي حَامِد رحمه الله وَكتب إِلَى أَمِير الْمُسلمين فِي ذَلِك وَحدث صَاحب التشوف وَهُوَ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يحيى التدالي المراكشي الدَّار عرف بِابْن الزيات بِسَنَدِهِ عَن أبي الْحسن عَليّ بن حرزهم
قَالَ لما وصل إِلَى فاس كتاب أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بالتحريج على كتاب الْإِحْيَاء وَأَن يحلف النَّاس بالأيمان الْمُغَلَّظَة أَن كتاب الْإِحْيَاء لَيْسَ عِنْدهم ذهبت إِلَى أبي الْفضل أستفتيه فِي تِلْكَ الْأَيْمَان فَأفْتى بِأَنَّهَا لَا تلْزم وَكَانَت إِلَى جنبه أسفار فَقَالَ لي هَذِه الْأَسْفَار من كتاب الْأَحْيَاء وددت أَنِّي لم أنظر فِي عمري سواهَا وَكَانَ أَبُو الْفضل قد انسخ كتاب الْإِحْيَاء فِي ثَلَاثِينَ جُزْءا فَإِذا دخل شهر رَمَضَان قَرَأَ فِي كل يَوْم جُزْءا ومناقبه كَثِيرَة رحمه الله
قلت لم يَقع فِي دولة المرابطين أشنع من هَذِه النَّازِلَة وَهِي إحراق كتاب الْإِحْيَاء فَإِنَّهُ لما وصلت نُسْخَة إِلَى بِلَاد الْمغرب تصفحها جمَاعَة من فقهائه مُهِمّ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن حمدين فانتقدوا فِيهَا أَشْيَاء على الشَّيْخ أبي حَامِد رضي الله عنه وأعلموا السُّلْطَان بأمرها وأفتوه بِأَنَّهَا يجب إحراقها وَلَا تجوز قرَاءَتهَا بِحَال
وَكَانَ عَليّ بن يُوسُف وَاقِفًا كأبيه عِنْد إِشَارَة الْفُقَهَاء وَأهل الْعلم قد رد جَمِيع الْأَحْكَام إِلَيْهِم فَلَمَّا أفتوه بإحراق كتاب الْإِحْيَاء كتب إِلَى أهل مَمْلَكَته فِي سَائِر الْأَمْصَار والأقطار بِأَن يبْحَث عَن نسخ الْإِحْيَاء بحثا أكيدا وَيحرق مَا عثر عَلَيْهِ مِنْهَا فَجمع من نسخهَا عدد كثير بِبِلَاد الأندلس وَوضعت بِصَحْنِ جَامع قرطبة وصب عَلَيْهَا الزَّيْت ثمَّ أوقد عَلَيْهَا بالنَّار وَكَذَا فعل بِمَا ألفى من نسخهَا بمراكش وتوالى الإحراق عَلَيْهَا فِي سَائِر بِلَاد الْمغرب وَيُقَال إِن ذَلِك كَانَ فِي حَيَاة الشَّيْخ أبي حَامِد رحمه الله وَأَنه دَعَا بِسَبَب ذَلِك على المرابطين أَن يمزق ملكهم فاستجيب لَهُ فيهم فَإِن كَانَ كَذَلِك فتاريخ الإحراق يكون فِيمَا بَين الْخَمْسمِائَةِ وَالْخمس بعْدهَا لِأَن بيعَة عَليّ بن يُوسُف كَانَت على رَأس الْخَمْسمِائَةِ ووفاة الشَّيْخ أبي حَامِد
الْغَزالِيّ رضي الله عنه كَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة
وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة توفّي الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عَطاء الله الصنهاجي الْمَعْرُوف بِابْن العريف كَانَ متناهيا فِي الْفضل وَالدّين والزهد فِي الدُّنْيَا مُنْقَطِعًا إِلَى الْخَيْر يَقْصِدهُ النَّاس ويألفونه فيحمدون صحبته وسعى بِهِ إِلَى أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فَأمر بإشخاصه إِلَى حَضْرَة مراكش فوصلها وَتُوفِّي بهَا لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر من السّنة الْمَذْكُورَة واحتفل النَّاس لجنازته وَنَدم أَمِير الْمُسلمين على مَا كَانَ مِنْهُ لَهُ فِي حَيَاته وَظَهَرت لَهُ كرامات رحمه الله وَدفن بِقرب الْجَامِع الْقَدِيم الَّذِي بوسط مراكش فِي رَوْضَة القَاضِي مُوسَى بن أَحْمد الصنهاجي
قلت وقبره الْآن مَشْهُور بسوق العطارين من مراكش عَلَيْهِ بِنَاء حفيل
وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا أَعنِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة توفّي أَبُو الحكم بن برجان قَالَ ابْن خلكان هُوَ أَبُو الحكم عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن اللَّخْمِيّ عرف بِابْن برجان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء وَبعدهَا جِيم وَبعد الْألف نون وَكَانَ عبدا صَالحا وَله تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم وَأكْثر كَلَامه فِيهِ على طَرِيق أَرْبَاب الْأَحْوَال والمقامات
وَقَالَ فِي التشوف لما أشخص أَبُو الحكم بن برجان من قرطبة إِلَى حَضْرَة مراكش وَكَانَ فُقَهَاء الْعَصْر انتقدوا عَلَيْهِ مسَائِل قَالَ أَبُو الحكم وَالله لَا عِشْت وَلَا عَاشَ الَّذِي أشخصني بعد موتِي يَعْنِي أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فَمَاتَ أَبُو الحكم فَأمر أَمِير الْمُسلمين أَن يطْرَح على المزبلة وَلَا
يصلى عَلَيْهِ وَقد فِيهِ من تكلم فِيهِ من الْفُقَهَاء
وَكَانَ أَبُو الْحسن عَليّ بن حرزهم يَوْمئِذٍ بمراكش فَدخل عَلَيْهِ رجل أسود كَانَ يَخْدمه ويحضر مَجْلِسه فَأخْبرهُ بِمَا أَمر بِهِ السُّلْطَان فِي شَأْن أبي الحكم فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحسن إِن كنت تبيع نَفسك من الله فافعل مَا أقوله لَك فَقَالَ لَهُ مرني بِمَا شِئْت أَفعلهُ فَقَالَ لَهُ تنادي فِي طرق مراكش واسواقها يَقُول لكم ابْن حرزهم احضروا جَنَازَة الشَّيْخ الْفَقِيه الصَّالح الزَّاهِد أبي الحكم بن برجان وَمن قدر على حُضُورهَا وَلم يحضر فَعَلَيهِ لعنة الله فَفعل مَا أمره فَبلغ ذَلِك أَمِير الْمُسلمين فَقَالَ من عرف فَضله وَلم يحضر جنَازَته فَعَلَيهِ لعنة الله
قَالَ ابْن عبد الْملك فِي كتاب الذيل والتكملة أَبُو الحكم بن برجان مدفون بمراكش برحبة الْحِنْطَة مِنْهَا قَالَ وَهُوَ الَّذِي تَقول لَهُ الْعَامَّة سَيِّدي أَبُو الرِّجَال
وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو ينور المشترائي مَوْجُودا فِي هَذِه الْمدَّة إِلَّا أَنِّي لم أَقف على تَارِيخ وَفَاته قَالَ فِي التشوف هُوَ أَبُو ينور عبد الله بن واكريس الدكالي من مشتراية من أَشْيَاخ أبي شُعَيْب أَيُّوب السارية كَبِير الشَّأْن من أهل الزّهْد والورع حدثوا عَنهُ أَنه مَاتَ أَخُوهُ فَتزَوج امْرَأَته فَقدمت إِلَيْهِ طَعَاما يَأْكُلهُ فَوَقع فِي نَفسه أَن فِيهِ نصيب الْأَيْتَام الَّذين هم أَوْلَاد أَخِيه فَأمْسك عَنهُ وَبَات طاويا وجاءه رجل من أَشْيَاخ مشتراية فَقَالَ لَهُ إِن عَامل عَليّ بن يُوسُف تهددني بِالْقَتْلِ والصلب وَقد خرج من مراكش مُتَوَجها إِلَى دكالة فَقَالَ لَهُ أَبُو ينور رده الله عَنْك فَسَار إِلَى أَن بَقِي بَينه وَبَين قَرْيَة يليسكاون وَهِي أمتِي تسميها الْعَامَّة بوسكاون نصف يَوْم فَأصَاب الْعَامِل وجع قضى عَلَيْهِ من حِينه
وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ثار القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن حمدين بقرطبة مَعَ الْعَامَّة على المرابطين فَقَتلهُمْ وَالله وَارِث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَهُوَ خير الْوَارِثين