المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدولة الموحدية الخبر عن دولة الموحدين من المصامدة وقيامها على يد محمد بن تومرت المعروف بالمهدي - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌الدولة الموحدية الخبر عن دولة الموحدين من المصامدة وقيامها على يد محمد بن تومرت المعروف بالمهدي

‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

قَالَ ابْن خلدون كَانَ للمصامدة فِي صدر الْإِسْلَام بجبال درن عدد وَقُوَّة وَطَاعَة للدّين وَمُخَالفَة لإخوانهم برغواطة فِي نحلة كفرهم وَكَانَ مِنْهُم قبل الْإِسْلَام مُلُوك وأمراء وَلَهُم مَعَ لمتونة مُلُوك الْمغرب حروب وَفتن أيامهم حَتَّى كَانَ اجْتِمَاعهم على الْمهْدي وقيامهم بدعوته فَكَانَت لَهُم دولة عَظِيمَة أدالت من لمتونة بالعدوتين وَمن صنهاجة بإفريقية حَسْبَمَا هُوَ مَشْهُور وَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ وأصل الْمهْدي من هرغة من بطُون المصامدة يُسمى أَبوهُ عبد الله وتومرت وَكَانَ يلقب فِي صغره أَيْضا أمغار غَار وَزعم كثير من المؤرخين أَن نسبه فِي أهل الْبَيْت فبعضهم ينْسبهُ سُلَيْمَان بن عبد الله الْكَامِل بن حسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر وَكَانَ أهل بَيته أهل نسك ورباط وَكَانَت وِلَادَته على مَا عِنْد ابْن خلكان يَوْم عَاشُورَاء سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وشب الْمهْدي قَارِئًا محبا للْعلم ثمَّ ارتحل فِي طلبه إِلَى الْمشرق على رَأس الْمِائَة الْخَامِسَة وَمر بالأندلس وَدخل قرطبة وَهِي يَوْمئِذٍ دَار علم ثمَّ لحق بالإسكندرية وَحج وَدخل الْعرَاق وَلَقي بِهِ جملَة من الْعلمَاء وفحول النظار وَأفَاد علما وَاسِعًا

وَكَانَ يحدث نَفسه بالدولة لِقَوْمِهِ على يَده وَلَقي أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ وفاوضه بِذَات صَدره فِي ذَلِك فأراده عَلَيْهِ

ص: 78

قَالَ ابْن خلكان اجْتمع مُحَمَّد بن تومرت بِأبي حَامِد الْغَزالِيّ والكيا الهراسي والطرطوشي وَغَيرهم وَحج وَأقَام بِمَكَّة مُدَّة مديدة وَحصل قدرا صَالحا من علم الشَّرِيعَة والْحَدِيث النَّبَوِيّ وأصول الْفِقْه وَالدّين وَكَانَ ورعا ناسكا متقشفا مخشوشنا مخلولقا كثير الإطراق بساما فِي وُجُوه النَّاس مُقبلا على الْعِبَادَة لَا يَصْحَبهُ من مَتَاع الدُّنْيَا إِلَّا عَصا وركوة وَكَانَ شجاعا فصيحا فِي لِسَان الْعَرَب والبربر شَدِيد الْإِنْكَار على النَّاس فِيمَا يُخَالف الشَّرْع لَا يقنع فِي أَمر الله بِغَيْر إِظْهَاره وَكَانَ مطبوعا على الإلذاذ بذلك متحملا للأذى من النَّاس بِسَبَبِهِ وناله بِمَكَّة شرفها الله شَيْء من الْمَكْرُوه من أجل ذَلِك فَخرج مِنْهَا إِلَى مصر وَبَالغ فِي الْإِنْكَار فزادوا فِي أَذَاهُ وطردته الْوُلَاة وَكَانَ إِذا خَافَ من الْبَطْش وإيقاع الْفِعْل بِهِ خلط فِي كَلَامه فينسب إِلَى الْجُنُون فَخرج من مصر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَركب الْبَحْر مُتَوَجها إِلَى بِلَاده

وَكَانَ قد رأى فِي مَنَامه وَهُوَ فِي بِلَاد الْمشرق كَأَنَّهُ شرب مَاء الْبَحْر جَمِيعه كرتين فَلَمَّا ركب السَّفِينَة شرع فِي تَغْيِير الْمُنكر على أهل السَّفِينَة وألزمهم إِقَامَة الصَّلَوَات وَقِرَاءَة أحزاب من الْقُرْآن الْعَظِيم وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى انْتهى إِلَى المهدية من أَرض إفريقية وَكَانَ ملكهَا يَوْمئِذٍ يحيى بن تَمِيم بن الْمعز بن باديس الصنهاجي وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَخَمْسمِائة هَكَذَا ذكره ابْن أَخِيه أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن شَدَّاد بن تَمِيم الصنهاجي فِي كتاب الْجمع وَالْبَيَان فِي أَخْبَار القيروان وَقيل إِن ارتحال مُحَمَّد بن تومرت عَن بِلَاد الْمشرق كَانَ سنة عشر وَخَمْسمِائة واجتيازه بِمصْر كَانَ سنة إِحْدَى عشرَة بعْدهَا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

وَلما انْتهى إِلَى المهدية نزل بِمَسْجِد مغلق وَهُوَ على الطَّرِيق وَجلسَ فِي طاق شَارِع إِلَى المحجة ينظر إِلَى الْمَارَّة فَلَا يرى مُنْكرا من آلَة الملاهي أَو أواني الْخمر إِلَّا نزل إِلَيْهَا وَكسرهَا فتسامع النَّاس بِهِ فِي الْبَلَد فجاؤوا إِلَيْهِ

ص: 79

وقرؤوا عَلَيْهِ كتبا من أصُول الدّين فَبلغ خَبره الْأَمِير يحيى فاستدعاه جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَلَمَّا رأى سمته وَسمع كَلَامه أكْرمه وأجله وَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ لَهُ أصلحك الله لرعيتك وَلم يقم بعد ذَلِك بالمهدية إِلَّا أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ انْتقل إِلَى بجاية فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَهُوَ على حَاله فِي الْإِنْكَار فَأخْرج مِنْهَا إِلَى بعض قراها وَاسْمهَا ملالة فَوجدَ بهَا عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْسِي الكومي

وَقَالَ ابْن خلدون انطوى الْمهْدي رَاجعا إِلَى الْمغرب بحرا متفجرا من الْعلم وشهابا واريا من الدّين وَكَانَ قد لَقِي بالمشرق أَئِمَّة الأشعرية من أهل السّنة وَأخذ عَنْهُم وَاسْتحْسن طريقهم فِي الإنتصار للعقائد السلفية والذب عَنْهَا بالحجج الْعَقْلِيَّة الدافعة فِي صدر أهل الْبِدْعَة وَذهب فِي رَأْيهمْ إِلَى تَأْوِيل الْمُتَشَابه من الْآي وَالْأَحَادِيث بعد أَن كَانَ أهل الْمغرب بعزل عَن اتباعهم فِي التَّأْوِيل وَالْأَخْذ برأيهم فِيهِ اقْتِدَاء بالسلف فِي ترك التَّأْوِيل وَإِقْرَار المتشابهات كَمَا جَاءَت فَبَصر الْمهْدي أهل الْمغرب فِي ذَلِك وَحَملهمْ على القَوْل بالتأويل وَالْأَخْذ بمذاهب الأشعرية فِي كَافَّة العقائد وأعلن بإمامتهم وَوُجُوب تقليدهم وَألف العقائد على رَأْيهمْ مثل المرشدة فِي التَّوْحِيد

وَكَانَ من رَأْيه القَوْل بعصمة الإِمَام عَليّ على رَأْي الإمامية من الشِّيعَة وَلم تحفظ عَنهُ فلتة فِي الْبِدْعَة سواهَا واحتل بطرابلس الغرب معنيا بمذهبه ذَلِك مظْهرا للنكير على عُلَمَاء الْمغرب فِي عدولهم عَنهُ آخِذا نَفسه بتدريس الْعلم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مَا اسْتَطَاعَ حَتَّى لَقِي بِسَبَب ذَلِك إذايات فِي نَفسه احتسبها من صَالح عمله

وَلما دخل بجاية وَبهَا يَوْمئِذٍ الْعَزِيز بن الْمَنْصُور بن النَّاصِر بن علناس بن حَمَّاد من أُمَرَاء صنهاجة وَكَانَ من المقترفين فَأَغْلَظ لَهُ ولأتباعه بالنكير وَتعرض يَوْمًا لتغيير بعض الْمُنْكَرَات فِي الطّرق فَوَقَعت بِسَبَبِهَا هيعة نكرها السُّلْطَان والخاصة وائتمروا بِهِ فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب وَلحق بملالة على فَرسَخ مِنْهَا وَبهَا يَوْمئِذٍ بَنو ورياكل من قبائل صنهاجة وَكَانَ لَهُم اعتزاز

ص: 80

ومنعة فآووه وأجاروه وطلبهم السُّلْطَان صَاحب بجاية بِإِسْلَامِهِ إِلَيْهِ فَأَبَوا وأسخطوه وَأقَام بَينهم يدرس الْعلم أَيَّامًا وَكَانَ يجلس إِذا فرغ على صَخْرَة بقارعة الطَّرِيق قَرِيبا من ديار ملالة وَهُنَاكَ لقِيه كَبِير أَصْحَابه عبد الْمُؤمن بن عَليّ حَاجا مَعَ عَمه فأعجب بِعِلْمِهِ وَصرف عزمه إِلَيْهِ فاختص بِهِ وشمر للأخذ عَنهُ

وَفِي كتاب المعرب عَن سيرة مُلُوك الْمغرب أَن الْمهْدي كَانَ قد اطلع على كتاب يُسمى الجفر من عُلُوم أهل الْبَيْت يُقَال إِنَّه عثر عَلَيْهِ عِنْد الشَّيْخ أبي حَامِد الْغَزالِيّ رضي الله عنه وَإنَّهُ رأى فِيهِ صفة رجل يظْهر بالمغرب الْأَقْصَى بمَكَان يُسمى السوس وَهُوَ من ذُرِّيَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الله يكون مقَامه ومدفنه بِموضع من الْمغرب يُسمى باسم هجاء حُرُوفه ت ي ن م ل ل وَرَأى فِيهِ أَيْضا أَن استقامة ذَلِك الْأَمر واستيلائه وتمكنه يكون على يَد رجل من أَصْحَابه هجاء اسْمه ع ب د م وم ن ويجاوز وقته الْمِائَة الْخَامِسَة لِلْهِجْرَةِ فأوقع الله سُبْحَانَهُ فِي نَفسه أَنه الْقَائِم بِهَذَا الْأَمر وَأَن أَوَانه قد أزف فَمَا كَانَ مُحَمَّد يمر بِموضع إِلَّا وَيسْأل عَنهُ وَلَا يرى أحدا إِلَّا أَخذ اسْمه وتفقده حليته

وَكَانَت حلية عبد الْمُؤمن مَعَه فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيق رأى شَابًّا قد بلغ أشده على الصّفة الَّتِي مَعَه فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن تومرت وَقد تجاوزه مَا اسْمك يَا شَاب فَقَالَ عبد الْمُؤمن فَرجع إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ الله أكبر أَنْت بغيتي وَنظر فِي حليته فَوَافَقت مَا عِنْده فَقَالَ لَهُ من أَيْن أَقبلت قَالَ من كومية قَالَ أَيْن مقصدك فَقَالَ الْمشرق قَالَ مَا تبغي قَالَ

ص: 81

علما وشرفا قَالَ قد وجدت علما وشرفا وذكرا أصحبني تنله فوافقه على ذَلِك فَألْقى إِلَيْهِ مُحَمَّد بأَمْره وأودعه سره

قَالَ ابْن خلدون وارتحل الْمهْدي إِلَى الْمغرب وَعبد الْمُؤمن فِي جملَته وَلحق بوانشريس فصحبه مِنْهَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله الوانشريسي الْمَعْرُوف بالبشير

وَقَالَ ابْن خلكان وَكَانَ جميلا فصيحا فِي لغتي الْعَرَب والبربر ففاوضه الْمهْدي فِيمَا عزم عَلَيْهِ من الْقيام فوافقه على ذَلِك أتم مُوَافقَة وَكَانَ البشير مِمَّن تهذب وَقَرَأَ فقها فتذاكرا يَوْمًا فِي كَيْفيَّة الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب فَقَالَ الْمهْدي للبشير أرى أَن تستر مَا أَنْت عَلَيْهِ من الْعلم والفصاحة عَن النَّاس وَتظهر من الْعَجز واللكن والحصر والتعري عَن الْفَضَائِل مَا تشتهر بِهِ عِنْد النَّاس لنتخذ الْخُرُوج عَن ذَلِك واكتساب الْعلم والفصاحة دفْعَة وَاحِدَة سَبِيلا إِلَى الْمَطْلُوب وَيقوم لنا ذَلِك مقَام المعجزة عِنْد حاجتنا إِلَيْهِ فنصدق فِيمَا نقُول فَفعل البشير ذَلِك

ثمَّ لحق الْمهْدي بتلمسان وَقد تسامع النَّاس بِخَبَرِهِ فَأحْضرهُ القَاضِي بهَا وَهُوَ ابْن صَاحب الصَّلَاة ووبخه على منتحله ذَلِك وعَلى خِلَافه لأهل قطره وَظن القَاضِي أَن من الْعدْل نَزعه عَن ذَلِك فَصم عَن قَوْله وَاسْتمرّ على طَرِيقه إِلَى فاس فَنزل بِمَسْجِد طريانة وَأقَام بهَا يدرس الْعلم إِلَى سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ انْتقل إِلَى مكناسة فَنهى بهَا عَن بعض الْمُنْكَرَات فثار إِلَيْهِ الغوغاء وأوجعوه ضربا ثمَّ لحق بمراكش وَأقَام بهَا آخِذا فِي شَأْنه وَلَقي بهَا أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع عِنْد صَلَاة الْجُمُعَة فوعظه وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَلَقي ذَات يَوْم أُخْت أَمِير الْمُسلمين حَاسِرَة قناعها على عَادَة قَومهَا الملثمين فِي زِيّ نِسَائِهِم فوبخها وَدخلت على أَخِيهَا باكية لما نالها من تقريعه ففاوض أَمِير الْمُسلمين الْفُقَهَاء فِي شَأْنه بِمَا وصل إِلَيْهِ من سيرته وَكَانُوا قد ملئوا مِنْهُ حسدا وحفيظة لما كَانَ ينتحل من مَذْهَب

ص: 82

الأشعرية فِي تَأْوِيل الْمُتَشَابه وينكر عَلَيْهِم جمودهم على مَذْهَب السّلف فِي إِقْرَاره كَمَا جَاءَ وَيرى أَن الْجُمْهُور لقنوه تجسيما وَيذْهب إِلَى تكفيرهم بذلك على أحد قولي الأشعرية فِي التَّكْفِير فأغروا الْأَمِير بِهِ فَأحْضرهُ للمناظرة مَعَهم فَكَانَ لَهُ الفلج والظهور عَلَيْهِم

وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ مُحَمَّد الْمهْدي قد استدنى أشخاصا من أهل الْمغرب جلادا فِي القوى الجسمانية أَغْمَارًا وَكَانَ أميل إِلَى الأغمار من أولي الفطن والإستبصار فَاجْتمع لَهُ مِنْهُم سِتَّة نفر سوى أبي مُحَمَّد البشير ثمَّ أَنه رَحل إِلَى أقْصَى الْمغرب وَتوجه فِي أَصْحَابه إِلَى مراكش وملكها يَوْمئِذٍ أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ ملكا عَظِيما حَلِيمًا ورعا عادلا متواضعا وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ رجل يُقَال لَهُ مَالك بن وهيب الأندلسي وَكَانَ عَالما صَالحا زَاد ابْن خلدون عَارِفًا بالنجوم فشرع مُحَمَّد الْمهْدي فِي الْإِنْكَار على جري عَادَته حَتَّى أنكر على ابْنة الْملك فَبلغ خَبره الْملك وَأَنه يتحدث فِي تَغْيِير الدولة فَتحدث مَعَ مَالك بن وهيب فِي أمره فَقَالَ مَالك بن وهيب نَخَاف من فتح بَاب يعسر علينا سَده والرأي أَن تحضر هَذَا الشَّخْص وَأَصْحَابه لنسمع كَلَامهم بِحُضُور جمَاعَة من عُلَمَاء الْبِلَاد فَأجَاب الْملك إِلَى ذَلِك

وَكَانَ الْمهْدي وَأَصْحَابه مقيمين فِي مَسْجِد خراب خَارج الْبَلَد فطلبوهم فَلَمَّا ضمهم الْمجْلس قَالَ الْملك لعلماء بَلَده سلوا هَذَا الرجل مَا يَبْغِي منا فَانْتدبَ لَهُ قَاضِي المرية واسْمه مُحَمَّد بن أسود فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي يذكر عَنْك من الْأَقْوَال فِي حق الْملك الْعَادِل الْحَلِيم المنقاد إِلَى الْحق الْمُؤثر طَاعَة الله تَعَالَى على هَوَاهُ فَقَالَ لَهُ الْمهْدي أما مَا نقل عني فقد

ص: 83

قلته ولي من وَرَائه أَقْوَال وَأما قَوْلك إِنَّه يُؤثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق فقد حضر اعْتِبَار صِحَة هَذَا القَوْل عَنهُ ليعلم بتعرية عَن هَذِه الصّفة إِنَّه مغرور بِمَا تَقولُونَ لَهُ وتضرونه بِهِ مَعَ علمكُم أَن الْحجَّة متوجهة عَلَيْهِ فَهَل بلغك يَا قَاضِي أَن الْخمر تبَاع جهارا وتمشي الْخَنَازِير بَين الْمُسلمين وَتُؤْخَذ أَمْوَال الْيَتَامَى وَعدد من ذَلِك شَيْئا كثيرا فَلَمَّا سمع الْملك كَلَامه ذرفت عَيناهُ وأطرق حَيَاء ففهم الْحَاضِرُونَ من فحوى كَلَامه أَنه طامع فِي المملكة لنَفسِهِ

وَلما رَأَوْا سكُوت الْملك وانخداعه لقَوْله لم يتَكَلَّم أحد مِنْهُم فَقَالَ مَالك بن وهيب وَكَانَ كثير الإجتراء على الْملك أَيهَا الْملك عِنْدِي لنصيحة إِن قبلتها حمدت عَاقبَتهَا وَإِن تركتهَا لم تأمن غائلتها فَقَالَ الْملك مَا هِيَ فَقَالَ إِنِّي أَخَاف عَلَيْك من هَذَا الرجل وَأرى أَن تعتقله وَأَصْحَابه وتنفق عَلَيْهِم كل يَوْم دِينَارا لتكفي شَره وَإِن لم تفعل فلتنفقن عَلَيْهِ خزائنك كلهَا ثمَّ لَا ينفعك ذَلِك فوافقه الْملك على رَأْيه فَقَالَ لَهُ وزيره يقبح بك أَن تبْكي من موعظة رجل ثمَّ تسيء إِلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد وَإِن يظْهر مِنْك الْخَوْف مِنْهُ على عظم ملكك وَهُوَ رجل فَقير لَا يملك سد جوعه فَلَمَّا سمع الْملك كَلَامه أَخَذته عزة النَّفس واستهون أمره فَصَرفهُ وَسَأَلَهُ الدُّعَاء

وَقَالَ ابْن خلدون كَانَ مَالك بن وهيب حزاء ينظر فِي النُّجُوم وَكَانَ الْكُهَّان يتحدثون بِأَن ملكا كَائِنا بالمغرب فِي أمة من البربر ويتغير فِيهِ شكل السَّمَكَة لقران بَين الكوكبين العلويين من السيارة يَقْتَضِي ذَلِك فَقَالَ مَالك بن وهيب احتفظوا بالدولة من الرجل فَإِنَّهُ صَاحب الْقرَان وَالدِّرْهَم المربع فَطَلَبه عَليّ بن يُوسُف فَفَقدهُ وسرح الخيالة فِي طلبه ففاتهم

وَحكى صَاحب المعرب إِن الْمهْدي لما خرج من عِنْد أَمِير الْمُسلمين لم يزل وَجهه تِلْقَاء وَجهه إِلَى أَن فَارقه فَقيل لَهُ نرَاك قد تأدبت مَعَ الْملك إِذْ لم توله ظهرك فَقَالَ أردْت أَن لَا يُفَارق وَجْهي الْبَاطِل حَتَّى أغيره مَا اسْتَطَعْت اه كَلَامه

ص: 84

فَلَمَّا خرج الْمهْدي وَأَصْحَابه من عِنْد الْملك قَالَ لَهُم لَا مقَام لكم هُنَا بمراكش مَعَ وجود مَالك بن وهيب فَمَا نَأْمَن أَن يعاود الْملك فِي أمرنَا فينالنا مِنْهُ مَكْرُوه وَإِن لنا بِمَدِينَة أغمات أَخا فِي الله فنقصد الْمُرُور بِهِ فَلَنْ نعدم مِنْهُ رَأيا وَدُعَاء صَالحا وَاسم هَذَا الشَّخْص عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ من فُقَهَاء المصامدة فَخَرجُوا إِلَيْهِ ونزلوا عَلَيْهِ وَأخْبرهُ مُحَمَّد بن تومرت خبرهم وأطلعه على مقصدهم وَمَا جرى لَهُ مَعَ الْملك فَقَالَ عبد الْحق هَذَا الْموضع لَا يحميكم وَإِن أحصن الْمَوَاضِع الْمُجَاورَة لهَذَا الْبَلَد تينملل وبيننا وَبَينهَا مَسَافَة يَوْم فِي هَذَا الْجَبَل فانقطعوا فِيهِ بُرْهَة ريثما يتناسى ذكركُمْ فَلَمَّا سمع الْمهْدي بِهَذَا الإسم تجدّد لَهُ ذكر اسْم الْموضع الَّذِي رَآهُ فِي كتاب الجفر فقصده مَعَ أَصْحَابه

وَقَالَ ابْن خلدون لما لحق الْمهْدي بأغمات غير الْمُنْكَرَات على عَادَته فأغرى بِهِ أهل أغمات عَليّ بن يُوسُف وطيروا إِلَيْهِ بِخَبَرِهِ فَخرج مِنْهَا هُوَ وتلامذته الَّذين كَانُوا مَعَه فِي صحبته فلحق أَولا بمسفيوة ثمَّ بهنتاتة ولقيه بهَا الشَّيْخ أَبُو حَفْص عمر بن يحيى الهنتاتي جد الْمُلُوك الحفصيين أَصْحَاب تونس وإفريقية ثمَّ ارتحل الْمهْدي عَنْهُم إِلَى هرغة فَنزل على قومه وَذَلِكَ سنة خمس عشر وَخَمْسمِائة وَبنى رابطة للعباد فَاجْتمع عَلَيْهِ الطّلبَة من الْقَبَائِل وَأخذ يعلمهُمْ المرشدة لَهُ فِي التَّوْحِيد بِاللِّسَانِ الْبَرْبَرِي وشاع أمره

ثمَّ دَاخل عَامل لمتونة على السوس أُنَاسًا من هرغة فِي قَتله وَنذر بهم إخْوَانهمْ فنقلوا الْمهْدي إِلَى معقل من أشياعهم وَقتلُوا من دَاخل فِي أمره ودعوا المصامدة إِلَى مبايعته على التَّوْحِيد وقتال المجسمة دونه سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة فَتقدم إِلَيْهَا رجالاتهم من الْعشْرَة وَغَيرهم وَكَانَ فيهم من هنتاتة أَبُو حَفْص عمر بن يحيى وَأَبُو يحيى بن يكيت ويوسف بن وانودين وَابْن يغمور وَمن تينملل أَبُو حَفْص عمر بن عَليّ الصناكي

ص: 85

وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان وَعمر بن تافراكين وَغَيرهم وأوعيت قَبيلَة هرغة فَدَخَلُوا فِي أمره كلهم ثمَّ دخل مَعَهم كدميوة وكنفيسة

وَلما كملت بيعَته لقبوه بالمهدي وَكَانَ قبلهَا يلقب بِالْإِمَامِ وَكَانَ يُسمى أَصْحَابه الطّلبَة وَأهل دَعوته الْمُوَحِّدين تعريضا بلمتونة فِي أَخذهم بالعدول على التَّأْوِيل وميلهم إِلَى التجسم

وَلما تمّ لَهُ من أَصْحَابه خَمْسُونَ سماهم آيت الْخمسين ثمَّ زحف إِلَيْهِم عَامل لمتونة على السوس وهم بمكانهم من هرغة فاستجاشوا إخْوَانهمْ من هنتاتة وتينملل فَاجْتمعُوا إِلَيْهِم وأوقعوا بعكسر لمتونة فَكَانَت تِلْكَ باكورة الْفَتْح وَكَانَ الْمهْدي يعدهم بذلك فاستبصروا فِي أمره وتسابقت كافتهم إِلَى الدُّخُول فِي دَعوته وترددت إِلَيْهِم عَسَاكِر لمتونة مرّة بعد أُخْرَى ففضوهم وانتقل لثلاث سِنِين من بيعَته إِلَى جبل تينملل فأوطنه وَبنى دَاره ومسجده بَينهم وحوالي منبع وَادي نَفِيس وَقَاتل من تخلف عَن بيعَته من المصامدة حَتَّى استقاموا لَهُ هَذَا كَلَام ابْن خلدون فِي سِيَاقه هَذَا الْخَبَر جِئْنَا بِهِ مُخْتَصرا

وَاقْتضى كَلَام ابْن خلكان أَن ظُهُور الْمهْدي ومبايعته لم تكن إِلَّا بتينملل فَإِنَّهُ قد عقب مَا سبق لَهُ من أَن الْفَقِيه عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم المصمودي أَشَارَ على الْمهْدي بِالْمَسِيرِ إِلَى تينملل وَأَن الْمهْدي لما سمع هَذَا الإسم تجدّد لَهُ ذكر فِيهِ فقصده مَعَ أَصْحَابه فَلَمَّا أَتَوْهُ رَآهُمْ أَهله على تِلْكَ الصُّورَة فَعَلمُوا أَنهم طلاب علم فَقَامُوا إِلَيْهِم وأكرموهم وتلقوهم بالترحاب وأنزلوهم فِي أكْرم مَنَازِلهمْ وَسَأَلَ أَمِير الْمُسلمين عَنْهُم بعد خُرُوجهمْ من مَجْلِسه فَقيل لَهُ إِنَّهُم سافروا فسره ذَلِك وَقَالَ تخلصنا من الْإِثْم بحبسهم ثمَّ إِن أهل الْجَبَل تسامعوا بوصول الْمهْدي إِلَيْهِم وَكَانَ قد سَار فيهم ذكره فجاؤوه من كل فج عميق وتبركوا بزيارته وَكَانَ كل من أَتَاهُ استدناه وَعرض عَلَيْهِ مَا فِي نَفسه من الْخُرُوج على السُّلْطَان فَإِن

ص: 86

أَجَابَهُ أَضَافَهُ إِلَى خواصه وَإِن خَالفه أعرض عَنهُ وَكَانَ يستميل الْأَحْدَاث وَذَوي الْغرَّة وَكَانَ ذَوُو الحنكة وَالْعقل والحلم من أَهَالِيهمْ ينهونهم ويحذرونهم من اتِّبَاعه ويخوفونهم سطوة السُّلْطَان فَكَانَ لَا يتم لَهُ مَعَ ذَلِك أَمر وطالت الْمدَّة وَخَافَ الْمهْدي من مفاجأة الْأَجَل قبل بُلُوغ الأمل وخشي أَن يطْرق على أهل الْجَبَل من جِهَة الْملك مَا يحوجهم إِلَى استسلامه إِلَيْهِ والتخلي عَنهُ فشرع فِي إِعْمَال الْحِيلَة فِيمَا يشاركونه فِيهِ ليعصوا على الْملك بِسَبَبِهِ فَرَأى بعض أَوْلَاد الْقَوْم شقرا زرقا وألوان آبَائِهِم السمرَة والكحل فَسَأَلَهُمْ عَن سَبَب ذَلِك فَلم يُجِيبُوهُ فألزمهم الْإِجَابَة فَقَالُوا نَحن من رعية هَذَا الْملك وَله علينا خراج وَفِي كل سنة تصعد مماليكه إِلَيْنَا وينزلون فِي بُيُوتنَا ويخرجوننا عَنْهَا ويختلون بِمن فِيهَا من النِّسَاء فتأتي أَوْلَادنَا على هَذِه الصّفة وَمَا لنا قدرَة على دفع ذَلِك عَنَّا فَقَالَ الْمهْدي وَالله إِن الْمَوْت خير من هَذِه الْحَيَاة وَكَيف رَضِيتُمْ بِهَذَا وَأَنْتُم أضْرب خلق الله بِالسَّيْفِ وأطعنهم بِالرُّمْحِ فَقَالُوا بالرغم لَا بالرضى فَقَالَ أَرَأَيْتُم لَو أَن ناصرا نصركم على أعدائكم مَا كُنْتُم تَصْنَعُونَ قَالُوا كُنَّا نقدم أَنْفُسنَا بَين يَدَيْهِ للْمَوْت ثمَّ قَالُوا من هُوَ قَالَ هُوَ ضيفكم يَعْنِي نَفسه فَقَالُوا السّمع وَالطَّاعَة وَكَانُوا يغالون فِي تَعْظِيمه فَأخذ عَلَيْهِم العهود والمواثيق وَاطْمَأَنَّ قلبه ثمَّ قَالَ لَهُم اسْتَعدوا لحضور هَؤُلَاءِ بِالسِّلَاحِ فَإِذا جاؤوكم فأجروهم على عَادَتهم وخلوا بَينهم وَبَين النِّسَاء وميلوا عَلَيْهِم بالخمور فَإِذا سَكِرُوا فآذنوني بهم

فَلَمَّا حضر المماليك وَفعل بهم أهل الْجَبَل مَا أَشَارَ بِهِ الْمهْدي وَكَانَ ذَلِك لَيْلًا أعلموه بذلك أَمر بِقَتْلِهِم كلهم فَلم يمض من اللَّيْل سَاعَة حَتَّى أَتَوا على آخِرهم وَلم يفلت مِنْهُم سوى مَمْلُوك وَاحِد كَانَ خَارج الْمنَازل لحَاجَة لَهُ فَسمع التَّكْبِير عَلَيْهِم والإيقاع بهم فهرب على غير الطَّرِيق حَتَّى خلص من الْجَبَل وَلحق بمراكش فَأخْبر الْملك بِمَا جرى فندم على فَوَات

ص: 87

مُحَمَّد بن تومرت من يَده وَعلم أَن الحزم كَانَ مَعَ مَالك بن وهيب فِيمَا أَشَارَ بِهِ فَجهز من وقته خيلا بِمِقْدَار مَا يسع وَادي تينملل فَإِنَّهُ ضيق المسلك

وَعلم الْمهْدي أَنه لَا بُد من عَسْكَر يصل إِلَيْهِم فَأمر أهل الْجَبَل بالقعود على أنقاب الْوَادي ومراصده واستنجد لَهُم بعض المجاورين فَلَمَّا وصلت الْخَيل إِلَيْهِم أَقبلت عَلَيْهِم الْحِجَارَة من جَانِبي الْوَادي مثل الْمَطَر وَكَانَ ذَلِك من أول النَّهَار إِلَى آخِره وَحَال بَينهم اللَّيْل فَرجع الْعَسْكَر إِلَى الْملك وَأَخْبرُوهُ بِمَا تمّ لَهُم فَعلم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بِأَهْل الْجَبَل لتحصنهم فَأَعْرض عَنْهُم

وَتحقّق الْمهْدي ذَلِك مِنْهُ وصفت لَهُ مَوَدَّة أهل الْجَبَل فَعِنْدَ ذَلِك استدعى أَبَا مُحَمَّد البشير وَقَالَ لَهُ هَذَا أَوَان إِظْهَار فضائلك دفْعَة وَاحِدَة ليقوم لَك مقَام المعجزة لنستميل بذلك قُلُوب من لم يدْخل فِي الطَّاعَة ثمَّ اتفقَا على أَنه يُصَلِّي الصُّبْح وَيَقُول بِلِسَان فصيح بعد اسْتِعْمَال العجمة واللكنة فِي تِلْكَ الْمدَّة إِنِّي رَأَيْت البارحة فِي مَنَامِي أَنه نزل إِلَيّ ملكان من السَّمَاء وشقا فُؤَادِي وغسلاه وحشواه علما وَحِكْمَة وقرآنا فَلَمَّا أصبح فعل ذَلِك وَهُوَ فصل يطول شَرحه فانقاد لَهُ كل صَعب القياد وعجبوا من حَاله وَحفظه الْقُرْآن فِي النّوم فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن تومرت فَعجل لنا بالبشرى فِي أَنْفُسنَا وعرفنا أسعداء نَحن أم أشقياء فَقَالَ لَهُ أما أَنْت فَإنَّك الْمهْدي الْقَائِم بِأَمْر الله وَمن تبعك سعد وَمن خالفك هلك ثمَّ قَالَ اعْرِض أَصْحَابك عَليّ حَتَّى أميز أهل الْجنَّة من أهل النَّار وَعمل فِي ذَلِك حِيلَة قتل بهَا كل من خَالف أَمر مُحَمَّد بن تومرت وَأبقى من أطاعه وَشرح ذَلِك يطول

وَكَانَ غَرَضه أَن لَا يبْقى فِي الْجَبَل مُخَالفا لَهُم فَلَمَّا قتل من قتل علم مُحَمَّد بن تومرت أَن فِي البَاقِينَ من لَهُ أهل وعشيرة قتلوا وَأَنَّهُمْ لَا تطيب

ص: 88

نُفُوسهم بذلك فَجَمعهُمْ وبشرهم بانتقال ملك مراكش إِلَيْهِم واغتنام أَمْوَالهم فسرهم ذَلِك وسلاهم عَن أهلهم وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن تَفْصِيل هَذِه الْوَاقِعَة طَوِيل ولسنا بصدد ذَلِك

وخلاصة الْأَمر أَن مُحَمَّد بن تومرت لم يزل حَتَّى جهز جَيْشًا عدد رِجَاله عشرَة آلَاف بَين فَارس وراجل وَفِيهِمْ عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَأَبُو مُحَمَّد البشير وَأَصْحَابه كلهم وَأقَام هُوَ بِالْجَبَلِ فَنزل الْقَوْم لحصار مراكش وَأَقَامُوا عَلَيْهَا شهرا ثمَّ كسروا كسرة شنيعة وهرب من سلم مِنْهُم من الْقَتْل

وَكَانَ فِيمَن سلم عبد الْمُؤمن وَقتل البشير وَبلغ الْخَبَر الْمهْدي وَهُوَ بِالْجَبَلِ وَقد حَضرته الْوَفَاة قبل عود أَصْحَابه إِلَيْهِ فأوصى من حضر أَن يبلغ الغائبين إِن النَّصْر لَهُم وَإِن الْعَاقِبَة حميدة فَلَا يضجروا وليعاودوا الْقِتَال فَإِن الله سبحانه وتعالى سيفتح على أَيْديهم وَإِن الْحَرْب سِجَال وَإِنَّكُمْ ستقوون ويضعفون ويقلون وتكثرون وَأَنْتُم فِي مبدأ أَمر وهم فِي آخِره وَأَشْبَاه هَذِه الْوَصَايَا وَهِي وَصِيَّة طَوِيلَة اه كَلَام ابْن خلكان

وَقَالَ ابْن خلدون لما كَانَ شَأْن أبي مُحَمَّد البشير وميز الموحد من الْمُنَافِق اعتزم الْمهْدي على غَزْو لمتونة فَجمع كَافَّة أهل دَعوته من المصامدة إِلَيْهِم فَلَقوهُ بكبكب وَهَزَمَهُمْ الموحدون وأتبعوهم إِلَى أغمات فلقيتهم هُنَالك زحوف لمتونة مَعَ أبي بكر بن عَليّ بن يُوسُف وَإِبْرَاهِيم بن تاعماشت فَهَزَمَهُمْ الموحدون وفل إِبْرَاهِيم وجنده واتبعوهم إِلَى مراكش فنزلوا الْبحيرَة فِي زهاء أَرْبَعِينَ ألفا كلهم راجل إِلَّا أَرْبَعمِائَة فَارس واحتفل عَليّ بن يُوسُف فِي الاحتشاد وبرز إِلَيْهِم لأربعين من نزولهم خرج عَلَيْهِم من بَاب آيلان فَهَزَمَهُمْ وأثخن فيهم قتلا وسبيا وفقد البشير واستحر الْقَتْل فِي هيلانة وأبلى عبد الْمُؤمن فِي ذَلِك الْيَوْم أحسن الْبلَاء وَقيل للمهدي إِن الْمُوَحِّدين قد هَلَكُوا فَقَالَ لَهُم مَا فعل عبد الْمُؤمن قَالُوا هُوَ على جَوَاده الأدهم قد أحسن الْبلَاء فَقَالَ مَا بَقِي عبد الْمُؤمن فَلم يهْلك أحد

ص: 89

وَقَالَ ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل كَانَت وقْعَة الْبحيرَة بأحواز مراكش قد استأصلت مُعظم أَصْحَاب الْمهْدي وكادت تَأتي عَلَيْهِم وَمَعَ ذَلِك فَلم تضع مِنْهُ وَلَا وهنت صبره وَكَانَ يَقُول مثل هَذَا الْأَمر كالفجر يتقدمه الْفجْر الْكَاذِب وَبعده ينبلج الصُّبْح ويستعلي الضَّوْء وَيَأْمُرهُمْ باتخاذ مرابط الْخَيل الَّتِي ينالون من فَيْء عدوهم بعْدهَا وَإنَّهُ يُعْطي الرجل على قدر مَا أعد من الرِّبَاط إِلَى غير ذَلِك

فَهَذَا خبر الْمهْدي مُخْتَصرا من ابْن خلدون ممزوجا بِمَا نَقله ابْن خلكان من ذَلِك وَقد سَاق ابْن أبي زرع فِي القرطاس خبر الْمهْدي هَذَا وَفِيه بعض مُخَالفَة لما تقدم فلنأت بِهِ وَإِن أدّى إِلَى بعض التّكْرَار زِيَادَة فِي الإمتاع وتحلية للأسماع فَنَقُول

قَالَ ابْن أبي زرع مَا ملخصه إِن الْمهْدي رَحل إِلَى الْمشرق فِي طلب الْعلم وَلَقي مَشَايِخ وَسمع مِنْهُم وَأخذ عَنْهُم علما كثيرا وَحفظ جملَة من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ونبغ فِي علم الْأُصُول والاعتقادات

وَكَانَ فِي جملَة من لَقِي من الْعلمَاء الشَّيْخ أَحْمد الْغَزالِيّ رضي الله عنه لَازمه ثَلَاث سِنِين وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد كثيرا مَا يُشِير إِلَى الْمهْدي وَيَقُول إِنَّه لَا بُد أَن يكون لَهُ شَأْن ونمى الْخَبَر بذلك إِلَى الْمهْدي فَلم يزل يتَقرَّب إِلَى الشَّيْخ بأنواع الْخدمَة حَتَّى أطلعه على مَا عِنْده من الْعلم فِي ذَلِك فَلَمَّا تحققت عِنْده الْحَال استخار الله وعزم على الترحال فَخرج قَاصِدا بِلَاد الْمغرب غرَّة ربيع الأول سنة عشر وَخَمْسمِائة ولازم فِي طَرِيقه درس الْعلم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِلَى أَن اجْتمع بِهِ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فَبَايعهُ على مؤازرته فِي الشدَّة والرخاء والعسر واليسر ثمَّ قدم بِلَاد الْمغرب وَاسْتقر بمراكش وَكَانَت لَهُ فصاحة وَعَلِيهِ مهابة فَأخذ يطعن على المرابطين وينسبهم إِلَى الْكفْر والتجسيم ويشيع عِنْد من يَثِق بِهِ ويسكن إِلَيْهِ أَنه الْمهْدي المنتظر الَّذِي يمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا وَجرى مِنْهُ

ص: 90

بمراكش من تَغْيِير الْمُنكر وَنَحْوه مَا تقدم ذكره فاتصل خَبره بعلي بن يُوسُف اللمتوني فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي بلغنَا عَنْك فَقَالَ إِنَّمَا أَنا رجل فَقير أطلب الْآخِرَة وآمر بِالْمَعْرُوفِ وأنهى عَن الْمُنكر وَأَنت أَيهَا الْملك أولى من يفعل ذَلِك فَإنَّك المسؤول عَنهُ وَقد ظَهرت بمملكتك الْمُنْكَرَات وفشت الْبدع وَقد وَجب الله عَلَيْك إحْيَاء السّنة وإماتة الْبِدْعَة وَقد عَابَ الله تَعَالَى أمة تركُوا النَّهْي عَن الْمُنكر فَقَالَ {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فَلَمَّا سمع أَمِير الْمُسلمين كَلَامه تأثر لَهُ وَأَخذه وأطرق مفكرا ثمَّ أَمر بإحضار الْفُقَهَاء فَحَضَرَ مِنْهُم مَا أغص الْمجْلس ثمَّ قَالَ أَمِير الْمُسلمين اختبروا الرجل فَإِن كَانَ عَالما اتبعناه وَإِلَّا أدبناه وَكَانَ الْمهْدي فصيحا لسنا ذَا معرفَة بالأصول والجدل وَكَانَ الْفُقَهَاء الَّذين حَضَرُوا أَصْحَاب حَدِيث وفروع فدارت بَينهم محاورة ومذاكرة أسكتهم فِيهَا وَبَان عجزهم عَنهُ فعدلوا عَن المذاكرة إِلَّا الممالأة وَأغْروا بِهِ أَمِير الْمُسلمين وَقَالُوا هَذَا رجل خارجي وَإِن بقى بِالْمَدِينَةِ أفسد عقائد أَهلهَا فَأمره أَمِير الْمُسلمين بِالْخرُوجِ من الْبَلَد فَخرج إِلَى الْجَبانَة وَضرب بهَا خيمة جلس فِيهَا وَصَارَ الطّلبَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ لأخذ الْعلم عَنهُ فَكثر جمعه وأحبته الْعَامَّة وعظموه

وانْتهى خَبره إِلَى أَمِير الْمُسلمين ثَانِيًا وَنقل إِلَيْهِ أَنه يطعن على الدولة فَأحْضرهُ مرّة أُخْرَى وَقَالَ لَهُ أَيهَا الرجل اتَّقِ الله فِي نَفسك ألم أَنْهَك عَن عقد الجموع والمحازب وأمرتك بِالْخرُوجِ من الْبَلَد فَقَالَ أَيهَا الْملك قد امتثلت أَمرك وَخرجت من الْمَدِينَة إِلَى الْجَبانَة واشتغلت بِمَا يعنيني فَلَا تسمع لأقوال المبطلين فتوعده أَمِير الْمُسلمين وهم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ ثمَّ عصمه الله مِنْهُ ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا

وَلما انْفَصل الْمهْدي عَن الْمجْلس أغرى الْحَاضِرُونَ أَمِير الْمُسلمين بِهِ وشرحوا لَهُ جلية أمره وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فاستدرك أَمِير الْمُسلمين فِيهِ رَأْيه

ص: 91

وَبعث إِلَيْهِ من يَأْتِيهِ بِرَأْسِهِ فَسمع بذلك بعض بطانته فَمر مسرعا حَتَّى إِذا قرب من الْخَيْمَة قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {يَا مُوسَى إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك} فَسَمعَهَا الْمهْدي وفطن لَهَا فانسل من حِينه وَخرج حَتَّى أَتَى تينملل فَأَقَامَ بهَا وَذَلِكَ فِي شَوَّال سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ لحق بِهِ أَصْحَابه الْعشْرَة السَّابِقُونَ إِلَى دَعوته والمصدقون بإمامته وهم عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وَأَبُو مُحَمَّد البشير الوانشريسي وَأَبُو حَفْص عمر بن يحيى الهنتاتي وَأَبُو يحيى بن يكيت الهنتاتي وَأَبُو حَفْص عمر بن عَليّ آصناك وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الخزرجي وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الْحَضْرَمِيّ وَأَبُو عمرَان مُوسَى بن تمار وَسليمَان بن خلوف وعاشر فأقاموا بتينملل إِلَى رَمَضَان من سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة فَعظم صيته بجبل درن وَكَثُرت أَتْبَاعه فَلَمَّا رأى ذَلِك أظهر دَعوته ودعا النَّاس إِلَى بيعَته فَبَايعهُ الْعشْرَة الْبيعَة الْخَاصَّة عقب صَلَاة الْجُمُعَة خَامِس عشر رَمَضَان من السّنة

وَلما كَانَ الْغَد وَهُوَ يَوْم السبت خرج الْمهْدي فِي أَصْحَابه الْعشْرَة متقلدين السيوف وَتقدم إِلَى الْجَامِع فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب النَّاس وأعلمهم أَنه الْمهْدي المنتظر ودعاهم إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ الْبيعَة الْعَامَّة ثمَّ بَث دعاته فِي بِلَاد المصامدة يدعونَ النَّاس إِلَى بيعَته ويزرعون محبته فِي قُلُوبهم بالثناء عَلَيْهِ وَوَصفه بالزهد وتحري الْحق وَإِظْهَار الكرامات فانثال النَّاس عَلَيْهِ من كل جِهَة وسمى أَتْبَاعه الْمُوَحِّدين ولقنهم عقائد التَّوْحِيد بِاللِّسَانِ الْبَرْبَرِي وَجعل لَهُم فِيهِ الأعشار والأحزاب والسور وَقَالَ من لم يحفظ هَذَا التَّوْحِيد فَلَيْسَ بموحد لَا تجوز إِمَامَته وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته فاستولت محبته على قُلُوبهم وعظموه ظَاهرا وَبَاطنا حَتَّى كَانُوا يستغيثون بِهِ فِي شدائدهم وينوهون باسمه على منابرهم وَلم تزل الْوُفُود تترادف عَلَيْهِ حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ جم غفير فَلَمَّا علم أَن ناموسه قد رسخ وسلطانه قد تمكن قَامَ فيهم خَطِيبًا وندبهم إِلَى جِهَاد المرابطين وأباح لَهُم دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَانْتدبَ النَّاس

ص: 92

لذَلِك وَبَايَعُوهُ على الْمَوْت فانتخب مِنْهُم عشرَة آلَاف من أجناد الْمُوَحِّدين وَقدم عَلَيْهِم أَبَا مُحَمَّد البشير وَعقد لَهُ راية بَيْضَاء ودعا لَهُم وَانْصَرفُوا فصمدوا إِلَى مَدِينَة أغمات

وانْتهى الْخَبَر إِلَى أَمِير الْمُسلمين فَجهز لقتالهم جَيْشًا من الحشم والأجناد فَلَمَّا الْتَقَوْا انتصر عَلَيْهِم الموحدون وهزموهم واتبعوهم حَتَّى أدخلوهم مراكش وحاصروها أَيَّامًا ثمَّ أفرجوا عَنْهَا حِين تكاثرت عَلَيْهِم جيوش لمتونة وَكَانَ ذَلِك ثَالِث شعْبَان سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَقسم الْمهْدي الْغَنَائِم الَّتِي غنموها من عَسْكَر المرابطين وتلا عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} الْآيَة وانتشر ذكر الْمهْدي بِجَمِيعِ أقطار الْمغرب والأندلس وأركب جلّ جَيْشه من خيل المرابطين الَّتِي غنموها ثمَّ غزا مراكش بِنَفسِهِ فعبأ جَيْشه وَسَار حَتَّى نزل بجبل كيليز بِقرب الْمَدِينَة فَأَقَامَ محاصرا لَهَا ثَلَاث سِنِين يباكرها بِالْقِتَالِ ويراوحها من سنة سِتّ عشرَة إِلَى سنة تسع عشرَة

وَلما ضجر من مقَامه هُنَاكَ نَهَضَ إِلَى وَادي نَفِيس وَانْحَدَرَ مَعَ مسيله يَدْعُو النَّاس لطاعته وَيُقَاتل من أَبى مِنْهُم فانقاد لَهُ أهل السهل والجبل وبايعته كدميوة ثمَّ غزا بِلَاد ركراكة فَأَخذهُم بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيد الله وَشَرَائِع دينه وَسَار فِي بِلَاد المصامدة يُقَاتل من أَبى ويسالم من أجَاب فَفتح بلادا كَثِيرَة وَدخل فِي دَعوته عَالم كثير من المصامدة وَرجع إِلَى تينملل فَأَقَامَ بهَا شَهْرَيْن ريثما استراح النَّاس ثمَّ غزا مَدِينَة أغمات وبلاد هزرجة فِي ثَلَاثِينَ ألفا من الْمُوَحِّدين فَاجْتمع على حربه أهل أغمات وهزرجة وَخلق كثير من الحشم ولمتونة وَغَيرهم فانتصر عَلَيْهِم الموحدون فهزموهم وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا وَقسم الْمهْدي أنفالهم بَين الْمُوَحِّدين ثمَّ غزا أهل درن فَفتح قلاعه وحصونه وطاع لَهُ جَمِيع من فِيهِ من قبائل هرغة وهنتاتة وكنفسية وَغَيرهم

ثمَّ عَاد إِلَى تينملل فَأَقَامَ بهَا ريثما استراح النَّاس ثمَّ ندبهم إِلَى غَزْو

ص: 93

مراكش وَجِهَاد المرابطين وَقدم عَلَيْهِم عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَأَبا مُحَمَّد البشير وَخص عبد الْمُؤمن بإمامة الصَّلَاة فَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى أغمات فَلَقِيَهُمْ بهَا أَبُو بكر بن عَليّ بن يُوسُف فِي جَيش كثيف من لمتونة وقبائل صنهاجة فَاقْتَتلُوا ودامت الْحَرْب بَينهم ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ انتصر عَلَيْهِم الموحدون فهزموا أَبَا بكر وجيشه إِلَى مراكش وقتلوهم فِي كل طَرِيق وحصروا مراكش أَيَّامًا ثمَّ رجعُوا إِلَى تينملل فَخرج الْمهْدي للقائهم فَرَحَّبَ بهم وعرفهم بِمَا يكون لَهُم من النَّصْر وَالْفَتْح وَمَا يملكونه من الْبِلَاد ثمَّ كَانَت وَفَاته عقب ذَلِك على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله فَهَذَا سِيَاق ابْن أبي زرع لهَذِهِ الْأَخْبَار وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

بَقِيَّة أَخْبَار الْمهْدي وَبَعض سيرته إِلَى وَفَاته

كَانَ الْمهْدي رجلا ربعَة أسمر عَظِيم الهمة غائر الْعَينَيْنِ حَدِيد النّظر خَفِيف العارضين لَهُ شامة سَوْدَاء على كتفه الْأَيْمن ذَا سياسة ودهاء وناموس عَظِيم وَكَانَ مَعَ ذَلِك عَالما فَقِيها رَاوِيا للْحَدِيث عَارِفًا بالأصول والجدل فصيح اللِّسَان مقداما على الْأُمُور الْعِظَام غير مُتَوَقف فِي سفك الدِّمَاء يهون عَلَيْهِ إِتْلَاف عَالم فِي بُلُوغ غَرَضه وَكَانَ حصورا لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكَانَ متيقظا فِي أَحْوَاله ضابطا لما ولي من سُلْطَانه أنْشد صَاحب كتاب الْمغرب ف حَقه

(آثاره تنبيك عَن أخباره

حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ)

ثمَّ قَالَ

لَهُ قدم فِي الثرى وهمة فِي الثريا وَنَفس ترى إِرَاقَة مَاء الْحَيَاة دون إِرَاقَة مَاء الْمحيا أغفل المرابطون عقله وربطه حَتَّى دب إِلَيْهِم دَبِيب القلق فِي الغسق وَترك فِي الدُّنْيَا دويا أنشأ دولة لَو شَاهدهَا أَبُو مُسلم لَكَانَ لعزمه فِيهَا غير مُسلم وَكَانَ قوته من غزل أُخْت لَهُ فِي كل يَوْم رغيفا بِقَلِيل سمن أَو

ص: 94

زَيْت وَلم ينْتَقل عَن هَذَا حِين كثرت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَرَأى أَصْحَابه يَوْمًا وَقد مَالَتْ نُفُوسهم إِلَى كَثْرَة مَا غنموه فَأمر بِضَم ذَلِك جَمِيعه وإحراقه وَقَالَ من كَانَ يَتبعني لأجل الدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي إِلَّا مَا رأى وَمن تَبِعنِي للآخرة فَجَزَاؤُهُ عِنْد الله وَكَانَ على خمول زيه وَبسط وَجهه مهيبا منيع الْحجاب إِلَّا عِنْد مظْلمَة وَله رجل مُخْتَصّ بخدمته وَالْإِذْن عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ شعر فَمن ذَلِك قَوْله

(أخذت بأعضادهم إِذْ نؤوا

وخلفك الْقَوْم إِذْ ودعو)

(فكم أَنْت تنْهى وَلَا تَنْتَهِي

وَتسمع وعظا وَلَا تسمع)

(فيا حجر السن حَتَّى مَتى

تسن الْحَدِيد وَلَا تقطع)

وَكَانَ كثيرا مَا ينشد

(تجرد من الدُّنْيَا فَإنَّك إِنَّمَا

خرجت إِلَى الدُّنْيَا وَأَنت مُجَرّد)

وَكَانَ يتَمَثَّل أَيْضا بقول أبي الطّيب المتنبي

(إِذا غامرت فِي شرف مروم

فَلَا تقنع بِمَا دون النُّجُوم)

(فَطَعِمَ الْمَوْت فِي أَمر حقير

كطعم الْمَوْت فِي أَمر عَظِيم)

وَبقول أَيْضا

(وَمن عرف الْأَيَّام معرفتي بهَا

وبالناس روى رمحه غير رَاحِم)

(فَلَيْسَ بمرحوم إِذا ظفروا بِهِ

وَلَا فِي الردى الْجَارِي عَلَيْهِم بآثم)

وَبِقَوْلِهِ أَيْضا

(وَمَا أَنا مِنْهُم بالعيش فيهم

وَلَكِن مَعْدن الذَّهَب الرغام)

وَقَالَ ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل قَالُوا كَانَ مُحَمَّد بن تومرت يزْعم أَنه مَأْمُور بِنَوْع من الْوَحْي والإلهام وينكر كتب الرَّأْي والتقليد وَله بَاعَ فِي علم الْكَلَام وغلبت عَلَيْهِ نزغة خارجية وَكَانَ ينتحل القضايا الإستقبالية وَيُشِير إِلَى الكوائن الْآتِيَة ورتب قومه ترتيبا غَرِيبا فَمنهمْ أهل الدَّار وَأهل الْجَمَاعَة وَأهل السَّاقَة وَأهل خمسين وَأهل سبعين والطلبة والحفاظ

ص: 95

وَأهل الْقَبَائِل فَأهل الدَّار للامتهان والخدمة وَأهل الْجَمَاعَة للتفاوض والمشورة وَأهل السَّاقَة للمباهاة وَأهل سبعين وَخمسين والحفاظ والطلبة لحمل الْعلم والتلقي وَسَائِر الْقَبَائِل لمدافعة الْعَدو وَكَانَ يعلمهُمْ أوجه الْعِبَادَات فِي الْعَادَات

قلت من ذَلِك أَن طَائِفَة من المصامدة عسر عَلَيْهِم حفظ الْفَاتِحَة لشدَّة عجمتهم فعدد كَلِمَات أم الْقُرْآن ولقب بِكُل كلمة مِنْهَا رجلا فصفهم صفا وَقَالَ لأولهم اسْمك الْحَمد لله وَللثَّانِي رب الْعَالمين وَهَكَذَا حَتَّى تمت كَلِمَات الْفَاتِحَة ثمَّ قَالَ لَهُم لَا يقبل الله مِنْكُم صَلَاة حَتَّى تجمعُوا هَذِه الْأَسْمَاء على نسقها فِي كل رَكْعَة فسهل عَلَيْهِم الْأَمر وحفظوا أم الْقُرْآن ذكره صَاحب المعرب

قَالُوا وَهُوَ أول من أحدث أصبح وَللَّه الْحَمد فِي أَذَان الصُّبْح

وَمن جراءته وإقدامه وتهالكه على تَحْصِيل مرامه مَا حَكَاهُ صَاحب القرطاس قَالَ كَانَت بَين الْمُوَحِّدين والمرابطين حَرْب فَقتل من الْمُوَحِّدين خلق كثير فَعظم ذَلِك على عَشَائِرهمْ فاحتال الْمهْدي بِأَن انتخب قوما من أَتْبَاعه ودفنهم أَحيَاء بِموضع المعركة وَجعل لكل وَاحِد مِنْهُم متنفسا فِي قَبره وَقَالَ لَهُم إِذا سئلتم عَن حالكم فَقولُوا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا وَأَن مَا دَعَا إِلَيْهِ الإِمَام الْمهْدي هُوَ الْحق فجدوا فِي جِهَاد عَدوكُمْ وَقَالَ لَهُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك أخرجتكم وَكَانَت لكم عِنْدِي الْمنزلَة الْعَالِيَة وَقصد بذلك أَن يثبتهم على التَّمَسُّك بدعوته ويهون عَلَيْهِم مَا لاقوا من الْقَتْل والجراحات بِسَبَبِهِ ثمَّ جمع أَصْحَابه عِنْد السحر وَقَالَ لَهُم أَنْتُم يَا معشر الْمُوَحِّدين حزب الله وأنصار دينه وَأَعْوَان الْحق فجدوا فِي قتال عَدوكُمْ فَإِنَّكُم على بَصِيرَة من أَمركُم وَإِن كُنْتُم ترتابون فِيمَا أقوله لكم فَأتوا مَوضِع المعركة وسلوا من اسْتشْهد الْيَوْم من إخْوَانكُمْ يُخْبِرُوكُمْ بِمَا لقوا من الثَّوَاب عِنْد الله ثمَّ أَتَى بهم إِلَى مَوضِع المعركة ونادى يَا معشر الشُّهَدَاء مَاذَا لَقِيتُم

ص: 96