الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذِه الأقاليم كلهَا على مَا سَيَأْتِي تَفْصِيله إِن شَاءَ الله
وَلما تمت بيعَته غزا من حِينه بِلَاد تادلا فَقتل بهَا وسبى ثمَّ غزا بِلَاد درعة فاستولى عَلَيْهَا ثمَّ غزا بِلَاد غمارة فَافْتتحَ الْبَعْض مِنْهَا وَقتل واليها ثمَّ تسابق النَّاس إِلَى دَعوته أَفْوَاجًا وأنتقضت البربر على المرابطين فِي سَائِر أقطار الْمغرب وَكَانَ مَا نذكرهُ
غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين
ثمَّ صرف عبد الْمُؤمن عزمه لفتح بِلَاد الْمغرب فغزا غزوته الطَّوِيلَة الَّتِي مكث فِيهَا سبع سِنِين وأجلت عَن فتح المغربين مَعًا الْأَقْصَى والأوسط خرج لَهَا ثمَّ تينملل فِي صفر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فَلم يزل يتقرى بِلَاد الْمغرب وَيفتح معاقلها وَيُسْتَنْزَلُ حماتها ويذلل صعابها إِلَى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
وَكَانَ خُرُوجه من تينملل على طَرِيق الْجَبَل وَخرج تاشفين بن عَليّ فِي أَتْبَاعه من مراكش على طَرِيق السهل إِلَى أَن وصلا إِلَى تلمسان حَسْبَمَا قدمْنَاهُ فِي أَخْبَار المرابطين
قَالَ ابْن خلدون خرج عبد الْمُؤمن فِي هَذِه الْغَزْوَة من تينملل يَعْنِي على طَرِيق الْجَبَل كَمَا قُلْنَا وَخرج تاشفين بن عَليّ يَعْنِي فِي حَيَاة وَالِده بعساكره يحاذيه فِي الْبَسِيط وَالنَّاس يفرون مِنْهُ إِلَى عبد الْمُؤمن وَهُوَ يتنقل فِي الْجبَال فِي سَعَة من الْفَوَاكِه للْأَكْل والحطب للدفء إِلَى أَن وصل إِلَى جبال غمارة واشتعلت نَار الْفِتْنَة والغلاء بالمغرب وأقشعت الرعايا عَن الْبِلَاد وألح الطاغية على الْمُسلمين بالعدوة الأندلسية وَهلك خلال ذَلِك أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَولي بعده ابْنه تاشفين بن عَليّ الْمَذْكُور وَهُوَ فِي غزاته هَذِه
وَفِي القرطاس ارتحل عبد الْمُؤمن إِلَى جبال غمارة وارتحل تاشفين بن عَليّ فِي أَثَره فَنزل بِإِزَاءِ عين الْقَدِيم وَذَلِكَ فِي فصل الشتَاء فَأَقَامَ بذلك المنززل شَهْرَيْن حَتَّى أحرق أهل محلته أوتاد أخبيتهم ورماحهم وهدموا بُيُوتهم وخيامهم انْتهى
ونشأت فتْنَة بَين لمتونة ومسوفة فَنزع جمَاعَة من أُمَرَاء مسوفة مِنْهُم عَامل تلمسان يحيى بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بآنكمار وَلَحِقُوا بِعَبْد الْمُؤمن ودخلوا فِي دَعوته فنبذ إِلَيْهِم المرابطون الْعَهْد وَإِلَى سَائِر مسوفة وَاسْتمرّ عبد الْمُؤمن على حَاله فنازل سبتة فامتنعت عَلَيْهِ وَتَوَلَّى كبر دفاعه عَنْهَا القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى الشهير الذّكر وَكَانَ رئيسها يَوْمئِذٍ بأبوته ومنصبه وَعلمه وَدينه
قَالَ ابْن خلدون وَلذَلِك سخطته الدولة يَعْنِي دولة الْمُوَحِّدين آخر الْأَيَّام حَتَّى مَاتَ مغربا عَن سبته مُسْتَعْملا فِي خطة الْقَضَاء بالبادية من تادلا رحمه الله وَتَمَادَى عبد الْمُؤمن فِي غزاته إِلَى جبال غياثة وبطوية فافتتحها ثمَّ نَازل ملوية فَافْتتحَ حصونها ثمَّ تخطى إِلَى بِلَاد زناتة فأطاعته قبائل مديونة وَكَانَ قد بعث إِلَيْهِم جَيْشًا من الْمُوَحِّدين إِلَى نظر يُوسُف بن وانودين فَخرج إِلَيْهِم مُحَمَّد بن يحيى بن فانوا عَامل تلمسان من قبل المرابطين فِيمَن مَعَه من جيوش لمتونة وزناتة فَهَزَمَهُمْ الموحدون وَقتل ابْن فانوا وانفض جمع زناتة وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ وَولى تاشفين بن عَليّ على تلمسان أَبَا بكر بن مزدلي وَقدم على عبد الْمُؤمن وَهُوَ بمكانه من الرِّيف أَبُو بكر بن ماخوخ ويوسف بن بدر من أُمَرَاء بني ومانوا من زناتة فَبعث مَعَهم يحيى بن يغمور ويوسف بن وانودين فِي عَسْكَر فأثخنوا فِي بِلَاد بني عبد الواد وَبني يلومي من زناتة سبيا وأسرا وَلحق صريخهم بتاشفين بن عَليّ فَأَمَدَّهُمْ بعساكر لمتونة وَمَعَهُمْ الروبرتير قَائِد الرّوم ونزلوا منداس وانضمت إِلَيْهِم قبائل زناتة من بني يلومي وَبني عبد الواد مَعَ شيخهم حمامة بن مطهر وإخوانهم بني توجين وَغَيرهم فأوقعوا بيني ومانوا وَقتلُوا
أَبَا بكر بن ماخوخ فِي سِتّمائَة من قومه واستنفذوا غنائمهم وتحصن الموحدون وفل بني وماتوا بجبل سيرات
وَلحق تاشفين بن ماخوخ صريخا بِعَبْد الْمُؤمن ومستجيشا بِهِ على لمتونة وزناتة فارتحل مَعَه عبد الْمُؤمن إِلَى تلمسان ثمَّ أجَاز إِلَى سيرات
وَقصد محلّة لمتونة وزناتة فأوقع بهم وَرجع إِلَى تلمسان فَنزل مَا بَين الصخرتين من جبل تيطرى وَنزل تاشفين بن عَليّ بالسهل مِمَّا يَلِي الصفصاف ثمَّ وصل مدد صنهاجة من قبل يحيى بن الْعَزِيز صَاحب بجاية لنظر قائده بن كباب أمدوا بِهِ تاشفين بن عَليّ وَقَومه لعصبية الصنهاجية وَفِي يَوْم وُصُوله أشرف على معسكر الْمُوَحِّدين وَكَانَ يدل بإقدام فَعرض بلمتونة وأميرهم تاشفين بن عَليّ لقعودهم عَن مناجزة الْمُوَحِّدين وَقَالَ إِنَّمَا جِئتُكُمْ لأخلصكم من صَاحبكُم عبد الْمُؤمن هَذَا وأرجع إِلَى قومِي فامتعض تاشفين بن عَليّ من كَلمته وَأذن لَهُ فِي المناجزة فَحمل على الْقَوْم فَرَكبُوا وصمموا للقائه فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ وانفض عسكره وَكَانَ تاشفين بعث من قبل ذَلِك قائده على الرّوم وَهُوَ الروبرتير فِي عَسْكَر ضخم فَأَغَارَ على قوم من زناتة كَانُوا فِي بسيط لَهُم فاكتسحهم وَرجع بالغنائم فاعترضه الموحدون من عَسْكَر عبد الْمُؤمن فَقَتَلُوهُمْ وَقتلُوا الروبرتير فِي جُمْلَتهمْ
ثمَّ بعث تاشفين بن عَليّ بعثا آخر إِلَى جِهَة أُخْرَى فَلَقِيَهُمْ تاشفين بن ماخوخ وَمن كَانَ مَعَه من الْمُوَحِّدين واعترضوا عَسْكَر بجاية عِنْد رجوعهم فنالوا مِنْهُم أعظم النّيل
وتوالت هَذِه الوقائع على تاشفين بن عَليّ اللمتوني فأجمع الرحلة إِلَى وهران وَبعث ابْنه ولي عَهده إِبْرَاهِيم بن تاشفين إِلَى مراكش فِي جمَاعَة من لمتونة وَبعث كَاتبا مَعَه أَحْمد بن عَطِيَّة ورحل هُوَ إِلَى وهران سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فَأَقَامَ عَلَيْهَا شهرا ينْتَظر قَائِد أسطوله مُحَمَّد بن مَيْمُون
إِلَى أَن وَصله من المرية بِعشْرَة أساطيل فأرسى قَرِيبا من مُعَسْكَره وزحف عبد الْمُؤمن من تلمسان وَبعث فِي مقدمته الشَّيْخ أَبَا حَفْص عمر بن يحيى الهنتاتي وَمَعَهُ بَنو ومانوا من زناتة فتقدموا إِلَى بِلَاد زناتة ونزلوا منداس وسط بِلَادهمْ وَجمع لَهُ بَنو يادين كلهم وَبَنُو بلومي وَبَنُو مرين ومغراوة فأثخن فيهم الموحدون حَتَّى أذعنوا للطاعة ودخلوا فِي دعوتهم ووفد على عبد الْمُؤمن جمَاعَة من رُؤَسَائِهِمْ وَكَانَ مِنْهُم سيد النَّاس ابْن أَمِير النَّاس شيخ بني يلومي وحمامة بن مطهر شيخ بني عبد الواد وَغَيرهم فَتَلقاهُمْ بِالْقبُولِ وَسَار بهم فِي جموع الْمُوَحِّدين إِلَى وهران فبيتوا لمتونة بمعسكرهم ففضوهم ولجأ تاشفين إِلَى رابية هُنَاكَ فأحدقوا بهَا وأضرموا النيرَان حولهَا حَتَّى إِذا غشيهم اللَّيْل خرج تاشفين من الْحصن رَاكِبًا فرسه فتردى بِهِ من بعض حافات الْجَبَل وَهلك لسبع وَعشْرين من رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى تينملل وَنَجَا فل الْعَسْكَر إِلَى وهران فانحصروا بهَا مَعَ أَهلهَا حَتَّى جهدهمْ الْعَطش فنزلوا على حكم عبد الْمُؤمن يَوْم عيد الْفطر من السّنة الْمَذْكُورَة فاستأصلهم الْقَتْل رحمهم الله وَبلغ خبر مقتل تاشفين بن عَليّ إِلَى تلمسان مَعَ فل لمتونة الَّذين نَجوا من وقْعَة وهران وَفِيهِمْ سير بن الْحَاج فِي آخَرين من أعيانهم ففر مَعَهم من كَانَ بهَا من لمتونة
وَلما وصل عبد الْمُؤمن إِلَى تلمسان استباح أهل تاكرارت لما كَانَ أَكْثَرهم من الحشم بعد أَن كَانَ بعثوا سِتِّينَ من وُجُوههم فَلَقِيَهُمْ يصليتن من مشيخة بني عبد الواد فَقَتلهُمْ أَجْمَعِينَ وافتتح عبد الْمُؤمن تلمسان وَعَفا عَن أَهلهَا ورحل عَنْهَا لسبعة أشهر من فتحهَا بعد أَن ولى عَلَيْهَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن وانودين وَقيل يُوسُف بن وانودين