الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصل إِلَيْهِ ثمَّ أرْسلهُ إِلَى زَوجته فتركته فِي خيمة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أمرت بِأَن يحمل إِلَيْهِ فِي كل يَوْم طَعَام وَاحِد ثمَّ أحضرته وَقَالَت لَهُ مَا أكلت فِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام قَالَ طَعَاما وَاحِدًا فَقَالَت لَهُ كل النِّسَاء شَيْء وَاحِد وَأمرت لَهُ بِمَال وَكِسْوَة وسرحته إِلَى حَال سَبيله وَكَانَت وفاتها سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
بِنَاء مَدِينَة مراكش
لما دخلت سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة كَانَ أَمر يُوسُف بن تاشفين قد استفحل بالمغرب جدا ورسخت قدمه فِي الْملك وَعظم صيته فَسَمت همته إِلَى بِنَاء مَدِينَة يأوي إِلَيْهَا بحشمه وجنده وَتَكون حصنا لَهُ ولأرباب دولته فَاشْترى مَوضِع مَدِينَة مراكش مِمَّن كَانَ يملكهُ من المصامدة وَقَالَ صَاحب المعرب كَانَ ملكا لعجوز مِنْهُم ثمَّ نزل الْموضع الْمَذْكُور بخيام الشّعْر وَبنى مَسْجِدا لصلاته وقصبة صَغِيرَة لاختزان مَاله وسلاحه وَلم يبن على ذَلِك سورا وَقَالَ أَبُو الْخطاب بن دحْيَة فِي كتاب النبراس إِن مَوضِع مَدِينَة مراكش كَانَ مزرعة لأهل نَفِيس فَاشْتَرَاهُ يُوسُف مِنْهُم بِمَالِه الَّذِي خرج بِهِ من الصَّحرَاء وَفِي كتاب المعرب إِن يُوسُف بن تاشفين اختط مَدِينَة مراكش بِموضع كَانَ يُسمى بذلك الِاسْم وَمَعْنَاهُ بلغَة المصامدة امش مسرعا وَكَانَ ذَلِك الْموضع مكمنا للصوص فَكَانَ المارون فِيهِ يَقُولُونَ لرفقائهم تِلْكَ الْكَلِمَة فَعرف الْموضع بهَا وَضبط هَذِه الْكَلِمَة بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء الْمُشَدّدَة بعْدهَا ألف وَبعد ألف كَاف مَكْسُورَة ثمَّ شين مُعْجمَة وَيُقَال كَانَ فِي موضعهَا قَرْيَة صَغِيرَة فِي غابة من الشّجر وَبهَا قوم من البربر فاختطها يُوسُف وَبنى بهَا الْقُصُور والمساكن الأنيقة وَهِي فِي مرج فسيح وحولها جبال على فراسخ
مِنْهَا وبالقرب مِنْهَا جبل لَا يزَال عَلَيْهِ الثَّلج وَهُوَ الَّذِي يعدل مزاجها وحرها
وَقَالَ ابْن خلدون اتخذ يُوسُف بن تاشفين مَدِينَة مراكش لنزوله ونزول عسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المقيمة بمواطنهم مِنْهَا فِي جبل درن إِذْ لم يكن فِي قبائل الْمغرب أَشد مِنْهُم قُوَّة وَلَا أَكثر جمعا وَفِي القرطاس لما شرع يُوسُف بن تاشفين فِي بِنَاء مَسْجِد مراكش كَانَ يحتزم وَيعْمل فِي الطين وَالْبناء بِيَدِهِ مَعَ الْخدمَة تواضعا مِنْهُ لله تَعَالَى قَالَ وَالَّذِي بناه يُوسُف من ذَلِك هُوَ الْموضع الْمَعْرُوف الْآن بسور الْحجر من مَدِينَة مراكش جوفا من جَامع الكتبيين مِنْهَا وَيعرف الْيَوْم بالسجينة وَلم يكن بالموضع مَاء فحفر النَّاس آبارا فَظهر لَهُم المَاء على قرب فاستوطنوها وَبَنُو بهَا قَالُوا وَلم تزل مَدِينَة مراكش لَا سور لَهَا إِلَى أَن توفّي يُوسُف بن تاشفين رحمه الله وَولي بعده ابْنه عَليّ بن يُوسُف وَمضى مُعظم دولته فأدار عَلَيْهَا السُّور سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة يُقَال كَانَ ذَلِك بِإِشَارَة القَاضِي أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن رشد الْفَقِيه الْمَشْهُور فَإِنَّهُ كَانَ قد قدم على السُّلْطَان بمراكش فَأَشَارَ عَلَيْهِ بذلك عِنْدَمَا نبغ مُحَمَّد بن تومرت مهْدي الْمُوَحِّدين بجبال المصامدة
وَكَانَت مُدَّة الْبناء ثَمَانِيَة أشهر وَكَانَ الْإِنْفَاق على السُّور سبعين ألف دِينَار وَبنى عَليّ بن يُوسُف أَيْضا الْجَامِع الْأَعْظَم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْيَوْم والمنار الَّذِي عَلَيْهِ وَأنْفق عَلَيْهِ سِتِّينَ ألف دِينَار أُخْرَى
وَرَأَيْت فِي كتاب ابْن عبد الْعَظِيم الأزموري الْمَوْضُوع فِي مَنَاقِب بني أمغار رضي الله عنهم أَن أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف اللمتوني لما عزم على إدارة السُّور على مراكش شاور الْفُقَهَاء وَأهل الْخَيْر فِي ذَلِك فَمنهمْ من ثبطه وَمِنْهُم من نَدبه إِلَيْهِ وَكَانَ من جملَة من نَدبه القَاضِي أَبُو الْوَلِيد بن رشد ثمَّ شاور أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بأمغار صَاحب عين
الْفطر فَأَشَارَ ببنائه وَبعث لَهُ من مَاله الْحَلَال وَأمره أَن يَجعله فِي صندوق صائر الْبناء ويتولى الْإِنْفَاق فِي ذَلِك رجل فَاضل فَقبل السُّلْطَان إِشَارَته وَعمل بِرَأْيهِ فسهل الله أَمر الْبناء
ثمَّ لما جَاءَت دولة الْمُوَحِّدين وَكَانَ مِنْهُم يَعْقُوب الْمَنْصُور الشهير الذّكر اعتنى بِمَدِينَة مراكش واحتفل فِي تشييدها وَبَالغ فِي تنميق مساجدها وتنجيد مصانعها ومعاهدها على مَا نذْكر الْبَعْض مِنْهُ فِي مَحَله إِن شَاءَ الله
وَلم تزل مراكش دَار مملكة المرابطين ثمَّ الْمُوَحِّدين من بعدهمْ سَائِر أيامهم
ثمَّ لما جَاءَت دولة بني مرين من بعدهمْ اتَّخذُوا كرْسِي مملكتهم بِمَدِينَة فاس وبنوا بهَا الْمَدِينَة الْبَيْضَاء
ثمَّ جَاءَت الدولة السعدية من بعدهمْ فنقلوا الْكُرْسِيّ إِلَى مراكش وَبَنُو بهَا قصر البديع الْمَشْهُور
ثمَّ جَاءَت الدولة الشَّرِيفَة العلوية فَاتخذ الْمولى إِسْمَاعِيل بن الشريف كرْسِي ملكه بمكناسة الزَّيْتُون واحتفل فِي بنائها احتفالا عَظِيما على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله
ثمَّ لما كَانَت دولة الْمولى مُحَمَّد بن عبد الله رد كرْسِي الْملك إِلَى مراكش وَبنى بهَا قصوره ومصانعه واستمرت كرسيا لمملكتهم إِلَى الْآن
وَفضل مراكش أشهر من أَن يذكر لَا سِيمَا مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من مزارات الْأَوْلِيَاء ومدافن الصلحاء الْكِبَار وَالْأَئِمَّة الأخيار حَتَّى قَالَ الْوَزير ابْن الْخَطِيب فِي مقامات الْبلدَانِ عِنْد ذكره مَدِينَة مراكش هِيَ تربة الْوَلِيّ وحضرة الْملك الأولى وَعبر عَنْهَا أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفخ الطّيب بِبَغْدَاد الْمغرب حرسها الله وصانها من ريب الزَّمَان وطوارق الْحدثَان