الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعلهم بطانته يركبون خلف ظَهره ويمشون بَين يَدَيْهِ إِذا خرج ويقومون على رَأسه إِذا جلس فاعتضد بهم عبد الْمُؤمن وَبَنوهُ سَائِر دولتهم إِلَى انقراضها وَالله غَالب على أمره
استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله
لما تمهد لعبد الْمُؤمن ملك المغربين وإفريقية والأندلس وطاعت لَهُ سَائِر الأقطار وخضعت لَهُ الرّقاب فِي الْبَوَادِي والأمصار تفرغ لشأنه وتاقت نَفسه للْجِهَاد فعزم على غَزْو بِلَاد الفرنج برا وبحرا فَأمر رحمه الله فِي هَذِه السّنة الَّتِي هِيَ سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة بإنشاء الأساطيل فِي جَمِيع سواحل ممالكه فأنشئ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعمِائَة قِطْعَة فَمِنْهَا بحلق المعمورة وَهِي الَّتِي تسمى الْيَوْم المهدية مائَة وَعِشْرُونَ قِطْعَة وَمِنْهَا بطنجة وسبتة وباديس ومراسي الرِّيف مائَة قِطْعَة وَمِنْهَا بِبِلَاد إفريقية ووهران ومرسى هنين مائَة قِطْعَة وَمِنْهَا بِبِلَاد الأندلس ثَمَانُون قِطْعَة
وَنظر فِي استجلاب الْخَيل للْجِهَاد والاستكثار من أَنْوَاع السِّلَاح وَالْعدَد وَأمر بِضَرْب السِّهَام فِي جَمِيع عمله فَكَانَ يضْرب لَهُ مِنْهَا فِي كل يَوْم نَحْو عشرَة قناطير جدية فَجمع لَهُ من ذَلِك مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَفِي خلال هَذَا وفدت عَلَيْهِ قَبيلَة كومية كَمَا مر
ثمَّ لما دخلت سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة خرج أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْمُؤمن من مراكش قَاصِدا الأندلس برسم الْجِهَاد وَكَانَ خُرُوجه يَوْم الْخَمِيس خَامِس ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة فوصل إِلَى رِبَاط سلا فَكتب إِلَى جَمِيع بِلَاد الْمغرب والقبلة وإفريقية والسوس وَغير ذَلِك يستنفرهم إِلَى الْجِهَاد فَأَجَابَهُ خلق كثير وَاجْتمعَ لَهُ من عَسَاكِر الْمُوَحِّدين والمرتزقة وَمن
قبائل الْعَرَب والبربر وزناتة أَزِيد من ثَلَاثمِائَة ألف فَارس وَمن جيوش المتطوعة ثَمَانُون ألف فَارس وَمِائَة ألف راجل فضاقت بهم الأَرْض وانتشرت المحلات والعساكر فِي أَرض سلا من عين غبولة إِلَى عين خَمِيس إِلَى حلق المعمورة
فَلَمَّا استوفيت لَدَيْهِ الحشود وتكاملت لَدَيْهِ الْجنُود والوفود كَانَ الْمَعْنى الَّذِي أَشَارَ الله الْقَائِل
(إِذْ تمّ أَمر بدا نَقصه
…
ترقب زوالا إِذا قيل تمّ)
فابتدأ بِعَبْد الْمُؤمن مَرضه الَّذِي توفّي مِنْهُ وَتَمَادَى بِهِ ألمه فخاف أَن يفجأه الْحمام فَأمر بعزل وَلَده مُحَمَّد عَن ولَايَة الْعَهْد وَإِسْقَاط اسْمه من الْخطْبَة لما ظهر لَهُ من الْعَجز عَن الْقيام بِأَمْر الْخلَافَة
وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكتب بذلك إِلَى جَمِيع طَاعَته وَتَمَادَى بِهِ مَرضه وَاشْتَدَّ ألمه فَتوفي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّامِن من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَقيل غير ذَلِك وَحمل إِلَى تينملل فَدفن بهَا إِلَى جنب قبر الإِمَام الْمهْدي رحمه الله فسبحان من لَا يبيد ملكه وَلَا يَنْقَضِي عزه
وَنقل ابْن خلكان فِي كَيْفيَّة عزل ولي الْعَهْد وَجها آخر قَالَ نَاقِلا من خطّ الْعِمَاد بن جِبْرِيل أَن عبد الْمُؤمن كَانَ فِي حَيَاته عهد إِلَى أكبر أَوْلَاده وَهُوَ مُحَمَّد وَبَايَعَهُ النَّاس بعد تَحْلِيف الْجند لَهُ وَكتب ببيعته إِلَى الْبِلَاد فَلَمَّا مَاتَ عبد الْمُؤمن لم يتم لَهُ الْأَمر لِأَنَّهُ كَانَ على أُمُور لَا يصلح مَعهَا للمملكة من إدمان شرب الْخمر وَاخْتِلَاف الرَّأْي وَكَثْرَة الطيش وَجبن النَّفس وَيُقَال إِنَّه مَعَ هَذَا كُله كَانَ بِهِ ضرب من الجذام واضطرب أمره