الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها
اعْلَم أَن بني عبد الْمُؤمن لَيْسُوا من المصامدة وَإِنَّمَا هم من كومية ثمَّ من بني عَابِد مِنْهُم وكومية ويعرفون قَدِيما بصطفورة بطن من بني فاتن بن تامصيت بن ضري بن زجيك بن مادغيس الأبتر فهم بَنو عَم زناتة يَجْتَمعُونَ فِي ضري بن زجيك هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَبَعض المؤرخين يرفعون نسب عبد الْمُؤمن إِلَى قيس عيلان بن مُضر وَهُوَ ضَعِيف
قَالَ ابْن خلدون كَانَ عبد الْمُؤمن من بني عَابِد أحد بيوتات كومية وأشرافهم قَالَ وموطنهم بتاكرارت وَهُوَ حصن فِي الْجَبَل المطل على هنين من نَاحيَة الشرق
وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ وَالِد عبد الْمُؤمن وَسِيطًا فِي قومه وَكَانَ صانعا فِي عمل الطين يعْمل مِنْهُ الْآنِية فيبيعها وَكَانَ عَاقِلا من الرِّجَال وقورا
ويحكى أَن عبد الْمُؤمن فِي صباه كَانَ نَائِما تجاه أَبِيه وَأَبوهُ مشتغل بِعَمَلِهِ فِي الطين فَسمع أَبوهُ دويا فِي السَّمَاء فَرفع رَأسه فَرَأى سَحَابَة سَوْدَاء من النَّحْل قد هوت مطبقة على الدَّار فَنزلت كلهَا مجتمعة على عبد الْمُؤمن وَهُوَ نَائِم فغطته وَلم يظْهر من تحتهَا وَلَا اسْتَيْقَظَ لَهَا فرأته أمه على تِلْكَ الْحَال فصاحت خوفًا على وَلَدهَا فسكتها أَبوهُ فَقَالَت أَخَاف عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْهِ بل إِنِّي متعجب مِمَّا يدل عَلَيْهِ ذَلِك ثمَّ إِنَّه غسل يَدَيْهِ من الطين وَلبس ثِيَابه ووقف ينْتَظر مَا يكون من أَمر النَّحْل فطار عَنهُ بأجمعه فَاسْتَيْقَظَ الصَّبِي وَمَا بِهِ من ألم فتفقدت أمه جسده فَلم تَرَ بِهِ أثرا وَلم يشك ألما
وَكَانَ بِالْقربِ مِنْهُم رجل مَعْرُوف بالزجر فَمضى أَبوهُ إِلَيْهِ فَأخْبرهُ بِمَا
رَآهُ من النَّحْل مَعَ وَلَده فَقَالَ الزاجر يُوشك أَن يكون لَهُ شَأْن يجْتَمع على طَاعَته أهل الْمغرب فَكَانَ من أمره مَا اشْتهر
وَقد تقدم لنا أَن الْمهْدي كَانَ عِنْده كتاب الجفر وَكَانَ فِيهِ أَن أمره لَا يتم إِلَّا على يَد رجل اسْمه كَذَا وحليته كَذَا وَهُوَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ فَأَقَامَ الْمهْدي يتطلبه مُدَّة إِلَى أَن لقِيه بملالة وَعبد الْمُؤمن إِذْ ذَاك شَاب حدث طَالب علم فلازم الْمهْدي واستمسك بغرره إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا كَانَ
وَكَانَ الْمهْدي يتفرس فِيهِ النجابة وينشد إِذا أبصره
(تكاملت فِيك أَوْصَاف خصصت بهَا
…
فكلنا بك مسرور ومغتبط)
(السن ضاحكة والكف مانحة
…
وَالنَّفس وَاسِعَة وَالْوَجْه منبسط)
والبيتان لأبي الشيص الْخُزَاعِيّ وَكَانَ يَقُول لأَصْحَابه صَاحبكُم غلاب الدول وَكَانَ يَقُول عبد الْمُؤمن من صديقي هَذِه الدائرة
وَقَالَ ابْن خلدون آثر الْمهْدي عبد الْمُؤمن بمزيد الخصوصية والقرب بِمَا خصّه الله بِهِ من الْفَهم والوعي للتعليم حَتَّى كَانَ خَالِصَة الْمهْدي وكنز صحابته وَكَانَ مؤمله لخلافته لما أظهره عَلَيْهِ من الشواهد المؤذنة بذلك وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن الْخَطِيب
(وَخلف الْأَمر لعبد الْمُؤمن
…
فانقادت الدُّنْيَا لَهُ فِي رسن)
(حباه بَين الْقَوْم بالأمارة
…
إِذْ وضحت لَهُ فِيهِ الْإِمَارَة)
وَلما اجتاز الْمهْدي فِي طَرِيقه إِلَى الْمغرب بالثعالبة عرب الجزائر أهدوا إِلَيْهِ حمارا فارها يركبه لِأَنَّهُ كَانَ ساعيا على رجلَيْهِ فَكَانَ يُؤثر بِهِ عبد الْمُؤمن وَيَقُول لأَصْحَابه اركبوه الْحمار يركبكم الْخُيُول المسومة وَزعم بَنو عبد الْمُؤمن أَن الْمهْدي كَانَ اسْتَخْلَفَهُ من بعده وَقَالَ ابْن خلكان لم يَصح أَنه اسْتَخْلَفَهُ وَإِنَّمَا رَاعى أَصْحَابه فِي تَقْدِيمه إِشَارَته فتم لَهُ الْأَمر وَالله أعلم