الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُعَيْب تلميذا للشَّيْخ ابي ينور الدكالي نفعنا الله بجميعهم وأفاض علينا من مددهم آمين
ولنرجع إِلَى أَخْبَار الدولة الموحدية فَنَقُول
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه
بُويِعَ لأبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله فِي حَيَاة وَالِده يَعْقُوب الْمَنْصُور ثمَّ جددت لَهُ الْبيعَة بعد وَفَاته وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ أَبوهُ فَأَقَامَ بمراكش بَقِيَّة ربيع الأول وربيع الثَّانِي ثمَّ نَهَضَ فِي فاتح جُمَادَى الأولى إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا بَقِيَّة السّنة الْمَذْكُورَة
ثمَّ غزا جبال غمارة من أجل علودان الغماري الثائر بهَا فَفَتحهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى فاس فَأَتمَّ بِنَاء سورها الَّذِي كَانَ خربه عبد الْمُؤمن وَبنى قصبتها ورتب امورها وَأقَام بهَا إِلَى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فَعَاد إِلَى مراكش وَأقَام بهَا إِلَى أَن كَانَ مَا نذكرهُ
غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما هلك الْمَنْصُور رحمه الله قوي أَمر يحيى بن إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن غانية بإفريقية وَاسْتولى على أَعمال قراقوش الْغَزِّي صَاحب طرابلس وعَلى المهدية وتغلب على بِلَاد الجريد ثمَّ نَازل تونس سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وافتتحها عنْوَة لأربعة أشهر من حصارها فِي ختام الْمِائَة السَّادِسَة وَقبض على السَّيِّد أبي زيد وَابْنه وَمن كَانَ مَعَه من الْمُوَحِّدين
وطالب أهل تونس بِالنَّفَقَةِ الَّتِي أنْفق وَبسط عَلَيْهِم الْعَذَاب حَتَّى هلك فِي الامتحان كثير من بيوتاتهم ثمَّ دخل فِي دَعوته أهل القيروان وَغَيرهَا من الْبِلَاد وانتظمت لَهُ أَعمال إفريقية وَفرق الْعمَّال وخطب للخليفة العباسي
واتصل بالناصر وَهُوَ بمراكش هَذَا كُله فامتعض لذَلِك وشاور الْمُوَحِّدين فِي أَمر إفريقية فأشاروا عَلَيْهِ بمسالمة ابْن غانية وَأَشَارَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص بالنهوض إِلَيْهَا والمدافعة عَنْهَا فَعمل على رَأْيه ونهض إِلَيْهَا سنة سِتّمائَة وَبعث الأسطول فِي الْبَحْر لنظر يحيى بن ابي زَكَرِيَّا الهزرجي
واتصل ذَلِك بِابْن غانية فَبعث ذخائره وَحرمه إِلَى المهدية مَعَ عَليّ بن الغاني من قرَابَته وولاه عَلَيْهَا
وَلما قرب النَّاصِر من إفريقية خرج ابْن غانية من تونس إِلَى القيروان ثمَّ إِلَى قفصة وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْعَرَب وَأَعْطوهُ الرهائن على المظاهرة والدفاع وَسَار إِلَى حمامة مطماطة ثمَّ إِلَى جبل بني دمر فتحصن بِهِ
وَوصل النَّاصِر إِلَى تونس ثمَّ سَار فِي اتِّبَاع ابْن غانية إِلَى قفصة ثمَّ إِلَى قابس ثمَّ عَاد إِلَى المهدية فَعَسْكَرَ عَلَيْهَا وَاتخذ الْآلَة لحصارها وسرح الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد لقِتَال ابْن غانية فِي أَرْبَعَة آلَاف من الْمُوَحِّدين سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة فَلَقِيَهُ بجبل تاجورة من نواحي قابس وأوقع بِهِ وَقتل أَخَاهُ جبارَة بن إِسْحَاق واستنفذ السَّيِّد أَبَا زيد من معتقله
وَأما النَّاصِر فَإِنَّهُ اسْتمرّ محاصرا للمهدية وَبهَا يَوْمئِذٍ عَليّ بن الغاني وَكَانَ يدعى بالحاج وَكَانَ شهما مُحَاربًا فَامْتنعَ على النَّاصِر وَأبْدى من مكايد الْحَرْب وخداعه مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف وأشجى الْمُوَحِّدين وَبَالغ فِي نكايتهم فَكَانُوا يسمونه الْحَاج الْكَافِر ثمَّ نزل على الْأمان وَأحسن إِلَيْهِ النَّاصِر إحسانا تَاما وَسَماهُ بالحاج الْكَافِي بِالْيَاءِ بدل الرَّاء لما رأى من مُرَاعَاة
لصَاحبه وَحسن عَهده مَعَه وَاسْتشْهدَ الْحَاج الْكَافِي هَذَا فِي وقْعَة الْعقَاب الْآتِيَة
وَكَانَ فتح المهدية فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وَولى النَّاصِر عَلَيْهَا مُحَمَّد بن يغمور الهرغي وارتحل عَنْهَا فِي عشْرين من جُمَادَى الثَّانِيَة فَدخل تونس غرَّة رَجَب وَأقَام بهَا بَقِيَّة السّنة وَأكْثر الَّذِي بعْدهَا
وَلما كَانَ رَمَضَان من سنة ثَلَاث وسِتمِائَة أشاع النَّاصِر الْحَرَكَة إِلَى الْمغرب واستخلف على إفريقية ثقته ووزيره الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد ابْن الشَّيْخ أبي حَفْص الهنتاني جد الْمُلُوك الحفصيين بعد مُرَاجعَة وَامْتِنَاع
قَالَ ابْن خلدون امْتنع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِلَى أَن بعث إِلَيْهِ النَّاصِر فِي ذَلِك بِابْنِهِ يُوسُف فأكبر مَجِيئه وأذعن وَيُقَال إِن النَّاصِر قَالَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّد أَنْت تعلم مَا تجشمناه من المشاق والصوائر فِي استنقاذ هَذَا الْقطر وَلَا آمن عَلَيْهِ من عَدو متوثب وَلَا يقوم بحمايته إِلَّا أَنا أَو أَنْت فَامْضِ إِلَى حفظ ممالكنا المغربية وأقيم أَنا أَو قُم أَنْت وارجع أَنا فقنعه الْحيَاء حِينَئِذٍ وأذعن للإقامة وَاشْترط شُرُوطه الْمَعْرُوفَة وَهِي أَن يُقيم ثَلَاث سِنِين ريثما تترتب الْأَحْوَال ثمَّ يعود إِلَى وَطنه وَأَن يحكمه النَّاصِر فِيمَن يحْبسهُ مَعَه من الْجند ويرضاه من أهل الْكِفَايَة وَأَن لَا يتعقب أمره فِي ولَايَة وَلَا عزل فَقبل النَّاصِر شُرُوطه
وَلما عزم النَّاصِر على النهوض إِلَى الْمغرب خرج إِلَيْهِ أهل تونس رافعي أَصْوَاتهم بَين يَدَيْهِ إشفاقا من عود ابْن غانية إِلَيْهِم فاستدعى وُجُوههم وكلمهم بِنَفسِهِ وَقَالَ إِنَّا قد اخترنا لكم من يقوم مقامنا فِيكُم وآثرناكم بِهِ على شدَّة حاجتنا إِلَيْهِ وَهُوَ فلَان فيباشر النَّاس بولايته وشيع النَّاصِر إِلَى باجة وَرجع واليا على جَمِيع بِلَاد إفريقية واستقل بأمرها ونهيها
فَمن هُنَا ورثت الْمُلُوك الحفصيون سلطنة تونس وإفريقية وقفل النَّاصِر