الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبتة وَكَانَت وَفَاته فِي آخر يَوْم من سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة
وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام شقاء وعناء ومنازعة افْتَرَقت دولة الْمُوَحِّدين فِيهَا فرْقَتَيْن فرقة مَعَه وَفرْقَة مَعَ يحيى بن النَّاصِر
وَكَانَ محق دولة الْمُوَحِّدين واستئصال أَرْكَانهَا وَذَهَاب نخوتها على يَده قَالُوا وَلَوْلَا أَن الْأُمُور قد استحالت إِلَى مَا ذكر لَكَانَ الْمَأْمُون مُوَافقا لِأَبِيهِ الْمَنْصُور فِي كثير من الْخلَل ومتبعا سنَنه فِي الْأَحْوَال
وَكَانَ الْمَأْمُون فصيح اللِّسَان فَقِيها حَافِظًا للْحَدِيث ضابطا للرواية عَارِفًا بالقراءات حسن الصَّوْت والتلاوة مقدما فِي علم اللُّغَة والعربية وَالْأَدب وَأَيَّام النَّاس كَاتبا بليغا حسن التوقيع لم يزل سَائِر أَيَّام خِلَافَته يسْرد كتب الحَدِيث مثل البُخَارِيّ والموطأ وَسنَن أبي دَاوُد وَكَانَ مَعَ ذَلِك شهما حازما مقداما على عظائم الْأُمُور ولي الْخلَافَة والبلاد تضطرم نَارا والممالك قد توزعتها الثوار فَكَانَ الْمَأْمُون إِذا فكر فِي حَال الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ حَال الدولة مَعَهم وَمَا دهاه من كثرتهم ينشد متمثلا
(تكاثرت الظبا على خِدَاش
…
فَمَا يدْرِي خِدَاش مَا يصيد)
يُشِير إِلَى حَاله مَعَهم وَأَنه لم يدْرِي مَا يتلافى من ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم
الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله
لما هلك الْمَأْمُون بُويِعَ ابْنه عبد الْوَاحِد ولقب بالرشيد
قَالَ ابْن أبي زرع بُويِعَ لَهُ بالخلافة بوادي العبيد ثَانِي يَوْم من وَفَاة أَبِيه وَهُوَ الْأَحَد فاتح محرم سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وسنه يَوْمئِذٍ أَربع عشرَة سنة وَكَانَ الَّذين أخذُوا لَهُ الْبيعَة كانون بن جرمون السفياني وَشُعَيْب بن أوقاليط الهسكوري وفرنسيل قَائِد جَيش الفرنج فَإِنَّهُ لما مَاتَ الْمَأْمُون كتمت جَارِيَته بعد مَوته وَاسْمهَا حباب وَكَانَت فرنجية الأَصْل وَمن دهاة النِّسَاء
وعقلائهن وَهِي أم الرشيد فاستدعت هَؤُلَاءِ النَّفر الثَّلَاثَة وَكَانُوا عُمْدَة جَيش الْمَأْمُون يركب كل وَاحِد مِنْهُم فِي أَزِيد من عشرَة آلَاف من قومه وأعوانه وَلِأَن أهل الْحل وَالْعقد من الْمُوَحِّدين قد أَتَت عَلَيْهِم فتكت الْمَأْمُون فجاؤوا إِلَيْهِ فأعلمتهم بِمَوْت الْخَلِيفَة ورغبت إِلَيْهِم فِي بيعَة ابْنهَا الرشيد وَالْقِيَام مَعَه وبذلت لَهُم على ذَلِك أَمْوَالًا جمة ووعدتهم مَعَ ذَلِك أَنهم إِذا فتحُوا الحضرة وَكَانَ يحيى قد استولى عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا تجعلها لَهُم فَيْئا فَبَايعُوهُ وَأخذُوا الْبيعَة لَهُ على سواهُم فَبَايع النَّاس طَوْعًا وَكرها خوفًا من سيوفهم
وَلما تمّ أمره جعل أَبَاهُ فِي تَابُوت وَقدمه أَمَامه وَسَار إِلَى مراكش وَسمع يحيى واهل مراكش بِمَا شرطته حباب للقواد الثَّلَاثَة من جعل مدينتهم فَيْئا فَخَرجُوا لقِتَال الرشيد بأجمعهم
واستخلف يحيى على مراكش أَبَا سعيد بن وانودين والتقى الْجَمْعَانِ فَاقْتَتلُوا فَانْهَزَمَ يحيى وَقتل أَكثر من مَعَه وصبح الرشيد مراكش فتحصن مِنْهُ أَهلهَا فَأَمنَهُمْ وَصَالح قَائِد الفرنج وَأَصْحَابه على فَيْئهَا بِخَمْسَة آلَاف دِينَار
وَدخل الرشيد مراكش وَاسْتقر بهَا وَكَانَ قد وصل فِي صُحْبَة عَمه السَّيِّد أَبُو مُحَمَّد سعد بن الْمَنْصُور فَحل من تِلْكَ الدولة بمَكَان وَكَانَ إِلَيْهِ التَّدْبِير والحل وَالْعقد وَبعد اسْتِقْرَار الرشيد بمراكش قدم عَلَيْهِ عمر بن أوقاريط الهسكوري صُحْبَة أَوْلَاد الْمَأْمُون الَّذين كَانُوا بإشبيلية ونفاهم ابْن هود عَنْهَا وَكَانَ ابْن أوقاريط هَذَا منحرفا عَن الْمَأْمُون ايام حَيَاته فتذمم بِصُحْبَة هَؤُلَاءِ الْأَوْلَاد وَقدم على الرشيد فتقبله واتصل بالسيد أبي مُحَمَّد وَحسنت مَنْزِلَته لَدَيْهِ
ثمَّ لما هلك السَّيِّد أَبُو مُحَمَّد لحق ابْن أوقاريط بقَوْمه ومعتصمه وكشف وَجه الْخلاف وَأخذ بدعوة يحيى بن النَّاصِر واستنفر لَهُ قبائل الْمُوَحِّدين ونهض إِلَيْهِم الرشيد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة واستخلف على الحضرة صهره أَبَا الْعَلَاء إِدْرِيس وَصعد إِلَيْهِم الْجَبَل فأوقع بِيَحْيَى وجموعه بمكانهم من هزرجة وَاسْتولى على معسكرهم وَلحق يحيى بِبِلَاد سجلماسة