المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح بلاد المصامدة وما يتبع ذلك من جهاد برغواطة وفتح بلادهم وذكر نسبهم - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌فتح بلاد المصامدة وما يتبع ذلك من جهاد برغواطة وفتح بلادهم وذكر نسبهم

وَكَانَ أَبُو بكر بن عمر رجلا صَالحا ورعا فَجعل على مقدمته ابْن عَمه يُوسُف بن تاشفين اللمتوني ثمَّ سَار حَتَّى انْتهى إِلَى بِلَاد السوس فغزا جزولة من قبائلها وَفتح مَدِينَة ماسة وتارودانت قَاعِدَة بِلَاد السوس وَكَانَ بهَا قوم من الرافضة يُقَال لَهُم البجلية نِسْبَة إِلَى عَليّ بن عبد الله البَجلِيّ الرافضي كَانَ سقط إِلَى بِلَاد السوس أَيَّام قيام عبيد الله الشيعي بإفريقية فأشاع هُنَالك مَذْهَب الرافضة فتوارثوه عَنهُ جيلا بعد جيل وعضوا عَلَيْهِ فَكَانُوا لَا يرَوْنَ الْحق إِلَّا مَا فِي يدهم فَقَاتلهُمْ عبد الله بن ياسين وَأَبُو بكر بن عمر حَتَّى فتحُوا مَدِينَة تارودانت عنْوَة وَقتلُوا بهَا خلقا كثيرا وَرجع من بَقِي مِنْهُم إِلَى مَذْهَب السّنة وَالْجَمَاعَة

وَحَازَ عبد الله بن ياسين أسلاب الْقَتْلَى مِنْهُم فَجَعلهَا فَيْئا وَأظْهر الله المرابطين على من عداهم ففتحوا معاقل السوس وخضعت لَهُم قبائله وَفرق عبد الله بن ياسين عماله بنواحيه وَأمرهمْ بِإِقَامَة الْعدْل وَإِظْهَار السّنة واخذ الزكوات والأعشار وَإِسْقَاط مَا سوى ذَلِك من المغارم المحدثة

‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

ثمَّ ارتحل عبد الله بن ياسين إِلَى بِلَاد المصامدة فَفتح جبل درن وبلاد رودة ومدينة شفشاوة بِالسَّيْفِ ثمَّ فتح مَدِينَة نَفِيس وَسَائِر بِلَاد كدميوه ووفدت عَلَيْهِ قبائل رجراجة وحاحة فَبَايعُوهُ ثمَّ ارتحل إِلَى مَدِينَة أغمات

ص: 14

وَبهَا يَوْمئِذٍ أميرها لقوط بن يُوسُف بن عَليّ المغراوي فَنزل عَلَيْهَا وحاصرها حصارا شَدِيدا

وَلما رأى لقوط مَا لَا طَاقَة لَهُ بِهِ أسلمها وفر عَنْهَا لَيْلًا هُوَ وَجَمِيع حشمه إِلَى تادلا فَاسْتَجَارَ ببني يفرن مُلُوك سلا وتادلا

وَدخل المرابطون مَدِينَة أغمات سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فَأَقَامَ بهَا عبد الله بن ياسين نَحْو الشَّهْرَيْنِ ريثما استراح الْجند ثمَّ خرج إِلَى تادلا فَفَتحهَا وَقتل من وجد بهَا من بني يفرن مُلُوكهَا وظفر بلقوط المغراوي فَقتله

وَكَانَ للقوط هَذَا امْرَأَة اسْمهَا زَيْنَب بنت إِسْحَاق النفزاوية قَالَ ابْن خلدون وَكَانَت من إِحْدَى نسَاء الْعَالم المشهورات بالجمال والرياسة وَكَانَت قبل لقوط عِنْد يُوسُف بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن وطاس شيخ وريكة فَلَمَّا قتل المرابطون لقوط بن يُوسُف المغراوي خَلفه أَبُو بكر بن عمر على امْرَأَته زَيْنَب بنت إِسْحَاق الْمَذْكُورَة إِلَى أَن كَانَ من أمرهَا مَا نذكرهُ

ثمَّ تقدم عبد الله بن ياسين إِلَى بِلَاد تامسنا فَفَتحهَا وَاسْتولى عَلَيْهَا ثمَّ أخبر بِأَن بساحل تامسنا قبائل برغواطة فِي عدد كثير وَجمع عَظِيم

ولنذكر هُنَا كلَاما مُلَخصا فِي برغواطة ودولتهم ثمَّ نرْجِع إِلَى مَا نَحن بصدده فَنَقُول اخْتلف النَّاس فِي نسب برغواطة هَؤُلَاءِ إِلَى أَي شَيْء يرجع فبعضهم يلحقهم بزناتة وَبَعْضهمْ يَقُول فِي متنبئهم صَالح بن طريف البرغواطي إِنَّه يَهُودِيّ الأَصْل من سبط شَمْعُون بن يَعْقُوب عليه السلام نَشأ ببرباط حصن من عمل شدونة من بِلَاد الأندلس ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق وَقَرَأَ على عبيد الله المعتزلي واشتغل بِالسحرِ وَجمع مِنْهُ فنونا وَقدم الْمغرب فَنزل بِلَاد تامسنا فَوجدَ بهَا قبائل جُهَّالًا من البربر فاظهر لَهُم الصّلاح والزهد وموه عَلَيْهِم وخلبهم بِلِسَانِهِ وسحرهم بنير نجاته فصدقوه واتبعوه فَادّعى النُّبُوَّة وَشرع لَهُم شرائع وَوضع لَهُم قُرْآنًا حَسْبَمَا تقدم الْخَبَر عَنهُ مُسْتَوفى فَكَانَ يُقَال لمن تبعه وَدخل فِي دينه برباطي ثمَّ عربته الْعَرَب فَقَالُوا برغواطي فسموا برغواطة

ص: 15

قَالَ ابْن خلدون وَهَذَا من الأغاليط الْبَيِّنَة وَصحح أَن الْقَوْم من المصامدة بِشَهَادَة الموطن والجوار وَغير ذَلِك وَالتَّحْقِيق أَن برغواطة قبائل شَتَّى لَيْسَ يجمعهُمْ أَب وَاحِد وَإِنَّمَا هم أخلاط من البربر اجْتَمعُوا إِلَى صَالح بن طريف الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة بتامسنا سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة من الْهِجْرَة فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَتسَمى بِصَالح الْمُؤمنِينَ وَشرع لأتباعه الدّيانَة الَّتِي أخذوها عَنهُ وَكَانَ صَالح قد شهد مَعَ أَبِيه طريف حروب ميسرَة المضغري كَبِير الصفرية لعهده وَكَانَ طريف يكنى أَبَا صبيح وَمن كبار أَصْحَاب ميسرَة الْمَذْكُور وَيُقَال إِنَّه ادّعى النُّبُوَّة أَيْضا وَشرع لِقَوْمِهِ الشَّرَائِع ثمَّ هلك سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَقَامَ بأَمْره ابْنه صَالح بن طريف الْمَذْكُور فعفت مخارقه على مُخَارق أَبِيه وَكَانَ أَولا من أهل الْعلم وَالدّين ثمَّ انْسَلَخَ من آيَات الله وَانْتَحَلَ دَعْوَى النُّبُوَّة وأتى من الْبُهْتَان بِمَا أوضحناه قبل فِي ولَايَة حَنْظَلَة بن صَفْوَان الْكَلْبِيّ على الْمغرب

ثمَّ خرج صَالح بن طريف إِلَى الْمشرق سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة بعد أَن ملك أَمرهم سبعا وَأَرْبَعين سنة وَوَعدهمْ أَنه يرجع إِلَيْهِم فِي دولة السَّابِع مِنْهُم وَأوصى بِشَرِيعَتِهِ إِلَى ابْنه إلْيَاس بن صَالح وَلم يزل إلْيَاس مظْهرا لِلْإِسْلَامِ مصرا على مَا أوصاه بِهِ أَبوهُ من كلمة كفرهم وَكَانَ متظاهرا بالعفاف والزهد إِلَى أَن هلك سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ لمضي خمسين سنة من ولَايَته ثمَّ ولي من بعده ابْنه يُونُس بن إلْيَاس فأظهر دينهم ودعا إِلَى كفرهم وَقتل من لم يدْخل فِي أمره حَتَّى حرق مَدَائِن تامسنا وَمَا والاها يُقَال إِنَّه حرق مِنْهَا ثَلَاثمِائَة وَثَمَانِينَ مَدِينَة واستلحم أَهلهَا بِالسَّيْفِ لمخالفتهم إِيَّاه وَقتل مِنْهُم بِموضع يُقَال لَهُ تاملوكالات وَهُوَ حجر عَال نابت وسط الطَّرِيق سَبْعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسبعين نفسا

قَالَ زمور بن صَالح ثمَّ رَحل يُونُس بن إلْيَاس إِلَى الْمشرق وَحج

ص: 16

وَلم يحجّ أحد من أهل بَيته قبله وَلَا بعده وَهلك سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ لأَرْبَع وَأَرْبَعين سنة من ملكه وانتقل الْأَمر عَن بنيه إِلَى غَيرهم من قرَابَته فولي أَمرهم أَبُو غفير مُحَمَّد بن معَاذ بن اليسع بن صَالح بن طريف فاستولى على ملك برغواطة وَأخذ بدين آبَائِهِ واشتدت شوكته وَعظم أمره وَكَانَت لَهُ فِي البربر وقائع مَشْهُورَة وَأَيَّام مَذْكُورَة أَشَارَ إِلَى شَيْء مِنْهَا سعيد بن هِشَام المصمودي فِي أَبْيَات مِنْهَا قَوْله

(وهذي أمة هَلَكُوا وَضَلُّوا

وعاروا لَا سقوا مَاء معينا)

(يَقُولُونَ النَّبِي أَبُو غفير

فأخزى الله أم الكاذبينا)

(سَيعْلَمُ أهل تامسنا إِذا مَا

أَتَوا يَوْم الْقِيَامَة مفظعينا)

(هُنَالك يُونُس وَبَنُو أَبِيه

يقودون البرابر حائرينا)

وَاتخذ أَبُو غفير من الزَّوْجَات أَرْبعا وَأَرْبَعين لأَنهم يبيحون فِي ديانتهم الخسيسة أَن يتَزَوَّج الرجل من النِّسَاء مَا شَاءَ وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد مثل ذَلِك أَو أَكثر وَهلك أَوَاخِر الْمِائَة الثَّالِثَة لتسْع وَعشْرين سنة من ملكه

ثمَّ ولي بعده ابْنه أَبُو الْأَنْصَار عبد الله بن أبي غفير فاقتفى سنَنه وَكَانَ كَبِير الدعْوَة مهيبا عِنْد مُلُوك عصره يهاودنه ويدافعونه بالمواصلة وَكَانَ يلبس الملحفة والسراويل ويلبس الْمخيط من الثِّيَاب وَلَا يعتم أحد فِي بِلَاده إِلَّا الغرباء وَكَانَ حَافِظًا للْجَار وافيا للْعهد وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة لأَرْبَع وَأَرْبَعين سنة من ملكه وَدفن بتاسلاخت وَبهَا قَبره

وَولي بعده ابْنه أَبُو مَنْصُور عِيسَى بن أبي الْأَنْصَار وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة فَسَار سيرة آبَائِهِ وَادّعى النُّبُوَّة وَاشْتَدَّ أمره وَعلا سُلْطَانه ودانت لَهُ قبائل الْمغرب قَالَ زمور بن صَالح كَانَ عسكره يناهز الثَّلَاثَة آلَاف من برغواطة وَعشرَة آلَاف من سواهُم

وَقد كَانَ لملوك العدوتين فِي غَزْو برغواطة هَؤُلَاءِ وجهادهم آثَار عَظِيمَة من الأدارسة والأموية والشيعة وَغَيرهم

وَلما زحف بلكين بن زيري بن مُنَاد الصنهاجي إِلَى الْمغرب زحفه

ص: 17

الْمَشْهُور وأجفلت قبائل زناتة وملوكها بَين يَدَيْهِ وانحازوا إِلَى سبتة وأطل عَلَيْهِم من جبل تطوان وعاين جمعهم الكثيف عَنْهُم إِلَى جِهَاد برغواطة فأوقع بهم وَقتل أَمِيرهمْ ابا مَنْصُور عِيسَى بن أبي الْأَنْصَار وَبعث بسبيهم إِلَى القيروان وَذَلِكَ سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة

ثمَّ حاربتهم أَيْضا جنود الْمَنْصُور بن ابي عَامر لما عقد ابْنه عبد الْملك المظفر لمَوْلَاهُ وَاضح على جِهَاد برغواطة فَعظم أَثَره فيهم بِالْقَتْلِ والسبي

ثمَّ حاربهم أَيْضا بَنو يفرن لما اسْتَقل بَنو يعلى بن مُحَمَّد بن صَالح مِنْهُم بِنَاحِيَة سلا واقتطعوها عَن عمل زيري بن عَطِيَّة المغراوي صَاحب فاس

وَكَانَ لأبي الْكَمَال تَمِيم بن زيري اليفرني فيهم جِهَاد كَبِير حَسْبَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَعْوَام الْعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فَغَلَبَهُمْ على تامسنا وَولى عَلَيْهَا من قبله بعد أَن أثخن فيهم سبيا وقتلا

ثمَّ تراجعوا من بعده إِلَى أَن جَاءَت دولة المرابطين ودخلوا أَرض الْمغرب دخلتهم الثَّانِيَة وفتحوا بِلَاد المصامدة وبلاد تادلا وتامسنا فَأخْبر عبد الله بن ياسين بِأَن بساحلها قبائل برغواطة فِي عدد كثير وَجمع عَظِيم وَأَنَّهُمْ مجوس أهل ضَلَالَة وَكفر وَأخْبر بِمَا تمسكوا بِهِ من ديانتهم الخبيثة وَقيل لَهُ إِن برغواطة قبائل كَثِيرَة وأخلاط شَتَّى اجْتَمعُوا فِي أول أَمرهم على صَالح بن طريف المتنبئ الْكذَّاب وَاسْتمرّ حَالهم على الضَّلَالَة وَالْكفْر إِلَى الْآن فَلَمَّا سمع عبد الله بن ياسين بِحَال برغواطة وَمَا هم عَلَيْهِ من الْكفْر رأى أَن الْوَاجِب تَقْدِيم جهادهم على جِهَاد غَيرهم فَسَار إِلَيْهِم فِي جيوش المرابطين والأمير يَوْمئِذٍ على برغواطة هُوَ أَبُو حَفْص عبد الله من ذُرِّيَّة أبي مَنْصُور عِيسَى بن أبي الْأَنْصَار عبد الله بن أبي غفير مُحَمَّد بن معَاذ بن اليسع بن صَالح بن طريف فَكَانَت بَينه وَبَين عبد الله بن ياسين ملاحم عِظَام مَاتَ فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير وَأُصِيب فِيهَا عبد الله بن ياسين الْجُزُولِيّ مهْدي المرابطين فَكَانَ فِيهَا شَهَادَته رحمه الله

وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لَهُم يَا معشر المرابطين إِنِّي ميت من يومي

ص: 18

هَذَا لَا محَالة وَإِنَّكُمْ فِي بِلَاد عَدوكُمْ فإياكم أَن تجبنوا أَو تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم وَكُونُوا أعوانا على الْحق وإخوانا فِي ذَات الله وَإِيَّاكُم والتحاسد على الرياسة فَإِن الله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء من خلقه ويستخلف فِي أرضه من أَرَادَ من عباده فِي كَلَام غير هَذَا

وَتُوفِّي عبد الله بن ياسين عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ يَوْم الْأَحَد الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بِموضع يعرف بكريفلة وَبني على قَبره مَسْجِد وَهُوَ مَشْهُور بهَا إِلَى الْآن

وَكَانَ عبد الله بن ياسين رحمه الله شَدِيد الْوَرع فِي الْمطعم وَالْمشْرَب إِنَّمَا يتعيش من لُحُوم الصَّيْد وَنَحْوهَا لم يَأْكُل شَيْئا من لُحُوم صنهاجة وَلَا من أَلْبَانهَا مُدَّة إِقَامَته فيهم

وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير النِّكَاح يتَزَوَّج فِي كل شهر عددا من النِّسَاء ثمَّ يُطَلِّقهُنَّ وَلَا يسمع بِامْرَأَة جميلَة إِلَّا خطبهَا وَمن حسن سياسته أَنه أَقَامَ فِي صنهاجة السّنة وَالْجَمَاعَة حَتَّى أَنه ألزمهم أَن من فَاتَتْهُ صَلَاة فِي جمَاعَة ضرب عشْرين سَوْطًا وَمن فَاتَتْهُ رَكْعَة مِنْهَا ضرب خَمْسَة أسواط

وَمن كراماته أَن المرابطين خَرجُوا مَعَه فِي بعض غَزَوَاته بِبِلَاد السودَان فنفذ مَا مَعَهم من المَاء حَتَّى أشرفوا على الْهَلَاك فَقَامَ عبد الله فَتَيَمم وَصلى رَكْعَتَيْنِ ودعا الله تَعَالَى وَأمن المرابطون على دُعَائِهِ فَلَمَّا فرغ من الدُّعَاء قَالَ لَهُم احفروا تَحت مصلاي هَذَا فَحَفَرُوا فصادفوا المَاء على نَحْو شبر من الأَرْض عذبا بادرا فَشَرِبُوا واستقوا وملؤوا أوعيتهم وَمن تقواه وورعه أَنه لم يزل صَائِما من يَوْم دخل بِلَاد صنهاجة إِلَى أَن توفّي رحمه الله

وَاسْتمرّ الْأَمِير أَبُو بكر بن عمر على رياسته وجددت لَهُ الْبيعَة بعد وَفَاة عبد الله بن ياسين فَكَانَ أول مَا فعله بعد تَجْهِيزه إِيَّاه وَدَفنه أَن زحف إِلَى برغواطة مصمما فِي حربهم متوكلا على الله فِي جهادهم فأثخن فيهم قتلا وسبيا حَتَّى تفَرقُوا فِي المكامن والغياض واستأصل شأفتهم وَأسلم الْبَاقُونَ إسلاما جَدِيدا ومحا أَبُو بكر بن عمر أثر دعوتهم من الْمغرب وَجمع غنائمهم وَقسمهَا بَين المرابطين وَعَاد إِلَى مَدِينَة أغمات

ص: 19