الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا
لما اسْتَقر الْأَمِير أَبُو بكر بن عمر بأغمات أَقَامَ بهَا إِلَى صفر من سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَخرج غازيا بِلَاد الْمغرب فِي أُمَم لَا تحصى من صنهاجة وجزولة والمصامدة فَفتح جبال فازاز وَسَائِر بِلَاد زناتة وَفتح مَدَائِن مكناسة ثمَّ نزل على مَدِينَة لواتة فحاصرها حَتَّى اقتحمها عنْوَة بِالسَّيْفِ وَقتل بهَا خلقا كثيرا من بني يفرن وخربها فَلم تعمر بعد إِلَى الْآن
وَكَانَ تخريبه إِيَّاهَا فِي آخر يَوْم من ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة أغمات
عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ الْأَمِير أَبُو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زَيْنَب بنت إِسْحَاق النفزاوية وَكَانَت بارعة الْجمال وَالْحسن كَمَا قُلْنَا وَكَانَت مَعَ ذَلِك حازمة لَبِيبَة ذَات عقل رصين ورأي متين وَمَعْرِفَة بإدارة الْأُمُور حَتَّى كَانَ يُقَال لَهَا الساحرة فَأَقَامَ الْأَمِير أَبُو بكر عِنْدهَا بأغمات نَحْو ثَلَاثَة أشهر ثمَّ ورد عَلَيْهِ رَسُول من بِلَاد الْقبْلَة فَأخْبرهُ باختلال أَمر الصَّحرَاء وَوُقُوع الْخلاف بَين أَهلهَا
وَكَانَ الْأَمِير أَبُو بكر رجلا متورعا فَعظم عَلَيْهِ أَن يقتل الْمُسلمُونَ بَعضهم بَعْضًا وَهُوَ قَادر على كفهم وَلم ير أَنه فِي سَعَة من ذَلِك وَهُوَ متوالي أَمرهم ومسؤول عَنْهُم فعزم على الْخُرُوج إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء ليصلح أمرهَا وَيُقِيم رسم الْجِهَاد بهَا
وَلما عزم على السّفر طلق امْرَأَته زَيْنَب وَقَالَ لَهَا عِنْد فِرَاقه إِيَّاهَا يَا
زَيْنَب إِنِّي ذَاهِب إِلَى الصَّحرَاء وَأَنت امْرَأَة جميلَة بضة لَا طَاقَة لَك على حَرَارَتهَا وَإِنِّي مطلقك فَإِذا انْقَضتْ عدتك فَانْكِحِي ابْن عمي يُوسُف بن تاشفين فَهُوَ خليفتي على بِلَاد الْمغرب فَطلقهَا ثمَّ سَافر عَن أغمات وَجعل طَرِيقه على بِلَاد تادلا حَتَّى أَتَى سجلماسة فَدَخلَهَا وَأقَام بهَا أَيَّامًا حَتَّى أصلح أحوالها ثمَّ سَافر إِلَى الصَّحرَاء
وَنقل ابْن خلكان عَن كتاب المعرب عَن سيرة مُلُوك الْمغرب فِي سَبَب رُجُوع الْأَمِير أبي بكر بن عمر إِلَى الصَّحرَاء مَا مِثَاله قَالَ كَانَ أَبُو بكر بن عمر رجلا ساذجا خير الطباع مؤثرا لبلاده على بِلَاد الْمغرب غير ميال إِلَى الرَّفَاهِيَة وَكَانَت وُلَاة الْمغرب من زناتة ضعفاء لم يقاوموا الملثمين فَأخذُوا الْبِلَاد من أَيْديهم من بَاب تلمسان إِلَى سَاحل الْبَحْر الْمُحِيط فَلَمَّا حصلت الْبِلَاد لأبي بكر بن عمر سمع أَن عجوزا فِي الصَّحرَاء ذهبت لَهَا نَاقَة فِي غَدَاة فَبَكَتْ وَقَالَت ضيعنا أَبُو بكر بن عمر بِدُخُولِهِ إِلَى بِلَاد الْمغرب فَحَمله ذَلِك على أَن اسْتخْلف على بِلَاد الْمغرب رجلا من أَصْحَابه اسْمه يُوسُف بن تاشفين وَرجع إِلَى بِلَاده الجنوبية اه
وَكَانَ سفر أبي بكر بن عمر إِلَى الصَّحرَاء فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَلما وصل إِلَيْهَا أصلح شَأْنهَا ورتب أحوالها وَجمع جَيْشًا كثيفا وغزا بِهِ بِلَاد السودَان فاستولى مِنْهَا على نَحْو تسعين مرحلة
وَكَانَ يُوسُف بن تاشفين قد استفحل أمره أَيْضا بالمغرب وَاسْتولى على أَكثر بِلَاده فَلَمَّا سمع الْأَمِير أَبُو بكر بن عمر بِمَا آل إِلَيْهِ أَمر يُوسُف بن تاشفين وَمَا منحه الله من النَّصْر أقبل من الصَّحرَاء ليختبر أَحْوَاله وَيُقَال إِنَّه كَانَ مضمرا لعزله وتولية غَيره فأحس يُوسُف بذلك فَشَاور زَوجته زَيْنَب بنت إِسْحَاق وَكَانَ قد تزَوجهَا بعد أبي بكربن عمر فَقَالَت لَهُ إِن ابْن عمك متورع عَن سفك الدِّمَاء فَإِذا لَقيته فاترك مَا كَانَ يعهده مِنْك من الْأَدَب والتواضع مَعَه وَأظْهر أثر الترفع والاستبداد حَتَّى كَأَنَّك مسَاوٍ لَهُ ثمَّ لاطفه مَعَ ذَلِك بالهدايا من الْأَمْوَال وَالْخلْع وَسَائِر طرف الْمغرب واستكثر من ذَلِك