الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب
وَفِي سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الْمَذْكُورَة جند يُوسُف بن تاشفين الأجناد واستكثر القواد وَفتح كثيرا من الْبِلَاد وَاتخذ الطبول والبنود ورتب الْعمَّال وَكتب العهود وَجعل فِي جَيْشه الأغزاز وَالرُّمَاة كل ذَلِك إرهابا لقبائل الْمغرب فكمل لَهُ من الْجَيْش فِي تِلْكَ السّنة أَكثر من مائَة ألف فَارس من قبائل صنهاجة وجزولة والمصامدة وزناتة والأغزاز وَالرُّمَاة فَخرج بهم من حَضْرَة مراكش قَاصِدا مَدِينَة فاس فَتَلَقَّتْهُ قبائلها من زواغة ولماية ولواتة وصدينه وسدراته ومغيلة وبهلوله ومديونة وَغَيرهم فِي خلق عَظِيم فقاتلوه فَكَانَت بَينه وَبينهمْ ملاحم عِظَام انْهَزمُوا فِيهَا من بَين يَدَيْهِ وانحصروا بِمَدِينَة صدينة فَدَخلَهَا عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ عنْوَة فهدم أسوارها وَقتل بهَا مَا يزِيد على أَرْبَعَة آلَاف
ثمَّ رَحل إِلَى فاس فنازلها بعد أَن فتح جَمِيع أحوازها وَذَلِكَ فِي آخر سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ ابْن خلدون إِن يُوسُف بن تاشفين نَازل أَولا قلعة فازاز وَبهَا مهْدي بن تولي اليحفشي وَبَنُو يحفش بطن من زناتة وَكَانَ أَبوهُ تولي صَاحب تِلْكَ القلعة ووليها هُوَ من بعده فنازله يُوسُف بن تاشفين ثمَّ استجاش بِهِ على فاس مهْدي بن يُوسُف الكزنائي صَاحب مكناسة لِأَنَّهُ كَانَ عَدو المعنصر المغراوي صَاحب فاس فزحف فِي عَسَاكِر المرابطين إِلَى فاس وَجمع إِلَيْهِ معنصر ففض جموعه اه وَالله أعلم
ثمَّ أَقَامَ يُوسُف على فاس أَيَّامًا فظفر بعاملها بكار بن إِبْرَاهِيم فَقتله وارتحل عَنْهَا إِلَى مَدِينَة صفرو فَدَخلَهَا من يَوْمه عنْوَة وَقتل مُلُوكهَا أَوْلَاد
مَسْعُود بن وانودين المغراوي صَاحب سجلماسة وَكَانُوا قد استولوا عَلَيْهَا
ثمَّ رَجَعَ يُوسُف إِلَى فاس فحاصرها حَتَّى فتحهَا وَهُوَ الْفَتْح الأول وَذَلِكَ سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَاسْتعْمل عَلَيْهَا عَاملا من لمتونة وَخرج إِلَى بِلَاد غمارة فَفتح الْكثير مِنْهَا حَتَّى أشرف على طنجة وَبهَا يَوْمئِذٍ الْحَاجِب سكُوت البرغواطي من موَالِي بني حمود
ثمَّ رَجَعَ إِلَى منازلة قلعة فازاز فخالفه بَنو معنصر بن حَمَّاد المغراوي إِلَى فاس فَدَخَلُوهَا وَقتلُوا عَامل يُوسُف الَّذِي كَانَ بهَا
وَكَانَ مهْدي بن يُوسُف الكزنائي صَاحب بِلَاد مكناسة قد بَايع يُوسُف بن تاشفين وَدخل فِي طَاعَة المرابطين فأقره يُوسُف على عمله وَأمره أَن يخرج بَين يَدَيْهِ بجيشه لفتح بِلَاد الْمغرب فَجمع مهْدي بن يُوسُف جَيْشه وَخرج من مَدِينَة عَوْسَجَة يُرِيد الِاجْتِمَاع بِيُوسُف بن تاشفين وَهُوَ محاصر لقلعة فازاز فَسمع بذلك تَمِيم بن معنصر المغراوي صَاحب فاس فعاجله فِي أنجاد مغراوة وقبائل زناتة وأدركه بِبَعْض الطَّرِيق وناجزه الْحَرْب ففض جموعه وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الْحَاجِب سكُوت صَاحب سبتة وطنجة
وَلما قتل مهْدي بن يُوسُف بعث أهل مَدَائِن مكناسة إِلَى ابْن تاشفين بِالْخَيرِ وبذلوا لَهُ الطَّاعَة فَملك بِلَادهمْ
ثمَّ توالت عَسَاكِر المرابطين على تَمِيم بن معنصر بالغارات والنهب وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحصار وعدمت الأقوات بفاس فَلَمَّا رأى مَا نزل بِهِ من المرابطين جمع مغراوة وَبنى يفرن وَخرج إِلَيْهِم لإحدى الراحتين فَكَانَت عَلَيْهِ الْهَزِيمَة فَقتل تَمِيم وَجَمَاعَة من عشيرته وَتقدم مَكَانَهُ بفاس الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة المكناسي فَجمع قبائل زناتة وَخرج بهم إِلَى المرابطين فَالتقى مَعَهم على وَادي صيفير فَكَانَت بَينهم حَرْب شَدِيدَة انهزم فِيهَا المرابطون وَقتل جمَاعَة من فرسانهم
واتصل الْخَبَر بِيُوسُف بن تاشفين وَهُوَ على قلعة فازاز فارتحل عَنْهَا
وَخلف جَيْشًا من المرابطين لحصارها فأقاموا عَلَيْهَا تسع سِنِين ثمَّ دخلوها صلحا سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وَلما رَحل يُوسُف عَن قلعة فازاز وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين سَار إِلَى بني مراسن وأميرهم يَوْمئِذٍ يعلى بن يُوسُف فعزاهم وَقتل مِنْهُم خلق وَفتح بِلَادهمْ ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد فندلاوة فَغَزَاهَا وَفتح جَمِيع تِلْكَ الْجِهَات ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى بِلَاد ورغة فَفَتحهَا وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَفِي سنة سِتِّينَ فتح جَمِيع بِلَاد غمارة وجبالها من الرِّيف إِلَى طنجة
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ أقبل إِلَى فاس فَنزل عَلَيْهَا بِجَمِيعِ جيوشه بعد أَن فرغ من جَمِيع بِلَاد الْمغرب سوى سبتة وشدد الْحصار على فاس حَتَّى دَخلهَا عنْوَة بِالسَّيْفِ فَقتل بهَا من مغراوة وَبني يفرن ومكناسة وَغَيرهم خلقا كثيرا حَتَّى امْتَلَأت أسواق الْمَدِينَة وشوارعها بالقتلى وَقتل مِنْهُم بِجَامِع الْقرَوِيين وجامع الأندلس مَا يزِيد على ثَلَاثَة آلَاف وفر من بَقِي مِنْهُم إِلَى أحواز تلمسان وَهَذَا هُوَ الْفَتْح الثَّانِي لمدينة فاس وَكَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَفِي هَذَا الْخَبَر بعض مُخَالفَة لما قدمْنَاهُ فِي أَخْبَار مغراوة وَذَلِكَ نَقَلْنَاهُ عَن ابْن خلدون وَهَذَا عَن ابْن أبي زرع {فربكم أعلم بِمن هُوَ أهْدى سَبِيلا}
فَلَمَّا دخل يُوسُف بن تاشفين مَدِينَة فاس أَمر بهدم الأسوار الَّتِي كَانَت فاصلة بَين المدينتين عدوة الْقرَوِيين وعدوة الأندلس وصيرهما مصرا وَاحِدًا وحصنهما وَأمر ببنيان الْمَسَاجِد فِي شوارعها وأزقتها وَأي زقاق لم يجد فِيهِ مَسْجِدا عاقب أَهله وَأمر بِبِنَاء الحمامات والفنادق والأرحاء وَأصْلح بناءها ورتب أسواقها وَأقَام بهَا إِلَى صفر من سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ خرج إِلَى بِلَاد ملوية فَفتح حصون وطاط
وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ بعْدهَا استدعى يُوسُف أُمَرَاء الْمغرب وأشياخ الْقَبَائِل من زناتة وغمارة والمصامدة وَسَائِر قبائل البربر فقدموا عَلَيْهِ وَبَايَعُوهُ