المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية أخبار المنصور وسيرته - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌بقية أخبار المنصور وسيرته

اسمهما للانتساب لأَب أَو أم وَإِنَّمَا كانم اسْم بَلْدَة بنواحي غانة فَسُمي هَذَا الْجِنْس بهَا وَكَذَلِكَ تكرور اسْم للْأَرْض الَّتِي هم بهَا فسموا بهَا وَالله أعلم

‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

قَالَ ابْن أبي زرع كَانَ الْمَنْصُور رحمه الله ذَا رَأْي وحزم وَدين وسياسة قَالَ وَهُوَ أول من كتب الْعَلامَة بِيَدِهِ مُلُوك الْمُوَحِّدين الْحَمد لله وَحده فَجرى عَمَلهم على ذَلِك وَقد تقدم لنا أَن ذَلِك كَانَ فِي دولة أَبِيه فَالله أعلم

وَهُوَ وَاسِطَة عقد مُلُوك الْمُوَحِّدين الَّذِي ضخم الدولة وشرفها وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام دعة وَأمن ورخاء ورفاهية وبهجة صنع الله عز وجل فِي أَيَّامه الْأَمْن بالمشرق وَالْمغْرب والأندلس فَكَانَت الظعينة تخرج من بِلَاد نول فتنتهي إِلَى برقة وَحدهَا لَا ترى من يعرض لَهَا وَلَا من يسومها بِسوء ضبط الثغور وحصن الْبِلَاد وَبنى الْمَسَاجِد والمدارس فِي بِلَاد إفريقية وَالْمغْرب والأندلس وَبنى الموستانات للمرضى والمجانين وأجرى عَلَيْهِم الْإِنْفَاق فِي جَمِيع أَعماله وأجرى المرتبات على الْفُقَهَاء وطلبة الْعلم كل على قدر مرتبته وَبنى الصوامع والقناطر وحفر الْآبَار للْمَاء فِي الْبَريَّة وَاتخذ عَلَيْهَا الْمنَازل من السوس الْأَقْصَى إِلَى سويقة بن مصكوك فَكَانَت أَيَّامه زِينَة للدهر وشرفا لِلْإِسْلَامِ وَأَهله

وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله صافي السمرَة جدا إِلَى الطول مَا هُوَ جميل الْوَجْه أفوه أعين شَدِيد الْكحل ضخم الْأَعْضَاء جوهري الصَّوْت جزيل الْأَلْفَاظ من أصدق النَّاس لهجة وَأَحْسَنهمْ حَدِيثا وَأَكْثَرهم إِصَابَة بِالظَّنِّ مجريا للأمور ولي وزارة أَبِيه فبحث عَن الْأَحْوَال بحثا شافيا وطالع مَقَاصِد الْعمَّال والولاة وَغَيرهم مطالعة أفادته معرفَة جزئيات الْأُمُور فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ اجْتمع رَأْي أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين

ص: 198

على تَقْدِيمه فَقَامَ بِالْأَمر أحسن قيام وَرفع راية الْجِهَاد وَنصب ميزَان الْعدْل وَبسط أَحْكَام النَّاس على حَقِيقَة الشَّرْع وَنظر فِي أُمُور الدّين والورع وَأقَام الْحُدُود حَتَّى فِي أَهله وعشيرته الْأَقْرَبين كَمَا أَقَامَهَا فِي سَائِر النَّاس أَجْمَعِينَ فاستقامت الْأَحْوَال فِي أَيَّامه وعظمت الفتوحات وَكَانَ قد أَمر لأوّل دولته بِقِرَاءَة الْبَسْمَلَة فِي أول الْفَاتِحَة فِي الصَّلَوَات وَأرْسل بذلك إِلَى سَائِر بِلَاد الْإِسْلَام الَّتِي فِي ملكه فَأجَاب قوم وَامْتنع آخَرُونَ وَكَانَ ملكا جوادا عادلا متمسكا بِالشَّرْعِ المطهر يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر كَمَا يَنْبَغِي من غير مُحَابَاة وَيُصلي بِالنَّاسِ الصَّلَوَات الْخمس ويلبس الصُّوف وَيقف للْمَرْأَة والضعيف وَيَأْخُذ لَهُم بِالْحَقِّ

قَالَ ابْن خلكان وَسمعت عَنهُ حِكَايَة يَلِيق أَن نذكرها هُنَا وَهِي أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن عَاشر أبي حَفْص كَانَ قد تزوج أُخْت يَعْقُوب الْمَنْصُور فأقامت عِنْده ثمَّ جرت بَينهمَا منافرة فَجَاءَت إِلَى بَيت أَخِيهَا يَعْقُوب الْمَنْصُور فسير الشَّيْخ عبد الْوَاحِد فِي طلبَهَا فامتنعت عَلَيْهِ فَشكى الشَّيْخ عبد الْوَاحِد ذَلِك إِلَى قَاضِي الْجَمَاعَة بمراكش وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مَرْوَان فَاجْتمع القَاضِي الْمَذْكُور بأمير الْمُؤمنِينَ يَعْقُوب الْمَنْصُور وَقَالَ لَهُ إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد يطْلب أَهله فَسكت عَنهُ الْمَنْصُور وَمَضَت أَيَّام ثمَّ إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد اجْتمع بِالْقَاضِي الْمَذْكُور فِي قصر الْمَنْصُور بمراكش وَقَالَ لَهُ أَنْت قَاضِي الْمُسلمين وَقد طلبت أَهلِي فَمَا جاؤوني فَاجْتمع القَاضِي بالمنصور وَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد قد طلب أَهله مرّة وَهَذِه الثَّانِيَة فَسكت الْمَنْصُور ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة لَقِي الشَّيْخ عبد الْوَاحِد القَاضِي بِالْقصرِ الْمَذْكُور فَقَالَ لَهُ يَا قَاضِي الْمُسلمين قد قلت لَك مرَّتَيْنِ وَهَذِه الثَّالِثَة أَنا أطلب أَهلِي وَقد مَنَعُونِي مِنْهُم فَاجْتمع القَاضِي بالمنصور وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا إِن الشَّيْخ عبد الْوَاحِد قد تكَرر طلبه لأَهله فَأَما أَن تسير إِلَيْهِ أَهله وَإِمَّا أَن تعزلني عَن الْقَضَاء فَسكت

ص: 199

الْمَنْصُور وَقيل أَنه قَالَ لَهُ يَا عبد الله مَا هَذَا إِلَّا جد كَبِير ثمَّ استدعى خَادِمًا وَأمره سرا بِأَن تحمل أهل الشَّيْخ عبد الْوَاحِد إِلَيْهِ فَحملت إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْيَوْم وَلم يتَغَيَّر على القَاضِي وَلَا قَالَ لَهُ شَيْئا يكرههُ وَتبع فِي ذَلِك حكم الشَّرْع المطهر وانقاد لأَمره وَهَذِه حَسَنَة تعد لَهُ وللقاضي أَيْضا فَإِنَّهُ بَالغ فِي إِقَامَة منار الشَّرْع وَالْعدْل

وَكَانَ الْمَنْصُور يشدد فِي إِلْزَام الرّعية بِإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس وَقتل فِي بعض الأحيان على شرب الْخمر وَقتل الْعمَّال الَّذين تشكوهم الرعايا أَمر برفض فروع الْفِقْه وإحراق كتب الْمذَاهب وَأَن الْفُقَهَاء لَا يفتون إِلَّا من الْكتاب وَالسّنة النَّبَوِيَّة وَلَا يقلدون أحدا من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين بل تكون أحكامهم بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الْكتاب والْحَدِيث وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس

قَالَ ابْن خلكان وَلَقَد أدركنا جمَاعَة من مَشَايِخ الْمغرب وصلوا إِلَيْنَا وهم على ذَلِك الطَّرِيق مثل أبي الْخطاب بن دحْيَة وأخيه أبي عَمْرو ومحيي الدّين بن عَرَبِيّ نزيل دمشق وَغَيرهم وَكَانَ يُعَاقب على ترك الصَّلَوَات وَيَأْمُر بالنداء فِي الْأَسْوَاق بالمبادرة إِلَيْهَا فَمن غفل عَنْهَا أَو اشْتغل بمعيشته عزره تعزيرا بليغا

وَكَانَ قد عظم ملكه واتسعت دَائِرَة سلطنته حَتَّى أَنه لم يبْق بِجَمِيعِ أقطار بِلَاد الْمغرب من الْبَحْر الْمُحِيط إِلَى برقة إِلَّا من هُوَ فِي طَاعَته وداخل فِي ولَايَته إِلَى غير ذَلِك من جَزِيرَة الأندلس وَكَانَ محسنا محبا للْعُلَمَاء مقربا للأدباء مصغيا إِلَى الْمَدْح مثيبا عَلَيْهِ وَله ألف أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد السَّلَام الجراوي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ صفوة الْأَدَب وديوان الْعَرَب فِي مُخْتَار الشّعْر وَهُوَ مَجْمُوع مليح أحسن فِي اخْتِيَاره كل الْإِحْسَان

وَكَانَ الْمَنْصُور يضْرب بِهِ الْمثل فِي حسن التوقيع وإجادته وَقد تقدم لنا مَا وَقع بِهِ على كتاب الفنش

ص: 200

وَحكى ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل أَن الْمَنْصُور طلب يَوْمًا من قاضيه أَن يخْتَار لَهُ رجلَيْنِ لغرضين من تَعْلِيم ولد وَضبط أَمر فَعرفهُ برجلَيْن قَالَ فِي أَحدهمَا وَهُوَ بَحر فِي علمه وَقَالَ فِي الآخر وَهُوَ بر فِي دينه وَلما خرج الْمَنْصُور أحضرهما واختبرهما فقصرا بَين يَدَيْهِ وأكذبا الدَّعْوَى فَوَقع الْمَنْصُور على رقْعَة القَاضِي أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر قَالَ ابْن الْخَطِيب وَهَذَا من التوقيع العريق فِي الإجادة والصنعة

وَكَانَ مجْلِس الْمَنْصُور رحمه الله مجْلِس الْفُضَلَاء والأدباء وأرباب المعارف والفنون حكى أَبُو الْفضل التيفاشي قَالَ جرت مناظرة بَين يَدي ملك الْمغرب يَعْقُوب الْمَنْصُور وَكَانَت بَين الْفَقِيه أبي الْوَلِيد بن رشد الْمَعْرُوف بالحفيد والرئيس الْوَزير أبي بكر بن زهر بِضَم الزَّاي وَكَانَ الأول قرطبيا وَالثَّانِي إشبيليا فَقَالَ ابْن رشد لِابْنِ زهر فِي تَفْضِيل قرطبة مَا أَدْرِي مَا تَقول غير أَنه إِذا مَاتَ عَالم بإشبيلية فَأُرِيد بيع كتبه حملت إِلَى قرطبة حَتَّى تبَاع فِيهَا وَإِن مَاتَ مطرب بقرطبة فَأُرِيد بيع آلاته حملت إِلَى إشبيلية

وَهَذَا الْوَزير ابْن زهر هُوَ أحد أَعْيَان وزراء الدولة الموحدية وَزِير للمنصور ولأبيه من قبله

قَالَ ابْن خلكان كَانَ ابْن زهر من أهل بَيت كلهم عُلَمَاء رُؤَسَاء حكماء وزراء نالوا الْمَرَاتِب وتقدموا عِنْد الْمُلُوك ونفذت أوامرهم وَكَانَ يتَكَرَّر وُرُوده على الحضرة بمراكش فيقيم بهَا وَيرجع إِلَى الأندلس وَمِمَّا قَالَه بمراكش يتشوق إِلَى ولد لَهُ صَغِير تَركه بإشبيلية

(ولى وَاحِد مثل فرخ القطا

صَغِير تخلف قلبِي لَدَيْهِ)

(نأت عَنهُ دَاري فيا وحشتي

لذاك الشخيص وَذَاكَ الْوَجِيه)

(تشوقني وتشوقته

فيبكي عَليّ وأبكي عَلَيْهِ)

ص: 201

(لقد تَعب الشوق مَا بَيْننَا

فَمِنْهُ إِلَيّ ومني إِلَيْهِ)

قَالَ الْعَلامَة الأديب أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب أَخْبرنِي الطَّبِيب الماهر الثِّقَة الصَّالح الْعَلامَة سَيِّدي أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْوَزير الغساني الأندلسي الأَصْل الفاسي المولد والنشأة حَكِيم حَضْرَة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور بِاللَّه السَّعْدِيّ أَن ابْن زهر لما قَالَ هَذِه الأبيات وسمعها يَعْقُوب الْمَنْصُور أرسل المهندسين إِلَى إشبيلية يَعْنِي من غير علم من ابْن زهر وَأمرهمْ أَن يحيطوا علما ببيوت ابْن زهر وحارته ثمَّ يبنوا مثلهَا بِحَضْرَة مراكش فَفَعَلُوا مَا أَمرهم بِهِ فِي أقرب مُدَّة وفرشها بِمثل فرشه وَجعل فِيهَا مثل آلاته ثمَّ أَمر بِنَقْل عِيَال ابْن زهر وَأَوْلَاده وحشمه وأسبابه إِلَى تِلْكَ الدَّار ثمَّ احتال عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ إِلَى ذَلِك الْموضع فَرَآهُ أشبه شَيْء ببيوته وحارته فاحتار لذَلِك وَظن أَنه نَائِم وَأَن ذَلِك أَحْلَام فَقيل لَهُ ادخل الْبَيْت الَّذِي يشبه بَيْتك فدخله فَإِذا وَلَده الَّذِي يتشوق إِلَيْهِ يلْعَب فِي الْبَيْت فَحصل لَهُ من السرُور مَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا يعبر عَنهُ هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا

وَمن أطباء الْمَنْصُور الْوَزير الطَّبِيب الشهير أَبُو بكر بن طفيل من أهل وَادي آش كَانَ حاذقا بصناعة الطِّبّ والجراحات وَمن أطبائه أَيْضا الْحَفِيد بن رشد الْمُتَقَدّم الذّكر وَمن كِتَابه الْكَاتِب البارع أَبُو الْحسن عبد الْملك بن عَيَّاش الْقُرْطُبِيّ النشأة اليابوري الأَصْل والفقيه البارع أَبُو الْفضل بن طَاهِر من أهل بجاية وَمن الْفُقَهَاء الَّذين كَانُوا يجالسونه ويسامرونه الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْجد والفقيه القَاضِي أَبُو عبد الله بن الصَّقْر وَغَيرهم رحم الله الْجَمِيع

ص: 202