المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قدوم أبي العلاء المأمون بن المنصور من الأندلس إلى مراكش وما اتفق له في ذلك - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌قدوم أبي العلاء المأمون بن المنصور من الأندلس إلى مراكش وما اتفق له في ذلك

مردنيش وَخرج عَنهُ إِلَى أبدة سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ بني مردنيش هَؤُلَاءِ أهل عِصَابَة وأولي باس وقوه فتوقع أَبُو زيد اختلال أمره وَبعث إِلَيْهِ ولاطفه فِي الرُّجُوع فَأبى فَخرج أَبُو زيد من بلنسية وَلحق بطاغية برشلونة وَدخل فِي دين النَّصْرَانِيَّة وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَبَايع أهل شاطبة لِابْنِ هود ثمَّ تَتَابَعَت بِلَاد الأندلس على بيعَته وَدخل فِي طَاعَته أهل قرطبة وإشبيلية بعد رحيل الْمَأْمُون عَنهُ إِلَى مراكش وَلم يبْق للموحدين بالأندلس سُلْطَان

ثمَّ فِي سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة ثار مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر بحصن أرجونة من أَعمال قرطبة ودعا لأبي زَكَرِيَّاء الحفصي صَاحب إفريقية ثمَّ دخل فِي طَاعَته أهل قرطبة وتنازع ابْن الْأَحْمَر وَابْن هود رئاسة الأندلس وتجاذبا حَبل الْملك بهَا وَكَانَت خطوب استولى لطاغية فِيهَا على كثير من حصون الأندلس ثمَّ اسْتَقر قدم ابْن الْأَحْمَر فِي الْملك وأورثه بنيه من بعده وَالله غَالب على أمره

‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

قد تقدم لنا أَن الْمُوَحِّدين بمراكش خنقوا الْعَادِل وَبَايَعُوا أَخَاهُ الْمَأْمُون وَبعد انْفِصَال الْبَرِيد بالبيعة ندموا وَبَايَعُوا ابْن أَخِيه يحيى بن النَّاصِر فوصلت بيعَة الْمُوَحِّدين إِلَى الْمَأْمُون وَهُوَ يَوْمئِذٍ بإشبيلية فسر بهَا وَأمر بإقرائها على مَنَابِر الأندلس ثمَّ أَخذ فِي التَّجْهِيز وَالْحَرَكَة إِلَى مراكش دَار ملكهم فَسَار حَتَّى إِذا وصل إِلَى الجزيرة الخضراء اتَّصل بِهِ الْخَبَر أَن الْمُوَحِّدين قد نكثوا بيعَته وَبَايَعُوا ابْن أَخِيه يحيى فَوَجَمَ لذَلِك وأطرق مَلِيًّا ثمَّ أنْشد متمثلا بقول حسان رضي الله عنه

(لتسمعن وشيكا فِي دِيَارهمْ

الله أكبر يَا ثَارَاتِ عثمانا)

ص: 236

ثمَّ كتب من حِينه إِلَى ملك قشتالة يستنصره على الْمُوَحِّدين ويسأله أَن يبْعَث لَهُ جَيْشًا من الفرنج يجوز بهم إِلَى العدوة لقِتَال يحيى وَمن مَعَه من الْمُوَحِّدين فَشرط عَلَيْهِ صَاحب قتشالة أَن يُعْطِيهِ عشرَة حصون مِمَّا يَلِي بِلَاده يختارها هُوَ وَأَن يَبْنِي بمراكش إِذا دَخلهَا لجيش النَّصَارَى الَّذين مَعَه كَنِيسَة يظهرون بهَا دينهم ويضربون فِيهَا نواقيسهم لصلواتهم وَأَن من اسْلَمْ مِنْهُم لَا يقبل مِنْهُ إِسْلَامه وَيرد إِلَى إخوانه فيحكمون فِيهِ بأحكامهم إِلَى غير ذَلِك فأسعفه الْمَأْمُون فِي جَمِيع مَا طلبه مِنْهُ

وَكَانَ يحيى بن النَّاصِر صَاحب مراكش لما رأى اخْتِلَاف أَحْوَاله بهَا كَمَا قُلْنَا ومبايعته أَكثر أهل الْمغرب لِعَمِّهِ الْمَأْمُون خرج فَارًّا بِنَفسِهِ إِلَى تيمنلل وَكَانَ ذَلِك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَلما فر يحيى عَن الحضرة قدم اشياخ الْمُوَحِّدين الَّذين بهَا واليا يضبطها لِلْمَأْمُونِ ريثما يقدم عَلَيْهِم وجددوا لَهُ الْبيعَة وَكَتَبُوا إِلَيْهِ يخبروه بفرار يحيى إِلَى الْجَبَل ويرغبون إِلَيْهِ فِي الْقدوم عَلَيْهِم وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا هِلَال بن حميدان أَمِير الْخَلْط وَاسْتمرّ يحيى معتصما بِالْجَبَلِ أَرْبَعَة اشهر ثمَّ بدا لَهُ فَعَاد إِلَى مراكش وَقتل عَامل الْمَأْمُون الَّذِي قدمه الْمُوَحِّدين بهَا وَاسْتمرّ بهَا نَحْو سَبْعَة أَيَّام ثمَّ خرج إِلَى جبل جليز وعسكر بِهِ وَأقَام منتظرا لقدوم الْمَأْمُون ودفاعه عَن مراكش ثمَّ بعث صَاحب قشتالة إِلَى الْمَأْمُون جَيْشًا من اثْنَي عشر ألفا برسم الْخدمَة مَعَه والمقاتلة دونه على الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة وَكَانَ وصولهم إِلَيْهِ فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ عبر بهم من الجزيرة الخضراء إِلَى سبتة فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَهُوَ أول من أَدخل عَسْكَر الفرنج أَرض الْمغرب واستخدمهم بهَا فأراح بسبتة أَيَّامًا ثمَّ نَهَضَ إِلَى مراكش حَتَّى إِذا دنى مِنْهَا لقِيه يحيى بجيوش الْمُوَحِّدين وَذَلِكَ عشي يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من ربيع الأول من السّنة الدَّاخِلَة فَانْهَزَمَ يحيى

ص: 237

وفر إِلَى الْجَبَل وَقتل كثير من جَيْشه

وَدخل الْمَأْمُون حَضْرَة مراكش وَبَايَعَهُ الموحدون وَصعد الْمِنْبَر بِجَامِع الْمَنْصُور وَكَانَ عَلامَة أديبا بليغا فَخَطب النَّاس وَلعن الْمهْدي على الْمِنْبَر وَقَالَ لَا تَدعُوهُ بالمهدي الْمَعْصُوم وادعوه بالغوي المذموم أَلا لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى وَإِنَّا قد نَبَذْنَا أمره النحس وَلما انْتهى إِلَى آخر خطْبَة قَالَ معشر الْمُوَحِّدين لَا تظنوا أَنِّي أَنا إِدْرِيس الَّذِي تندرس دولتكم على يَده كلا إِنَّه سَيَأْتِي بعدِي إِن شَاءَ الله

ثمَّ نزل وَأمر بالكتب إِلَى جَمِيع الْبِلَاد بمحو اسْم الْمهْدي من السِّكَّة وَالْخطْبَة وتغيير سنَنه الَّتِي ابتدعها للموحدين وَجرى عَلَيْهَا سلفهم ونعى عَلَيْهَا النداء للصَّلَاة باللغة البربرية وزيادته فِي أَذَان الصُّبْح وَللَّه الْحَمد وَغير ذَلِك من السّنَن الَّتِي اخْتصَّ بهَا الْمهْدي وَأمر بتدوير الدَّرَاهِم الَّتِي ضربهَا الْمهْدي مربعة وَقَالَ كل مَا فعله الْمهْدي وَتَابعه عَلَيْهِ أسلافنا فَهُوَ بِدعَة وَلَا سَبِيل إِلَى إبقائه وأبدا فِي ذَلِك وَأعَاد

ثمَّ دخل قصره فاحتجب عَن النَّاس ثَلَاثًا ثمَّ خرج فِي الْيَوْم الرَّابِع فَأمر بأشياخ الْمُوَحِّدين وأعيانهم فَحَضَرُوا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُم يَا معشر الْمُوَحِّدين إِنَّكُم قد أظهرتم علينا العناد وأكثرتم فِي الأَرْض الْفساد ونقضتم العهود وبذلتم فِي حربنا المجهود وقتلتم الإخوان والأعمام وَلم ترقبوا فيهم إِلَّا وَلَا ذمام ثمَّ أخرج كتاب بيعتهم الَّذِي بعثوا بِهِ إِلَيْهِ وَاحْتج عَلَيْهِم بنكثهم الَّذِي نكثوا بعده فَقَامَتْ الْحجَّة عَلَيْهِم فَبُهِتُوا وَسقط فِي أَيْديهم والتفت إِلَى قَضِيَّة المكيدي وَكَانَ بإزائه قد قدم مَعَه من إشبيلية فَقَالَ لَهُ مَا ترى ايها القَاضِي فِي أَمر هَؤُلَاءِ النَّاكِثِينَ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى يَقُول {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} فَقَالَ الْمَأْمُون صدق الله الْعَظِيم فَإنَّا نحكم فيهم بِحكم الله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} ثمَّ أَمر بِجَمِيعِ أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وأشرافهم فسحبوا إِلَى مصَارِعهمْ وَقتلُوا من عِنْد آخِرهم وَلم يبْق على كَبِيرهمْ وَلَا صَغِيرهمْ حَتَّى أَنه أُتِي بِابْن أُخْت لَهُ صَغِير يُقَال إِن سنه كَانَ ثَلَاث عشرَة

ص: 238

سنة وَكَانَ قد حفظ الْقُرْآن فَلَمَّا قدم للْقَتْل قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اعْفُ عني لثلاث قَالَ مَا هن قَالَ صغر سني وَقرب رحمي وحفظي لكتاب الله الْعَزِيز فَيُقَال إِن الْمَأْمُون نظر إِلَى القَاضِي كالمستشير لَهُ وَقَالَ لَهُ كَيفَ ترى قُوَّة جأش هَذَا الْغُلَام وإقدامه على الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام فَقَالَ القَاضِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك إِن تذرهم يضلوا عِبَادك وَلَا يلدوا إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا فَأمر بِهِ فَقتل رحمه الله ثمَّ أَمر بالرؤوس فعلقت بدائر سور الْمَدِينَة

ذكر ابْن أبي زرع أَنَّهَا كَانَت تنيف على أَرْبَعَة آلَاف رَأس وَكَانَ الزَّمَان زمن قيظ فنتنت بهَا الْمَدِينَة وتأذى النَّاس بريحها فَرفع إِلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ إِن هَهُنَا مجانين وَأَن تِلْكَ الرؤوس حروز لَهُم لَا يصلح حَالهم إِلَّا بهَا وَإِنَّهَا لعطرة عِنْد المحبين ونتنة عِنْد المبغظين ثمَّ أنْشد

(أهل الْحِرَابَة وَالْفساد من الورى

بِالْقطعِ وَالتَّعْلِيق فِي الْأَشْجَار)

(ففساده فِيهِ الصّلاح لغيره

يعزون فِي التَّشْبِيه للذكار)

(فرؤوسهم ذكرى إِذا مَا أَبْصرت

فَوق الْجُذُوع وَفِي ذرى الأسوار)

(وَكَذَا الْقصاص حَيَاة أَرْبَاب النهى

وَالْعدْل مألوف بِكُل جوَار)

(لَو عَم حلم الله سَائِر خلقه

مَا كَانَ أَكْثَرهم من أهل النَّار)

وَهَذِه الفتكة الَّتِي ارتكبها الْمَأْمُون من الْمُوَحِّدين أنست فتكة الْحَارِث بن ظَالِم والبراض الْكِنَانِي والحجاف بن حَكِيم وَهِي الَّتِي استأصلت جمهورهم وأماتت نخوتهم وَإِذن الْمَأْمُون لِلنَّصَارَى القادمين مَعَه فِي بِنَاء الْكَنِيسَة وسط مراكش على شرطهم الْمُتَقَدّم فَضربُوا بهَا نواقيسهم وَكَانَت الْكَنِيسَة فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالسجينة

وَقبض على قَاضِي الْجَمَاعَة بمراكش وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الْحق فقيده وَدفعه إِلَى هِلَال بن حميدان الخلطي فحبسه حَتَّى أفتدي مِنْهُ بِسِتَّة آلَاف دِينَار

وَأقَام الْمَأْمُون بمراكش خَمْسَة أشهر ثمَّ نَهَضَ إِلَى الْجَبَل لقِتَال

ص: 239

يحيى بن النَّاصِر وَمن مَعَه من الْمُوَحِّدين وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة فَالتقى مَعَه على الْموضع الْمَعْرُوف بالكاعة فَانْهَزَمَ يحيى وَقتل من عسكره وَمن أهل الْجَبَل خلق كثير سيق من رؤوسهم إِلَى مراكش أَرْبَعَة آلَاف رَأس

وَفِي هَذِه السّنة استبد الْأَمِير أَبُو زَكَرِيَّا ابْن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن حَفْص الهنتاتي بإفريقية وخلع طَاعَة الْمُوَحِّدين

وَفِي سنة ثَمَان وَعشْرين بعْدهَا نفذت كتب الْمَأْمُون إِلَى سَائِر الْبِلَاد بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وفيهَا خرجت بِلَاد الأندلس كلهَا من ملك الْمُوَحِّدين ونفاهم عَنْهَا ابْن هود لثائر بهَا وقتلتهم الْعَامَّة فِي كل وَجه

وَفِي سنة تسع وَعشْرين بعْدهَا خرج على الْمَأْمُون أَخُوهُ السَّيِّد أَبُو مُوسَى عمرَان بن الْمَنْصُور بِمَدِينَة سبتة وَتسَمى بالمؤيد فاتصل الْخَبَر بالمأمون فَخرج إِلَيْهِ وبلغه فِي طَرِيقه أَن قبائل بني فازاز ومكلاثه قد حاصروا مكناسة وعاثوا فِي نَوَاحِيهَا فَسَار إِلَيْهِم وحسم مَادَّة فسادهم وَعَاد إِلَى سبتة فحاصر بهَا أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا مُوسَى مُدَّة فَلم يقدر مِنْهُ على شَيْء وَكَانَت سبتة من أحصن مدن الْمغرب وَلما طَالَتْ غيبَة الْمَأْمُون عَن الحضرة اغتنم يحيى بن النَّاصِر الفرصة فَنزل من الْجَبَل واقتحمها مَعَ عرب سُفْيَان وشيخهم جرمون بن عِيسَى وَمَعَهُمْ أَبُو سعيد بن وانودين شيخ هنتاتة وعاثوا فِيهَا وهدموا كَنِيسَة النَّصَارَى الَّتِي بنيت بهَا وَقتلُوا كثيرا من يهودها وَسبوا أَمْوَالهم وَدخل يحيى الْقصر فَحمل مِنْهُ جَمِيع مَا وجده بِهِ إِلَى الْجَبَل

واتصل الْخَبَر بالمأمون وَهُوَ على حِصَار سبتة فارتحل عَنْهَا مسرعا إِلَى مراكش وَذَلِكَ فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَلما أبعد عَن سبتة عبر أَبُو مُوسَى صَاحبهَا إِلَى الأندلس فَبَايعهُ ابْن هود وَأَعْطَاهُ سبتة فَعوضهُ ابْن هود عَنْهَا بالمرية فَكَانَ السَّيِّد أَبُو مُوسَى بهَا إِلَى أَن مَاتَ

وانْتهى الْخَبَر إِلَى الْمَأْمُون وَهُوَ فِي طَرِيقه بِأَن ابْن هود قد ملك سبتة فتوالت عَلَيْهِ الفجائع فَمَرض أسفا وَمَات بوادي العبيد وَهُوَ قافل من حِصَار

ص: 240