الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ بِأَرْض صحراء كل مَا جلب إِلَيْهِ من هُنَا فَهُوَ مستطرف لَدَيْهِ
فَلَمَّا قرب أَبُو بكر بن عمر من أَعمال الْمغرب خرج إِلَيْهِ يُوسُف بن تاشفين فَلَقِيَهُ على بعد وَسلم عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكب سَلاما مُخْتَصرا وَلم ينزل لَهُ وَلَا تأدب مَعَه الْأَدَب الْمُعْتَاد فَنظر أَبُو بكر إِلَى كَثْرَة جيوشه فَقَالَ لَهُ يَا يُوسُف مَا تصنع بِهَذِهِ الجيوش قَالَ أستعين بهَا على من خالفني فارتاب أَبُو بكر بِهِ ثمَّ نظر إِلَى ألف بعير قد أَقبلت موقرة فَقَالَ مَا هَذِه الْإِبِل الموقرة قَالَ أَيهَا الْأَمِير إِنِّي قد جئْتُك بِكُل مَا معي من مَال وأثاث وَطَعَام وإدام لتستعين بِهِ على بِلَاد الصَّحرَاء فازداد أَبُو بكر تعرفا من حَاله وَعلم أَنه لَا يتخلى لَهُ عَن الْأَمر فَقَالَ لَهُ يَا بن عَم انْزِلْ أوصيك فَنزلَا مَعًا وجلسا فَقَالَ أَبُو بكر إِنِّي قد وليتك هَذَا الْأَمر وَإِنِّي مسؤول عَنهُ فَاتق الله تَعَالَى فِي الْمُسلمين وأعتقني وَأعْتق نَفسك من النَّار وَلَا تضيع من أُمُور رعيتك شَيْئا فَإنَّك مسؤول عَنهُ وَالله تَعَالَى يصلحك ويمدك ويوقفك للْعَمَل الصَّالح وَالْعدْل فِي رعيتك وَهُوَ خليفتي عَلَيْك وَعَلَيْهِم ثمَّ ودعه وَانْصَرف إِلَى الصَّحرَاء فَأَقَامَ بهَا مواظبا على الْجِهَاد فِي كفار السودَان إِلَى أَن اسْتشْهد من سهم مَسْمُوم أَصَابَهُ فِي شعْبَان سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بعد أَن استقام لَهُ أَمر الصَّحرَاء كَافَّة إِلَى جبال الذَّهَب من بِلَاد السودَان وَالله غَالب على أمره
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني
لما عزم الْأَمِير أَبُو بكر بن عمر على السّفر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء دَعَا ابْن عَمه يُوسُف بن تاشفين بن إِبْرَاهِيم اللمتوني فعقد لَهُ على بِلَاد الْمغرب وفوض إِلَيْهِ أمره وَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى قتال من بِهِ من مغراوة وَبني يفرن وَسَائِر زناتة والبربر وَاتفقَ على تَقْدِيمه أَشْيَاخ المرابطين لما يعلمُونَ من فَضله وَدينه
وشجاعته ونجدته وعدله وورعه وسداد رَأْيه ويمن نقيبته فَعَاد يُوسُف من سجلماسة بِنصْف جَيش المرابطين بعد ارتحال أبي بكر بن عمر بِالنِّصْفِ الآخر وَذَلِكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَلما انْتهى يُوسُف بن تاشفين إِلَى ملوية ميز جيوشه فَوَجَدَهَا أَرْبَعِينَ ألفا من المرابطين فَاخْتَارَ مِنْهُم أَرْبَعَة من القواد وهم سير بن أبي بكر اللمتوني وَمُحَمّد بن تَمِيم الكدالي وَعمر بن سُلَيْمَان المسوفي ومدرك التلكاني وَعقد لكل قَائِد مِنْهُم على خَمْسَة آلَاف من قبيلته وجعلهم مُقَدّمَة بَين يَدَيْهِ لقِتَال من بالمغرب من مغراوة وَبني يفرن وَسَائِر قبائل البربر القائمين بِهِ ثمَّ سَار هُوَ فِي أَثَرهم يتقرى الْمغرب بَلَدا بَلَدا ويتتبع أَهله قَبيلَة قَبيلَة فقوم يقاتلونه ثمَّ يظفر بهم وَقوم يفرون بَين يَدَيْهِ وَقوم يلقون إِلَيْهِ السّلم ويبذلون الطَّاعَة حَتَّى دوخ بِلَاد الْمغرب ثمَّ سَار حَتَّى دخل مَدِينَة أغمات وَلما اسْتَقر بهَا تزوج زَيْنَب بنت إِسْحَاق النفزاوية الَّتِي كَانَت تَحت أبي بكر بن عمر فَكَانَت عنوان سعده والقائمة بِملكه والمدبرة لأَمره والفاتحة عَلَيْهِ بِحسن سياستها لأكْثر بِلَاد الْمغرب وَمن ذَلِك إشارتها عَلَيْهِ فِي أَمر أبي بكر بن عمر وَكَيْفِيَّة ملاقاته حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَهَكَذَا كَانَ أمرهَا فِي كل مَا تحاوله رَحمهَا الله
وَمِمَّا يستطاب من حَدِيثهَا مَا حَكَاهُ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله وَقد تكلم على يُوسُف بن تاشفين هَذَا فَقَالَ كَانَ حسن السِّيرَة خيرا عادلا يمِيل إِلَى أهل الْعلم وَالدّين يكرمهم ويحكمهم فِي بِلَاده ويصدر عَن رَأْيهمْ وَكَانَ يحب الْعَفو والصفح عَن الذُّنُوب الْعِظَام من ذَلِك أَن ثَلَاثَة نَفرا اجْتَمعُوا فتمنى أحدهم ألف دِينَار يتجر بهَا وَتمنى الآخر عملا يعْمل فِيهِ لأمير الْمُسلمين وَتمنى الآخر زَوجته وَكَانَت من أحسن النِّسَاء وَلها الحكم فِي بِلَاده فَبَلغهُ الْخَبَر فأحضرهم وَأعْطى متمني المَال ألف دِينَار وَاسْتعْمل الآخر وَقَالَ للَّذي تمنى زَوجته يَا جَاهِل مَا حملك على هَذَا الَّذِي لَا