المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزو إفريقية ثانيا وفتح المهدية وغيرها من الثغور - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٢

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة المرابطية

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وَمَا كَانَ من أمره مَعَ الشَّيْخ أبي عمرَان الفاسي رحمهمَا الله

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول عبد الله بن ياسين أَرض الصَّحرَاء وَابْتِدَاء أمره بهَا

- ‌شُرُوع عبد الله بن ياسين فِي الْجِهَاد وإعلانه بالدعوة وَمَا كَانَ من أمره فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة يحيى بن عَمْرو بن تكلاكين اللمتوني

- ‌الْخَبَر عَن غَزْو عبد الله بن ياسين وَيحيى بن عمر سجلماسة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة أبي بكر بن عمر اللمتوني وَفتح بِلَاد السوس

- ‌فتح بِلَاد المصامدة وَمَا يتبع ذَلِك من جِهَاد برغواطة وَفتح بِلَادهمْ وَذكر نسبهم

- ‌غَزْوَة أبي بكر بن عمر بِلَاد الْمغرب سوى مَا تقدم وفتحه إِيَّاهَا

- ‌عود أبي بكر بن عمر إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌بِنَاء مَدِينَة مراكش

- ‌فتح مَدِينَة فاس وَغَيرهَا من سَائِر بِلَاد الْمغرب

- ‌فتح سبتة وطنجة وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من جِهَاد بالأندلس

- ‌الْخَبَر عَن الْغَزْوَة الْكُبْرَى بالزلاقة من أَرض الأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين فِي الْجِهَاد وَمَا اتّفق لَهُ مَعَ مُلُوك الأندلس وَكَبِيرهمْ ابْن عباد

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سوى مَا تقدم

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُسلمين أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين اللمتوني

- ‌خُرُوج يحيى بن أبي بكر بن يُوسُف بن تاشفين على عَمه أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين

- ‌أَخْبَار الْوُلَاة بالمغرب والأندلس

- ‌أَخْبَار أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي الْجِهَاد وجوازه الأول إِلَى بِلَاد الأندلس

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على سرقسطة

- ‌ولَايَة الْأَمِير تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف على بِلَاد الأندلس وأخباره فِي الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْمعز تاشفين بن عَليّ بن يُوسُف ابْن تاشفين اللمتوني

- ‌الدولة الموحدية الْخَبَر عَن دولة الْمُوَحِّدين من المصامدة وقيامها على يَد مُحَمَّد بن تومرت الْمَعْرُوف بالمهدي

- ‌وَفَاة الْمهْدي رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وأوليتها

- ‌بيعَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْوَة عبد الْمُؤمن الطَّوِيلَة الَّتِي استولى فِيهَا على المغربين

- ‌فتح مَدِينَة فاس

- ‌فتح مراكش واستئصال بَقِيَّة اللمتونيين

- ‌ثورة مُحَمَّد بن هود السلاوي الْمَعْرُوف بالماسي

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على الْمُوَحِّدين وَخبر القَاضِي عِيَاض رحمه الله مَعَهم

- ‌أَخْبَار الأندلس وفتوحها

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن إِلَى سلا ووفادة أهل الأندلس عَلَيْهِ بهَا

- ‌غَزْو إفريقية وَفتح مَدِينَة بجاية

- ‌فتح المرية وبياسة وأبدة

- ‌قدوم عبد الْمُؤمن مَدِينَة سلا وتولية أَوْلَاده على النواحي بهَا

- ‌إِيقَاع عبد الْمُؤمن بِعَبْد الْعَزِيز وَعِيسَى أخوي الْمهْدي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌أَمر عبد الْمُؤمن بتحريق كتب الْفُرُوع ورد النَّاس إِلَى الْأُصُول من الْكتاب وَالسّنة

- ‌نقل الْمُصحف العثماني من قرطبة إِلَى مراكش وَبِنَاء جَامع الكتبيين بهَا

- ‌نكبة الْوَزير ابْن عَطِيَّة وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

- ‌توظيف عبد الْمُؤمن الْخراج على أَرض الْمغرب

- ‌بِنَاء عبد الْمُؤمن جبل طَارق

- ‌عبور عبد الْمُؤمن إِلَى جبل طَارق وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم كومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن عَلَيْهِ بمراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌استعداد عبد الْمُؤمن للْجِهَاد وإنشاؤه الأساطيل بسواحل الْمغرب وَمَا يتبع ذَلِك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌ثورة سبع بن منغفاد بجبال غمارة

- ‌الْجَوَاز الأول لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌غَزْو أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بِلَاد إفريقية وَفتح مَدِينَة قفصة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف ابْن عبد الْمُؤمن إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد وَمَا يتَّصل بذلك من وَفَاته رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن بن عَليّ

- ‌خُرُوج عَليّ بن إِسْحَاق المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية على يَعْقُوب الْمَنْصُور

- ‌الْخَبَر عَن انْتِقَال الْعَرَب من جزيرتهم إِلَى ارْض إفريقية ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن بني معقل عرب الصَّحرَاء من أَرض الْمغرب وَتَحْقِيق نسبهم وَبَيَان شعوبهم وبطونهم

- ‌الْجَوَاز الأول ليعقوب الْمَنْصُور رحمه الله إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌مراسلة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب مصر ليعقوب الْمَنْصُور رحمهمَا الله والتماسه مِنْهُ الأساطيل للْجِهَاد

- ‌عود الْمَنْصُور إِلَى إفريقية وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا شيده الْمَنْصُور رحمه الله من الْآثَار بالمغرب والأندلس

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَسيرَته

- ‌وَفَاة يَعْقُوب الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بِاللَّه

- ‌غَزْو النَّاصِر بِلَاد إفريقية وَولَايَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن أبي حَفْص عَلَيْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتح جَزِيرَة ميورقة

- ‌ثورة ابْن الْفرس وَمَا كَانَ من أمره

- ‌غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

- ‌وَفَاة النَّاصِر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الله الْعَادِل ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ

- ‌ثورة مُحَمَّد بن أبي الطواجين الكتامي بجبال غمارة

- ‌أَخْبَار الثوار وَمَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌قدوم أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور من الأندلس إِلَى مراكش وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الرشيد ابْن الْمَأْمُون ابْن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌فتْنَة الْخَلْط مَعَ الرشيد واستيلاؤهم على حَضْرَة مراكش

- ‌هجوم نَصَارَى جنوة على مَدِينَة سبتة وحصارهم إِيَّاهَا

- ‌عود الرشيد إِلَى مراكش وفرار يحيى عَنْهَا إِلَى بني معقل ومقتله بهم

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على قرطبة

- ‌وَفَاة الرشيد رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْحسن السعيد عَليّ بن الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌نهوض السعيد من مراكش إِلَى غَزْو الثوار بالمغربين ومحاصرته يغمراسن بن زيان وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر من مَقْتَله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص عمر المرتضى ابْن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رحمه الله

- ‌رَجَعَ إِلَى أَخْبَار عمر المرتضى

- ‌انْتِقَاض أبي دبوس على المرتضى واستيلاؤه على مراكش ومقتل المرتضى عقب ذَلِك

- ‌رَجَعَ إِلَى خبر أبي دبوس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَلَاء إِدْرِيس الواثق بِاللَّه الْمَعْرُوف بِأبي دبوس

الفصل: ‌غزو إفريقية ثانيا وفتح المهدية وغيرها من الثغور

‌غَزْو إفريقية ثَانِيًا وَفتح المهدية وَغَيرهَا من الثغور

كَانَت بِلَاد إفريقية بيد بني زيري بن مُنَاد الصنهاجيين من لدن الدولة العبيدية بهَا وَفِي هَذَا التَّارِيخ كَانَت دولتهم قد أشرفت على الْهَرم وَكثر التَّنَازُع بَينهم وزاحمتهم الثوار من الْعَرَب وَغَيرهم بِتِلْكَ الأقطار فانتهز الفرنج أَصْحَاب صقلية الفرصة فيهم وملكوا مِنْهُم عدَّة ثغور مثل صفاقس وَسْوَسَة وَغَيرهمَا ثمَّ ملكوا بعد ذَلِك المهدية وَهِي يَوْمئِذٍ دَار ملك الْحسن بن عَليّ الصنهاجي آخر مُلُوك بني زيري بن مُنَاد ففر الْحسن عَنْهَا إِلَى ابْن عَمه يحيى بن الْعَزِيز صَاحب بجاية فأنزله بالجزائر

وَلما طرق عبد الْمُؤمن ثغر الجزائر فِي غزوته الأولى إِلَى إفريقية خرج إِلَيْهِ الْحسن بن عَليّ هَذَا وَصَحبه وَصَارَ فِي جملَته فَكَانَ الْحسن يغريه بغزو إفريقية واستنقاذها من يَد الْعَدو

وَكَانَ عبد الْمُؤمن يحب ذَلِك ويرغب فِيهِ إِلَّا أَنه كَانَ ينْتَظر إبان الفرصة فاتفق أَن فرنج صقلية أوقعوا بِأَهْل زويلة وَهِي مَدِينَة بَينهَا وَبَين المهدية نَحْو ميدان وقْعَة شنيعة حَتَّى أَنهم قتلوا النِّسَاء والأطفال ففر جمَاعَة مِنْهُم إِلَى عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَهُوَ بمراكش يستغيثونه ويستنصرونه على الْعَدو

فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أكْرمهم وَأَخْبرُوهُ بِمَا جرى على الْمُسلمين وَأَنه لَيْسَ فِي مُلُوك الْإِسْلَام من يقْصد سواهُ وَلَا يكْشف هَذَا الكرب غَيره فَدَمَعَتْ عَيناهُ وأطرق ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ أَبْشِرُوا لأنصرنكم وَلَو بعد حِين وَأمر بإنزالهم وَأطلق لَهُم ألفي دِينَار

ثمَّ أَمر بِعَمَل الروايا والقرب وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْعَسْكَر فِي السّفر وَكتب إِلَى جَمِيع نوابه فِي الْمغرب وَكَانَ قد ملك العدوتين الأندلس وَالْمغْرب واتسعت خطة مَمْلَكَته إِلَى قرب مَدِينَة تونس فَكتب إِلَى من بطريقه من النواب يَأْمُرهُم بِحِفْظ جَمِيع مَا يتَحَصَّل من الغلات وَأَن يتْرك الزَّرْع فِي سنبله

ص: 135

ويخزن فِي موَاضعه وَأَن يحفروا الْآبَار فِي الطّرق فَفَعَلُوا جَمِيع مَا أَمرهم بِهِ وجمعوا غلات الْحبّ ثَلَاث سِنِين ونقلوها إِلَى الْمنَازل الَّتِي على الطَّرِيق وطينوا عَلَيْهَا فَصَارَت كَأَنَّهَا تلال

فَلَمَّا كَانَ صفر من سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة سَار عبد الْمُؤمن من مراكش يؤم بِلَاد إفريقية

وَقَالَ ابْن خلدون كَانَ عبد الْمُؤمن فِي هَذِه السفرة قد عزم على العبور إِلَى الأندلس لما بلغه من اضْطِرَاب أحوالها واستطالة الطاغية بهَا فَنَهَضَ يُرِيد الْجِهَاد واحتل بسلا فَبَلغهُ انْتِقَاض إفريقية وأهمه شَأْن النَّصَارَى بالمهدية فَلَمَّا توافرت العساكر بسلا اسْتخْلف الشَّيْخ أَبَا حَفْص الهنتاتي على الْمغرب وَعقد ليوسف بن سُلَيْمَان على مَدِينَة فاس ونهض يغد السّير إِلَى إفريقية وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من العساكر مائَة ألف مقَاتل وَمن الأتباع والسوقة أمثالهم وَكَانَ هَذَا الْجند يَمْتَد أميالا

وَبلغ من حفظه وَضَبطه أَنهم كَانُوا يَمْشُونَ بَين الزروع فَلَا تتأذى بهم سنبلة وَإِذا نزلُوا صلوا بِإِمَام وَاحِد بتكبيرة وَاحِدَة لَا يتَخَلَّف مِنْهُم أحد كَائِنا من كَانَ

وَقدم بَين يَدَيْهِ الْحسن بن عَليّ الصنهاجي صَاحب المهدية وَكَانَ قد اتَّصل بِهِ كَمَا قُلْنَا فَلم يزل يسير إِلَى أَن وصل إِلَى مَدِينَة تونس فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة وَبهَا صَاحبهَا أَحْمد بن خُرَاسَان وَأَقْبل أسطوله فِي الْبَحْر فِي سبعين شينا وطريدة وشلندا

فَلَمَّا نازلها راسل أَهلهَا يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة فامتنعوا فَقَاتلهُمْ من الْغَد أَشد قتال وَلما جن اللَّيْل نزل سَبْعَة عشر رجلا من أَعْيَان أَهلهَا إِلَى عبد الْمُؤمن يسألونه الْأمان لأهل بلدهم فأجابهم عبد الْمُؤمن بِأَن لَهُم الْأمان فِي أنفسهم وأهليهم وَأَمْوَالهمْ لمبادرتهم إِلَى الطَّاعَة وَأما من عداهم من سَائِر أهل الْبَلَد فيؤمنهم فِي أنفسهم وأهليهم ويقاسمهم على أَمْوَالهم وأملاكهم نِصْفَيْنِ وَأَن يخرج صَاحب الْبَلَد هُوَ وَأَهله فاستقر الْأَمر على

ص: 136

ذَلِك وتسلم الْبَلَد وَبعث إِلَيْهِم من يمْنَع العساكر من الدُّخُول عَلَيْهِم وَبعث أمناءه ليقاسموا النَّاس على أَمْوَالهم وأملاكهم وَأقَام أهل تونس بهَا على أُجْرَة تُؤْخَذ عَن نصف مساكنهم وَعرض عبد الْمُؤمن الْإِسْلَام على من بهَا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمن أسلم سلم وَمن أَبى قتل

وَأقَام عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ سَار إِلَى المهدية وأسطوله يحاذيه فِي الْبَحْر فوصل إِلَيْهَا ثامن عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ بالمهدية يَوْمئِذٍ خَواص الفرنج من أَوْلَاد مُلُوكهَا وأبطال فرسانها وَقد أخلوا مَدِينَة زويلة الْمُجَاورَة للمهدية فَدَخلَهَا عبد الْمُؤمن وامتلأت بالعساكر والسوقة فَصَارَت مَدِينَة معمورة فِي سَاعَة وَاحِدَة وَمن لم يكن لَهُ مَوضِع من الْعَسْكَر نزل بظاهرها وانضاف إِلَيْهِ من صنهاجة وَالْعرب وَأهل إفريقية مَا يخرج عَن الإحصاء وَأَقْبلُوا يُقَاتلُون المهدية مُدَّة أَيَّام فَلَا يُؤثر فِيهَا لحصانتها وَقُوَّة سورها وضيق محَال الْقِتَال عَلَيْهَا لِأَن الْبَحْر دائر بأكثرها فَكَأَنَّهَا كف فِي الْبَحْر وزندها مُتَّصِل بِالْبرِّ وَكَانَت الفرنج تخرج شجعانها إِلَى أَطْرَاف الْعَسْكَر فتنال مِنْهُ ويعودون سَرِيعا فَأمر عبد الْمُؤمن بِبِنَاء سور غربي الْمَدِينَة يمنعهُم من الْخُرُوج وأحاط الأسطول بهَا فِي الْبَحْر وَركب عبد الْمُؤمن شينيا وَمَعَهُ الْحسن بن عَليّ الَّذِي كَانَ صَاحبهَا وَتَطوف بهَا فِي الْبَحْر فهاله مَا رأى من حصانتها وَعلم أَنَّهَا لَا تفتح بِقِتَال برا وَلَا بحرا وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا المطاولة وَقَالَ لِلْحسنِ كَيفَ نزلت عَن مثل هَذَا الْحصن فَقَالَ لقلَّة من يوثق بِهِ وَعدم الْقُوت وَحكم الْقدر فَقَالَ صدقت

وَعَاد عبد الْمُؤمن من الْبَحْر وَأمر بِجمع الغلات والأقوات وَترك الْقِتَال فَلم يمض غير قَلِيل حَتَّى صَار فِي المعسكر مثل الجبلين من الْحِنْطَة وَالشعِير فَكَانَ من يصل إِلَى المعسكر من بعيد يَقُول مَتى حدثت هَذِه الْجبَال فَيُقَال هِيَ حِنْطَة وشعيرا فيتعجب من ذَلِك وَتَمَادَى الْحصار

وَفِي مُدَّة هَذَا الْحصار استولى عبد الْمُؤمن على طرابلس وصفاقص وَسْوَسَة وجبل نفوسة وقصور إفريقية وَمَا والاها وَفتح مَدِينَة قابس بِالسَّيْفِ وسير ابْنه السَّيِّد أَبَا مُحَمَّد من مَكَان حصاره للمهدية فِي جَيش فَفتح بلادا أُخْرَى

ص: 137

ثمَّ أطاعه أهل مَدِينَة قفصة وَقدم عَلَيْهِ صَاحبهَا فوصله بِأَلف دِينَار وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ استخلص فِي هَذِه الْمدَّة جَمِيع بِلَاد إفريقية من أَيدي القائمين بهَا

وَلما كَانَ الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة جَاءَ أسطول صَاحب صقلية فِي مائَة وَخمسين شينيا غير الطرائد مُمِدًّا لأهل المهدية وَكَانَ هَذَا الأسطول قد قدم من جَزِيرَة يابسة من بِلَاد الأندلس وَقد سبى أَهلهَا وأسرهم وَحَملهمْ مَعَه فَأرْسل إِلَيْهِم ملك الفرنج يَأْمُرهُم بِالْمَسِيرِ إِلَى المهدية ليمدوا إخْوَانهمْ الَّذين بهَا فقدموا فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور فَلَمَّا قاربوا الْمَدِينَة حطوا شرعهم ليدخلوا الميناء فَخرج إِلَيْهِم أسطول عبد الْمُؤمن وَركب الْعَسْكَر جَمِيعه ووقفوا على جَانب الْبَحْر فاستعظم الفرنج مَا رَأَوْا من كَثْرَة العساكر وداخل الرعب قُلُوبهم

وَنزل عبد الْمُؤمن إِلَى الأَرْض فَجعل يمرغ وَجهه ويبكي وَيَدْعُو للْمُسلمين بالنصر واقتتلوا فِي الْبَحْر فانهزمت شواني الفرنج وأعادوا القلوع وَسَارُوا وتبعهم الْمُسلمُونَ فَأخذُوا مِنْهُم سبع شواني وَكَانَ أمرا عجيبا وفتحا غَرِيبا

وَعَاد أسطول الْمُسلمين مظفرا منصورا وَفرق فيهم عبد الْمُؤمن الْأَمْوَال ويئس أهل المهدية حِينَئِذٍ من النجَاة وَمَعَ ذَلِك فقد صَبَرُوا على الْحصار أَرْبَعَة أشهر أُخْرَى إِلَى أخر ذِي الْحجَّة من السّنة فَنزل حِينَئِذٍ من فرسَان الفرنج إِلَى عبد الْمُؤمن عشرَة وسألوا الْأمان لمن فِيهَا من الفرنج على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ لِيخْرجُوا مِنْهَا إِلَى بِلَادهمْ وَكَانَ قوتهم قد فنى حَتَّى أكلُوا الْخَيل فَعرض عَلَيْهِم عبد الْمُؤمن الْإِسْلَام ودعاهم إِلَيْهِ فَقَالُوا مَا جِئْنَا لهَذَا وَإِنَّمَا جِئْنَا نطلب فضلك وترددوا إِلَيْهِ أَيَّامًا

وَكَانَ من جملَة مَا استعطفوه بِهِ أَن قَالُوا أَيهَا الْخَلِيفَة مَا عَسى أَن تكون المهدية وَمن بهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ملكك الْعَظِيم وأمرك الْكَبِير وَإِن أَنْعَمت علينا كُنَّا أرقاء لَك فِي أَرْضنَا فَعَفَا عَنْهُم وَكَانَ الْفضل شيمته وَأَعْطَاهُمْ سفنا ركبُوا فِيهَا وَسَارُوا وَكَانَ الزَّمن شتاء فغرق أَكْثَرهم وَلم يصل مِنْهُم إِلَى صقلية إِلَّا النَّفر الْيَسِير

ص: 138