الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأما الْقَتْل وَالتَّحْرِيق الَّذِي صدر من أهل سبتة فالظن بِالْقَاضِي عِيَاض رحمه الله أَنه لَا يُوَافق على ذَلِك وَلَا يرضاه لَكِن الْعَامَّة تتسرع إِلَى مُجَاوزَة الْحُدُود لَا سِيمَا أَيَّام الْفِتَن وَذَلِكَ مَعْرُوف من حَالهم وَالله الْمُوفق
وَلما دخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فتح الموحدون مَدِينَة مكناسة الْقَدِيمَة بعد حصارهم إِيَّاهَا سبع سِنِين اقتحموها عنْوَة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة فخربت وَقتل أَكثر رجالها وَسبي حريمهم وخمست أَمْوَالهم ثمَّ بنيت مكناسة تاكرارت الْمَدِينَة الْمَوْجُودَة الْآن
أَخْبَار الأندلس وفتوحها
كَانَ عبد الْمُؤمن لما فتح تلمسان وفاسا بعث إِلَى الأندلس جَيْشًا من عشرَة آلَاف فَارس من أنجاد الْمُوَحِّدين
وَقَالَ ابْن خلدون بعث عبد الْمُؤمن بعد فتح مراكش جَيْشًا من الْمُوَحِّدين لنظر بدران بن مُحَمَّد المسوفي النازع إِلَى عبد الْمُؤمن من جملَة تاشفين بن عَليّ وَعقد لَهُ على حَرْب الأندلس وَمن بهَا من لمتونة والثوار وأمده بعسكر آخر لنظر مُوسَى بن سعيد وَبعده بعسكر آخر لنظر عمر بن صَالح الصنهاجي
وَلما أَجَازُوا إِلَى الأندلس نزلُوا بِأبي الْغمر بن عزرون صَاحب شريش فَكَانَ أول بلد فتحُوا من الأندلس بلد شريش خرج إِلَيْهِم صَاحبهَا أَبُو الْغمر فِيمَن مَعَه من المرابطين وبايعهم لعبد الْمُؤمن وَدخل فِي طَاعَته فَكَانَ الموحدون يسمون أهل شريش بالسابقين الْأَوَّلين وحررت أملاكهم فَلم تزل محررة سَائِر أيامهم فَلم يكن فِي أملاكهم رباعة وَجَمِيع بِلَاد
الأندلس مربعة وَكَانَ مُلُوك الْمُوَحِّدين إِذا قدم عَلَيْهِم وُفُود الأندلس كَانَ أول من يُنَادي مِنْهُم أهل شريش فَكَانَ يُقَال أَيْن السَّابِقُونَ فَيدْخلُونَ للسلام فَإِذا سلمُوا وقضيت حاجاتهم انصرفوا فَدخل غَيرهم حِينَئِذٍ وَكَانَ فتح شريش فاتح ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
ثمَّ زحف الموحدون إِلَى لبلة وَكَانَ بهَا من الثوار يُوسُف بن أَحْمد البطروجي فبذل لَهُم الطَّاعَة ثمَّ زحفوا إِلَى شلب ففتحوها ثمَّ نهضوا إِلَى باجة وبطليوس ففتحوهما أَيْضا ثمَّ زحفوا إِلَى إشبيلية فحاصروها برا وبحرا إِلَى أَن فتحوها فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وفر من كَانَ بهَا من المرابطين إِلَى قرمونة وَقتل من أدْركهُ الْقَتْل مِنْهُم وَقتل فِي جُمْلَتهمْ عبد الله ولد القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي الْحَافِظ الْمَشْهُور وَأُصِيب فِي هيعة تِلْكَ الدخلة من غير قصد
وَكتب الموحدون بِالْفَتْح إِلَى عبد الْمُؤمن ثمَّ قدم عَلَيْهِ وفدهم بمراكش مبايعين لَهُ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَرَئِيس الْوَفْد يَوْمئِذٍ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ الْمَذْكُور فألفوا عبد الْمُؤمن مَشْغُولًا بِحَرب مُحَمَّد بن هود الماسي فأقاموا بمراكش سنة وَنصفا لم يلقوه فِيهَا حَتَّى كَانَ يَوْم عيد الْأَضْحَى من سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فَلَقوهُ بالمصلى فَسَلمُوا عَلَيْهِ سَلام الْجَمَاعَة ثمَّ بعد ذَلِك دخلُوا عَلَيْهِ فسملوا عليه السلام الْخَاص وَقبلت بيعتهم
وَسَأَلَ عبد الْمُؤمن القَاضِي أَبَا بكر بن الْعَرَبِيّ عَن الْمهْدي هَل كَانَ لقِيه عِنْد الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ فَقَالَ مَا لَقيته وَلَكِن سَمِعت بِهِ فَقَالَ لَهُ فَمَا كَانَ أَبُو حَامِد يَقُول فِيهِ قَالَ كَانَ يَقُول إِن هَذَا الْبَرْبَرِي لَا بُد أَن سَيظْهر ثمَّ صرف عبد الْمُؤمن أهل إشبيلية بعد أَن أجازهم وَكتب لَهُم منشورا بتحرير أملاكهم فانصرفوا عَنهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فَلَمَّا قربوا من مَدِينَة فاس توفّي الإِمَام أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ رَحمَه
الله فَحمل وَدفن خَارج بَاب المحروق مِنْهَا بتربة الْقَائِد مظفر وقبره مزارة إِلَى الْآن وَعَلِيهِ قبَّة حَسَنَة
وَفِي هَذِه السّنة ملك الموحدون قرطبة وَكَانَ بهَا يحيى بن عَليّ المسوفي الْمَعْرُوف بِابْن غانية مُقيما لدَعْوَة المرابطين فَلَمَّا دخل الموحدون الأندلس واشتعلت نَار الْفِتْنَة بِحَرب المرابطين انتهز الطاغية الفرصة فِي بِلَاد الْإِسْلَام وضايق ابْن غانية بقرطبة وألح على جهاته حَتَّى نزل لَهُ عَن بياسة وأبدة وتغلب على أشبونة وطرطوشة والمرية وماردة وأفراغة وشنترين وشنتمرية وَغَيرهَا من حصون الأندلس وطالب ابْن غانية بِالزِّيَادَةِ على مَا بذل لَهُ أَو الإفراج عَن قرطبة فَأرْسل ابْن غانية إِلَى بدران بن مُحَمَّد أَمِير الْمُوَحِّدين واجتمعا بأستجة وَضمن لَهُ بدران أَمَان الْخَلِيفَة عبد الْمُؤمن على أَن يتخلى لَهُ عَن قرطبة وقرمونة فَفعل ثمَّ لحق بغرناطة وَبهَا مَيْمُون بن بدر اللمتوني فِي جمَاعَة من المرابطين وَأَرَادَ أَن يكلمهُ فِي الدُّخُول فِي طَاعَة الْمُوَحِّدين وَأَن يُمكنهُم من غرناطة كَمَا فعل هُوَ بقرطبة فَتوفي بغرناطة يَوْم الْجُمُعَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن فِي القصبة بِإِزَاءِ قبر باديس بن حبوس الصنهاجي وانتهز الطاغية الفرصة فِي قرطبة فزحف إِلَيْهَا وحاصرها فَجهز إِلَيْهِ الموحدون الَّذين كَانُوا بإشبيلية أَبَا الْغمر بن عزرون لحمايتها وَوصل إِلَيْهِ مدد يُوسُف البطروجي من لبلة وَبلغ الْخَبَر عبد الْمُؤمن فَبعث إِلَيْهَا عسكرا من الْمُوَحِّدين لنظر يحيى بن يغمور وَلما دَخلهَا أفرج عَنْهَا الطاغية لأيام من مدخله وبادر ثوار الأندلس إِلَى يحيى بن يغمور فِي طلب الْأمان من عبد الْمُؤمن ثمَّ تَلَاحَقُوا بِهِ بمراكش فتقلبهم وصفح لَهُم عَمَّا سلف