الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) - (228) - بَابُ مَا يُقَالُ فِي التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(40)
- 889 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَّنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ
===
(11)
- (228) - (باب ما يقال في) أي: بعد (التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(40)
- 889 - (1)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني الأموي مولاهم (الدمشقي) أبو سعيد، لقبه دحيم -بمهملتين مصغرًا- ابن اليتيم، ثقة متقن حافظ، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع، أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو أبو عمرو الفقيه، ثقة فاضل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني حسان بن عطية) المحاربي مولاهم أبو بكر الدمشقي، ثقة فقيه عابد، من الرابعة، مات بعد العشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني محمد بن أبي عائشة) قيل: اسم أبيه عبد الرحمن حجازي، ليس به بأس، من الرابعة. يروي عنه:(م د س ق).
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .. فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ؛
===
(قال) محمد: (سمعت أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة.
(يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من) قراءة (التشهد الأخير) سواء كانت الصلاة من الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية؛ أي: إذا قرأ أحدكم التحيات لله والصلوات
…
إلى آخرها، سميت بالتشهد؛ لاشتمالها على الشهادتين، تسمية للشيء ذي الأجزاء باسم أشرفها؛ أي: إذا فرغ من قراءة التشهد مع ما بعده من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله .. (فليتعوذ بالله) تعالى؛ أي: فليستعذ به (من أربع) أمور، قال القاضي عياض: تعليمه لهم الدعاء وحضهم عليه وفعله يدل على مكانة الدعاء وشرفه، وأن من أوقاته المرغب فيه إثر الصلاة، وفيه جواز الدعاء في الصلاة بما ليس من القرآن، ومنعه أبو حنيفة. انتهى.
وفي هذا الحديث تعيين محل هذه الاستعاذة بعد التشهد الأخير، وهو مقيد، وحديث عائشة المروي في "الصحيحين" و"السنن" بلفظ: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم؛ إني أعوذ بك من عذاب القبر
…
) الحديث .. مطلق؛ فيحمل على هذا الحديث، وهو يرد ما ذهب إليه ابن حزم من وجوبها في التشهد الأول، وما ورد من الإذن للمصلي بالدعاء بما شاء بعد التشهد يكون بعد هذه الاستعاذة؛ لقوله:"إذا تشهد أحدكم" أي: فرغ منه، وقوله:"فليستعذ من أربع" استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة من هذه الأمور الأربع، وقد ذهب إلى ذلك بعض الظاهرية.
وفي "السبل": والحديث دليل على وجوب الاستعاذة مما ذكر هو مذهب
مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ،
===
الظاهرية وابن حزم منهم، ويجب عنده أيضًا في التشهد الأول عملًا منه بإطلاق اللفظ المتفق عليه، وأمر طاووس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها؛ فإنه يقول بالوجوب وبطلان الصلاة مِن تركها، والجمهور حملوه على الندب. انتهى من "العون".
قال ابن الملك: والأمر بالاستعاذة للاستحباب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود حين علمه التشهد: "إذا قلت هذا أو فعلت هذا .. فقد تمت صلاتك" ولو كانت الاستعاذة واجبة .. لما تمت بدونها. انتهى، وقيل: معنى الوجوب: الاهتمام به.
وقوله: (من عذاب جهنم) بدل من قوله: "من أربع" بدل تفصيل من مجمل، قدم جهنم؛ لأنه أشد وأبقى، (ومن عذاب القبر) فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة، والأحاديث في الباب متواترة، (ومن فتنة المحيا) بالقصر مفعل من الحياة.
(و) كذا (الممات) مفعل من الموت، والمراد: الحياة والموت، ويحتمل أن يراد زمان ذلك؛ لأن ما كان معتل العين من الثلاثي يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها -والعياذ بالله تعالى- سوء الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد على هذا بفتنة المحيا: ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح أنهم يفتنون في قبورهم، وقيل: أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر والرضا بالقدر وترك متابعة طريق الهدى، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، كذا في "الفتح"، وقيل: شدة
وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ".
===
سكراته، وقيل: هي سوء الخاتمة، أضيفت إلى الموت، لقربها منه، كما في "المبارق" و"المرقاة".
(ومن) شر (فتنة المسيح الدجال) كما في رواية مسلم؛ أي: لابتلائه وامتحانه على تقدير لقائه، والمسيح -بفتح وكسر السين مخففة- وقيده بالدجال؛ ليمتاز عن عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجال من الدجل؛ وهو الخلط، وسمي به؛ لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من دجل إذا كذب، وبالمسيح؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض؛ أي: يقطعها في أيام معدودة، فهو بمعنى فاعل، أو لأن الخير مسح منه، فهو مسيح الضلال، وإضافة شر إلى الفتنة، كما في رواية مسلم، كما ذكرنا آنفًا .. للبيان، وفي "السبل": وأما عيسى .. فقيل له: المسيح؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل: لأن زكريا مسحه، وقيل: لأنه ما كان يمسح ذا عاهة إلا برئ، أو لأنه كان ممسوح القدمين، وقيل: أصله المسيحا بالعبرانية، ومعناه المبارك، كذا في "المرقاة"، وذكر أن صاحب "القاموس" جمع في وجه تسميته بذلك خمسين قولًا. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، رقم (1377)، ومسلم في كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، رقم (130 - 588)، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب ما يقول بعد التشهد، رقم (983)، والنسائي في كتاب السهو، كتاب الجنائز، كتاب الاستعاذة، باب التعوذ من عذاب القبر، والدارمي والطبراني وأحمد.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به.
(41)
- 890 - (2) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: "مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَدُ
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه، فقال:
(41)
- 890 - (2)(حدثنا يوسف بن موسى) بن راشد (القطان) أبو يعقوب الكوفي نزيل الري ثم بغداد، صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(خ د ت ق).
(حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة ثمان وثمانين ومئة (188 هـ)، وله إحدى وسبعون سنة. يروي عنه:(ع).
(عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان.
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة، قال البوصيري: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل) من المسلمين، لم أر من ذكر اسمه، ولكن كان من قوم معاذ بن جبل، وكان يصلي معه:(ما تقول في الصلاة؟ ) أي: ما تدعو في صلاتك إذا دعوت فيها؟ (قال) الرجل في جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشهد) مضارع تفعل الخماسي من الشهادة، يريد تشهد الصلاة؛ وهو التحيات، سمي تشهدًا؛ لأن فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ أي: أقرأ التحيات في القعود الأخير.
ثُمَّ أَسْأَلُ اللهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، أَمَا وَاللهِ؛ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ، فَقَالَ:"حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ".
===
(ثم) بعد فراغي من التشهد (أسأل الله) تعالى (الجنة) أي: دخولها، (وأعوذ به) أي: أتعوذ به تعالى (من) دخول (النار، أما) أي: انتبه واستمع ما أقول لك يا رسول الله: إني (والله؛ ما أحسن) ولا أعرف (دندنتك) -بدالين مفتوحتين ونونين أولاهما ساكنة- أي: كلامك الخفي في الدعاء، أو مسألتك الخفية إذا دعوت الله في تشهدك سرًّا إذا صليت خلفك، (ولا دندنة معاذ) بن جبل؛ أي: كلامه الخفي منَّا في الدعاء إذا صلى بنا.
(فقال) النبي صلى الله عليه وسلم -كما في رواية أبي داوود- للرجل: (حولها) أي: حول مسألة الجنة، أو حول الاستعاذة من النار (ندندن) نحن؛ أي: أنا ومعاذ؛ أي: نتكلم سرًّا، إذا أخفينا وأسررنا كلامنا عمن خلفنا. قال السندي:(ما أحسن دندنتك) أي: مسألتك الخفية، أو كلامك الخفي، والدندنة: أن يتكلم الرجل بكلام يسمع صوته ولا يفهم معناه، وضمير (حولها) للجنة؛ أي: حول تحصيلها، أو للنار؛ أي: حول التعوذ من النار. انتهى منه.
قال الخطابي: الدندنة: قراءة مبهمة غير مفهومة، قوله:"إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ" أي: إني لا أعرف ولا أدري دندنتك ولا دندنة معاذ؛ أي: ما تدعو به أنت يا رسول الله، وما يدعو به معاذ إمامنا، ولا أعرف دعاءك الخفي الذي تدعو به في الصلاة، ولا صوت معاذ، ولا أقدر على نظم ألفاظ المناجاة مثلك ومثل معاذ، وإنما ذكر الرجل الصحابي معاذًا -والله أعلم- لأنه كان من قوم معاذ، أو ممن كان يصلي خلف معاذ، والحاصل: أني أسمع صوتك وصوت معاذ، ولكن لا أفهم معناه.
وقوله: "حولها" ظرف متعلق بما بعده، وهو بالإفراد في نسخ الكتاب، وهكذا في "سنن أبي داوود"، وفي بعض النسخ:"حولهما ندندن" بضمير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
التثنية، قال ابن الأثير: والضمير في (حولهما) للجنة والنار؛ أي: حولهما ندندن، وفي طلبهما ندندن، ومنه: دندن الرجل إذا اختلف في مكان واحد مجيئًا وذهابًا.
وقال المناوي في "فتح القدير": أي: ما ندندن إلا حول طلب الجنة والاستعاذة من النار، وضمير (حولهما) للجنة والنار، فالمراد: ما ندندن إلا لأجلهما، ففي الحقيقة لا مباينة بين ما ندعو به وبين دعائك. انتهى، قال السيوطي: أي: حول الجنة والنار ندندن، وإنما نسأل الجنة ونتعوذ من النار كما تفعل؛ قاله تواضعًا وتأنيسًا له. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الصلاة، باب تخفيف الصلاة، رقم (792) من طريق أبي صالح، وأحمد من طريق أبي صالح، وابن خزيمة، وأصله في "مسلم".
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شاهدًا، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد، كلاهما لأبي هريرة رضي الله عنه.
والله سبحانه وتعالى أعلم