الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ".
===
(عن الزهري عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: سمع الله من حمده .. فقولوا: ربنا ولك الحمد) على هدايتنا وتوفيقنا لنعمة العبادة التي هي أجل النعم الموصلة إلى السعادة الأبدية.
فائدة
الواو في قوله: "ربنا ولك الحمد" ثابتة في أكثر الروايات، وهي عاطفة على مقدر بعد قوله:"ربنا" وهو استجب؛ كما قال ابن دقيق العيد، أو حمدناك؛ كما قال النووي، أو الواو زائدة؛ كما قال أبو عمرو بن العلاء، أو للحال؛ كما قال غيره، وروي عن أحمد بن حنبل أنه إذا قال: ربنا .. قال: ولك الحمد، وإذا قال: اللهم ربنا .. قال: لك الحمد، قال ابن القيم: لم يأت في حديث صحيح الجمع بين لفظ اللهم وبين الواو.
وأقول: قد ثبت الجمع بينهما في "صحيح البخاري" في باب صلاة القاعد من حديث أنس بلفظ: "وإذا قال: سمع الله من حمده .. فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد"، وقد تطابقت على هذا اللفظ النسخ الصحيحة من "صحيح البخاري".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، رقم (689)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم، رقم (411) مطولًا، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدًا .. فصلوا قعودًا، وقال: هذا حديث حسن
(9)
-858 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
===
صحيح، والنسائي في كتاب الإمامة، باب الائتمام بالإمام، والدارمي ومالك وأحمد.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(9)
-858 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر -بفتح النون وسكون المهملة- الكرماني، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا زهير بن محمد) التميمي أبو المنذر الخراساني المروزي الخرقي - بكسر المعجمة وفتح المهملة ثم قاف - نسبة إلى خرق؛ قرية من قرى مرو. روى عن: عبد الله بن محمد بن عقيل، ويروي عنه:(ع)، ويحيى بن أبي بكير، ثقة، من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة (162 هـ).
(عن عبد الله بن محمد بن عقيل) - مكبرًا - ابن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني، صدوق، في حديثه لين، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومئة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة.
أَنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ".
===
(أنه) أي: أن أبا سعيد (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قال الإمام: سمع الله من حمده .. فقولوا) أيها المأمومون: (اللهم ربنا ولك الحمد) استدل بهذا الحديث على أن الإمام لا يقول: ربنا لك الحمد، وعلى أن المأموم لا يقول: سمع الله من حمده، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم: ربنا لك الحمد .. يكون عقب قول الإمام: سمع الله من حمده، والواقع في التصوير ذلك؛ لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام، كما في الخبر.
وقد ثبت من أدلة صحيحة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد، فالسنة للإمام أن يجمعهما، قال الحافظ: وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا، لكن لم يصح في ذلك شيء ولم يثبت، وعن ابن المنذر أنه قال: إن الشافعي انفرد بذلك؛ لأنه قد نقل في الإشراف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم، وأما المنفرد .. فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة؛ لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب "الهداية" إلى خلاف عندهم في المنفرد. انتهى، انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري ومسلم.
فهو من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
(10)
- 859 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ .. قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ؛ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن أبي أوفى رضي الله عنهم، فقال:
(10)
-859 - (4)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي.
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي.
(حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي.
(عن عبيد بن الحسن) المزني أو الثعلبي أبي الحسن الكوفي، ثقة، من الخامسة. يروي عنه:(م د ق).
(عن) عبد الله (بن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، شهد الحديبية، وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة سبع وثمانين (87 هـ)، وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) ابن أبي أوفى: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع) أي: حين شرع في رفعه .. (قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم: (سمع الله من حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات) السبع، (وملء الأرض) السبع لو كان جسمًا، وملء في الموضعين وفيما بعدُ هما بالنصب، وهو الأكشر على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: حمدًا ملء السماوات والأرض؛
وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ".
===
أي: مالئهما، وقيل: على نزع الخافض؛ أي: بملء السماوات، وبالرفع على أنه صفة الحمد، والملء - بالكسر - اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، وهو مجاز عن الكثرة، قال المظهر: هذا تمثيل وتقريب؛ إذ الكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه: تكثير العدد حتى لو قدر أن تلك الكلمات تكون أجسامًا تملأُ الأماكن .. لبلغت من كثرتها ما تملأ السماوات والأرضين. انتهى "عون".
(وملء ما شئت من شيء بعد) أي: بعد ذلك المذكور من السماوات والأرض؛ أي: تملأ ما بينهما أو غير ما ذكر؛ كالعرش والكرسي وما تحت الثرى، قال التوربشتي: هذا - أي: ملء ما شئت - يشير إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود؛ فإنه حمده ملء السماوات والأرض، وهذا نهاية أقدام السابقين، ثم ارتفع وترقى، فاحال الأمر فيه على المشيئة؛ إذ ليس وراء ذلك الحمد منتهىً، ولهذه الرتبة التي لم يبلغها أحد من خلق الله استحق عليه السلام أن يسمى أحمد، كذا في "المرقاة".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع من الركوع، وفي كتاب صلاة المسافرين وقصرها، وفي باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، رقم (846)، والترمذي في كتاب الدعوات عن علي بن أبي طالب مطولًا.
فدرجة الحديث: أنه صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف رحمه الله تعالى للترجمة بحديث أبي جحيفة رضي الله عنه، فقال:
(11)
- 860 - (5) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: ذُكِرَتِ الْجُدُودُ
===
(11)
- 860 - (5)(حدثنا إسماعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد الكوفي نسيب (السدي) أو ابن بنته أو ابن أخته، صدوق يخطئ رمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(د ت ق)، والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، السدي -بضم المهملة وتشديد الدال- أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه (م عم).
(حدثنا شريك) بن عبد الله النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي بواسط ثم بالكوفة، صدوق يخطئ كثيرًا، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة (178 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي عمر) المنبهي -بفتح الميم وإسكان النون وكسر الهاء- النخعي الكوفي، روى عن أبي جحيفة السوائي، ويروي عنه:(ق)، وشريك بن عبد الله النخعي، مجهول، من الرابعة، وهو الذي اسمه نشيط، قاله الحاكم أبو عبد الله.
(قال) أبو عمر: (سمعت أبا جحيفة) - مصغرًا - السوائي -بضم المهملة وبالمد- وهب بن عبد الله، مشهور بكنيته، ويقال له: وهب الخير الصحابي المعروف رضي الله تعالى عنه، وصحب عليًّا، ومات سنة أربع وسبعين (74 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه أبا عمر؛ وهو مجهول لا يعرف حاله.
أي: سمعت أبا جحيفة، حالة كونه (يقول: ذكرت الجدود) جمع جد
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْخَيْلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْإِبِلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْغَنَمِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الرَّقِيقِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ الرَّكْعَةِ .. قَالَ:"اللَّهُمَّ" رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ؛ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"،
===
بمعنى البخت " والبخت -بفتح الموحدة وسكون المعجمة-: الحظ والسعد، والمعنى: أي: ذكرت (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في الصلاة) والذاكرون للجدود ليسوا في الصلاة، (فقال رجل) من الحاضرين:(جد فلان) أي: حظه ونصيبه وسعده وغناه (في الخيل) يعني: تكثر الخيل في يده إذا اتخذه، (وقال آخر) منهم:(جد فلان) أي: نصيبه وحظه يكون (في الإبل) أي: توافقه الإبل وتكثر في ملكه، (وقال آخر: جد فلان) أي: حظه وسعده يكون (في الغنم) أي: توافقه وتكثر في يده، (وقال آخر: جد فلان) أي: نصيبه وحظه (في الرقيق) أي: يكثر في ملكه ويوافقه.
(فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته) أي: أتمها وفرغ منها (ورفع رأسه من) سجود (آخر الركعة) أي: من الركعة الأخيرة من صلاته .. (قال) في تشهده: (اللهم ربنا؛ لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم؛ لا مانع لما أعطيت) أي: لما أردت إعطاءه، (ولا معطي لما منعت) أي: لما أردت منعه، (ولا ينفع ذا الجد) أي: صاحب الغنى والحظ الكثير من الأموال (منك) أي: عندك (الجد) أي:
وَطَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِالْجَدِّ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ.
===
حظه وغناه؛ إنما ينفعه رضاك وتقواك (وطول) أي: رفع (رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بـ) لفظ (الجد، ليعلموا أنه) أي: أن الأمر والشأن (ليس كما يقولون) أي: كما يقول هؤلاء الذين يذكرون جدود الناس وحظوظهم وغناهم ويزعمون أنها نافعة.
قوله: (ذكرت الجدود) جمع جد بمعنى البخت؛ والبخت: الحظ والغنى والنصيب، وتفصيل ذلك هو قولهم: جد فلان في الخيل؛ أي: فلان له بخت في الخيل؛ أي: له حظ وغنىً في الخيل، قوله:"لما أعطيت" يعم العقلاء وغيرهم، "منك" بمعنى عندك، أو بمعنى من بذلك؛ أي: لا ينفع بدل طاعتك وتوفيقك البخت والحظوظ والغنى، وعلى هذا المعنى الجد بفتح الجيم، وهو المشهور على ألسنة أهل الحديث المناسب بالسياق، وجوز بعضهم كسرها؛ أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده وعلمه، وإنما ينفعه فضلك، والحديث يدل على جواز قصد التعريض في الصلاة بما يجوز فيها من الأذكار، وأن مثله من الإفهام لا يبطل الصلاة. انتهى من "السندي".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فهو ضعيف متنًا وسندًا (1)(109).
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والأخير للاستئناس، وثلاثة للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم