الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ن-
آراء العلماء فيه:
عرف القدماء مكانة ركن الدين، وكذلك المحدثون، فكان له من الثناء والتقدير والإعجاب من هؤلاء وأولئك، ما رأيناه يتفق في جملته مع شخصيته وعبقريته، وسنورد بعض ما قيل فيه، وفاء بحقه ومشاركة في التقدير والإعجاب من جهة، واستيفاء للبحث من جهة أخرى، مع الوقوف عند بعض النصوص ومناقشتها كلما دعا الأمر إلى ذلك ثم التعقيب عليها في النهاية لإبداء رأينا الخاص في مثل هذه الآراء مدحًا أو قدحًا.
والآن أكتفي بهذه العجالة، وأدلف إلى ما نحن بصدده من البيان:
فهذا ياقوت الحموي "ت 626هـ"، ذلك الذي عاصره، يصفه بقوله:"النحوي، اللغوي، الأديب، حسنة طبرستان، وأوحد ذلك الزمان"1.
ويقول السبكي "ت 771هـ": "وكان جليل القدر، معظما عند ملوك الزمان، حسن السمت والطالع"2.
وقال المقريزي "ت 845هـ" في السلوك3: "عالم بالموصل
1 معجم الأدباء: 8/ 5.
2 طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407.
3 2/ 158.
ومدرس الشافعية
…
وتقدم عند التتار، وتوفرت حرمته، وبرع في علوم المعقولات وكان يجيد الفقه وغيره".
وقال ابن حجر "ت 852هـ": "كان من كبار تلامذة النصير الطوسي وكان مبجلًا عند التتار، وتخرج به جماعة من الفضلاء"1.
وقال ابن تَغْري بَرْدي "ت 874هـ": "الشيخ الإمام العلامة السيد ركن الدين: كان إمامًا مصنفًا عالمًا بالمعقول"2.
ويقول إسماعيل بن علي الذي شرح أبيات شواهد الوافية، وسماه "كشف الوافية في شرح الكافية":"وكان كتاب الوافية، للسيد العلامة، قدوة العلماء والمتبحرين، زبدة المتقدمين والمتأخرين ركن الملة والدين -أسكنه الله تعالى بحابيح جناته- دستورًا في هذا الفن؛ إذ به يعرف أكثر مسائله، ومشهورًا؛ إذ كل واحد يستضيء بنور معالمه مع ما للطلبة من الحرص عليه وقراءته والشغف بدراسته"3.
وبصفه ابن العماد الحنبلي "ت 1089هـ" بأنه كان "علامة متكلمًا، نحويا"4.
ويقول العاملي: "كان تلميذ المحقق الخواجة نصير الدين، ومن أخص أصحابه، ومثله في التحقيق. وكان علامة في العلوم العقلية والنقلية"5.
1 الدرر الكامنة: 2/ 16.
2 النجوم الزاهرة: 9/ 231.
3 مقدمة كشف الوافية في شرح الكافية.
4 شذرات الذهب: 6/ 35.
5 أعيان الشيعة: 23/ 145.
وجدير بركن الدين أن يكون موضع تقدير الجميع؛ فهو من عرفت علمًا وخلقًا وتدينًا، وتواضعًا، ولعل ياقوت الحموي "ت 626هـ" قد اكتشف مواهبه المبكرة واتصل به عن قرب وعرف عنه من العلم والفضل أكثر مما عرفناه بكثير، فأطلق عليه عبارته المشهورة التي حفظها التاريخ الطويل وسوف يحفظها للأجيال اللاحقة إن شاء الله، وهي عبارته التي يصف فيها ركن الدين بقوله:"النحوي، اللغوي، الأديب، حسنة طبرستان، وأوحد ذلك الزمان".
وقد أعجب العلماء بنحو ركن الدين، لدرجة أننا نرى بعضهم من شدة إعجابه بما كتبه ركن الدين تشحذ قريحته، فينشد شعرًا يصرح فيه بأنه من أراد نحوًا مهذبًا فعليه بكتاب المتوسط، لركن الدين، ويصرح ثانية بأن من يريد نحو الأعالي فعليه بمقال ركن الدين في المتوسط، استمع إليه وهو يقول عن كتاب المتوسط:
يا من يهذب منطقا بالنحو خذ
…
بالحاجبية وامش في المتوسط
إن النتيجة لا يفوز بصدقها
…
من لم يفز يوما بخير أوسط
لا تطلب الأعلى فإن مناله
…
صعب ولا ترض المذل فتسقط
فالخير في وسط الأمور وإنني
…
شاهدت كل النفع في المتوسط
يا قاصدا نحو الأعالى جاهدًا
…
في النحو خذ منه بوجه أحوط
بالحاجبية خذ وثق في حلها
…
بمقال ركن الدين في المتوسط
هذا إلى أنني لست أزعم أن صاحبي ركن الدين مبرأ من كل عيب، فما هو بمعصوم ولقد أخذت عليه أنه كان -مع دقته الشديدة-
غير دقيق في مسألتين اثنتين: إحداهما1: تتعلق بنسبة رأي إلى صاحبه، حيث ذكر أن عيسى بن عمر، وأبا العباس المبرد، كانا يريان أن المؤنث إذا سمي باسم مذكر، على ثلاثة أحرف ساكن الوسط، مثل زيد ونحوه، يمنع الصرف فقط. ولكني رأيت أنهما يجوزان الأمرين في هذه المسألة، مع ترجيح الصرف.
والثانية2 تتعلق بنسبة قراءة إلى صاحبها، وهي قراءة قوله تعالى:"يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِِ، رِجَالٌ"3. ببناء "يُسَبَّحُ" للمفعول، فقد نسب هذه القراءة لعاصم وابن عامر. والحق أنها قراءة ابن عامر وأبي بكر، أما قراءة حفص التي رواها عن عاصم فهي {يُسَبِّحُ} بالبناء للفاعل.
وسوف نتحدث عن هذين المأخذين في موضعهما من البحث إن شاء الله تعالى4.
وعلى كل فمأخذ في كتاب البسيط على ضخامته، ومأخذ آخر في كتاب الوافية لا يقللان بحال من الأحوال من شأن عالمنا الكبير.
فلست إذن بالغاوي ولا المتعصب، ولكنها بموضوعية شديدة الصورة التي انطبعت في نفسي وذهني، بعد دراسة الرجل دراسة فاحصة واعية
1 في البسيط: 1/ 150.
2 في الوافية: ص49.
3 سورة النور: من الآيتين: "36، 37".
4 ينظر: ص من الكتاب.
فيما أحسب.
وفي نهاية المطاف أعود فأقول: رحم الله أبا علي، لقد كان شخصية قوية في جبين التاريخ أحبها الجميع فأثنوا عليه ثناء حارا مستفيضًا، وأعترف أني مستريح الآن، بعد أن كشفت النقاب عن شخصية كهذه عرفها القدماء فاعترفوا بفضلها، ولم يكن المحدثون يعرفونها فبعضهم ظنه الرضي، وبعضهم لم يظنه شيئًا.