الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يتبلور بمثلها لكان صادقًا؛ فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها
…
وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ فهذه الحادثة استطار شررها وعم ضررها، وصارت في البلاد كالسحاب استد برتهُ الريحُ"1.
1 الكامل في التاريخ: 10/ 399.
ب-
الحالة الاقتصادية والاجتماعية في عصره:
قلنا إن هجوم التتار على المجتمع الإسلامي كان هجوما مدمرًا ومخربًا اجتاح كل شيء أمامه من أخضر ويابس: خربوا الحضارات، وهدموا القصور والمنازل، وفتشوا البيوت وأخذوا ما فيها من أموال وغيره، وشردوا أهلها، وأصبح المجتمع الإسلامي الخاضع لسيطرتهم يعاني من أزمات طاحنة، وتدهورت حالة أفراده الصحية وغير الصحية، وعم هذا المجتمع الخراب والدمار.
أما عن حال المجتمع الإسلامي في مصر وشبه الجزيرة العربية، ذلك المجتمع الجديد الذي وفد إليه علماء المشرق الفارون من وجه التتار، ذلك المجتمع الذي وقاه الله شر هجمات التتار المخربين، فكان الوضع فيه مختلفًا؛ حيث كان أكثر غنى وثراء ولكنه كان مُقسمًا إلى طبقات اتسعت الهوة بينها؛ فهناك طبقة رجال الدولة،
وهي الطبقة المرفهة المنعمة، وهي طبقة سلاطين المماليك والأمراء وأتباعهم من جند المماليك، وهناك طبقة التجار، ثم طبقة الباعة، ثم طبقة الفلاحين، ثم طبقة الفقراء، وهم جُلُّ الفقهاء وطلاب العلم، ثم طبقة الحرفيين والأجراء، ثم طبقة المتسولين1.
هذا وقد انتشر التصوف في المجتمع الإسلاميّ بعد سقوط بغداد وتعددت الطرق الصوفية وانتشرت انتشارًا عريضًا، وتغلغلت في أوساط الشعب والخاصة على السواء، وتعددت أسماؤها وأسماء رجالها وشيوخها، وشاعت فلسفة احتقار الدنيا في كتابات العلماء ورجال الدين والكُتاب، ورجال الأدب.
والتصوف في صورته الاجتماعية مظهر من مظاهر الانصراف عن الحياة الدنيا لحقارتها وخستها، كما يقول تاجُ الدين السُبكي المتوفى سنة 771هـ2، والإحساس بحقارة الحياة الدنيا يتزايد في أوقات الشدة والضيق، ولا شك أن ما كان فيه العالم الإسلامي آنذاك هو أقصى درجات الشدة والضيق3.
1 ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة، لتقي الدين المقريزي، ص72.
2 ينظر: معبد النعم ومبيد النقم، ص95.
3 ينظر: الأدب في العصر المملوكي: 1/ 198، وينظر كذلك: ظهر الإسلام: 4/ 219.