الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليهما، ويقرن حقه تعالى بحقيهما، ويشدد على طاعتهما في غير معصية، والتلطف بهما فلا يصل لهما أي أذى ولو كلفظة أُفٍّ، ورعايتهما حال الكبر، والدعاء لهما جزاء تربيتهما لهم في الصغر.
ومن أهداف الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم:
الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام
.
القيم الإنسانية الرفيعة، التي تتطلع إليها البشرية الراقية، هي تلك التي تقوم على احترام كرامة الإنسان وحريته وحرماته، وحقوقه، وصيانة دمه وعرضه وماله وعقله ونسله، بوصفه إنساناً، وعضواً في مجتمع، وهي قيم متعددة منها العلم والعمل والحرية والإخاء والمساواة والعدالة والشورى والتكافل والتعاون
وأختار من هذه القيم التي رفع الإسلام شأنها وحث عليها ثلاث قيم إنسانية كمثال على غيرها:
أ- العلم
العلم قيمة من القيم العليا، التي جاء بها الإسلام. والقرآن الكريم هو كتاب العلم ، وأول ما نزل منه على الرسول الكريم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1).
والقرآن يجعل العلم أساس التفاضل بين الناس {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2).
كما يجعل أهل العلم هم الشهداء لله تعالى بالتوحيد، مع الملائكة
…
وأهل العلم كذلك هم المؤهلون لخشيه الله تعالى وتقواه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (4)
وهم أهل الرفعة في الدنيا والآخرة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (5).
(1) - سورة العلق. آية: 1
(2)
- سورة الزمر. آية: 9
(3)
- سورة آل عمران. آية: 180
(4)
- سورة فاطر. آية: 28
(5)
- سورة المجادلة. آية: 11، ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. ص: 110 - 112. بتصرف كبير
وحسبنا من العلم " أنه الحاكم على الممالك، والسياسات، والأموال، والأقلام، فمُلْك لا يتأيد بعلم لا يقوم، وسيف بلا علم مِخْراق لاعب، وقلم بلا علم حركةُ عابث، والعلم مُسَلَّط على ذلك كله، ولا يحكم شيء من ذلك على العلم"(1). وإذا ذكر العلم فلابد من ذكر العمل فهما قرينان لا يفترقان في القرآن.
ب- العمل
" وهو ثمرة العلم، ولهذا قيل: علم بلا عمل، كشجر بلا ثمر .... وهو أيضا ثمرة الإيمان الحق، إذ لا يتصور إيمان بلا عمل .... فالإيمان الصادق لا بد أن يثمر عملاً. ولهذا قرن القرآن بين الإيمان والعمل في عشرات من آياته {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (2) .... ولقد بين القرآن أن الله تعالى خلق السموات والأرض، وخلق الموت والحياة، وجعل ما على الأرض زينة لها، لهدف واضح حدده بقوله سبحانه
…
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} (3)، ومعنى هذا: أن الخالق جل شأنه لا يريد من الناس أي عمل، ولا مجرد العمل الحسن، بل يريد منهم العمل الأحسن، فالمسلم يجادل {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4)، ويدفع {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، ويستثمر مال اليتيم {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، فهو يرنو دائماً إلى أحسن العمل وأكمله ،وأتقنه، وأجوده" (5).
وبهذه الروح العلمية العملية عاشت مجتمعات المسلمين قروناً من العز، والسؤدد، والتقدم الحضاري، والرفاهية، حتى ضعفوا، واستكانوا، وذلوا وهانوا، وترك الكثيرون منهم العلم والعمل جميعاً، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه في عصورنا هذه، مما لا يحتاج إلى كلام أو بيان، والله المستعان.
(1) - علو الهمة للعلامة محمد بن إسماعيل المقدم ص: 6. ط الأولى. مكتبة الكوثر. الرياض. 1996
(2)
- جاءت في خمسين موضع مثل: البقرة آية: 25 و 82 و 277، آل عمران آية: 57، النساء آية: 57 و 122 و 173
(3)
- سورة الملك. آية: 2
(4)
- سورة الأنعام. آية: 152، والنحل آية: 125، الإسراء آية: 34، المؤمنون آية: 96، العنكبوت 46، فصلت آية 34
(5)
- ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. ص: 114 - 116. بتصرف كبير
فمن أعظم الواجبات على إعلامنا الإسلامي، إحياء هذه القيم، وإعلاء مكانتها، وتربية الأبناء منذ الصغر على تعظيم العلم والعلماء، وتقدير العمل والعاملين.
ومن القيم الإنسانية التي أعلاها القرآن الكريم
التكافل الاجتماعي.
والتكافل بين أبناء المجتمع المسلم، من أعظم مظاهر التعاون والتراحم التناصر: يبدأ هذا التكافل بين الأقارب بعضهم وبعض، كما قال الله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد، بمقتضى حق الجوار، الذي أكده الإسلام، فقال سبحانه {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (2).
ثم تتسع أكثر وأكثر بحيث تشمل الإقليم كله عن طريق الزكاة، التي تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، قال تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3).
ومنذ فجر الدعوة كان القرآن يدعو بقوة إلى هذا التكافل بجعل المجتمع كالأسرة الواحدة، يحمل فيه الغنىُّ الفقيرَ. واعتبره القرآن أمراً أساسياً من دعائم الدين، لا يحظى برضا الله من لم يقم به، ولا ينجو من عذابه من فرط فيه. ومن ذلك قوله تعالى
…
(1) - سورة الأنفال. آية: 75
(2)
- سورة النساء. آية: 36
(3)
- سورة التوبة. آية: 60
(4)
- سورة البلد. آية: 11 - 18
وأوجب سبحانه في المال حقا - أي (دَيْنَاً) - في عنق المكلفين، كما في قوله تعالى في وصف المتقين:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2). ويصف الحق بالمعلومية فيقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3).
ووصل الإسلام بهذه الفريضة إلى أعلى درجات الإلزام الخلقي والتشريعي، فجعلها ثالث أركان الإسلام قال الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (4). وقال عليه الصلاة والسلام (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (5).
وأوجب أخذها كرهاً، إن لم تدفع طوعاً، ولم يتردد في قتال من منعوها إذا كانوا ذوى شوكة وقوة.
ولا يقتصر تكافل المسلمين فيما بينهم على هذا التكافل المادي، بل يتعداه ليشمل أنواعاً من التكافل المعنوي، كالصداقات بين الأفراد، وبذل النصيحة للآخرين، والمواساة في المصائب والأحزان، والتهنئة والتبريكات في الأفراح والمسرات، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (6). ووصفهم الله سبحانه بقوله {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (7). واشترط تعالى على القاعدين عن الجهاد لعذر المرض او خلافه أن يكونوا من الناصحين للمسلمين فقال
(1) - سورة الماعون. آية: 1 - 7
(2)
- سورة الذاريات. آية: 19
(3)
- سورة المعارج. آية: 24 - 25
(4)
- سورة التوبة. آية: 103
(5)
- البخاري كتاب الإيمان باب الإيمان. وقول النبي عليه الصلاة والسلام بني الإسلام على خمس حديث رقم / 8، ومسلم كتاب الإيمان باب أركان الإسلام ومبانيه العظام حديث رقم / 16
(6)
- سورة الفتح. آية: 29
(7)
- سورة التوبة. آية: 112
وهذان النوعان من التكافل يجمعهما مسمى (التكافل الاجتماعي) يتعاطف من خلاله أفراد المجتمع، وتشيع فيهم المحبة، والمودة، ويهنأ المجتمع أغنياءه وفقراءه، وتختفي الأحقاد، والإحَن، وتنمحي حوادث السلب والنهب والسرقة، ويصبح المجتمع آمناً مطمئناً، يأمن الأغنياء على ثرواتهم، ويبارك الله لهم فيها، وتسكن بلابل الفقراء فلن يضيعوا، ولن يُتْرَكوا فريسة للفقر.
بهذه القيم الإنسانية الرفيعة وأخواتها يخاطب الإعلام القرآني مجتمع المؤمنين، فينير لهم دروب الفلاح والنجاح، ويضمن لهم الاستقرار، والسعادة، في حياتهم الدنيا، والفوز والنجاة في الآخرة.
ومن القيم الإنسانية الرفيعة ننتقل - بعون الله وفضله - إلى مبحثنا التالي وهو
(1) - سورة التوبة. آية: 91