المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام - صور الإعلام الإسلامي في القرآن الكريم - دراسة في التفسير الموضوعي

[عاطف إبراهيم المتولي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع

- ‌مشكلة البحث

- ‌أهداف البحث

- ‌الدراسات السابقة

- ‌منهج الدراسة

- ‌هيكل البحث

- ‌تمهيد

- ‌تعريف التفسير الموضوعي، وأنواعه وأهميته:

- ‌أنواع التفسير الموضوعي:

- ‌أهمية التفسير الموضوعي:

- ‌الباب الأولالإعلامتعريفه، ونشأته، وتطوره

- ‌الفصل الأولتعريفات ومقاصد

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام

- ‌المبحث الثاني:نشأة الإعلام وتطوره

- ‌المبحث الثالث:وسائل الإعلام

- ‌تعريف الوسائل لغةً:

- ‌أنواع وسائل الإعلام

- ‌وظائف وسائل الإعلام

- ‌المبحث الرابع:التوجهات الحاكمة للإعلام المعاصر (النظريات الإعلامية)

- ‌1 - نظرية السلطة:

- ‌2 - نظرية الحرية:

- ‌3 - نظرية المسؤولية الاجتماعية:

- ‌4 - النظرية الاشتراكية:

- ‌الفصل الثانيلمحات حول الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الأول:تعريف الإعلام الإسلامي

- ‌وقفة مع التعريفات السابقة:

- ‌المبحث الثاني:دواعي ظهور الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الثالث:منطلقات الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الرابعأهداف الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الخامسوسائل الإعلام الإسلامي

- ‌ القرآن الكريم

- ‌السنة النبوية

- ‌ القدوة الحسنة:

- ‌ إعلام الكلمة الطيبة:

- ‌الفصل الثالثخصائص الإعلام القرآني ووسائله

- ‌المبحث الأول:القرآن أعظم الوسائل الإعلامية

- ‌ المعجزة الباقية

- ‌ الإعلام في القرآن

- ‌المبحث الثاني:الدور الإعلامي للرسل الكرام

- ‌المبحث الثالث:خصائص الإعلام القرآني

- ‌1 - رباني لا يد لأحد من البشر فيه

- ‌2 - اعتماد الحقائق كمصدر وحيد

- ‌3 - المصداقية

- ‌4 - اعتماد البرهان والدليل العقلي

- ‌5 - الانحياز التام لمكارم الأخلاق

- ‌6 - العدالة والإنصاف

- ‌7 - التفاعلية الإيجابية مع الأحداث

- ‌المبحث الرابع:وسائل الإعلام في القرآن

- ‌ تنويع الخطاب

- ‌ القصص

- ‌ الأمثال

- ‌ الترغيب والترهيب

- ‌ التكرار

- ‌ الحوار والجدال

- ‌المبحث الخامسألفاظ القرآن ذات الدلالات الإعلامية

- ‌الباب الثانيصور الإعلام الإسلامي في القرآن الكريم

- ‌الفصل الأولصور الإعلام العقدي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام العقدي

- ‌ تعريف العقيدة لغةً

- ‌ تعريف العقيدة اصطلاحاً

- ‌ موضوعات الإعلام العقدي:

- ‌المبحث الثاني:أهداف الإعلام العقدي في القرآن

- ‌ تعريف الخلق بربهم

- ‌ بيان وحدانية الله عز وجل

- ‌ تعظيم الله سبحانه

- ‌ الإعلام برحمه الله تعالى وعنايته بعباده

- ‌ محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم

- ‌ الإعلام بحكمة الله تعالى

- ‌ إعلام الناس بعظمة الله تعالى

- ‌ إبراز بديع صنع الله في الكون

- ‌ بث أجواء الطمأنينة

- ‌ الدفاع عن عقيدة الأمة ورد الشبهات

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام العقدي في القرآن الكريم

- ‌ اعتماد تكرار الحقائق ذات المعنى الواحد

- ‌ استخدام القصص أسلوباً إعلامياً في بيان معاني العقيدة

- ‌ الإعلام بضرب الأمثال لتوصيل حقائق العقيدة والإيمان

- ‌ الإعلام بالجدل والحوار عن صحيح الاعتقاد

- ‌ تنبيه الفطر السليمة وإصلاح ما طرأ عليها من فساد ببيان حقائق العقيدة

- ‌ استثارة الحواس

- ‌ الإعلام بحقائق الإيمان بمخاطبة العقول ومحاججة الأفهام

- ‌ الإعلام بذكر سوء عاقبة الكفار

- ‌الفصل الثانيصور الإعلام السياسي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام السياسي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام السياسي في القرآن الكريم

- ‌1 - إعلان الحاكمية لله سبحانه:

- ‌2 - التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية:

- ‌3 - بيان السنن الربانية للظهور والتمكين في الأرض

- ‌4 - تعريف الأمة بأحكام الإسلام في إدارة الحكم والشئون العامة

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام السياسي في القرآن الكريم:

- ‌الفصل الثالثصور الإعلام العسكري في القرآن الكريم(الحربي - أو الجهادي)

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام العسكري

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام العسكري في القرآن الكريم

- ‌1 - تنمية روح الانتماء والولاء لأمة الإسلام

- ‌2 - حشد أفراد الأمة للتأهب للدفاع عن الدين والمقدسات:

- ‌3 - بث وإشاعة روح الثقة في الأمة:

- ‌4 - تربية الأمة على الجدية، وعلو الهمة:

- ‌5 - غرس القيم الصحيحة، وتقويم السلوكيات المنحرفة:

- ‌7 - كشف أعداء الأمة والتحذير من كيدهم ومكرهم

- ‌8 - الإعلام بأسباب النصر على الأعداء

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام العسكري في القرآن الكريم:

- ‌1 - الإعلام ببيان الحكمة وأسباب فرض القتال على المسلمين:

- ‌2 - استخدام تنوع الخطاب في تأسيس المفاهيم العسكرية

- ‌أ- أسلوب النداء:

- ‌ب- خطاب التحريض والإغراء:

- ‌ت- خطاب الذَّم والتنفير:

- ‌ث- الترغيب في الثبات في مواطن النزال

- ‌3 - استخدام الأسلوب القصصي بما له من قدرة على التأثير القوي

- ‌أ- قصة طالوت مع بني إسرائيل

- ‌ب- قصة غزوة الأحزاب

- ‌ت- قصة غزوة حنين

- ‌الفصل الرابعصور الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الاجتماعي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌الإعلام بأسس بناء المجتمعات في الإسلام

- ‌تنمية الحس الاجتماعي لدى أفراد المجتمع

- ‌بيان العناية القرآنية الكبيرة بالعلاقات الاجتماعية

- ‌الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌1 - استعمال القصص القرآني في تقرير المفاهيم وتقويم السلوك الاجتماعي

- ‌2 - تنويع الخطاب

- ‌الفصل الخامسصور الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الاقتصادي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌تحقيق العبودية لله تعالى بكمال الانقياد لقواعد الشريعة في معاملات الاقتصاد

- ‌الدلالة على منابع الثروات ومصادر الإنتاج

- ‌الحث على السعي الدءووب، والعمل الجاد، مع ربط الرزق بالإيمان

- ‌ نشر ثقافة الإحسان

- ‌محاربة الجشع، والرغبة الجامحة في الربح السريع

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌1 - استخدام القصص القرآني في تقرير المفاهيم والمباديء الاقتصادية

- ‌أ- مفهوم الادخار وترشيد الاستهلاك

- ‌ب- ذم الترف والتباهي

- ‌ت- تقرير حقيقة القيم

- ‌ث- حسن الوفاء والعدالة في المعاملات

- ‌2 - تنويع الخطاب

- ‌الفصل السادسصور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الثقافي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌تحديد أسس بناء الشخصية الإسلامية:

- ‌الإعلام بملامح الشخصية المسلمة في القرآن

- ‌بيان نظام الحياة داخل المجتمع المسلم والحث على التزامه

- ‌إعلام الأمة بتراث وفكر الأمم المؤمنة من أتباع الأنبياء والمرسلين السابقين

- ‌تزويد العقول بحقائق الدين الناصعة، وكشف أباطيل وشبه الخصوم

- ‌الدعوة لفتح آفاق الإبداع وإعمال العقول، والتنبيه على آيات الله الكونية

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌الخطاب الثقافي العام في القرآن الكريم

- ‌استخدام الاستفهام لحفز الأفهام، وبث المعارف المتنوعة

- ‌استخدام الأسلوب الإنشائي في الإعلام بحدود الحلال والحرام

- ‌استخدام الأسلوب الخبري في الإعلام بالمعارف والأحكام

- ‌استعمال التكرار

- ‌استعمال القصص القرآني في بث القيم، والتعاليم الإسلامية

- ‌بيان عاقبة الشر والإفساد

- ‌بيان عاقبة الإيمان والصلاح

- ‌بيان الحرص على طلب العلم

- ‌بيان الحرص على دعوة الخلق ونصحهم، والصبر على أذاهم

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث النبوية

الفصل: ‌الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام

إليهما، ويقرن حقه تعالى بحقيهما، ويشدد على طاعتهما في غير معصية، والتلطف بهما فلا يصل لهما أي أذى ولو كلفظة أُفٍّ، ورعايتهما حال الكبر، والدعاء لهما جزاء تربيتهما لهم في الصغر.

ومن أهداف الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم:

‌الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام

.

القيم الإنسانية الرفيعة، التي تتطلع إليها البشرية الراقية، هي تلك التي تقوم على احترام كرامة الإنسان وحريته وحرماته، وحقوقه، وصيانة دمه وعرضه وماله وعقله ونسله، بوصفه إنساناً، وعضواً في مجتمع، وهي قيم متعددة منها العلم والعمل والحرية والإخاء والمساواة والعدالة والشورى والتكافل والتعاون

وأختار من هذه القيم التي رفع الإسلام شأنها وحث عليها ثلاث قيم إنسانية كمثال على غيرها:

أ- العلم

العلم قيمة من القيم العليا، التي جاء بها الإسلام. والقرآن الكريم هو كتاب العلم ، وأول ما نزل منه على الرسول الكريم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1).

والقرآن يجعل العلم أساس التفاضل بين الناس {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2).

كما يجعل أهل العلم هم الشهداء لله تعالى بالتوحيد، مع الملائكة

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3).

وأهل العلم كذلك هم المؤهلون لخشيه الله تعالى وتقواه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (4)

وهم أهل الرفعة في الدنيا والآخرة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (5).

(1) - سورة العلق. آية: 1

(2)

- سورة الزمر. آية: 9

(3)

- سورة آل عمران. آية: 180

(4)

- سورة فاطر. آية: 28

(5)

- سورة المجادلة. آية: 11، ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. ص: 110 - 112. بتصرف كبير

ص: 197

وحسبنا من العلم " أنه الحاكم على الممالك، والسياسات، والأموال، والأقلام، فمُلْك لا يتأيد بعلم لا يقوم، وسيف بلا علم مِخْراق لاعب، وقلم بلا علم حركةُ عابث، والعلم مُسَلَّط على ذلك كله، ولا يحكم شيء من ذلك على العلم"(1). وإذا ذكر العلم فلابد من ذكر العمل فهما قرينان لا يفترقان في القرآن.

ب- العمل

" وهو ثمرة العلم، ولهذا قيل: علم بلا عمل، كشجر بلا ثمر .... وهو أيضا ثمرة الإيمان الحق، إذ لا يتصور إيمان بلا عمل .... فالإيمان الصادق لا بد أن يثمر عملاً. ولهذا قرن القرآن بين الإيمان والعمل في عشرات من آياته {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (2) .... ولقد بين القرآن أن الله تعالى خلق السموات والأرض، وخلق الموت والحياة، وجعل ما على الأرض زينة لها، لهدف واضح حدده بقوله سبحانه

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} (3)، ومعنى هذا: أن الخالق جل شأنه لا يريد من الناس أي عمل، ولا مجرد العمل الحسن، بل يريد منهم العمل الأحسن، فالمسلم يجادل {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4)، ويدفع {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، ويستثمر مال اليتيم {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، فهو يرنو دائماً إلى أحسن العمل وأكمله ،وأتقنه، وأجوده" (5).

وبهذه الروح العلمية العملية عاشت مجتمعات المسلمين قروناً من العز، والسؤدد، والتقدم الحضاري، والرفاهية، حتى ضعفوا، واستكانوا، وذلوا وهانوا، وترك الكثيرون منهم العلم والعمل جميعاً، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه في عصورنا هذه، مما لا يحتاج إلى كلام أو بيان، والله المستعان.

(1) - علو الهمة للعلامة محمد بن إسماعيل المقدم ص: 6. ط الأولى. مكتبة الكوثر. الرياض. 1996

(2)

- جاءت في خمسين موضع مثل: البقرة آية: 25 و 82 و 277، آل عمران آية: 57، النساء آية: 57 و 122 و 173

(3)

- سورة الملك. آية: 2

(4)

- سورة الأنعام. آية: 152، والنحل آية: 125، الإسراء آية: 34، المؤمنون آية: 96، العنكبوت 46، فصلت آية 34

(5)

- ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. ص: 114 - 116. بتصرف كبير

ص: 198

فمن أعظم الواجبات على إعلامنا الإسلامي، إحياء هذه القيم، وإعلاء مكانتها، وتربية الأبناء منذ الصغر على تعظيم العلم والعلماء، وتقدير العمل والعاملين.

ومن القيم الإنسانية التي أعلاها القرآن الكريم

التكافل الاجتماعي.

والتكافل بين أبناء المجتمع المسلم، من أعظم مظاهر التعاون والتراحم التناصر: يبدأ هذا التكافل بين الأقارب بعضهم وبعض، كما قال الله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).

ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد، بمقتضى حق الجوار، الذي أكده الإسلام، فقال سبحانه {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (2).

ثم تتسع أكثر وأكثر بحيث تشمل الإقليم كله عن طريق الزكاة، التي تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، قال تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3).

ومنذ فجر الدعوة كان القرآن يدعو بقوة إلى هذا التكافل بجعل المجتمع كالأسرة الواحدة، يحمل فيه الغنىُّ الفقيرَ. واعتبره القرآن أمراً أساسياً من دعائم الدين، لا يحظى برضا الله من لم يقم به، ولا ينجو من عذابه من فرط فيه. ومن ذلك قوله تعالى

{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (4).

(1) - سورة الأنفال. آية: 75

(2)

- سورة النساء. آية: 36

(3)

- سورة التوبة. آية: 60

(4)

- سورة البلد. آية: 11 - 18

ص: 199

وقوله تعالى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (1).

وأوجب سبحانه في المال حقا - أي (دَيْنَاً) - في عنق المكلفين، كما في قوله تعالى في وصف المتقين:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2). ويصف الحق بالمعلومية فيقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3).

ووصل الإسلام بهذه الفريضة إلى أعلى درجات الإلزام الخلقي والتشريعي، فجعلها ثالث أركان الإسلام قال الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (4). وقال عليه الصلاة والسلام (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (5).

وأوجب أخذها كرهاً، إن لم تدفع طوعاً، ولم يتردد في قتال من منعوها إذا كانوا ذوى شوكة وقوة.

ولا يقتصر تكافل المسلمين فيما بينهم على هذا التكافل المادي، بل يتعداه ليشمل أنواعاً من التكافل المعنوي، كالصداقات بين الأفراد، وبذل النصيحة للآخرين، والمواساة في المصائب والأحزان، والتهنئة والتبريكات في الأفراح والمسرات، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (6). ووصفهم الله سبحانه بقوله {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (7). واشترط تعالى على القاعدين عن الجهاد لعذر المرض او خلافه أن يكونوا من الناصحين للمسلمين فقال

(1) - سورة الماعون. آية: 1 - 7

(2)

- سورة الذاريات. آية: 19

(3)

- سورة المعارج. آية: 24 - 25

(4)

- سورة التوبة. آية: 103

(5)

- البخاري كتاب الإيمان باب الإيمان. وقول النبي عليه الصلاة والسلام بني الإسلام على خمس حديث رقم / 8، ومسلم كتاب الإيمان باب أركان الإسلام ومبانيه العظام حديث رقم / 16

(6)

- سورة الفتح. آية: 29

(7)

- سورة التوبة. آية: 112

ص: 200

عزَّ وجلّ {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} (1).

وهذان النوعان من التكافل يجمعهما مسمى (التكافل الاجتماعي) يتعاطف من خلاله أفراد المجتمع، وتشيع فيهم المحبة، والمودة، ويهنأ المجتمع أغنياءه وفقراءه، وتختفي الأحقاد، والإحَن، وتنمحي حوادث السلب والنهب والسرقة، ويصبح المجتمع آمناً مطمئناً، يأمن الأغنياء على ثرواتهم، ويبارك الله لهم فيها، وتسكن بلابل الفقراء فلن يضيعوا، ولن يُتْرَكوا فريسة للفقر.

بهذه القيم الإنسانية الرفيعة وأخواتها يخاطب الإعلام القرآني مجتمع المؤمنين، فينير لهم دروب الفلاح والنجاح، ويضمن لهم الاستقرار، والسعادة، في حياتهم الدنيا، والفوز والنجاة في الآخرة.

ومن القيم الإنسانية الرفيعة ننتقل - بعون الله وفضله - إلى مبحثنا التالي وهو

(1) - سورة التوبة. آية: 91

ص: 201