الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس:
التكرار
التكرار في كلام الله سبحانه ليس هو التكرار المعهود والمذموم في كلام البشر، إذ هو تكرار محكم، ذو وظيفة يؤديها في النص القرآني؛ يعرف ذلك كل من خَبَر طبيعة النص القرآني وخصائصه. ونستطيع أن نقول هنا: إن التكرار في القرآن يؤدي وظيفتين اثنتين: الأولى: وظيفة دينية، غايتها تقرير المفاهيم والمبادئ وتأكيد الحكم الشرعي، الذي جاء به النص القرآني.
والوظيفة الثانية للتكرار، فهي وظيفة أدبية، تتمثل في تأكيد المعاني وإبرازها وبيانها بالصورة الأوفق والأنسب والأقوم.
أولاً: تعريف التكرار.
قال ابن منظور:
والكَرُّ: الرجوع على الشيء، ومنه التَّكْرارُ
…
(قال) الجوهري: كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً (1).
فالتكرار: إعادة كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها.
ثانياً: التكرار من الفصاحة.
قال الإمام السيوطي رحمه الله:
التكرير وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط. (2)
ثالثاً: أنواع التكرار (3):
قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين:
(1) - لسان العرب. مادة كرّ. 5/ 135.
(2)
- الإتقان في علوم القرآن. 5/ 1648.
(3)
- مستفاد من الإتقان في علوم القرآن. 5/ 1648 - 1658.،وبحث على شبكة المعلومات (إنترنت). التكرار في القرآن الكريم أنواعه وفوائده. للشيخ محمد المنجد على هذا الرابط: http://www.islamqa.com/ar/ref/82856
الأول: تكرار اللفظ والمعنى.
وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى، وقد جاء على وجهين:
1 -
الموصول: فقد جاء على وجوه متعددة:
4 -
تكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (1).
5 -
تكرار في آخر الآية وأول التي بعدها، مثل قوله تعالى {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} (2).
6 -
تكرار في أواخرها، مثل قوله تعالى {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (3).
7 -
تكرر الآية بعد الآية مباشرة، مثل قوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (4).
2 -
المفصول: فيأتي على صورتين:
8 -
تكرار في السورة نفسها ومثاله: تكرر قوله تعالى {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة " المرسلات " 10 مرات، وتكرر قوله تعالى {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} في سورة " الرحمن " 31 مرة.
9 -
تكرار في أكثر من سورة ومثاله: تكرر قوله تعالى {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)} 6 مرات (5)، وتكرر قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} مرتين (6).
(1) - سورة المؤمنون. آية: 36.
(2)
- سورة الإنسان. آية: 15 - 16.
(3)
- سورة الفجر. آية: 21.
(4)
- سورة الشرح. آية: 5 - 6.
(5)
- سور: يونس/ 48 والأنبياء/ 38 والنمل/ 71 وسبأ/ 29 ويس/ 48 والملك/ 25.
(6)
- سور: التوبة/ 73 والتحريم/ 9.
والثاني: التكرار في المعنى دون اللفظ.
وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم، وذِكر الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها.
رابعاً: فوائد التكرار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وليس في القرآن تكرار محض، بل لابد من فوائد في كل خطاب"(1).
وقال الإمام السيوطي رحمه الله:
"وله - أي: التكرار - فوائد:
منها: التقرير، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر "، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله سبحانه {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} (2).
ومنها: التأكيد ومنه قوله عز وجل {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} (3).
ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، ومنه قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} وقوله تعالى {يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)} وقوله تعالى {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)} وقوله تعالى {يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)} وقوله تعالى {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} (4)، فإنه كرر فيه النداء {يَاقَوْمِ} لإظهار موالاته لهم وشفقته عليهم.
ومنها: إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده،
(1) - مجموع الفتاوى. 14/ 408.
(2)
- سورة طه. آية: 113.
(3)
- سورة الكافرون. آية: 1 - 6.
(4)
- سورة غافر. آية: 30 و32 و 38 و 39.
ومنه قوله سبحانه {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)} (1)، وقوله سبحانه {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)، وقوله سبحانه {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (3)
ومنها: التعظيم والتهويل نحو قوله سبحانه {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} (4)، وقوله عز وجل {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} "
وقد سبق قريباً فوائد تكرار القصص في القرآن الكريم، فلا نعيدها ثانية (5)
(1) - سورة النحل. آية: 110.
(2)
- سورة آل عمران. آية: 188.
(3)
- سورة يوسف. آية: 4.
(4)
- سورة الحاقة. آية: 1 - 3.
(5)
- ص 63 من هذا البحث