المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإعلام في القرآن - صور الإعلام الإسلامي في القرآن الكريم - دراسة في التفسير الموضوعي

[عاطف إبراهيم المتولي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع

- ‌مشكلة البحث

- ‌أهداف البحث

- ‌الدراسات السابقة

- ‌منهج الدراسة

- ‌هيكل البحث

- ‌تمهيد

- ‌تعريف التفسير الموضوعي، وأنواعه وأهميته:

- ‌أنواع التفسير الموضوعي:

- ‌أهمية التفسير الموضوعي:

- ‌الباب الأولالإعلامتعريفه، ونشأته، وتطوره

- ‌الفصل الأولتعريفات ومقاصد

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام

- ‌المبحث الثاني:نشأة الإعلام وتطوره

- ‌المبحث الثالث:وسائل الإعلام

- ‌تعريف الوسائل لغةً:

- ‌أنواع وسائل الإعلام

- ‌وظائف وسائل الإعلام

- ‌المبحث الرابع:التوجهات الحاكمة للإعلام المعاصر (النظريات الإعلامية)

- ‌1 - نظرية السلطة:

- ‌2 - نظرية الحرية:

- ‌3 - نظرية المسؤولية الاجتماعية:

- ‌4 - النظرية الاشتراكية:

- ‌الفصل الثانيلمحات حول الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الأول:تعريف الإعلام الإسلامي

- ‌وقفة مع التعريفات السابقة:

- ‌المبحث الثاني:دواعي ظهور الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الثالث:منطلقات الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الرابعأهداف الإعلام الإسلامي

- ‌المبحث الخامسوسائل الإعلام الإسلامي

- ‌ القرآن الكريم

- ‌السنة النبوية

- ‌ القدوة الحسنة:

- ‌ إعلام الكلمة الطيبة:

- ‌الفصل الثالثخصائص الإعلام القرآني ووسائله

- ‌المبحث الأول:القرآن أعظم الوسائل الإعلامية

- ‌ المعجزة الباقية

- ‌ الإعلام في القرآن

- ‌المبحث الثاني:الدور الإعلامي للرسل الكرام

- ‌المبحث الثالث:خصائص الإعلام القرآني

- ‌1 - رباني لا يد لأحد من البشر فيه

- ‌2 - اعتماد الحقائق كمصدر وحيد

- ‌3 - المصداقية

- ‌4 - اعتماد البرهان والدليل العقلي

- ‌5 - الانحياز التام لمكارم الأخلاق

- ‌6 - العدالة والإنصاف

- ‌7 - التفاعلية الإيجابية مع الأحداث

- ‌المبحث الرابع:وسائل الإعلام في القرآن

- ‌ تنويع الخطاب

- ‌ القصص

- ‌ الأمثال

- ‌ الترغيب والترهيب

- ‌ التكرار

- ‌ الحوار والجدال

- ‌المبحث الخامسألفاظ القرآن ذات الدلالات الإعلامية

- ‌الباب الثانيصور الإعلام الإسلامي في القرآن الكريم

- ‌الفصل الأولصور الإعلام العقدي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام العقدي

- ‌ تعريف العقيدة لغةً

- ‌ تعريف العقيدة اصطلاحاً

- ‌ موضوعات الإعلام العقدي:

- ‌المبحث الثاني:أهداف الإعلام العقدي في القرآن

- ‌ تعريف الخلق بربهم

- ‌ بيان وحدانية الله عز وجل

- ‌ تعظيم الله سبحانه

- ‌ الإعلام برحمه الله تعالى وعنايته بعباده

- ‌ محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم

- ‌ الإعلام بحكمة الله تعالى

- ‌ إعلام الناس بعظمة الله تعالى

- ‌ إبراز بديع صنع الله في الكون

- ‌ بث أجواء الطمأنينة

- ‌ الدفاع عن عقيدة الأمة ورد الشبهات

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام العقدي في القرآن الكريم

- ‌ اعتماد تكرار الحقائق ذات المعنى الواحد

- ‌ استخدام القصص أسلوباً إعلامياً في بيان معاني العقيدة

- ‌ الإعلام بضرب الأمثال لتوصيل حقائق العقيدة والإيمان

- ‌ الإعلام بالجدل والحوار عن صحيح الاعتقاد

- ‌ تنبيه الفطر السليمة وإصلاح ما طرأ عليها من فساد ببيان حقائق العقيدة

- ‌ استثارة الحواس

- ‌ الإعلام بحقائق الإيمان بمخاطبة العقول ومحاججة الأفهام

- ‌ الإعلام بذكر سوء عاقبة الكفار

- ‌الفصل الثانيصور الإعلام السياسي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام السياسي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام السياسي في القرآن الكريم

- ‌1 - إعلان الحاكمية لله سبحانه:

- ‌2 - التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية:

- ‌3 - بيان السنن الربانية للظهور والتمكين في الأرض

- ‌4 - تعريف الأمة بأحكام الإسلام في إدارة الحكم والشئون العامة

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام السياسي في القرآن الكريم:

- ‌الفصل الثالثصور الإعلام العسكري في القرآن الكريم(الحربي - أو الجهادي)

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام العسكري

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام العسكري في القرآن الكريم

- ‌1 - تنمية روح الانتماء والولاء لأمة الإسلام

- ‌2 - حشد أفراد الأمة للتأهب للدفاع عن الدين والمقدسات:

- ‌3 - بث وإشاعة روح الثقة في الأمة:

- ‌4 - تربية الأمة على الجدية، وعلو الهمة:

- ‌5 - غرس القيم الصحيحة، وتقويم السلوكيات المنحرفة:

- ‌7 - كشف أعداء الأمة والتحذير من كيدهم ومكرهم

- ‌8 - الإعلام بأسباب النصر على الأعداء

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام العسكري في القرآن الكريم:

- ‌1 - الإعلام ببيان الحكمة وأسباب فرض القتال على المسلمين:

- ‌2 - استخدام تنوع الخطاب في تأسيس المفاهيم العسكرية

- ‌أ- أسلوب النداء:

- ‌ب- خطاب التحريض والإغراء:

- ‌ت- خطاب الذَّم والتنفير:

- ‌ث- الترغيب في الثبات في مواطن النزال

- ‌3 - استخدام الأسلوب القصصي بما له من قدرة على التأثير القوي

- ‌أ- قصة طالوت مع بني إسرائيل

- ‌ب- قصة غزوة الأحزاب

- ‌ت- قصة غزوة حنين

- ‌الفصل الرابعصور الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الاجتماعي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌الإعلام بأسس بناء المجتمعات في الإسلام

- ‌تنمية الحس الاجتماعي لدى أفراد المجتمع

- ‌بيان العناية القرآنية الكبيرة بالعلاقات الاجتماعية

- ‌الإعلام بأهمية القيم الإنسانية الرفيعة للمجتمع في الإسلام

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الاجتماعي في القرآن الكريم

- ‌1 - استعمال القصص القرآني في تقرير المفاهيم وتقويم السلوك الاجتماعي

- ‌2 - تنويع الخطاب

- ‌الفصل الخامسصور الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الاقتصادي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌تحقيق العبودية لله تعالى بكمال الانقياد لقواعد الشريعة في معاملات الاقتصاد

- ‌الدلالة على منابع الثروات ومصادر الإنتاج

- ‌الحث على السعي الدءووب، والعمل الجاد، مع ربط الرزق بالإيمان

- ‌ نشر ثقافة الإحسان

- ‌محاربة الجشع، والرغبة الجامحة في الربح السريع

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الاقتصادي في القرآن الكريم

- ‌1 - استخدام القصص القرآني في تقرير المفاهيم والمباديء الاقتصادية

- ‌أ- مفهوم الادخار وترشيد الاستهلاك

- ‌ب- ذم الترف والتباهي

- ‌ت- تقرير حقيقة القيم

- ‌ث- حسن الوفاء والعدالة في المعاملات

- ‌2 - تنويع الخطاب

- ‌الفصل السادسصور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌المبحث الأولتعريف الإعلام الثقافي

- ‌المبحث الثانيأهداف الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌تحديد أسس بناء الشخصية الإسلامية:

- ‌الإعلام بملامح الشخصية المسلمة في القرآن

- ‌بيان نظام الحياة داخل المجتمع المسلم والحث على التزامه

- ‌إعلام الأمة بتراث وفكر الأمم المؤمنة من أتباع الأنبياء والمرسلين السابقين

- ‌تزويد العقول بحقائق الدين الناصعة، وكشف أباطيل وشبه الخصوم

- ‌الدعوة لفتح آفاق الإبداع وإعمال العقول، والتنبيه على آيات الله الكونية

- ‌المبحث الثالثصور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم

- ‌الخطاب الثقافي العام في القرآن الكريم

- ‌استخدام الاستفهام لحفز الأفهام، وبث المعارف المتنوعة

- ‌استخدام الأسلوب الإنشائي في الإعلام بحدود الحلال والحرام

- ‌استخدام الأسلوب الخبري في الإعلام بالمعارف والأحكام

- ‌استعمال التكرار

- ‌استعمال القصص القرآني في بث القيم، والتعاليم الإسلامية

- ‌بيان عاقبة الشر والإفساد

- ‌بيان عاقبة الإيمان والصلاح

- ‌بيان الحرص على طلب العلم

- ‌بيان الحرص على دعوة الخلق ونصحهم، والصبر على أذاهم

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الآيات

- ‌فهرس الأحاديث النبوية

الفصل: ‌ الإعلام في القرآن

وهبني قلت: هذا الصبحُ ليلٌ

أيعمى العالمون عن الضياءِ (1)

فلم يجدوا إلا نشر الأكاذيب والافتراءات بشأنه {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} (2)، يفعلون ذلك باضطراب وهلع مما يعاينونه من عظمة في النظم، وسمو في الأخلاق، ورُقِيٍّ فيما يدعو إليه، يجلي الحق، ويفند الباطل، يهدي لأقوم الطرق، ويقود لأحسن السبل، فكل خير يأمر به ويحث عليه، وكل شر ينهى عنه ويحرم دواعيه قال سبحانه {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (3).

ولما كان رسولنا عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم ختمت به النبوات والرسالات، فرسالته باقية إلى يوم القيامة، وعامة إلى كل الأمم، في كل زمان ومكان، لذلك كان لابد للمعجزة من البقاء، ليعاينها كل من آمن أو دُعِيَ إلى الإيمان، وقد كان، فقد تكفل الله سبحانه بحفظ كتابه من كل تحريف أو نقصان، فقال سبحانه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (4)، فهو الكتاب العزيز المعجز من جميع نواحيه بنظمه وسبكه، وشعائره وأخلاقه، بقصصه وعظاته، وأحكامه وتشريعاته. وصفه الله سبحانه فقال {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (5).

"فبقي القرآن تحدياً لكل من في الأرض من كل الأمم من عرب وغيرهم، وما من متأمل منصف إلا ويحني رأسه، ويعلن استسلامه وإسلامه أمام هذا الإعجاز الحي الناطق لكل زمان ومكان، الذي لا يموت ولا يبلى، ولا تزيده الأيام إلا شدة وقوة، وظهوراً ووضوحاً"(6).

المطلب الثاني:‌

‌ الإعلام في القرآن

(1) - البيت لأبي الطيب المتنبي، من قصيدة يمدح بها الحسين التنوخي. ديوان المتنبي ط 1 دار الكتب العلمية بيروت - 1406هـ / 1986م.

(2)

- سورة الأنبياء. آية: 5.

(3)

- سورة الإسراء. آية: 9

(4)

- سورة الحجر. آية: 9.

(5)

- سورة فصلت. آية: 42.

(6)

- المعجزة القرآنية. د محمد حسن هيتو. صـ 69. الطبعة الثالثة. مؤسسة الرسالة. 1998م. بتصرف.

ص: 53

لم تر البشرية وسيلة إعلام تحلت بالعصمة، وتخلصت من الوصمة، كما رأت في القرآن العظيم، ولا عجب فهو كلام رب العالمين، العاصم من الزيغ والضلال، المنزه عن النسيان والنقصان {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1).

وجعل الله سبحانه القرآن دستوراً وإماماً لنبيه عليه الصلاة والسلام والمؤمنين، ورسم له طريق دعوته، وزوَّده بكل ما يحتاج إليه في مسيرته، وتبرز أمامنا هذه السمات الإعلامية في القرآن والتي أوردها في النقاط التالية:

1 -

تحديد مهمة الرسل جميعاً، وهي القيام بالبيان والبلاغ قال سبحانه {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (2) فكانت وظيفة الرسل العظمى البلاغ عن الله وإعلام الخلق بما ينفعهم في دينهم ودنياهم قال سبحانه {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (3) وقال سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) وهكذا كان شأن النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً قال سبحانه وتعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (5) فالبيان والإبلاغ محور مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام التي أُمِرَ بها قال سبحانه {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (6) فقام عليه الصلاة والسلام بالتبليغ حق قيام وأوضح دعوته أتم توضيح وبيان.

2 -

التزام الرسل بأداء الرسالة الإعلامية الربانية كما هي بدون زيادة أو نقصان فقال سبحانه في مواضع عديدة على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (7) فهم مؤتمنون يؤدون أمانتهم بكل تجرد وإخلاص، وهذا نوح عليه السلام

(1) - سورة المائدة. آية: 16

(2)

- سورة النحل. آية: 35.

(3)

- سورة النحل. آية: 2.

(4)

- سورة النحل. آية: 36.

(5)

- سورة النحل. آية: 44.

(6)

- سورة المائدة. آية: 67

(7)

- سورة الأنعام. آية: 50، وأيضاً سورة يونس آية 15، وسورة الأحقاف آية: 9

ص: 54

يخاطب قومه يقول لهم: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (1) وهكذا جميع الرسل لا يأتون بشيء من عند نفوسهم بل يؤدون ما حُمِّلوا من الأمانة ويبلغون ما أُرسلوا به. وأعظم من هذا بياناً قول رب العالمين سبحانه وتعالى ينفي أي شبهة عن رسوله عليه الصلاة والسلام {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (2) ولهذا أنكر الله سبحانه عليهم لما ادَّعَوْا أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما يقول القرآن ويفتريه على الله فقال سبحانه {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} (3).

فكانت دعوة الرسل أوثق الدعوات عبر تاريخ البشرية مصدراً، وأداءً، تحققت فيها كل عوامل النجاح الإعلامي، مع اكتمال عناصر المنظومة الإعلامية بمعناها المتعارف عليه عند الإعلاميين الآن وهي:

أالمرسِل: وهو الله سبحانه.

ب المرسَل إليه: وهم الناس الذين يستقبلون الرسالة.

ت الرسالة: وهي الوحي المتمثل في آيات القرآن.

ث أداة الإرسال: هل هو الرسول عليه الصلاة والسلام، أم جبريل عليه السلام؟ خلاف (4) والظاهر أن في الأمر تفصيلاً، فرسول الله عليه الصلاة والسلام في رأي الباحث - يجمع بين مقامين؛ فتارة يكون أداة إرسال وذلك في مقام تبليغ القرآن كما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام بلا تقديم ولا تأخير، بلا زيادة ولا نقصان، وتارة أخرى يكون عليه الصلاة والسلام مصدراً للرسالة مرسِلاً لها وذلك في مقامات البيان المتعددة التي تستقل السنة النبوية بها، مثل ما

(1) - سورة هود. آية: 29 - 31.

(2)

- سورة الحاقة. آية: 44 - 47.

(3)

- سورة السجدة. آية: 3

(4)

- مدخل إلى الإعلام الإسلامي. د إسماعيل صيني. ص: 98. ومصادره.

ص: 55

جاء من تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية وكل ذي مخلب وناب من السباع، وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها أوعمتها.

ج الغرض من الرسالة: وهو الهدف من كل هذه العملية والتي تتلخص في وصل الناس بربهم فيعبدونه وحده، ويأتمرون بأمره، وينتهون بنهيه، ويُحَكِّمون شريعته في سائر شئون حياتهم.

3 -

الإعلام القرآني إعلام شامل يحرك ويؤثر في جميع المجالات واسمع الإعلام الإلهي {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1) يتعامل مع النفوس البشرية قلباً وقالباً، يكشف أمراضها، ويُشَخِّصُ لها الدواء، ويبذل لها سبل الوقاية، ولذا نجد آيات القرآن متتابعة تعلم وترشد وتقي وتعالج، ونقرأ في القرآن:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (2) فهذه الآية ومثيلاتها إعلام رباني بصلاحية النفوس البشرية وقابليتها لسلوك أحد السبيلين الخير أو الشر مع بيان أن سبيل فلاحها في تزكية نفوسها وتطييبها، وإلا كانت العاقبة خيبة وخسراناً. ولا يقتصر هذا الإعلام على جانب تربية النفوس فقط بل يحيط بجميع الجوانب الأخرى ففي جانب العقائد نقرأ قول الله سبحانه {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (3)"فأخبر سبحانه عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمدالذي لا إله إلا هو، وأنه هو الرحمن الرحيم"(4) ثم نبه سبحانه إلى الآيات الشاهدة على وحدانيته وقدرته المطلقة في الكون، والتي لا يهتدي إليها إلا ذوو العقول والأفهام.

(1) - سورة النحل. آية: 89.

(2)

- سورة الشمس. آية: 7 - 10.

(3)

- سورة البقرة. آية: 163 - 164.

(4)

- تفسير القرآن العظيم. 1/ 274.

ص: 56

ونقرأ في جانب العقائد العبادات والمعاملات {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} (1)، ونقرأ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2)

ونقرأ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3) ونقرأ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} (4) ونقرأ الآيات الجامعات للفضائل والمكارم الأخلاقية كما في قوله سبحانه وتعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} (5)، وغير ذلك في آيات القرآن كثير، إعلام بنقيِّ العقائد، وصحيح العبادات، ومرضيِّ المعاملات، ومكارم الأخلاق، تصديقاً لقول الله سبحانه {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (6).

(1) - سورة البقرة. آية: 177.

(2)

- سورة البقرة. آية: 275.

(3)

- سورة المائدة. آية: 1.

(4)

- سورة المطففين. آية: 1 - 3.

(5)

- سورة النحل. آية: 90.

(6)

- سورة الأنعام. آية: 38.

ص: 57