الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
نشأة الإعلام وتطوره
المطلب الأول:
البداية
نشأ الإعلام منذ ظهرت الحاجة إلى نقل المعلومات وتبادلها، أي مع بدء الحياة الاجتماعية للإنسان (1)، فالإعلام حاجة بشرية لاغنى عنها، ويمكن لنا أن نتلمس بداياته مع البدايات الأولى للخلق حين خلق الله سبحانه آدم عليه السلام وعلمه الأسماء كلها وأمره أن ينبيء الملائكة بأسمائهم قال الله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} (2).فهذه الآيات يستفاد منها أن الإنسان عرف الإعلام من أول وهلة في الحياة، وكان يمارسه بطرق فطرية ألهمه الله تعالى بها وعلمه إياها.
ومنذ بدايات وجود الانسان، ظهرت طرق التعبير متتابعة عن التصورات والأفكار، وكيفية الإخبار عن كل ما يحيط بالإنسان من أحوال ومتغيرات، فحين لا تسعف الإنسان اللغة في التعبير عن مراده يستخدم الحركات والأصوات مثل: الإشارة، وإشعال النار، ودق الطبول وغير ذلك من الأمور البدائية التي لا يزال بعضها مستخدماً إلى عصرنا هذا (3).
كما يسهل علينا ملاحظة البعد الاجتماعي في حياة الإنسان، الذي خلق ليتعارف ويتعاطى مع البشر من حوله، ويأنس بهم ويتشوق إلى معرفة أخبارهم، والاطلاع على أحوالهم وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله سبحانه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
(1) 1 - مدخل إلى علم الصحافة، د فاروق أبو زيد، ص 14. الناشر: عالم الكتب - مصر - 1986
(2)
2 - سورة البقرة / الآية: 31 و 32 و33
(3)
3 - الإعلام الإسلامي في مواجهة الإعلام المعاصر: 16، أستاذ عبد الله قاسم الوشلي. بتصرف
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1). فخلقهم سبحانه وتعالى ليتعارفوا ويتواصلوا لا ليتفاخروا ويتقاطعوا.
المطلب الثاني:
ملامح التطور
لقد تنوعت سبل الاتصال بالآخرين وإبلاغ الأخبار بتنوع الثقافات والحضارات وتوقفت طرق الإعلام على مدى الرقي الحضاري والازدهار المعرفي.
ولو عدنا إلى الحضارات الإنسانية القديمة، وماوصل إلينا من آثارهم الباقية، سنجد أنهم استخدموا الإعلام في علاقاتهم وفي تسيير شؤونهم وفي توثيق مناحي حياتهم، فقد تبادل الناس المعلومات في البداية مشافهة. ونقل العداؤون الرسائل الشفهية لمسافات بعيدة. واستخدم الناس قرع الطبول وإشارات الدخان وإشعال النار للاتصال بالآخرين. ثم استحدث السومريون الكتابة بالصور في نحو عام 3500ق. م. ثم اخترعت الكتابة لتصبح وسيلة الاتصال، وتضع حدًا لعصر ما قبل التاريخ؛ إذ بالكتابة بدأت حقبة التاريخ المكتوب. واتقن البابليون وقدماء المصريين فنون الإعلام فكتبوا على أوراق البردي، ونقشوا على جدران معابدهم. وفي العصر الروماني تمثل الإعلام في الخطابة والملاحم والمناقشات، وفي الجزيرة العربية اتخذ الإعلام مظاهر عديدة مثل المنتديات والأسواق وحلبات السباق. وكانت دار الندوة في مكة المكرمة المقر الإعلامي لقريش. وأبقى الإسلام على القصيدة الشعرية وفن الخطابة إلا أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية كانت وسيلته الإعلامية الأولى. وازدهرت مهنة الناسخين والمترجمين في العصر العباسي الأول. وفرضت الحروب، في العصور الوسطى الأوروبية، على الحكام استخدام وسائل الإعلام المتاحة كالخطابة وتبادل المعلومات لتحقيق النصر (2).
(1) 1 - سورة الحجرات / الآية: 13
(2)
- الأسس العلمية لنظريات الإعلام. د جيهان رشتي ص 13
وقد ذهب بعض العلماء (1) والباحثين إلى قياس تطور حياة البشر من خلال تطور وسائل وأدوات الاعلام، فقسموا تاريخ البشرية لمراحل تبعاً لمراحل تطور وسائل الاعلام، وهو ما يطلق عليه (التفسير الاعلامي للتاريخ)، وهو التفسير الذي يقسم التطور الاجتماعي للبشرية على ضوء تطور وسائل الاعلام، وهذه المراحل كالتالي:
- المرحلة السمعية في التاريخ (النفخ في الأبواق والمنادين).
- المرحلة الخطية (النقش والرسم على جدران المقابر والمعابد والقصور والكتابة المنسوخة على الجلود أو الورق).
- المرحلة الطباعية (الصحف).
- المرحلة الالكترونية (الراديو والتلفزيون والفيديو واستخدامات الكمبيوتر والأقمار الإصطناعية في الاعلام)(2).
فعلى مر الزمن تطور الإعلام، وتطورت وسائله وأساليبه وأدواته وأصبح واقعاً لا يمكن
لبني البشر أن يتخلوا عنه، بل وأصبح الإعلام هو المحرك الأساسي للرأي العام والمرآة العاكسة للأحداث.
وكانت وسائل الإعلام المكتوبة ولاسيما الصحافة إلى عهد قريب هي المسيطر الأساسي على اهتمام الجماهير، وساعد إنشاء الخدمات البريدية على سرعة وصول الصحف إلى المشتركين، وكذلك سرعة وصول الأخبار من مختلف الأماكن إلى البلد الذي تصدر فيه الصحيفة.
ومع قيام الثورة الصناعية مطلع القرن العشرين، كان الإعلام أكبر المستفيدين منها، بإيجاد وسائل إعلامية أكثر سرعة من الوسائل الإعلامية التقليدية المتوفرة لديهم.
(1) - ماكلوهان، مارشال (1911: 1980م). أستاذ وكاتب كندي أحدثت نظرياته في وسائل الاتصال الجماهيري جدلاً كبيرًا، فهو يرى أن أجهزة الاتصال الإلكترونية ـ خاصة التلفاز ـ تُسيطر على حياة الشعوب، وتؤثر على أفكارها ومؤسساتها. قام ماكلوهان بتحليل التأثيرات التي تُحدِثها وسائل الإعلام في الناس والمجتمع من خلال مؤلفاته مثل العروس الميكانيكية (1951)، مجرَّة جوتنبرج) 1952)؛ فهم وسائل الاتصال (1964)؛ الإعلام هو الرسالة (1967)؛ الحرب والسلام في القرية العالمية.
(2)
- مدخل إلى علم الصحافة. ص 43: 45. بتصرف
وبدأ عصر التكنولوجيا الإعلامية التي أحدثت نقلة واسعة وسريعة في مفهوم وأهمية الإعلام، وغيرت في نمط أدواته، حتى صار الإعلام اليوم جزءاً مهماً من نشاطنا وحياتنا اليومية، وصار المواطنون أكثر ارتباطا بوسائل الإعلام التي صارت تتفنن في نقل الأخبار والمعلومات ومتابعتها.
ثم جاء اختراع الراديو الذي كان ومازال وسيلة مهمة من وسائل الإعلام والاتصال، وانتشرت في أصقاع العالم الإذاعات التي سارعت الدول إلى إنشائها بعد أن تيقنت أهميتها خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبته في الحرب العالمية الأولى والثانية وبالأخص الإذاعات الموجهة، وأصبح الراديو منافساً كبيراً للصحافة لكنه لم يقض على وجودها بل زاد من أهميتها.
وفي منتصف القرن الماضي كانت الثورة الصناعية في أوج قمتها، وقد أثمرت أخطر اختراع في وقتها وهو التلفزيون والذي أدى بشكل مباشر إلى تغيير الكثير من المفاهيم والأسس الاجتماعية في حياتنا أكثر من وسائل الإعلام المختلفة .. وظل العالم مبهورا بهذه الشاشة الصغيرة المرئية .. ولا يزال .. وتطور التلفاز وتعددت أغراضه ووسائله، ومع ثورة الأقمار الاصطناعية انتقلت فكرة التلفزيون من مجرد شاشة محلية إلى محطات وقنوات فضائية يتابعها ملايين البشر وتنقل الأخبار والأحداث أولاً بأول للمُتَلَقِّى من موقع الحدث.
ولم تقف تكنولوجيا الإعلام عند هذا الحد، بل تخطته بمراحل كثيرة .. وكان الإعلام دائماً من أكثر المستفيدين من تطور عقل بني البشر
…
ومع ظهور الانترنت أصبح الإعلام بلا منازع أهم وأخطر صناعة تسعى دول العالم جميعها لامتلاكها.
وعلى الرغم من الاختلاف الكبير الذي انقسم إليه الجمهور حول مصداقية وسائل الإعلام يبقى الإعلام أهم وسيلة يتعامل معها البشر ولا يستطيعون الخلاص من تأثيرها، ومن هنا كان لزاماً على الباحث أن يتوقف مع وسائل الإعلام تعريفاً بها واستعراضاً لأنواعها، وبيانا لأهميتها ووظائفها الحيوية في المجتمعات البشرية.