الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصلاة والسلام. ويمكن لنا أن نلحظ أن الله تعالى لم يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام بطلب الاستزادة من شيء إلا من العلم لعظم أثره في الدين والدنيا فقال جل جلاله {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (1).
ومن أسس الشخصية الإسلامية: العمل
فالمسلم العامل له في الحياة أهميته مهما كان عمله مادام عملا شريفا وما دام كسبه حلالا فهو يشارك في عمارة الحياة وازدهارها ويعمل على دفعها إلى الإمام قال الله تعالى حاثاً على العمل {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (2). وقرن سبحانه بين الإيمان والعمل في خمسين موضعاً في القرآن للدلالة على أهمية، بل حتمية العمل ومن ذلك قوله سبحانه {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (3). وأمر سبحانه بفعل الخير في قوله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4). وحث على العمل فقال سبحانه {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (5). وبشَّر العاملين بحسن الأجر فقال تعالى {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (6).
بهذه الأسس تقوم الشخصية المسلمة، وتترجم هذه الأصول إلى ملامح خاصة، تتميز بها عن غيرها، وهي - الملامح الشخصية وبيانها - من أهداف الإعلام الثقافي في القرآن الكريم أيضاً:
الإعلام بملامح الشخصية المسلمة في القرآن
(1) - سورة طه. آية: 114
(2)
- سورة الملك. آية: 15
(3)
- سورة البقرة. آية: 25
(4)
- سورة الحج. آية: 77
(5)
- سورة التوبة. آية: 105
(6)
- سورة آل عمران. آية: 136
فإن كانت الأسس السابقة تشكل التركيبة الداخلية، وعماد الشخصية المسلمة، فإن ملامحها هي تلك المظاهر الخارجية، التي تتضح من خلال التعامل مع الأحداث، والأفراد. ويمكن لنا أن نجمع هذه الملامح في عناوين ثلاثة رئيسة (1) وهي إجمالاً:
التحلي بالخُلُق الحسن الجميل
الثبات في الرخاء والشدة
التعاون والتعاضد والتفاعل في الخير
فالملمح الأول: التحلي بالخلق الحسن الجميل
ويشمل الأخلاق العظيمة، والشمائل الطيبة التي أكد عليها القرآن، وتجلت في سيرته عليه الصلاة والسلام، وهو القائل (إن من خياركم أحسنَكم أخلاقاً) (2). وقد مدح الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام وزكاه فقال له {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (3). فمن هذه الأخلاق الجميلة:
التواضع من غير ذُلٍّ
يقول تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (4).وقال سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (5). يقول عليه الصلاة والسلام (وما تواضع عبد لله إلا رفعه)(6)
والعِزَّة من غير كِبْر
(1) - هذا رأي للباحث، واختياره.
(2)
- رواه البخاري. كتاب الأدب. باب: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً. رقم الحديث: 5682، ورواه مسلم كتاب الفضائل. باب: كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم. رقم الحديث: 2321. كلاهما عن عبد الله بن عمرو
(3)
- سورة القلم. آية: 4
(4)
- سورة الفرقان. آية: 63
(5)
- سورة الحجر. آية: 88
(6)
- رواه الترمذي. باب: ما جاء في التواضع. رقم الحديث 2029. عن أبي هريرة رضي الله عنه.
يقول تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (1). ويقول سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (2).
والرفق واللين
يقول سبحانه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (3) ويقول عليه الصلاة والسلام (إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)(4).ويقول سبحانه يمدح المؤمنين بأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (5).
والأمانة
وقد أمر الله بها باللفظ المؤكد فقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (6) ويقول الله تعالى مادحاً عباده المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (7). وكان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، معروفاً في قومه بـ الأمين، وكان يحث على الأمانة وأدائها ويقول (أدِ الأمانةَ لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك)(8).
وهنا أكتفي بهذه الأمثلة، على ما أشير إليه، والتي يمتلئ بمثيلها القرآن، فإن الأخلاق من أعظم موضوعات القرآن، وأبرز ملامح الشخصية المسلمة الصادقة، كيف لا وقد قال صاحب الخُلُق العظيم (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) (9). وأما الملمح التالي فهو:
(1) - سورة المنافقون. آية: 8
(2)
- سورة المائدة. آية: 54
(3)
- سورة آل عمران. آية: 159
(4)
- صحيح ابن حبان. كتاب البر والإحسان. باب الرفق عن أبي هريرة. رضي الله عنه رقم الحديث: 554.، وفي المعجم الأوسط للطبراني. عن أنس رضي الله عنه رقم الحديث: 3022
(5)
- سورة الفتح. آية: 29
(6)
- سورة النساء آية: 58
(7)
- سورة المؤمنون آية: 8
(8)
- الترمذي. أبواب البيوع رقم الحديث: 1264. عن أبي هريرة رضي الله عنه
(9)
- رواه البخاري. في الأدب المفرد. باب حسن الخلق رقم الحديث: 273.
الملمح الثاني: الثبات في الرخاء والشدة
وهذا ثمرة الإيمان الحق، فبه يوقن المؤمن أن ما أخطأه ما كان ليصيبه، وما أصابه ما كان ليخطئه، فيُسَر ويشكر في السراء، ويصبر ويرضى في الضراء.
وآيات القرآن الكريم تمثل أعظم وأقوى عوامل التثبيت لأهل الإيمان وفيها قوله تعالى عن القرآن {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1).
ولسان حال المؤمن دائماً {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (2).
وقال الرسول الكريم عليه أتم الصلوات والتسليم في بيان فضل هذا الاستقرار والثبات النفسي (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)(3).
وأهل الإيمان ينسبون الفضل لله عند تحقق المسرات، ومنهم سليمان عليه السلام الذي قال {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (4). والقائل أيضاً فيما حكاه القرآن {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (5).
وكما لا تجد من أهل الإيمان إلا الشكر لله في السراء، فإنهم في الضراء، لا يخرجون عن التسليم والصبر والرضا بالقضاء يقول تعالى واصفاً حالهم {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (6).
(1) - سورة النحل آية: 102
(2)
- سورة التوبة آية: 51
(3)
- مسلم. كتاب الزهد والرقائق. باب: المؤمن أمره خير كله. رقم الحديث: 2999.
(4)
- سورة النمل آية: 16
(5)
- سورة النمل آية: 40
(6)
- سورة البقرة آية: 156
ومن الثبات والاستقرار النفسي في جميع الأحوال إلى الملمح الرئيس التالي وهو:
الملمح الثالث: التعاون والتعاضد والتفاعل في الخير
وأصل ذلك توجيه القرآن الكريم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1).
ومن ذلك الدعوة للخير وتعليم الجاهلين قال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2).
وقوله تعالى عن وظيفة النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه من الدعوة إلى الله على علم وهدى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3).
ومن هذا أيضاً قوله تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (4) فينفي الله تعالى الخيرية عن أعمال الناس كلها، إلا تلك الأعمال التي تعود بتحقيق التكافل، والترابط، والألفة، والمحبة، والتصالح، على المجتمع بأسره.
ولذلك نجده سبحانه يأمر بالتفاعل، والمبادرة بالإصلاح، صيانةً للأخوة الإيمانية وتعظيماً لهذه الرابطة فيقول عز وجل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (5).
وبهذه الملامح الرئيسة، وما يتفرع عنها، تحيى الشخصية المسلمة الصادقة، حياة طيبة، مستقرة، متميزة عن غيرها من الشخصيات، في الأعمال، والغايات، والوسائل.
(1) - سورة المائدة آية: 2
(2)
- سورة آل عمران آية: 104
(3)
- سورة يوسف آية: 108
(4)
- سورة النساء آية: 114
(5)
- سورة المائدة آية: 2