الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* إن وحدة المسلمين السياسية، هي نتاج طبيعي لوحدتهم العقائدية، ولقد قرَّرَ الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الوحدة منذ اللحظة الأولى لبناء الدولة الإسلامية فوضع منهاجاً حدَّدَ من خلاله هوية الأمة والدولة، وتَوَحَّدَ المسلمون على أساس الإسلام.
وقد عبَّرت الصحيفة التي كتبها الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين في المدينة عن هذا المعنى فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد النبي، بين المؤمنين المسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس» (1).
* وهذا كما جاء في قول الحق تعالى {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (2). إن هذه الوحدة هي السبيل الوحيد للخلاص من حالة الفُرقة والتشرذم التي تشهدها أمتنا، وهي الحل الوحيد لكسر حالة الذل والهوان التي تجلب عليهم الويلات كل يوم.
* كما حذرهم ربهم مغبة التنازع والفرقة والاختلاف {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3).فواجب كل مسلم، أن يقوم لله بالحق، نصحاً، وبياناً، وحرصاً على سلامة هذه الأمة من التفكك وعوامل الانهيار، فهي الأمة الخاتمة، وهي خير أمة أخرجت للناس، إن اعتصمت بالوحي الصادق واستقامت على كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، وكانت على مثل ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، وتابعت خير القرون فيما كانوا عليه، من علم نافع، وعمل صالح، وحرص على تحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية قال سبحانه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4).
ومن أهداف الإعلام السياسي في القرآن الكريم
3 - بيان السنن الربانية للظهور والتمكين في الأرض
(1) - تهذيب سيرة ابن هشام. الأستاذ عبد السلام هارون. ص 134 و 135. دار البحوث العلمية بالكويت 1976م، الرحيق المختوم. لصفي الرحمن المباركفوري. ص 186: 188.دار المؤيد للنشر والتوزيع بالرياض. 2004م
(2)
- سورة الأنبياء. آية 92
(3)
- سورة الأنفال. آية 46
(4)
- سورة الحجرات. آية 10
فقد اقتضت سنة الله في خلقه، أن يكون التمكين للعباد في الأرض، مرتبطاً بعوامل مادية، يجب على الأمة تحصيلها، قبل تطلعها للظهور على الناس، وقد جاء ذلك في مواطن عديدة من القرآن العظيم، منها قوله سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1)"هذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبَدَّلُنّ بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنة"(2). والملاحظ في هذا الوعد أنه ليس لكل أحد، بل لأناس مخصوصين، موصوفين {الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فالإيمان الصادق، الذي لا ارتياب معه، ولا يشوبه شك، هو أساس تمكين المسلمين في الأرض، وتقدمهم على غيرهم، وانضمام العمل الصالح له، شرط ثان لابد من توفره، وقد تحقق كل ذلك في " الصحابة، رضي الله عنهم، لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل، وأطوعهم لله -كان نصرهم بحسبهم، وأظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييدًا عظيما، وتحكموا في سائر العباد والبلاد. ولما قَصَّر الناس بعدهم في بعض الأوامر، نقص ظهورهم بحسبهم "(3).
ومثل ذلك توجيه موسى عليه السلام لقومه {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (4) فالاستعانة بالله تعالى من لوازم الإيمان، والصبر من أرفع العمل الصالح، وبهما يحصل الظهور والتمكين، وقد صرح رب العالمين سبحانه بِعِلَّةِ نصرهم على عدوهم وتمكينهم فقال سبحانه {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
(1) - سورة النور. آية 55
(2)
- تفسير ابن كثير 3/ 401 - 403
(3)
- نفسه. 3/ 403
(4)
- سورة الأعراف. آية: 128