الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع:
وسائل الإعلام في القرآن
المطلب الأول:
تنويع الخطاب
(1)
في صدارة وسائل الإعلام القرآني، يأتي الخطاب الإلهي في القرآن متنوعاً إنشاءً أو إخباراً، أمراً ونهياً، وترغيباً وترهيباً، ووعداً ووعيداً، وإخباراً وتذكيراً، واعتباراً وإنذاراً.
والمتتبع للخطاب القرآني والمتأمل له، يجد أنه يأتي على أنواع عديدة منها:
1 -
خطاب عامٌّ يراد به عموم الناس، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (2)، فالخطاب في الآية يشمل جميع الناس المؤمن والكافر، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس.
2 -
خطاب خاصٌّ يُراد به الخصوص، من ذلك قوله سبحانه:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً} (3)،فالخطاب في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن قيام الليل واجب في حقه صلى الله عليه وسلم دون الناس.
3 -
خطاب خاصٌّ يراد به عموم المكلفين، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (4)، فالخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن المراد عموم المكلفين، وكقوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} (5) فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد المؤمنون؛ لأنه صلى الله عليه وسلمكان أتقى الخلق، وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين. فالتحقيق في كل هذا ونحوه أنه من باب خطاب عموم المؤمنين من غير قصد النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) - مستفاد من: المدهش لابن الجوزي 1/ 15 - 16، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي. 1/ 73 - 74، البرهان للزركشي. 2/ 217 - 251. ط دار الكتب العلمية، الاتقان للسيوطي. 7/ 1494 - 1504. ط مجمع الملك فهد 1426هـ.
(2)
- سورة فاطر. آية: 3.
(3)
- سورة الإسراء. آية: 79.
(4)
- سورة الطلاق. آية: 1.
(5)
- سورة الأحزاب. آية: 1.
4 -
خطاب عامٌّ يُراد به الخصوص، من ذلك قوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (1)، الخطاب في الآية عام، يشمل كل الناس كبيراً وصغيراً، عاقلاً أو لا،
مع أن المراد فقط من كان صالحاً للتكليف من غير الصغار والمجانين.
5 -
خطاب الجنس، نحو قوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} (2)، فإن المراد جنس الناس، لا كل فرد؛ إذ من المعلوم أن غير المكلف، لا يدخل تحت هذا الخطاب.
6 -
خطاب النوع، نحو قوله تعالى:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} (3)، فالخطاب هنا موجَّه لنوع معين من الناس دون غيرهم، والمراد بنو يعقوب.
7 -
خطاب العين، نحو قوله تعالى:{يَانُوحُ} (4)، وقوله سبحانه:{يَاإِبْرَاهِيمُ} (5).
8 -
خطاب التكريم، نحو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} (6)
…
وقوله سبحانه {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ} (7).
9 -
خطاب المدح والتبشير، نحو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (8). فهذا خطاب للمؤمنين بما هم متصفون به من الإيمان، وهو من باب المدح لهم، ونحو قوله سبحانه للمؤمنين يوم القيامة:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} (9).
10 -
خطاب الذم والتنفير، من ذلك قوله سبحانه:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (10)، فالآية خطاب للمؤمنين تفيد التنفير من الغيبة، ونحو قوله سبحانه:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (11). وهذا خطاب للكافرين بما هم متصفون به من الكفر. وهو من باب الذم لهم.
(1) - سورة النساء. آية: 1.
(2)
- سورة النساء. آية: 1.
(3)
- سورة البقرة. آية: 40.
(4)
- سورة هود. آية: 48.
(5)
- سورة هود. آية: 76.
(6)
- سورة الأنفال. آية: 64.
(7)
- سورة المائدة. آية: 41.
(8)
- سورة البقرة. آية: 104.
(9)
- سورة الحجر. آية: 46.
(10)
- سورة الحجرات. آية: 12.
(11)
- سورة الكافرون. آية: 1.
11 -
خطاب الإهانة والتهكم، كقوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} (1) فالخطاب هنا على معنى الاستخفاف والتوبيخ والاستهزاء.، ونحو قوله سبحانه:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (2)، خطاب للمعرضين والكافرين بما وعدوا به من الذل والمهانة.
12 -
خطاب الجمع بلفظ الواحد، كقوله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (3). فالمراد بلفظ {الإنسان} هنا الجميع.
13 -
خطاب الواحد بلفظ الجمع، كقوله تعالى:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا} (4) فالخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قوله سبحانه قبلُ: {قل فأتوا} .
14 -
خطاب الاثنين بلفظ الواحد، كقوله تعالى:{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (5). فأخبر أن الشقاء حاصل لآدم، مع أن مخالفة الأمر حصل منه ومن زوجه.
15 -
الالتفات في الخطاب: من ذلك قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} (6)، فالخطاب للمفرد (للنبي صلى الله عليه وسلم:{وما تكون} ، و {وما تتلو} ، ثم جاء بالفعل الثالث بصيغة الجمع:{ولا تعملون} ؛ تنبيهاً للسامعين بدخولهم في الخطاب، وكقوله سبحانه:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (7)، فجاء الخطاب أولاً بصيغة المخاطبين {كنتم} ، ثم أتبعه بخطاب الغائبين {وجرين بهم} فنقلهم من الخطاب للغائب لكون الإنسان يسهل عليه أن يستبشع عمل غيره ويستقبحه بمجرد خروجه من العهدة.
(1) - سورة الدخان. آية: 49.
(2)
- سورة المؤمنون. آية: 108.
(3)
- سورة الانشقاق. آية: 6.
(4)
- سورة هود. آية: 14.
(5)
- سورة طه. آية: 117.
(6)
- سورة يونس. آية: 61.
(7)
- سورة يونس. آية: 22.
16 -
خطاب التهييج والتشجيع والتحريض، كقوله سبحانه:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1)، فالآية سيقت مساق الحث على التوكل على الله، وكقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (2).
17 -
خطاب الحزم والتأني، كقوله سبحانه {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (3)، وكقوله سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (4)، فالآيتان خطاب للمؤمنين بالاستعداد وأخذ الأُهْبَة لمواجهة الصادين عن سبيل الله.
18 -
خطاب التحنن والتَّعَطُّف، كقوله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (5). فالآية دعوة منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال إليه، وأنه سبحانه رحيم يقبل منهم الإنابة والتوبة.
19 -
خطاب التحبيب، نحو ما جاء في خطاب إبراهيم لأبيه:{يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} (6) مريم: 44 ونحو قوله سبحانه على لسان موسى {يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} (7).
20 -
خطاب التعجيز والتيئيس، {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (8)، ونحو قوله تعالى:{فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (9).
هذا ما تيسر من أنواع الخطاب القرآني الذي لقي عناية العلماء والمفسرين فأبانوا عن معانيه ومراميه، لأهميته البالغة في فهم مراد الرحمن سبحانه، وكذلك للوقوف على هذا النمط في الخطاب المتنوع، الذي يشد السامعين، ويسحر المتدبرين، بثراء أساليبه، واتساع ألفاظه وعظم بلاغته، ويدفع عن قرائه أي عارض من عوارض السآمة والملل، ليبقيه يقظاً منتبهاً منجذباً لحِكَمِه وأحْكامه، وتوجيهاته وإرشاده (10).
(1) - سورة المائدة. آية: 23.
(2)
- سورة الصف. آية: 4.
(3)
- سورة النساء. آية: 102.
(4)
- سورة الأنفال. آية: 60.
(5)
- سورة الزمر. آية: 53.
(6)
- سورة مريم. آية: 44.
(7)
- سورة البقرة. آية: 54.
(8)
- سورة البقرة. آية: 24.
(9)
- سورة آل عمران. آية: 68.
(10)
- ينظر هامش ص 73 رقم 1.