الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس والأصل الواحد، وصلة الأرحام، والتواصل
وهاتان الآيتان، أصلان عظيمان، يشكلان أساس الاتصال الإنساني المبني على المساوة التامة بين الخلق، وعلى اعتبار تنوع الأعراق والألوان والألسنة سببا للتواصل والتعارف، وليس سببا للتفرق والعداوة. ويستطيع الناظر المتأمل أن يعرف أنه بقدر ابتعاد الناس وقربهم من مفاهيم القرآن الكريم وتعاليمه، تكون درجة اتصالهم وتعايشهم، فكلما كان اتصالهم لله، خالياً عن أغراض الدنيا، كلما عظم هذا الاتصال وامتدَّ، وكان سبباً لتحصيل أي منافع دنيوية بعد ذلك، في ظلال هذا التواصل القرآني الراقي، الذي يحفظ كرامات الخلق، وينظم تعاملاتهم.
ومن صور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم
استخدام الاستفهام لحفز الأفهام، وبث المعارف المتنوعة
وقد رأيت من الفائدة، وضع بعض العناوين الكاشفة لمعاني الآيات، كما يلي:
الخالق القدير، وصنعته المبْهِرَة
يقول الله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (3)
(1) - سورة النساء آية: 1
(2)
- سورة الحجرات آية: 13
(3)
- سورة الغاشية آية: 17 - 20
(4)
- سورة البقرة آية: 106 - 107
ويقول الله تعالى {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)
هذه الآيات المتتابعة، المثيرة للأذهان بما فيها من الاستفهام، تنبه القلوب، إلى قدرة علام الغيوب جل جلاله، وصنعته العظيمة، وتبني في اليقين الإنساني تعظيم الرب سبحانه، المدعم بما يراه حوله في عالم الشهادة، من آيات شاهدات على أنه على كل شيئ قدير.
العليم الخبير، وعلمه المحيط
يقول الله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (3)
ويقول الله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (5)
ويقول الله تعالى {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (6)
(1) - سورة النحل آية: 79
(2)
- سورة لقمان آية: 29
(3)
- سورة التوبة آية: 79
(4)
- سورة المجادلة آية: 7
(5)
- سورة العلق آية: 14
(6)
- سورة الحج آية: 70
وفي الآيات تنبيه للغافلين، بأن الله تعالى لا يخفى عليه شيئ من أحوالهم، وما يقتضيه ذلك، من تربية للنفوس على مراقبته سبحانه، فينشأ الوازع (الضمير) ويوجه الجوارح لما يوافق محبة مولاه.
ولقد شقيت مجتمعاتٌ، ومجتمعاتٌ، بغياب الوازع، وانعدام الضمير، فلا يكادون يمتنعون عن المخالفات، مالم يكن هناك رادع من قانون، أو سلطة تجبر على الالتزام بتوجهات المجتمع، فإذا غابت هذه الوسائل، رتع الذئب في الغنم، وعَبَّ كلٌ بما يقدر عليه، بلا وازع أو حرج، وأما من تربى على هذه الآيات، واستحضرها في حركاته وسكناته، فهو المستقيم دوماً، وإن غابت قوانين وسلطات الأرض، فإنه يبقى ممتنعاً لحق سلطان الرب جل جلاله.
السنن الإلهية، في إهلاك الظالمين، وعقابهم
يقول الله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (1)
تشتمل الآيات على الإعلام بمصير الأمم الكافرة، الظالمة، وأسباب إهلاكها، من معاداة الله ورسله، وتكذيبهم لدعوات الرسل، وإسرافهم على أنفسهم بارتكاب كل منكر وزور
(1) - سورة التوبة. آية: 63
(2)
- سورة الأنعام. آية: 29
(3)
- سورة إبراهيم. آية: 9
من القول والفعل. وهذه سنن الله تعالى في خلقه، وفي الآيات تحذير من سلوك تلك المسالك، من الجحود، والنكران، والعصيان.
من مظاهر الإنعام
ويقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (1)
ويقول الله تعالى {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (4)
والآيات الكريمة فيها بيان لصاحب النعم، التي لا تعد، ولا تحصى، وإعلام بمُسْديها للخلق، رأفة منه، ورحمةً بعباده، وتيسيراً لمعاشهم. فيحيى الإنسان في ظل ممدود من نعمة الله عليه، منذ أخرجه من بطن أمه، وجعل له سمعاً، وبصراً، وفؤاداً، تحيط به المِنَن، وتحوطه العناية والرعاية. وإذا أبصر العبد هذا كله تلزمه حالة من الشكر لربه بقلبه، ولسانه، وجوارحه.
وبذات الأسلوب بيَّن القرآن الكريم، بعض أحوال المنحرفين، ومنهم:
المنحرفون من أهل الكتاب
يقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (5)
(1) - سورة الحج. آية: 63
(2)
- سورة الحج. آية: 65
(3)
- سورة النور آية: 43
(4)
- سورة البلد آية: 8 - 10
(5)
- سورة آل عمران آية: 23
ويقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} (1)
عجيب أمر هؤلاء المنحرفين من أهل الكتاب، فرغم ما اصطفاهم الله تعالى به من العلم والمعرفة، والرسالة، والتكريم، إلا أنهم تنكَّروا لذلك كله، وأعرضوا عن النور المبين، وآثروا العرض الزائل، والمتاع الفاني، والرياسة الدنيوية، وتعاونوا مع الكفار، وفاهت ألسنتهم وقلوبهم بالبغضاء والأحقاد على أهل الإيمان، وجاءوا بكل نقيصة، فحق فيهم مثل الكلب، ومثل الحمار، مهما حمل من علم لم ينتفع به.
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
…
والماء فوق ظهورها محمول
المنافقون، وسوء طويتهم
(1) - سورة النساء آية: 44
(2)
- سورة النساء آية: 49 - 52
(3)
- سورة النساء آية: 60
(4)
- سورة المجادلة آية: 8
ويقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1)
وهذا صنفٌ آخر من المنحرفين، آمنوا ثم كفروا، عاشوا مخادعين، يسرون الكفر، ويظهرون الإسلام، يوالون أعداء الله ورسوله والمؤمنين، ويكيدون ويمكرون بالإسلام والمسلمين، يفرحون بأذيتهم، ويركبهم الحزن والنكد لانتصارهم وانتشار دعوتهم.
المتباطئون، المتثاقلون
والآيتان بما تحملانه من استفهام تعجبي، إنكاري، لوم وتوبيخ، للمتخاذلين عن الجهاد في سبيل الله، المتباطئين عن تلبية النداء، طلباً منهم للراحة، والسلامة.
وهذان الاستفهامان، وما احتفَّ بهما من سياق، وضع للدنيا بما فيها من شهوات وملذات، في حجمها الأصلي، فهي مجرد متاع عما قليل ينفد، وأما الآخرة، فإليها يشمر المجاهدون، وللفوز فيها يسعى العاملون.
(1) - سورة المجادلة آية: 14
(2)
- سورة الحشر آية: 11
(3)
- سورة النساء آية: 77
(4)
- سورة التوبة آية: 38