الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي جانب الانضباط السلوكي نقرأ قوله تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (1). وفي الآية ضبط لسلوك المؤمنين بالطاعة لله ورسوله، والصبر، وترك النزاع والشِّقاق، لئلا تَنْحَل العزائم، وتتفرق القُوَى
وفي جانب رفع الهمم نقرأ قوله تعالى {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2) فالهمم العالية تستسهل الصعب، وتستصغر العظائم، في سبيل تحقيق غاياتها، والمسلمون في جهادهم عدوهم، إنما يريدون وجه الله، ينشرون الحق، والعدل، فشتان بين مقاصدهم ومقاصد عدوهم الذي يريد العلو والفساد في الأرض.
ومن أهداف الإعلام العسكري في القرآن الكريم
5 - غرس القيم الصحيحة، وتقويم السلوكيات المنحرفة:
وهي قيم تحتاج إليها الأمة المجاهدة، تباشر بها المعتاد من حياتها، وتواجه بها الملمات، وتخوض بها المعارك دفاعاً وهجوماً.
ومن هذه القيم: الصبر، الشجاعة، وصدق التوكل الله تعالى، ومحبة الفداء، والتضحية، والبذل، والإيثار، والإنفاق في سبيل الله، وقول الحق بلا مخافة للوم لائم، والثبات عند اللقاء.
ومن الآيات التي تغرس هذه القيم في الأمة قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3)، حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح - وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.
(1) - سورة الأنفال. آية: 46
(2)
- سورة النساء. آية: 104
(3)
- سورة آل عمران. آية: 200
والمصابرة أي الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال. والمرابطة: وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم، لعلهم يفلحون .... فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها.
ومن هذا قوله تعالى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (1) على هذا اليقين والتسليم يحيى المؤمن، لا يصيبه إلا ما كتبه الله عليه وقدره، فهو سبحانه مولاه الكريم يجلب لهم المصالح ويدفع عنهم الأضرار، ولذا تجد المؤمن في جميع أموره معتمداً على مولاه، يثق في رعايته، فلا يخيب أبداً.
ومن هذه القيم التي جاء بها الإعلام العسكري في القرآن الكريم: الإقدام والفداء والتخلص من الجبن والجزع، والضعف والخور، والثبات والصبر حين البأس، مع الإخلاص لله سبحانه. وكل هذه المعاني تضمنها قوله تعالى في الآيات الكريمة {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2)
ومن السلوكيات المذمومة التي حذر الله منها عباده المؤمنين: التخلف عن الجهاد والرضى بمتاع الدنيا وحذرهم من مغبة ذلك ومدح سبحانه أهل الإيمان المجاهدين بالنفس والمال، وأثابهم ثواباً عظيماً قال سبحانه {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
(1) - سورة التوبة. آية: 51
(2)
- سورة آل عمران. آية: 145 - 148
اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)} (1).
وكما ذم سبحانه وحذَّر من التقاعس عن الخروج في الجهاد، حذَّر، ووبَّخ مَنْ ترك الإنفاق في سبيله قال سبحانه {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (2).
وهذا الجانب الأخلاقي، هو جانب أساسيٌ، في تمييز شخصية الأمة المسلمة، وتكوين وجدان وقناعات أفرادها، ويمكن القول بلا مبالغة: إن هذا الجانب هو أهم الجوانب لتكوين شخصية الدعاة إلى الله، والمحاربين في سبيله، فبغير هذه القيم والأخلاق يهترِئ نسيج الأمة، وتضعف، وتتلاشى قوتها، أو تنقلب تماماً إلى وحش كاسر، وطوفان مدمر، بدون هذه المنظومة المتكاملة من الأخلاق والقيم، التي تجعل منها قوة نافعة، ورحمةً - بحق - للعالمين.
ومن أهداف الإعلام العسكري في القرآن الكريم
6 -
فضح مؤامرات المنافقين والمرجفين و (الطابور الخامس)(3) ومخططاتهم
وكانوا أخطر فئة على الإسلام والمسلمين فهم تظاهروا بالإسلام، واستبطنوا الكفر، وقد بلغ من اهتمام القرآن ببيان خطرهم أن نزلت سورة باسمهم (المنافقون)، وتناولت سورة (براءة) الكثير والكثير من مخازيهم وشنائعهم حتى سماها حبر الأمة عبد الله ابن عباس
(1) - سورة التوبة. آية: 86 - 89
(2)
- سورة محمد. آية: 38
(3)
- الطابور الخامس: يشار به إلى العملاء السريين الذين يمارسون نشاطهم داخل صفوف العدو لإضعاف موقفه. ويقوم هؤلاء العملاء بتمهيد الطريق للغزو العسكري أو السياسي؛ لذلك يتسللون للعمل في الجيش أو في الحزب السياسي أو في مجال الصناعة. ويشمل نشاطهم التجسس والتخريب والتدمير الاقتصادي والدعاية وإثارة الشعور العام. وقد يصل إلى الاغتيال والإرهاب والثورة. وقد استعمل مصطلح الطابور الخامس. على هذا الرابط: http://mosoa.aljayyash.net/encyclopedia-21587/
رضي الله عنهما (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين، كما تناولتهم أيضاَ أجزاء كبيرة من سورة (النساء)، وأيضاً في سورة (الأحزاب)، وسورة (محمد)
ومن الآيات التي فضحت مخططاتهم وبصرت الأمة بصفاتهم {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)} (1). نزلت في المنافقين من أهل قباء اتخذوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، مضارة للمؤمنين ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه، وقصدهم فيه الكفر، ليتفرق المسلمون ويختلفوا، وقد بنوا مسجدهم إعداداً، وإعانة للمحاربين لله ورسوله، الذين تقدم حرابهم واشتدت عداوتهم، وكانوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان إلى الضعيف، والعاجز والضرير، فنزل الوحي فكذبهم وكشف بواطن قلوبهم، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهُدِّم وحُرِّق، وصار بعد ذلك مزبلة.
ومن الآيات التي تناولت خيانة المنافقين وتخذيلهم عن الثبات ونصرة المسلمين، قوله تعالى {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)} (2). هذه عادة المنافقين عند الشدة والمحنة، لا يثبت لهم إيمان، أصابهم الجبن والجزع، ونسوا وعد الله ورسوله، وفاهوا بالكفر {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} ، وبعضهم يعتذرون عن البقاء في الميدان بالأعذار الباطلة، وهم كذبة في ذلك، فما أرادوا إلا الفرار من المواجهة، مع كونهم أضعف من أن يدفعوا عن بيوتهم، بل ولا يثبتون على دينهم، فبمجرد أن يتغلب الأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم.
(1) - سورة التوبة. آية: 107
(2)
- سورة الأحزاب. آية: 12 - 14