الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني:
القصص
? حين تأخذ الحادثة صورة من واقع الحياة في أحداثها تتضح أهدافها، ويرتاح المرء إلى سماعها، ويصغي إليها بشوق ولهفة، ويتأثر بما فيها من عبر وعظات، والقصص الصادق يمثل هذا الدور في الأسلوب العربي أقوى تمثيل، ويصوره في أبلغ صورة: القرآن الكريم.
? معنى القصص لغةً القصّ: تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره: أي تتبعته، والقصص مصدر، قال تعالى:{فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (1). أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به. وقال على لسان أم موسى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} (2). أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. والقصص كذلك: الأخبار المتتبعة قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} (3). والقصة: الأمر، والخبر، والشأن، والحال (4).
? وقصص القرآن: إخباره عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة- وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم، وذكر البلاد والديار. وتتبع آثار كل قوم، وحكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه.
? أنواع القصص في القرآن: والقصص في القرآن ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها، وعاقبة المؤمنين والمكذبين. كقصص نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
(1) - سورة الكهف. آية: 64.
(2)
- سورة القصص. آية: 11.
(3)
- سورة آل عمران. آية: 62.
(4)
- لسان العرب. مادة قصص. 11/ 190 - 191. طبعة دار إحياء التراث العربي. ط 3، تاج العروس. باب الصاد مع القاف والصاد. 18/ 106 - 108. طبعة وزارة الإعلام الكويتية.
النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، كقصة طالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل، ونحوهم.
النوع الثالث: قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، ونحو ذلك.
? فوائد قصص القرآن وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي:
أ- إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي بعث بها كل نبي قال سبحانه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1)
ب- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجنده وخذلان الباطل وأهله {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} (2)
ج- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم.
د- إظهار صدق محمد عليه الصلاة والسلام في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال.
هـ- مقارعة أهل الكتاب وتحديهم بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى مماكان في كتبهم قبل التحريف والتبديل كقوله تعالىقال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3)
(1) - سورة النحل. آية: 36.
(2)
- سورة هود. آية: 120.
(3)
- سورة آل عمران. آية: 93.
ووالقصص ضرب من ضروب الأدب، يصغي إليه السمع، وتَرْسَخُ عِبَرُه في النفوس، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)
? تكرار القصص وحكمته يشتمل القرآن الكريم على كثير من القصص الذي تكرر في غير موضع، فالقصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن، وتعرض في صور مختلفة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما شابه ذلك ومن حكمة هذا:
7 -
بيان بلاغة القرآن في أعلى مراتبها. فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة، والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، وتصاغ في قالب غير القالب، ولا يمل الإنسان من تكرارها، بل تتجدد في نفسه معان لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.
8 -
قوة الإعجاز- فإيراد المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة منها أبلغ في التحدي.
9 -
الاهتمام بشأن القصة لتمكين عبرها في النفس، فإن التكرار من طرق التأكيد وأمارات الاهتمام. كما هو الحال في قصة موسى مع فرعون، لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل أتم تمثيل، مع أن القصة لا تكرر في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها.
10 -
اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض في مقام، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف مقتضيات الأحوال (2).
(1) - سورة يوسف. آية: 111.
(2)
- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 5/ 1655 - 1658، مباحث في علوم القرآن. مناع القطان. 305 - 311. بتصرف. مكتبة المعارف. الرياض. 1988.ط8.