الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث:
منطلقات الإعلام الإسلامي
ينطلق المسلمون في اهتمامهم بوسائل إعلامهم من منطلقات ربانية جاء بها كتاب ربنا سبحانه سنة نبينا عليه الصلاة والسلام ومن هذه المنطلقات:
1 -
تحقيق خيرية هذه الأمة بامتثال قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) فربط الله تعالى خيرية هذه الأمة بقيامها بهذا الركن الكبير والفريضة العظيمة، ودلهم سبحانه على سبب فلاحهم وصلاح مجتمعاتهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:(من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها)(2). ولا شك أن وسائل الإعلام - بما لها من تأثير هائل في حياة الناس، وقدرة على تكوين وتغييرالمفاهيم والأفكار - هي ميدان واسع لتطبيق هذه الفريضة، وتفعيلها في حياة الأمة، تطهيراً لمجتمعاتنا من الفساد، وتعزيزاً لكل خير وطاعة لله سبحانه، وبهذا أمر رسولُه عليه الصلاة والسلام فعن حذيفة بن اليمان: عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم} (3). بل إن القيام بهذه الفريضة الجليلة من شكر نعم الله سبحانه على العباد بالنصر على الأعداء والتمكين في الأرض {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
(1) - سورة آل عمران، الآية: 110
(2)
- تفسير القرآن العظيم. الإمام ابن كثير. ج1. ص526. ط1 مكتبة دار الفيحاء. دمشق، ومكتبة دار السلام. الرياض
(3)
- سنن الترمذي. 4/ 2169. باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الترمذي حديث حسن، وحسنه الألباني. صحيح الترمذي 2/ 1762
الْأُمُورِ} (1) فإظهار هذه الشعيرة العظيمة، ورفع لوائها، من أعظم المنطلقات للسعي الحثيث لامتلاك الإعلام وصبغ وسائله الصبغة الرشيدة، التي تنشر الخير والمعروف، وتدعو إليه وترغب فيه، وتحارب الشر والمنكر، وتبغضه للخلق وتحذرهم من شروره وآثامه المحدقة بالمفسدين.
2 -
القيام بواجب الدعوة إلى الله سبحانه، وهي سبيل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام رضي الله عنهم. وقد قال الله سبحانه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) فأمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام أمة دعوة، تدعو للخير والهدى، بالحكمة والرفق، تأتمر بأمر ربها سبحانه القائل {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (3). يلتمسون الأجر العظيم في دلالة الناس على الخير، والذي أخبر به رسولنا عليه الصلاة والسلام {والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم} (4). ومن الدعوة إلى الله القيام بواجب البيان والبلاغ من خلال وسائل الإعلام تحقيقاً لقول الله سبحانه {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (5) فالبيان واجب من واجبات الرسولصلى الله عليه وسلم، ثم واجب على أمته من بعده أن يبينوا للناس معالم الطريق الحق في شتى شئون حياتهم ويأخذوا بأيديهم إلى الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.
3 -
بذل النصيحة للخلق فأهل الإسلام أنصح الخلق للناس؛ لما عندهم من الهدى والرشاد والنور المبين، ويحملون من الشفقة والرحمة للخلق أجمعين، متمثلين
(1) - سورة الحج، الآية: 41
(2)
- سورة يوسف، الآية: 108
(3)
- سورة النحل، الآية: 125
(4)
- صحيح البخاري. كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب. رقم الحديث 3498.بيت الأفكار الدولية 1998. وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب ص 682. رقم الحديث 2406، طبعة دار ابن حزم - القاهرة 2008
(5)
- سورة النحل، الآية: 44
وصف رسولهم عليه الصلاة والسلام في القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1) وقول نبيهم عليه الصلاة والسلام {الدين النصيحة} (2). فإعلامهم إعلام رشد وهداية، ووسائلهم أطهر الوسائل وأبعدها عن الريبة والمكر، وغش وخداع الناس.
4 -
البشارة والنذارة: والقيام بهذا الأمر من أعظم المنطلقات والأسس التي يقوم عليها الإعلام الإسلامي بجميع مكوناته، فالبشارة والنذارة لأهل الإسلام بعد الرسل، وهم أحق بها وأهلها، بكتابهم الحكيم المحفوظ على الدوام بحفظ رب العالمين سبحانه، وبما بين أيديهم من صحيح سنة المصطفى الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن أظهر الدلائل على هذه المهمة النبيلة قوله سبحانه {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (3). فهذه هي مهمة المرسلين عامة، كما أنها وظيفة النبي خاصة قال الله سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (4). فتبشير الطائعين المؤمنين بثواب الله ورحمته لهم كما في قوله سبحانه {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (5)، وإنذار المعرضين المعاندين بشديد العقاب وأليم العذاب كما في قوله سبحانه {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)} (6)، وقد اقتضت حكمة العلي الخبير أن يكون لهاتين الوسيلتين أثر بالغ في المتلقين، فبالبشارات تنبعث الهمم إلى الخير، وتسمو العزائم إلى الطاعة، وبالنذارات تنحسم مادة العصيان، ويحجز العقلاء المؤمنون أنفسهم عن مواضع سخط الجبار سبحانه.
(1) - سورة الأنبياء، الآية: 107
(2)
- صحيح مسلم. كتاب الإيمان. باب بيان أن الدين النصيحة. رقم الحديث / 95
(3)
- سورة الكهف، الآية:56.
(4)
- سورة الإسراء، الآية: 105
(5)
- سورة البقرة، الآية: 25
(6)
- سورة الليل، الآية: 14 - 16
ويدخل تحت البشارات بيان محاسن الإسلام والصلاح المترتب على الالتزام به في الدنيا قبل الآخرة، كما أن التحذير والإنذار مما يخالف دين الإسلام قولاً وفعلاً، عقيدةً وعملاً، سلوكاً وخلقاً من أعظم ما تقوم به وسائل الإعلام.
ويحسن بنا وقد تكلمنا عن المنطلقات والدواعي أن نلج إلى المبحث التالي نعدد فيه بعض أهداف إعلامنا الإسلامي، إكمالاً لعقد هذه الثلاثية من (الدواعي والمنطلقات والأهداف)