الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
صور الإعلام الثقافي في القرآن الكريم
لا يخفى على أحد، أن القرآن الكريم، كان معجزة بيانية، أحكمت ألفاظه وفُصِّلَت معانيه، قال سبحانه {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1). فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يحاذَى ولا يدانَى، فكله حق، وصدق، وعدل، وهُدَىً، ليس فيه مجازفة، ولا كذب، ولا افتراء، في غاية نهايات البلاغة، وكلما تكرر حَلا، وعَلا.
ومعاني القرآن الكريم، ومقاصده الشريفة، مُنَزَّلة في قوالب لغوية، وتعبيرية فريدة مؤثرة، تخطف الألباب، وتشد إليها الأسماع، وتتنوع أساليب التعبير عنها، والخطاب فيها، تنوعاً ظاهراً، بين خطاب العام والخاص، والغائب والحاضر، والجماعة والمفرد، والإنشاء والخبر، إلى آخر هذه الأساليب في التعبير القرآني البليغ. ومن هذا:
الخطاب الثقافي العام في القرآن الكريم
أقصد به نداء الله تعالى عباده بقوله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} والذي تكرر تسع عشرة مرة
واشتمل على العديد من القضايا، التي تدل على شمولية وعالمية الرسالة الثقافية في القرآن الكريم، ويمكن لنا أن نضع بعض العناوين الكاشفة للخطاب العام في القرآن الكريم
الناس والتوحيد
يقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2)
ويقول جلَّ شأنه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (4)
(1) - سورة هود آية: 1
(2)
- سورة البقرة آية: 21
(3)
- سورة يونس آية: 104
(4)
- سورة فاطر آية: 3
ويقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (1) وهذا أصل أصول الثقافة القرآنية، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، أو استبداله، فالثقافة القرآنية، ثقافة ربانية واضحة صافية، تبين ما ينبغي لله سبحانه، من توحيد في ربوبيته ملكاً، وخلقاً، ورزقاً، وتدبيراً، وتوحيد في أسمائه وصفاته فلا يُوصف إلا بما وصف به نفسه تعالى أو وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام، وتوحيد في إلهيته سبحانه فلا يعبد غيره، ولا يُصرف شيء من العبادات إلا إليه وهذا حق شهادة التوحيد لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله
الناس واليوم الآخر
يقول سبحانه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (2)
ويقول تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (5)
ويقول تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)} (6)
(1) - سورة فاطر آية: 15
(2)
- سورة الحج آية: 1
(3)
- سورة الحج آية: 5
(4)
- سورة لقمان آية: 33
(5)
- سورة فاطر آية: 5
(6)
- سورة يونس آية: 23
هذه الآيات الكريمة، تتناول أصلاً من أصول الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث ونشور وحساب وثواب وعقاب، ولطالما جادل المشركون في ذلك، وأنكروا البعث والنشور، فكانت آيات القرآن تنزل بالرد عليهم، بالحجة والبرهان، وبيان طلاقة القدرة الإلهية، وأنه سبحانه خلقهم أول مرة من غير مثال سابق، وكذلك يعيدهم بقدرته.
الناس وآلهتهم المزعومة
هذه الآية الكريمة، تمثل برهاناً قرآنياً عقلياً، على فساد عقول هؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، كالذين عبدوا الشمس والقمر، والجن والملائكة، الحجارة، وكلها مخلوقات لله، ضعيفة لا تملك نفعاً ولا ضراً، ولا تَخْلُق ولا تُميت، وتعجز عن استخلاص ما ينوشه الذباب منها على ضعفه وصغر حجمه، فأنى لها – وحالها هذا – أن تكون معبوداً يُطلب منه جلب المنافع، أو دفع المضار.
الناس والرسول
ويقول تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} (2)
ويقول سبحانه {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} (3) ويقول تعالى {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)} (4)
(1) - سورة الحج آية: 73
(2)
- سورة النساء آية: 170
(3)
- سورة الأعراف آية: 158
(4)
- سورة الحج آية: 49
هذه الآيات الكريمة بيان بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه ما جاء إلا بالحق، الواجب اتباعه، فينذر المفرطين المعرضين، ويبشر المؤمنين الصادقين. وفي اتباعه عليه الصلاة والسلام الخير كله في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة.
الناس والقرآن
يقول سبحانه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1)
ويقول تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)} (2)
جعل الله تعالى القرآن الكريم روحاً، تحيى به النفوس والقلوب، وتبصر به العيونُ الحقائقَ، وجعله نوراً مبيناً يهتدي به من اتبع تعاليمه وأحكامه. والقرآن شفاء لكل أمراض الشبهات والشهوات، بما فيه من الحق الصريح، والقصص والعِبَر، والشرائع والشعائر.
الناس والرزق الحلال، وعداوة الشيطان
وهذا نداء عام أيضاً يعم المؤمن والكافر لبيان " أن إنعام الله تعالى يعم كل الناس، وأن الكفر لا يحجب الإنعام الإلهي، وناداهم جميعاً بأن يأكلوا مما في الأرض حلالاً أحله الله لهم، طيباً لا شبهة فيه، ولا إثم، ولا يتعلق به حق الغير"(5)، ونهاهم عن اتباع إغواء وإضلال الشيطان، فهو عدوهم الذي لا يترك فرصة إلا استغلها في كيدهم والمكر بهم.
(1) - سورة يونس آية: 57
(2)
- سورة النساء آية: 174
(3)
- سورة يونس آية: 108
(4)
- سورة البقرة آية: 168
(5)
- التفسير المنير د وهبة الزحيلي 1/ 436 - 437. مرجع سابق