الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ومن البرهان العقلي أيضاً قوله تعالى يرد فريتهم بنسبة الولد إليه سبحانه {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) كيف يكون لله عز وجل الولد، وهو الإله السيد الصمد، ولا زوجة له، وهو غني عن عباده، خلقهم أجمعين، ولا يُشْبِهُ خلْقَه، ولا يُشْبِهُهُ أحدٌ من خلقه مطلقاً، بوجه من الوجوه.
فهذا البرهان العقلي في القرآن الكريم، ميدان خصبٌ فسيحٌ للعقول الواعية، بمقدمات بسيطة، وحُجَجٍ قاطعة، ونتائج حاسمة، تفحم المعاندين، وتقطع جدالهم، وتُسقِطُ شبهاتهم.
ومن الإعلام بمخاطبة العقول ومحاججة الأفهام، إلى أسلوب آخر من أساليب الإعلام القرآني، في نصرة العقيدة وهو:
9 -
الإعلام بذكر سوء عاقبة الكفار
، وحسن المصير لأهل الإيمان؛ فمن رحمة الله تعالى بخلقه، بعد إنزاله الكتب، وإرساله الرسل، أن أبان للناس ما يؤول إليه حالهم، وما تستقر عليه مصائرهم، تبشيراً للمؤمنين، وترغيباً، وإنذاراً للكافرين، وترهيباً.
فمن هذا قوله تعالى {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا
(1) - سورة الأنعام، آية:101.
أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (1) قال الإمام ابن كثير رحمه الله ما مختصره" يخبر تعالى أن مأوى المصطَفَيْنَ من عباده، جنات الإقامة يدخلونها يوم معادهم وقدومهم على ربهم، يلبسون فيها الحرير مسورون بالذهب والفضة، يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الخوف من المحذور، وأراحنا مما كنا نتخوفه، ونحذره من هموم الدنيا والآخرة، وأعطانا هذه المنزلة، وهذا المقام من فضله وَمَنِّه ورحمته، ولم تكن أعمالنا تساوي ذلك.
ثم لما ذكر تعالى حال السعداء، شرع في بيان مآل الأشقياء، فقال:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ .... الآيات)، ثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فلا يموتون فيها ولا يحيون"(2)، وهذا جزاء كل من كفر بربه وكذب بالحق.
ويجأر أهل النار إلى الله سبحانه، يسألون الرجعة إلى الدنيا، ليعملوا غير عملهم الأول، فلا يجيبهم عز وجل إلى سؤالهم، ولهذا قال هاهنا:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} أي: أوما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ وقوله: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} أي: فذوقوا عذابَ النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعماركم، فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال" (3).
ومن ذلك قوله جل جلاله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
(1) - سورة فاطر، آية: 36 - 37.
(2)
- صحيح مسلم، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، حديث رقم:185.
(3)
- تفسير ابن كثير 3/ 735 - 739. بتصرف
أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} (1) قال الإمام ابن كثير رحمه الله ما مختصره "يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} الآية، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم، وأجزائهم. ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، فقال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} قال ابن عمر: إذا أحرقت جلودهم بدلوا جلودًا بيضا أمثال القراطيس. وقال الحسن رحمه الله: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة، كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم: عودوا فعادوا ...... وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن، التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا، وهم خالدون فيها أبدا، لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا. وقوله: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} أي: من الحيض والنفاس والأذى. والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة ......... وقوله: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} أي: ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا ..... فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " (2).
فهذان الموضعان من آيات الكتاب العزيز - وأخواتهما كثيرات جداً - إعلام إلهي واضح للناس ببيان مصيرهم، وما يؤول إليه حالهم، نتيجة اختيارهم، إما الكفر، وإما الإيمان، وهي آيات داعيات، كل ذي عقل إلى النظر في اختياراته، وما يترتب عليها، والمراجعة لسائر أحواله، والمسارعة إلى التغيير من سيء المعتقدات، ورديء الأفكار والمذاهب، إلى صحيح الاعتقاد، ومرضيِّ التوجهات والتصورات، وجميل الأقوال والأفعال.
(1) - سورة النساء، آية: 56 - 57.
(2)
- صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الواقعة، باب قوله " وظل ممدود "،حديث رقم 4529 / صحيح مسلم، كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام حديث رقم:5060.
وبالترغيب والترهيب، نصل لنهاية هذا الفصل من صور الإعلام العقدي في القرآن الكريم لندخل بإذن الله وفضله إلى صور الإعلام السياسي وهي موضوع الفصل التالي بمشيئة ذي الجلال والإكرام.