المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب: الشُّفعة 895 - عن جابر بن عبد الله رضي الله - التبيان في تخريج وتبويب أحاديث بلوغ المرام - جـ ٩

[خالد بن ضيف الله الشلاحي]

فهرس الكتاب

- ‌باب شروطِه، وما نُهي عنه

- ‌باب: أي الكسب أطيب

- ‌باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

- ‌باب: اختلاف المتبايعين

- ‌باب: ما جاء في ثمن الكلب

- ‌باب: جامع في بعض أنواع البيوع الجائزة والمنهي عنها

- ‌باب: الخِيار

- ‌باب الربا

- ‌باب: التحذير من الربا

- ‌باب: جامع فيما يجري فيه الربا

- ‌باب الرُّخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌باب: الرُّخصة في بيع العرايا

- ‌باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها

- ‌باب: في وضع الجائحة

- ‌باب: من باع نخلًا عليها ثمر

- ‌أبواب السَّلم والقرض والرَّهن

- ‌باب: في السلم

- ‌باب: ما جاء في القرض

- ‌باب: الرهن مركوب ومحلوب

- ‌باب: لا يغلق الرهن

- ‌باب: في حسن القضاء

- ‌باب: الزجر عن القرض إذا جرَّ منفعة

- ‌باب التفليس والحَجْر

- ‌باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به

- ‌باب: لي الواجد يحل عقوبته

- ‌باب: استحباب الوضع من الدين

- ‌باب: الحجر على المفلس

- ‌باب: سن البلوغ

- ‌باب: من أثبت يقام عليه الحد

- ‌باب: في عطية المرأة بغير إذن زوجها

- ‌باب: من تحل له المسألة

- ‌باب الصُّلح

- ‌باب: المسلمون على شروطهم

- ‌باب: الرجل يضع خشبه على جدار جاره

- ‌باب: لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا ما طابت به نفسه

- ‌باب الحوالة والضمان

- ‌باب: الحوالة

- ‌باب: الضمان والكفالة

- ‌باب الشركة والوكالة

- ‌باب: الشركة

- ‌باب: في الوكالة

- ‌باب فيه الذي قبله وما أشبهه

- ‌باب: الإقرار

- ‌باب العاريَّة

- ‌باب في تضمين العارِيَّة

- ‌باب الغصب

- ‌باب: تحريم غصب الأرض

- ‌باب الشفعة

- ‌باب: الشُّفعة

- ‌باب القِراض

- ‌باب: المساقاة

- ‌باب: الإجارة

- ‌باب: إحياء الموات

- ‌باب: ما جاء في أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار

- ‌باب الوقف

- ‌باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته

- ‌باب الشروط في الوقف

- ‌باب الهبة والعُمرَى والرُّقْبَى

- ‌باب: الهبة

- ‌باب: الترغيب في الإهداء

- ‌باب اللُّقطة

- ‌باب: اللُّقَطَة

- ‌باب الفرائض

- ‌باب: جامع في الفرائض

- ‌باب ميراث الخال

- ‌باب جامع

- ‌باب: ما جاء في أن أفرض هذه الأمة زيد بن ثابت

- ‌باب الوصايا

- ‌باب: الوصايا

- ‌باب: في أن الله تصدق علينا بثلث أموالنا عند وفاتنا

- ‌باب الوديعة

- ‌باب: الوديعة

- ‌باب:

- ‌باب: استحباب نكاح ذات الدين

- ‌باب: ما جاء فيما يقال للمتزوج

- ‌باب: خطبة الحاجة

- ‌باب: في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزوجها

- ‌باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك

- ‌باب: ما يستحب من إظهار النكاح

- ‌باب: لا نكاح إلا بولي

- ‌باب: في موانع النكاح

الفصل: ‌ ‌باب: الشُّفعة 895 - عن جابر بن عبد الله رضي الله

‌باب: الشُّفعة

895 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعَةِ في كلِّ ما لم يُقْسَمْ، فإذا وقعتِ الحدودُ وصُرفَتِ الطرقُ فلا شُفْعَةَ. متفق عليه. واللفظ للبخاري. وفي رواية لمسلم:"الشُّفعةُ في كلِّ شِرْكٍ: في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائطٍ، لا يَصلُحُ أن يبيعَ حتَّى يَعرِضَ على شريكهِ" وفي رواية الطحاوي: قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء، ورجاله ثقات.

رواه البخاري (2257)، وأبو داود (3514)، وابن ماجه (2499)، وأحمد 3/ 296 و 372 و 399، والطيالسي (1691)، وعبد الرزاق 8/ 79 - 80) (1439)، وابن الجارود في "المنتقى"(643)، والطحاوي 4/ 120 - 121، والبيهقي 6/ 102، والبغوي 8/ 240 كلهم من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر مرفوعًا.

وقد رجح أبو حاتم أن قوله: فإذا وقعت الحدود

مدرج من كلام جابر. فقد قال ابن أبي حاتم في "العلل"(1431): سألت أبي عن حديث رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشُّفعةَ فيما لم يُقسَم. فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شعفعة. قال أبي: الذي عندي أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا

ص: 265

القدر: "إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم" قط، ويشبه أن يكون بقية الكلام هو كلام جابر. فإذا قسم ووقعت الحدود فلا شفعة، والله أعلم. قلت: وبما استدللت على ما تقول؛ قال: لأنا وجدنا في الحديث: إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم. تم المعنى. فإذا وقعت الحدود .. فهو كلام مستقبل ولو كان الكلام الأخير عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما جعل صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم. وقال: إذا وقعت الحدود. فلما لم نجد ذكر الحكاية عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام الأخير استدللنا أن استقبال الكلام الأخير من جابر، لأنه هو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. وكذلك نقص حديث مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة. فيحتمل في هذا الحديث أن يكون كلام ابن شهاب. وقد ثبت في الجملة قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم في حديث ابن شهاب، وعليه العمل عندنا. اهـ.

ونقله عنه ابن الملقن في "البدر المنير" 7/ 8 مختصرًا، وجزم بالإدراج الطحاوي كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "الدراية" 2/ 203 وقال البيهقي في "المعرفة" 4/ 496: ثم قال بعد ذلك: "فإذا وقعت

" كان ذلك قولًا من رأيه لم يحكه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصح.

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 4/ 437: حكى ابن أبي حاتم عن أبيه، أن قوله: "فإذا وقعت

" مدرج من كلام جابر، وفيه نظر، لأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى

ص: 266

يثبت الإدراج بدليل، وقد نقل صالح بن أحمد عن أبيه أنه رجح رفعها. وتعقبه العيني فقال في "عمدة القاري" 12/ 72: قوله: إذا وقعت

مدرج من كلام جابر. قال بعضهم: فيه نظر لأن الأصل كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج. ثم قال العيني: قلت هذا غير مسلم لأن الأشياء كثيرة تقع في الحديث وليست منه، وأبو حاتم إمام في هذا الفن، ولو لم يثبت عنده الإدراج فيه لما أقدم على الحكم به. اهـ.

وقال الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 572: سألت محمدًا عن حديث الزهري عن أبي سلمة عن جابر. والزهري عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. وحديث مالك عن الزهري فقال: الصحيح فيه مرسل. اهـ.

ورواه مسلم 3/ 1229، وأبو داود (3513)، والنسائي 7/ 301 و 320، وأحمد 3/ 316، والطحاوي 4/ 120، وابن الجارود في "المنتقى"(642)، وابن حبان في "الطحاوي" 11 / رقم (5178)، والدارقطني 4/ 224، والبيهقي 6/ 109، كلهم من طريق ابن جريج أن أبا الزُّبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة في كلِّ شِرْكٍ، في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط، لا يَصلُحُ أن يبيعَ حتى يَعرِضَ على شريكهِ. فيأخذَ أو يَدَعَ، فإن أبَى فشريكُه أحقُّ به حتى يُؤْذِنَهُ".

ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 126 فقال: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن إدريس،

ص: 267

عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء.

قال الحافظ ابن حجر في "البلوغ" رجاله ثقات. اهـ.

ولما ذكر الخافظ حديث ابن عباس "الشفعة في كل شيء"، قال في "الفتح" 4/ 126: وأخرج الطحاوي له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته. اهـ.

* * *

896 -

وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحقُّ بِصقَبِهِ". أخرجه البخاري، وفيه قِصَّةٌ.

رواه البخاري (2258)، وأحمد 6/ 390، وأبو داود (3516)، والنسائي 7/ 320، وابن حبان في "الإحسان" 11 / رقم (5180)، والدارقطني 4/ 222 - 123، والبيهقي 6/ 105 - 106 كلهم من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء المِسْوَر بن مَخْرَمَة فوضع يده على إحدى مَنْكِبَيَّ، إذ جاء أبو رافعٍ مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعدُ ابْتَعْ مني بَيتَي في دارِكَ. فقال سعدٌ: والله ما أبتاعُهُما، فقال المسور: والله لتبتاعَنَّهُما، فقال سعدٌ: والله لا أزيدُك على أربعةِ آلافٍ مُنجَّمَةٍ أو مُقَطَّعَةٍ. قال أبو رافع: لقد أُعطيتُ بها خمسَ مئةِ دينار، ولولا أنِّي سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:"الجارُ أحقُّ بسَقَبِهِ" ما أعطيتكَهَا بأربعةِ آلافٍ. وأنا أُعطى بها خمس مئة دينارٍ، فأعطاها إيَّاه. هذا اللفظ للبخاري.

ص: 268

وجاءت القصة في حديث عمرو بن الشريد، عن أبيه: أنه باع من رجل نصيبًا له من دارٍ، له فيها شريك، فقال له شريكه: أنا أحق بالبيع من غيري، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"الجار أحقُّ بصَقَبه" أخرجه الدارقطني 4/ 224.

ونقل الترمذي في "العلل الكبير" 1/ 569 عن البخاري أنه قال: وقد روى عمرو بن الشريد عن أبي رافع قصة غير قصة أبيه. وأرجو أن يكون حديث أبي رافع محفوظًا. اهـ.

* * *

897 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "جارُ الدَّارِ أحقُّ بالدَّارِ" رواه النسائيُّ، وصَحَّحه ابنُ حبان، وله علة.

رواه ابن حبان كما في "الإحسان" 11 / رقم (5182) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزديُّ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ، أخبرنا عيسى بن يونسَ، حدثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جار الدَار أحقُّ بالدَّار".

ورواه النسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 1/ 318 رقم (1222) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 122 والخطيب في "تاريخ بغداد" 12/ 342 كلهم من طريق عيسى بن يونس به.

ص: 269

قلت: رجاله ثقات. وسعيد هو ابن أبي عروبة، وقد سمعه منه عيسى بن يونس قبل الاختلاط. لكن للحديث علة، كما سيأتي. لهذا قال ابن عبد الهادي في "المحرر" 2/ 509: رواه النسائي والطحاوي وابن حبان وقد أُعل. اهـ.

واختلف في إسناده. فقد رواه أبو داود (3517) والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" للمزي 4/ 69 والترمذي (1368) وأحمد 5/ 8 و 12 و 13 و 17 و 18 والطيالسي (904) وابن الجارود في "المنتقى"(644) والبيهقي 6/ 106 كلهم من طرق عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا.

وقال الترمذي عن حديث سمرة 5/ 53: حديث سَمُرَةَ حديثٌ حسن صحيح.

وروى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلَه. وروي عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والصحيح عند أهل العلم، حديث الحسنِ، عن سمرة. ولا نعرف حديثَ قتادةَ عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس. وحديثُ عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو حديث حسن. وروى إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت محمدًا يقول: كلا الحديثين عندي صحيح. اهـ.

ص: 270

روى الترمذي حديث أنس في "العلل الكبير" 1/ 568 قال: سألت عن هذا الحديث، فقال: الصحيح حديث الحسن عن سمرة، وحديث قتادة عن أنس غير محفوظ، ولم يعرف أن أحدًا رواه عن ابن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس غير عيسى بن يونس، اهـ.

وقد وهَّم أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان عيسى بن يونس بأنه حرف الشريد إلى أنس. فقد قال ابن أبي حاتم في "العلل"(1430): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جار الدار أحق بالدار" قالا: هذا خطأ. روى هذا الحديث همام وحماد بن سلمة فقال حماد: عن قتادة عن الشريد. وقال همام: عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد. وقالا: نظن أن عيسى وهم فيه. فشبه الشريد بأنس. قال أبي: أشبه أن يكون قتادة عن الشريد، لأن ابن أبي عروبة فيما قال: عن أنس. لو كان بينهم عمرو كان يقول، فلما قال: أنس، دَلَّ على أنه عن الشريد. وأنس يشبه شريد وقال أبو زرعة: والصحيح عندنا: قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد. ووهم فيه عيسى. اهـ.

وقال الزيلعي في "نصب الراية" 4/ 173: ورواه البزار في "مسنده" وقال: ويروى هذا الحديث عن الحسن عن سمرة وعيسى بن يونس جمع بين الطريقين؛ أعني عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وعن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس. اهـ.

ص: 271

ونقل أيضًا الزيلعي في "نصب الراية" أن الدارقطني رواه في "سننه"(1) وقال: وهم فيه عيسى بن يونس، وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن عن سمرة هكذا رواه شعبة وغيره. وهو الصواب. اهـ.

قال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 3/ 294 - 295: قال أحمد بن جَناب: أخطأ فيه عيسى بن يونس، إنما هو موقوف على الحسن. وقال الدارقطني: وهم فيه عيسى بن يونس؛ إنما هو موقوف على الحسن. وقال الدارقطني: وهم فيه عيسى بن يونس. وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن عن سمرة. وكذا رواه شعبة وغيره وهو الصواب. اهـ.

ونقله عنه ابن القطان في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 5/ 443 وقال: كتبته لأنه مالأ بهذا القول على عيسى بن يونس مع ثقته، لمَّا خالفوه فيه، إما بالوقف على الحسن، كما قال ابن جناب، وإما بجعله من حديث سمرة كما قال الدارقطني. وعندي أنه لا أبعد في أن يكون لعيسى بن يونس فيه جميع الثلاث روايات. وهو أنه تارة يجعله من حديث أنس، وتارة من حديث سمرة، وتارة يقفه على الحسن، وقد جاء ما يعضد ذلك من رواية نعيم بن حماد عنه. قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جار الدار أحق بالدار". اهـ.

(1) لم أقف عليه في السنن المطبوع.

ص: 272

قلت: ولكن رجح أبو حاتم وأبو زرعة والترمذي وهم عيسى بن يونس كما سبق. وأنكر الإمام أحمد الجمع كما فعل ابن القطان. ففي "مسائل أبي داود" ص 300 قال: سمعت أحمد، قال: عند عيسى حديث أنس، يعني عن سعيد، عن قتادة، أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة؟ قال أحمد: ليس بشيء. فقلت لأحمد: كلاهما عنده؟ أعني عند عيسى بن يونس عن سعيد عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة؟ فلم يعبأ إلى جمعه الحديثين، وأنكر حديث أنس. اهـ.

وقد اختلف في إسناده على عيسى. فأخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 479 - 480 عن عيسى، عن شعبة، عن يونس، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا

قال أبو زرعة: ورواه يزيد بن زريع وعباد العوام وجماعة عن يونس، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس فيه سمرة، وصوِّب أبو زرعة رواية قتادة، عن الحسن، عن سمرة. اهـ.

وأعل الألباني رحمه الله في "الإرواء" 5/ 378 طريق قتادة والحسن المسندة بعدم الاتصال، وذلك لأن قتادة والحسن البصري كلاهما مدلس وقد عنعنه. وسبق بحث سماع الحسن من سمرة (1).

* * *

(1) راجع كتاب الطهارة، باب: استحباب غسل يوم الجمعة.

ص: 273

898 -

وعن جابرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحقُّ بشُفعةِ جارِهِ، يُنْتَظَرُ بها -وإن كان غائبًا- إذا كان طريقُهُما واحدًا". رواه أحمد والأربعة ورجاله ثقات.

رواه أبو داود (3518)، والترمذي (1369)، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" 2/ 229، وابن ماجه (2494)، وأحمد 3/ 303، والطيالسي (1677) كلهم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

قلت: رجاله ثقات. وإسناده ظاهره الصحة، لكن تَكلَّم شعبةُ في عبد الملك من أجل هذا الحديث.

قال الترمذي 5/ 55: هذا حديث حسن غريب. ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، عن جابر. وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث. وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث. ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث. وقد روى وكيع عن شعبة عن عبد الملك بن أبي سليمان هذا الحديث.

وروي عن ابن المبارك، عن سفيان الثوري؛ قال: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان، يعني في العلم. اهـ.

ونحوه قال في "العلل الكبير" 1/ 571 أيضًا: سألت محمدًا عن هذا الحديث. فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك

ص: 274

ابن أبي سليمان. وهو حديثه الذي تفرد به. ويروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا. اهـ.

قال ابن الجوزي في "التحقيق" 3/ 57 مع "التنقيح" أما حديث جابر قال شعبة: سها فيه عبد الملك بن أبي سليمان، فإل روى حديثًا مثله رميت حديثه، ثم ترك شعبة التحديث عنه. وقال أحمد بن حنبل: هذا الحديث منكر. وقال يحيى: لم يروه غير عبد الملك، وقد أنكروه عليه. انتهى ما قاله ونقله ابن الجوزي.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" 2 / رقم (2256): سمعت أبي يقول: حدثنا بحديث الشفعة، حديث عبد الملك عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا حديث منكر. اهـ.

وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" 5/ 166: وروى الحاكم من طريق أمية بن خالد قال: قلت لشعبة: مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركت حديثَه. قال: قلت: تحدث عن محمد بن عبد الله العرزميِّ وتدع عبد الملك، وقد كان حَسَنَ الحديث؟ قال: من حُسْنِها فروتُ.

وقال ابن القيم أيضًا: وقال أحمد بن سعيد الدرامي: سمعت مسددًا وغيره من أصحابنا عن يحيى بن سعيد قال: قال شعبة: لو أن عبد الملك جاء بمثله آخر أو اثنين لتركت حديثه. يعني حديث الشفعة.

ص: 275

وقال أبو قدامة عن يحيى القطان: قوله: لو روى عبد الملك بن أبي سليمان حديثًا مثل حديث الشفعة لتركت حديثه. وقال بعض الناس: هذا رأي لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث إدراجًا. فهذا ما رمى به الناس عبد الملك وحديثه. وقال آخرون: عبد الملك أجل وأوثق من أدت يتكلم فيه، وكان يسمَّى الميزان، لإتقانه وضبطه وحفظه، ولم يتكلم فيه أحد قط إلا شعبة. وتكلم فيه من أجل هذا الحديث، وهو كلام باطل، فإنه إذا لم يضعفه إلا من أجل هذا الحديث، كان ذلك دورًا باطلًا. فإنه لا يثبت ضعف الحديث حتى يثبت ضعف عبد الملك؛ ولا يجوز أن يستفاد ضعفه من ضعف الحديث الذي لم يعلم ضعفه إلا من جهة عبد الملك، ولم يعلم ضعف عبد الملك إلا بالحديث. وهذا محال من الكلام، فإن الرجل من الثقات الأثبات الحفاظ، الذين لا مطمح للطعن فيهم. وقد احتج به مسلم في "صحيحه" وخرج له عدة أحاديث، ولم يذكر تصحيح حديثه والاحتجاج به أحد من أهل العلم. واستشهد به البخاري. ولم يرو ما يخالف الثقات، بل روايته موافقة لحديث أبي رافع الذي أخرجه البخاري، ولحديث سمرة الذي صححه الترمذي. فجابر ثالث ثلاثة في هذا الحديث، أبي رافع وسمرة وجابر، فأي مطعن في عبد الملك في رواية حديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة؟ والذين ردّوا حديثه، ظنوا أنه معارض لحديث جابر الذي رواه أبو سلمة عنه: الشفعة فيما لم يقسم. فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وفي الحقيقة: لا تعارض

ص: 276

بينهما. فإن منطوق حديث أبي سلمة انتفاء الشفعة عند تميز الحدود؛ وتصريف الطرق، واختصاص كل ذي ملك بطريق، ومنطوق حديث عبد الملك: إثبات الشفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق، ومفهومه: انتفاء الشفعة عند تصريف الطرق. فمفهومه موافق لمنطوق حديث أبي سلمة وأبي الزبير. ومنطوقه غير معاوض له وهذا بيّن وهو أعدل الأقوال في المسألة .. انتهى ما نقله وقاله ابن القيم.

قال ابن عبد الهادي في "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق" 3/ 58: واعلم أن حديث عبد الملك صحيح. ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، فإن في حديث عبد الملك، إذا كان طريقهما واحدًا، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق، قاله الحنابلة. فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجار أحق بصفقة جاره لحديث عبد الملك، وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع فلا شفعة لحديث جابر المشهور، وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره، وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك. فإن عبد الملك ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإذا كان إمامًا في الحفظ، وطعن من طعن فيه، إنما هو اتباعًا لشعبة. اهـ.

قلت: وقد تكلم في الحديث غير شعبة. قال المنذري في "مختصر السنن" 5/ 171 - 172: قال الإمام الشافعي: يُخاف أن لا يكون محفوظًا. وأبو سلمة حافظ وكذلك أبو الزبير، ولا يعارض

ص: 277

حديثهما بحديث عبد الملك. وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر. وقال يحيى: لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه. وقال الترمذي. سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن الحديث؟ فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك، تفرد به. ويروى عن جابر خلاف هذا. هذا كلامه. وقد احتج مسلم في "صحيحه" بحديث عبد الملك بن أبي سليمان، وأخرج له أحاديث، واستشهد به البخاري، ولم يخرجا له هذا الحديث، ويشبه أن يكونا تركاه لتفرده به وإنكار الأئمة عليه فيه. والله عز وجل أعلم. انتهى ما نقله وقاله المنذري.

وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 491: تكلم الشافعي على الخبر ثم قال: سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول: نخاف أن لا يكون الحديث محفوظًا، قيل له: ومن أين قلت: إنما رواه عن جابر بن عبد الله. وقد روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر مفسرًا أن رسول الله قال: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة". قال: وأبو سلمة من الحفاظ، وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبي سلمة ويخالف ما روى عبد الملك بن أبي سليمان. ونقله عنه الحافظ ابن حجر في "الدراية" 2/ 202. وصحح الحديث ابن عبد الهادي في "المحرر" 1/ 509 وقال: تكلم فيه شعبة وغيره بلا حجة وهو حديث صحيح ورواته أثبات.

ونحوه قال ابن دقيق العيد في "الإلمام" 2/ 548.

ص: 278

899 -

وعن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "الشُّفْعَةُ كحَلِّ العِقالِ" رواه ابن ماجه والبزار. وزاد: "ولا شُفْعَةَ لغائبٍ" إسناده ضعيف.

رواه ابن ماجه (2500)، والبيهقي 6/ 108، وابن عدي في "الكامل" 6/ 177 كما نقله ابن القطان في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 3/ 130 كلهم من طريق محمد بن الحاوث، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة كحل العِقال". زاد البيهقي وابن عدي في أوله "لا شفعة لغائبٍ ولا صغيرٍ ولا شريك على شريك إذا سبقه بالشراء".

قلت: إسناده ضعيف جدًّا، لأن فيه محمد بن الحارث بن زياد بن الربيع الهاشمي الحارثي. وهو متروك.

قال ابن معين: ليس بشيء. اهـ.

وقال عمرو بن علي: روى أحاديث منكرة، وهو متروك الحديث. اهـ.

وقال ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديثه ولم يقرأه علينا في كتاب "الشفعة".اهـ.

وقال أبو حاتم: ضعيف. اهـ.

وأيضًا شيخه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ضعيف جدًّا.

قال ابن معين: ليس بشيء. اهـ.

وقال البخاري وأبو حاتم والنسائي: منكر الحديث. اهـ.

ص: 279

وقال البخاري: وكان الحميديُّ يتكلم فيه لضعفه. اهـ.

وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث. اهـ.

وبهما أعل الحديث البيهقي 6/ 108 فقال: محمد بن الحارث البصري متروك، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني ضعيف. ضعفهما يحيى بن معين وغيره من أئمة أهل الحديث. اهـ.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1434): سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيد الله بن محمد التيمي - المعروف بابن عائشة - عن محمد بن الحارث الحاوثي، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الشفعة كحل العقال" قال أبو زرعة: هذا حديث منكر، ولم يقرأ علينا في كتاب "الشفعة" وضربنا عليه. اهـ.

سئل أيضًا أبو زرعة كما في "العلل"(1435) عن حديث محمد بن الحارث عن ابن البيلماني عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شفعة لغائبٍ ولا لصغيرٍ" فقال أبو زرعة: هذا حديث منكر لا أعلم أحدًا قال بهذا، الغائب له شفعة، والصبي حتى يكبر. فلم يقرأ علينا هذا الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" 3/ 65: إسناده ضعيف جدًّا. اهـ. ونقل ابن حبان أنه قال: لا أصل له. اهـ.

وقال أيضًا الحافظ ابن حجر في "الدراية" 2/ 203: إسناده ضعيف.

ص: 280

ولما ضعف الحديث ابن القطان. قال في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 3/ 130 - 131 المقصود .. هو أن تعلم أن محمد بن الحارث هذا ضعيف جدًّا، أسوأ حالًا من ابن البيلماني وأبيه، وهو أبو عبد الله البصري الحارثي

ولم أر من له فيه رأي أحس من رأي البزار، وذلك أنه قال فيه: رجل مشهور، ليس به بأس، إنما تأتي نُكرة هذه الأحاديث من محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني. علم ذلك والله الموفق. اهـ.

وأعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما في "مجموع مؤلفاته" 11/ 25 بابن البيلماني.

والحديث ضعفه الزيلعي في "نصب الراية" 4/ 176، وابن الملقن في "البدر المنير" 7/ 12، وقال الألباني رحمه الله في "الإرواء" 5/ 379. ضعيف جدًّا. اهـ.

وضعفه أيضًا البوصيري في تعليقه على "زوائد ابن ماجه" 3/ 91 ومحمد بن طاهر في "ذخيرة الحفاظ" 3/ 1512.

* * *

ص: 281