الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل الشين والهاء
ش هـ ب:
قوله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} [الصافات: 10]. الشهاب: هو الشعلة المستوقدة الساطعة من النار أو العارض من الجو. ووصفه تارةً بكونه ثاقبًا، أي للأرض ولمن يلحقه، وتارةً بكونه مبينًا في قوله:{فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18] بمعنى أنه أمر ظاهر لا يختص به واحد دون آخر. وتارةً يكون قبسًا في قوله: {أو آتيكم بشهابٍ قبس} [النمل: 7] فمن نون «شهاب» فلأنه قبس، أي أخذ من النار. ومن أضافه فلأن الشهاب أعم من القبس. وقيل: هو من إضافة الشيء إلى نفسه نحو: مسجد الجامع، وهو رأي كوفي. وأصحابنا يتناولونه بما هو مذكور في مواضعه المشار إليها.
والشهبة: بياض مختلط بسوادٍ، تشبيهًا بالشهاب لاختلاط ضوئه بالدخان وكتيبة شهباء: اعتبارًا بسواد القوم وبياض الحديد.
ش هـ د:
قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} [الأنعام: 73]. الشهادة والشهود: حضور مع مشاهدةٍ. وذلك إما بالبصر، وإما بالبصيرة. والأول تتعلق به الأحكام الظاهرة، وأما الثاني فالشرع بالنسبة إلى الأحكام الظاهرة لم يعتبره. وقد يقال للحضور مفردًا، إلا أن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع الشهادة. وقد يقال للمحضر: مشهد، وللمرأة بحضرة زوجها: مشهد. وجمع المشهد مشاهد، ومنه مشاهد الحج، قال تعالى:{ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28] فمشاهده هي مواطنه الشريفة التي تحصرها الملائكة والأبرار من الناس. وقيل: هي مواضع المناسك.
قوله تعالى: {ما شهدنا مهلك أهله} [النمل: 49] أي ما حضرنا. قوله: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72] أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم. والشهادة: قول صادر عن علمٍ حصل بمشاهدة بصرٍ أو بصيرةٍ. ومنه قوله عليه
الصلاة والسلام: «إن رأيت الشمس طالعةً على مثل هذا فاشهد» ثم اتسع في ذلك فجازت في مواضع بغلبة الظن. بيانها في كتب الفقه.
قوله تعالى: {أشهدوا خلقهم} [الزخرف: 19] أي بمشاهدة البصيرة، وقوله بعد ذلك:{ستكتب شهادتهم ويسألونك} تنبيه أن الشهادة تكون عن شهودٍ. قوله: {لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} [آل عمران: 70] أي تعلمون. قوله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض} [الكهف: 51] أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها. قوله: {عالم الغيب والشهادة} أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بها.
قوله تعالى: {وشاهدٍ ومشهودٍ} [البروج: 3] قال علي كرم الله وجهه: «الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة» وقيل: المشهود: يوم الجمعة. وقيل: يوم عرفة. وقيل: يوم القيامة. الشاهد: كل من يشهد. قوله: {وذلك يوم مشهود} [هود: 103] تنبيه أنه لابد من وقوعه. وقيل: لأنه يشهده أهل السماء والأرض. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصًا ما فسر به أمير المؤمنين: روى الهروي بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الأيام يوم الجمعة هو شاهد، ومشهود يوم عرفة» . وقيل: الشاهد: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدًا} [الأحزاب: 45] أي شاهدًا على أمتك بالإبلاغ ولمن آمن بالتصديق. وقيل: معناه: مبينًا فإن الشاهد بيان كما سيأتي.
قوله تعالى: {ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] يعني الملائكة. وقيل: الأنبياء
والمؤمنون يشهدون على المكذبين بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم. وهو جمع شاهدٍ نحو صاحبٍ وأصحابٍ، وناصرٍ وأنصارٍ. قوله:{شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التوبة: 17] أي كل فرقةٍ تنسب إلى دين اليهود والنصارى المجوس سوى مشركي العرب؛ فإنهم كانوا يمتنعون من هذه الاسم. فجعل قبولهم لذلك شهادة على أنفسهم بالكفر. وقيل: لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم: [من الرجز]
829 -
ألا شريك لك ألا شريك لك
…
هو لك تملكه وما ملك
قوله: {ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا} [القصص: 25] أي اخترنا منهم نبيًا، وكل نبيٍّ شاهد على قومه. ثم «شهدت» يقال على ضربين: أحدهما جارٍ مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة. فيقول الشاهد: أشهد بكذا، ولا يكتفي بقوله: أعلم، بل لابد من لفظه بالشهادة. ولا يكتفي منه أيضًا بقوله: شهدت، أو أنا شاهد بكذا. بل لابد من قوله: أشهد، بلفظ المضارع. والثاني جارٍ مجرى التقسيم؛ فيقال: أشهد أن زيدًا منطلق. وعليه قوله: {أن تشهد أربع شهاداتٍ بالله} [النور: 8] الآية. ويجري العلم في ذلك مجراه، فيجاب بما يجاب به القسم، كقول الشاعر:[من الكامل]
830 -
ولقد علمت لتأتين منيتي
…
إن المنايا لا تطيش سهامها
وقال بعضهم: إذا قال: شهدت، ولم يقل: بالله أنه يكون قسمًا. وشهدت كذا: حضرته. وشهدت على كذا: أقمت عليه شهادتي. ومنه قوله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [النور: 24]، {شهد عليهم سمعهم} [فصلت: 20]. وقد يعبر
بالشهادة عن الحكم نحو قوله: {وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] في أحد القولين. وقد يعبر بها عن الإقرار بالشهادة كقوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} [النور: 6]. وقوله: {شاهدين على أنفسهم} [التوبة: 17]{وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأعراف: 37] أي أقروا. وقد يعبر بها عن البيان. ومنه عند بعضهم: مبينين لدينه، لأن الشاهد يبين ما يشهد به وعليه. وقيل: يتبين بشهادته ما يوجب حكم الحاكم.
وقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] يحتمل أن يراد بذلك الإعلام، أي أعلم الله. وأن يراد البيان أي يبين. وأن يراد الحكم أي حكم بذلك. وقال بعضهم: أن «شهد» هنا قد استعمل في معانٍ مختلفةٍ؛ فإما أن يكون ذلك من باب الاشتراك أو الحقيقة أو المجاز، وكلاهما مقول به. والاستدلال على ذلك في غير هذا. فشهادة الله تعالى بذلك إعلامه وبيانه وحكمه، وشهادة الملائكة ومن معهم إقرارهم بذلك كما بينا. وقد بين ذلك بعضهم في عبارةٍ حلوةٍ فقال: فشهادة الله بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم وفي نفوسنا، وأنشد:[من المتقارب]
831 -
أيا عجبًا كيف يعصى الإله
…
أم كيف يجحده الجاحد؟
وفي كل شيءٍ له آية
…
تدل على أنه واحد
وقال بعض الحكماء إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق خلقه بالشهادة له. قلت: فإن قيل: فقد أنكر أكثر العالم قلت: كلهم ناطقون بذلك إما بلسان القال وإما بلسان الحال، وإن وجد كفرهم وشركهم عنادًا، وأما شهادة الملائكة بذلك فهي إظهارهم أفعالًا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله:{فالمدبرات أمرًا} [النازعات: 5]، وأما شهادة أولي العلم فهي اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك. وإنما خص أولي العلم لأنهم هم المعتبرون، وشهادتهم هي المعتبرة. وأما الجهال فمبعدون عنها. وعلى ذلك نبه بقوله تعالى:{إنما يخشى الله من عبادته العلماء} [فاطر: 28] وهؤلاء هم المعنيون بقوله: {والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69].
قوله تعالى: {وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد} [ق: 21] أي من يشهد له وعليه، وهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أقواله وأفعاله ويحصونها عليه، وأما السائق فغيرهما. وقيل: أحدهما يسوقه. وليس المراد بالسائق والشهيد الواحد بل الجنس. قوله {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على حد من قيل فيهم {أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصلت: 44] وقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] أي شاهدين. يقال: شاهد وشهيد. إلا أن صيغة فعيل أبلغ، والشهيد الشرعي بالنسبة إلى عدم غسله والصلاة عليه هو من قتل في حرب الكفار بسبب القتال. والشهيد في الأجر كالمبطون والغريق كما جاء في الحديث.
إنما سموا كلهم شهداء لأن أرواحهم شهدت دار السلام، أي أحضرتها. وأما أرواح غيرهم فلا تحضرها إلى يوم البعث. قال الهروي: وعلى ذلك يؤول قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]. وقال أبو بكرٍ: لأن الله وملائكته شهود لهم بالخير. وقيل: سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد يوم القيامة مع الأنبياء على الأمم. وقيل: سموا بذلك لحضور الملائكة إياهم، إشارة إلى ما قال تعالى {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} [فصلت: 30]. وقيل: لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد الله لهم من النعيم.
قلت: وقد حكى لي شيخ صالح من دمياط أيام رحلتي إليها- وقد زرت قبور الشهداء هناك في مكانٍ يقال له شطا- فقال- وقد أراني قبرًا حسنًا عليه بناء عظيم: هذا قبر شطا. قلت: وما شطا؟ قال: ابن ملكٍ من ملوك الفرنج، جاء مع أبيه وجيشه ليأخذوا ثغرنا. فلما التحم القتال قتل ناس من المسلمين، فدخل شطا في المعركة فوجد رجلًا من المسلمين يتشحط في دمه فوقف عليه فكشف له لإرادة الله إياه بالخير. فرأى حوريةً من الجنة تبتدره بكوزٍ من الماء. قال لها شطا: اسقني. فقالت: لست لك. فقالت
له أخرى أحسن منها: لو كنت مسلمًا وقتلت كنت لك. فترك صفهم وجاء لصف المسلمين، فابتدروه ليقتلوه فأشار إليهم فأمسكوا عنه حتى قص قصته. ثم لم يزل يقاتل قومه ويقاتلونه حتى قتل رحمه الله. فأخذ ودفن هناك. فمن ثم يزار. فهذا معنى قول من قال: إنهم يشاهدون في تلك الحالة ما أعد لهم. وقيل: لأنهم عند الله- أي عند حياته- كقوله تعالى: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم} [الحديد: 19] فبين جهة العندية.
قوله تعالى: {تبغونها عوجًا وأنتم شهداء} [آل عمران: 99] أي نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} [الإسراء: 78] أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أي تحضره، وقيل: معناه أن صاحبه يشهد الشفاء والرحمة المشار إليهما بقوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء 82] والتوفيق والسكينات والأرواح. قوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} [البقرة: 23] قال ابن عباسٍ: معناه أعوانكم. وقال مجاهد: الذين يشهدون لكم. وقال بعض أهل العلم: معناه من يعتد بحضوره عكس من قيل في حقهم: [من البسيط]
832 -
مخلفون ويقضي الله أمرهم
…
وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا
وقيل: يجوز فيه جميع ما ذكر في معنى الشهادة. وكذا جوز في قوله: {ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا} [القصص: 75]. قوله: {وكفى بالله شهيدًا} [النساء: 79] أي لا يفوت علمه شيء. وفيه إشارة إلى معنى ما تضمنه قوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]. وقوله: {يعلم السر وأخفى} [طه: 7]. قوله: {ويتلوه شاهد منه} [هود: 17] أي حافظ ملك. وقيل: هو عبد الله. وفي حديث أبي أيوب: «لا صلاة بعد العصر حتى يرى الشاهد. قيل: يا أبا أيوب وما الشاهد؟ قال: النجم» . وفسرها الفراء بأنها صلاة المغرب. قال: وهو اسمها. قال شمر: وهذا راجع إلى ما فسر أبو أيوب أنه النجم، كأنه يشهد على الليل. وقال أبو سعيدٍ: سميت صلاة الشاهد لاستواء المسافر والمقيم في أنها لا تقصر. قال الأزهري: والقول الأرجح هو الأول، ألا
ترى أن صلاة الفجر لا تقصر أيضًا؟
قوله: {وما شهدنا إلا بما علمنا} [يوسف: 81] فالشهادة هنا هي الإخبار. قوله تعالى: {وبنين شهودًا} [المدثر: 13] أي حضورًا، فيه تنبيه على المروءة واستقرار الخاطر، وذلك أنه- لغناه- لا يحتاج في غيبته بيته إلى معاش سفرٍ ولا حضر، وأنه لا ينغص عليه غيبته فيقول: قد هلكوا، قد قتلتهم اللصوص؟
قوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] أي من حضر ولم يكن مسافرًا. ولذلك فسر بعضهم: فمن شهد منكم الشهر في المصر، فالشهر نصب على الظرف أو على المفعولية. وقد حققنا هذا في غير هذا الكتاب، والتشهد: غلب عرفًا على التحيات.
ش هـ ر:
قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر} أي شهر رمضان. فـ «أل» فيه للعهد الحسي لتقدم ذكره: {فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 16]. وسمي الشهر شهرًا؛ قيل: لاشتهاره بإهلال الهلال، أو باعتباره جزءاً من اثني عشر جزءاً من دوران الشمس من نقطةٍ في الفلك الرابع إلى تلك النقطة. وقيل سمي شهرًا لشهرته، وقيل: سمي شهرًا باسم الهلال. والهلال إذا أهل سمي شهرًا. يقال: رأيت شهرًا أي هلالًا. ومنه الحديث: «صوموا الشهر وسره» وقال ذو الرمة: [من الطويل]
833 -
فأصبحت أجلي الطرف ما يستزيده
…
يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل
ويعبر عن الرجل العالم بالشهر كأنه سمي بالمصدر مبالغةً؛ تقول: شهرت الشيء شهرا. وأنشد لأبي طالبٍ يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الوافر]
834 -
فإني والضوباح كل يومٍ
…
وما تتلو السفاسرة الشهور