الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعني البعد من الرحمة والاحتراق والهياج. إلا أن الاشتقاق يدل للأول نحو تشيطن يتشيطن وذكرنا أنه يترتب على القولين صرفه، وعدمه إذا سمي به وإن كان غالبهم يطلق ذلك.
والشيطان في الأصل مختص بالجن وقال أبو عبيدة: هو اسم بين الجن والإنس والحيوانات. واستدل له بقوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14] أي أصحابهم من الجن والإنس. وقوله: {وابتعوا ما تتلوا الشياطين} [البقرة: 102] قيل: هم الجن وقيل: هم: مردة الفريقين. وقوله: {كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] أراد في القبح الذي يتصوره في ذهنه كل سامع هذا اللفظ والعرب تتصور الشيطان بأقبح صورةٍ والملك بأحسنها، وعليه:{إن هذا إلا ملك كريم} [يوسف: 31] وقيل هي حيات لها رؤوس منكرة وأعراف بشعة. وقيل: هونبت معروف عندهم خبيث قبيح المنظر وعليه ما قدمته وأطلق لفظ الشيطان على [كل] صورةٍ ذميمةٍ وخلقٍ رديءٍ وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: «الحسد شيطان والغضب شيطان» وذلك لأنهما ينشأان منه وقال جرير ابن الخطفى: [من البسيط]
803 -
أيام يدعونيي الشيطان من غزلي
…
وهن يهوينني إذ كنت شيطانًا
سمى نفسه شيطانًا وذكر سبب ذلك وهو تغزله في النساء
فصل الشين والعين
ش ع ب:
قوله تعالى: {وجعلناكم شعوبًا وقبائل} [الحجرات: 13] الشعوب جمع شعبٍ بالفتح وقال الفراء: الشعوب أكبر من القبائل وقال: ما تشعب من قبائل العرب وقد ذكرنا في باب القاف أن القبائل في العرب والشعوب في العجم. ومنه قيل الشعوبية لقومٍ يتعصبون للعجم ويفضلونهم على العرب. قال الهروي: الشعوبي الذي يصغر شأن العرب، ولا يرى لهم فضلًا على غيرهم. قيل لهم ذلك لأنهم يتأولون قوله:{شعوبًا وقبائل} أن
الشعوب من العجم كالقبائل من العرب.
قلت: يعني أن الله تعالى قسم العالم الإنسي قسمين من غير تفضيلٍ لأحدهما على الآخر ثم إنه قدم الشعوب لفظًا وهو قرينة ترجيحٍ. ويقال: إن أبا عبيدة معمر بن المثنى كان من هؤلاء، وأنا أحاشيه من ذلك. ويقال: إنه وضع كتابًا في مثالب العرب ويحكى أن الصاحب بن عبادٍ- وكان أعجميًا- يتعصب للعرب وأنه حضره رجل شعوبي وكان بديع الزمان حاضرًا، فتذاكروا عنده، فأنشد الشعوبي:[من الوافر]
804 -
غنينا بالطبول عن الطلول
…
وعن عيسٍ عزافرةٍ دمول
فلست بتاركٍ إيوان كسرى
…
لتوضح أو لحومل فالدخول
وضب في الفلا ساعٍ وذئبٍ
…
بها يعوي وليثٍ وسط غيل
بأية رتبةٍ هم قد سموها
…
على ذي الأصل والشرف الأصيل؟
إذا ذبحوا فذلك يوم عيدٍ
…
وإن نحروا ففي عرسٍ جليل
أما لو لم يكن للفرس إلا
…
نجار الصاحب العدل الجليل
لكان لهم بذلك خير فخرٍ
…
وخيلهم بذلك خير خيل
فقال الصاحب بن عبادٍ لبديع الزمان: قم فأجب عن صاحبك وأنيسك. فارتجل وقال: [من الوافر]
805 -
أراك على شفا خطرٍ مهول
…
لما أودعت رأسك من فضول
طلبت على مكارمنا دليلا
…
متى احتاج النهار إلى دليل؟
متى قرع المابر فارسي
…
متى عرف الأغر من الحجول؟
متى علقت وأنت بها زعيم
…
أكف الفرس أطراف الخيول
فخرت بملء ماضٍ فيك فخرًا
…
على قحطان والبيت الأصيل
فخرت بأن ماكولًا وليسا
…
وذلك فخر ربات الحجول
تفاخرهن في خد أسيلٍ
…
وفرعٍ في مفارقه أسيل
فقال الصاحب لذلك الشعوبي: كيف رأيت؟ فقال: لو سمعت بمثل هذا ما حذقت فقال له الصاحب: جائزتك جوارك، إن رأيتك في ملكي بعدها ضربت عنقك فشكر الله لابن عبادٍ هذا الصنيع، فإنه للإحسان غير مضيع.
وقيل: الشعب: القبيلة المتشعبة من حي واحدٍ. والشعب- بالكسر- من الوادي: ما اجتمع منه طرف وتفرق منه طرف. فإذا نظرت إليه من الجانب الذي يتفرق أخذت في وهمك واحدًا، وإذا نظرت إليه من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا فلذلك قيل: شعبت الشيء: جمعته، وشعبته: فرقته؛ فهو من الأضداد عند بعضهم وليس كذلك لما ذكرنا من القدر المشترك.
وشعيب إذا لم يكن اسمًا للنبي المعروف صلى الله عليه وسلم فهو تصغير شعبٍ أو شعبٍ. وشعب الذي هو مصدر لشعبت الشيء. والشعيب: المزادة الخلقة المتشعبة. وقال شمر: الشعبة من كل شيء: القطعة والطائفة. وفي الحديث: «إذا جلس بين شعبها الأربع» قيل: هما اليدان والرجلان. وقيل: رجليها وشفريها. وفي حديث مسروقٍ: «أن رجلًا من الشعوب أسلم، فكانت تؤخذ منه الجزية» قال أبو عبيد: الشعوب هنا: العجم، وفي غيره جمع الشعب، وهو أكبر من القبيلة. وقال بعضهم لابن عباسٍ: ما هذه الفتيا التي شعبت الناس؟ - أي فرقتهم- فأنشد قول الشاعر: [من الكامل]
806 -
وإذا رأيت المرء يشعب أمره
…
شعب العصا ويلج في الصعيان
وأم المؤمنين عائشة، لما وصفت أباها الصديق رضي الله عنهما: قالت: «ويرأب شعب الأمة» أي يلائم بين كلمتها إذا تفرقت والمشعب: الطريقة والمذهب: قال الشاعر: [من الطويل]
807 -
ومالي إلا آل أحمد شيعة
…
ومالي إلا مشعب الحق مشعب
ش ع ر:
قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله} [المائدة: 2] أي مناسك حجه، جمع شعيرة. والشعيرة. في الأصل: العلامة، فسميت مواضع الحج وأفعاله شعائر، لأنها علامات: واشتقاق ذلك من الشعور وهو العلم. قال ابن عرفة: شعائر الله آثاره وعلاماته قال: والعرب تقول: بيننا شعار، أي علامة تعرف بها البدنة أنها من الهدي وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها. وقال الزجاج: الشعائر: كل ما كان من موقفٍ ومسعىً وذبح. وقيل: هي نفس البدن المهداة؛ سميت بذلك لأنها تشعر أي شعيرةٍ، أي بحديدةٍ تشعر بها.
قوله: {عند المشعر الحرام} [البقرة: 198] هو المسجد المعروف، سمي بذلك لأنه من علامات الحج، ومواضع الحج كلها [مشعر] إلا أن هذا الاسم غلب على هذا المكان بخصوصه. وأصل هذه المادة من شعر الإنسان. وبيانه أن تقول: شعرت زيدًا أي أصبت شعره. قالوا: ثم استعير: شعرت كذا، أي علمت علمًا في الدقة كإصابة الشعر. وسمي الشاعر شاعرًا لفطنته ودقة معرفته. فالشعر في الأصل: اسم للعلم الدقيق في قولهم: ليت شعري. وصار في التعارف اسمًا للموزون المقفى من الكلام، والشاعر للمختص بصناعته وقوله تعالى- حكايةً عن الكفار-:{بل افتراه بل هو شاعر} [الأنبياء: 5].
حمل كثير من المفسرين علي أنهم رموه بكونه آتيًا بشعرٍ منظومٍ ومقفى حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظٍ يشبه الموزون نحو: {وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ} [سبأ: 13] وقال بعض المحصلين: لم يقصدوا هذا القصد فيما رموه به، وذلك أنه ظاهر من هذا الكلام أنه ليس على أساليب الشعر. ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلًا عن بلغاء العرب. وإنما رموه بالكذب، فإن الشعر يعبر به عن الكذب، والشاعر الكاذب حتى سموا الأدلة الكاذبة الشعرية قال تعالى في وصف عامة الشعراء:{والشعراء يتبعهم الغاوون} [الشعراء: 227] ولأن الشعر مقر الكذب: قالوا:
أحسن الشعر أكذبه. وقال بعض الحكماء: لم يرمتدين صادق اللهجة ملفقًا في شعره.
قلت: ولهذا إن شعراء مفلقين كانوا في جاهليتهم لا يبارون، فلما أسلموا ضعف شعرهم كحسان ولبيد وغيرهما. وقد وطنه حسان من نفسه لذلك. والمشاعر: الحواس فقوله: {وأنتم لا تشعرون} [الزمر: 50] ونحوه، أي لا تدركونه بالحواس. ولو قال في كثيرٍ من المواضع التي قال فيها:{لا يشعرون} ، {لا يعقلون} لم يكن تجاوزًا إذ كان كثير مم لا يكون محسوسا قد لا يكون معقولًا
والشعار: الثوب يلي الجسد لمماسته الشعر والشعار أيضًا: ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب وفي الحديث: «كان شعارهم: أمت أمت» وكان شعار فلانٍ عمامةً سوداء وأشعره الحب نحو ألبسه. والأشعر: الطويل الشعر ما استدار منه وداهية شعراء كقولك: داهية وبراء.
والشعرى: نجم معروف، وتخصيصه بالذكر في قوله:{وأنه هو رب الشعري} [النجم: 49] لأن خزاعة كانت تعبدها وهما شعريان: الشعرى العبور وهي المعبودة سميت بذلك لأنها عبرت المجرة وليس في السماء نجم يقطعها عرضًا غيره والأخرى الغميصاء، لأنها لا تتوقد توقد العبور وكان الذي سن عبادة الشعري رجل يقال له أبو كبشة فخالف سائر قريشٍ، ولذلك نسبه الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم:«لقد أمر أمر ابن أبي كبشة» شبهوه به في مخالفته لهم، وشتان ما بينهما!
وفي الحديث: «أنه أعطى ابنته حقوه» وقال: «أشعرنها إياه أي إزاره واجعلنه شعارها» وفي وصف الأنصار: «الأنصار شعار والناس دثار» أي بمنزلة الشعار في القرب. وفيه أيضًا: «لما أراد قتل أبي بن خلفٍ تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن
البعير الشعر جمع شعراء وهي ذبابة حمراء تؤذي البعير والحمار وقولهم: شعري بمعنى شعوري ولابد بعده من استفهامٍ، كقول بلالٍ رضي الله عنه:[من الطويل]
808 -
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
…
بوادٍ وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مجنةٍ
…
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
ولا خبر للبيت لفظًا، بل هو محذوف، والاستفهام معلق للشعور وساد مسد الخبر، فلذلك لا يذكر. وفي المسألة خلاف حققناه في موضعه. وقد يفصل الاستفهام من «شعري» بجملةٍ معترضةٍ، كقول أبي طالبٍ:[من الخفيف]
809 -
ليت شعري مسافر ابن أبي عمـ
…
ـروٍ وليت يقولها المحزون
وفي الحديث «أنه عليه الصلاة والسلام وأهدي إليه شعارير» هي صغار القثاء الواحدة شعرور وفي غير هذا بمعنى الشعر وهي الذباب كما تقدم. وقيل: الشعارير: ذباب البعير، والشعر: ذباب الكلاب.
ش ع ف:
قرأ بعضهم: {شعفها} [يوسف: 30] بالعين المهملة، أي برح بها حبه. وقال الليث: مأخوذ من شعفةٍ وهو معلق النياط. وقيل: شعف القلب رأسه عند معلق النياط وشعفة الجبل: أعلاه. وفلان مشعوف بكذا، أي أصيب شعفة قلبه. وقيل: معناه غشي الحب قلبه من فوقه ومن تحته وفي حديث عذاب القبر: «أجلس غير فزعٍ ولا مشعوفٍ» الشعف: الفزع حتى يذهب بالقلب وفي الحديث: «أو رجل في شعفةٍ في غنيمةٍ له» هي أعلى الجبل. وفي صفة يأجوج ومأجوج: «صهب الشعاف» أي