الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ضرع ضراعةً وأنشد: [من الوافر].
921 -
أذاقكم الضراعة والهوانا.
فهو ضارعٌ وضرعٌ. فالتضرع: إظهار الضراعة. ومنه قوله تعالي: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} [الأعراف: 55] أي ذوي أو دعاء. قوله: {إلا من ضريعٍ} [الغاشية: 6] قيل: هو نبتٌ أحمر منتن الريح يرمي به البحر. وقيل: هو الشبرق: نبتٌ بالحجاز ذو شوكٍ. وهو شبرقٌ ما دام رطبًا، فإذا يبث فهو ضريعٌ. وهذا تمثيلٌ لهم بما يكرهونه مطعمًا لدوابهم، وإلا فيا ليتهم يكتفي لهم بأكل ما هو أفظع وأشنع من ذلك.
والمضارعة: المشابهة، مأخوذةٌ من ضرع الشاة لأن كلًا من الضرعين يشبه الآخر.
ومن ثم قال النحوي: الفعل المضارع لأنه شابه الاسم في أشياء حررناها في غير هذا الوضع. والضريع أيضًا: الشاه العظيمة الضرع. وقد أضرعت: نزل اللبن من ضرعها لقرب نتاجها نحو ألبن: كثر لبنه. وضرع الحمل: تناول ضرع أمه.
فصل الضاد والعين
.
ض ف ع:
قوله تعالي: {الذي خلقكم من ضعف} [الروم: 54] الضعف يقابل القوة.
وغالب وردهما في الأجسام الحيوانية. وقرئ بضم الفاء وفتحها فقيل: لغتان، فقال الخليل بالضم في البدن وبالفتح في العقل والرأي، فقوله تعالي:{خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفًا وشيبةً} [الروم: 54] فهذه ثلاثة أضعاف كلٌ منها غير الآخر، وذلك أن الضعف الأول إشارةٌ إلي كونه من نطفةٍ أو ترابٍ.
والثاني إلي كونه جنينًا. والثالث إلي ضعف الشيخوخة والهرم، وهو المشار إليه بقوله:{أرذل العمر} [النحل: 70]{أسفل سافلين} [التين: 5]{ننكسه في الخلق} [يس: 68]. وأما القوتان فأولهما المجعولة للطفل من التحرك وهدايته لاستدعاء اللبن ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء. والثانية من بعد البلوغ، ويدل علي كون كل واحدٍ من
المذكورات غير الآخر إعادته منكرًا إذ هو من قواعد اللغة أنه متى ذكرت نكرة وأريد أعادتها عرفت نحو {فعصي فرعون الرسول} [المزمل: 16] فإن نكرت عرفت به غير الأول. ومن ثم روي عن ابن عباسٍ، ويروي مرفوعًا أيضًا ((لن يغلب عسرٌ يسرين)) من هذه الحيثية التي ذكرناها والله أعلم. والجمع أضعافٌ.
والضعيف: من كان به الضعف وجمعه ضعفاء، ومنه {وله ذرية ضعفاء} [البقرة: 266] وضعافٌ منه: {من خلفهم ذريةً ضعافًا} [النساء: 9]. وقوبل تارةً بالقوة وتارةً بالاستكبار، ومنه {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا} [سبأ: 32].
قوله: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28] إشارةٌ إلي كثرة حاجاته التي استغني عنها الملأ الأعلى. قوله: {إن كيد الشيطان كان ضعيفًا} [النساء: 76] فضعفه إنما هو مع من وفقه من عباده الذين أشار إليهم بقوله تعالي: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ} [الحجر:42]. قوله تعالي: {يضاعف لهم العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أي مثلي عذاب غيرهم. قال الهروي: والضعف: المثل إلي ما زاد. نقل ابن عرفة عن أبي عبيدة أن الضعفين اثنان. قال: وهذا قولٌ لا أحبه لأنه قال في آيةٍ أخري: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] فاعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين. وقد أتقن ذلك بعضهم فقال: الضعف من الأسماء المتضايقة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر كالنصف والزوج، وهو تركب قدرين متساويين، ويختص بالعدد، فإذا قيل: أضعفت الشيء وضعفته وضاعفته: ضممت إليه مثله فصاعدًا. قال: فالضعف مصدرٌ، والضعف
اسمٌ كالشيء والشيء. فضعف الشيء هو الذي يثنيه. ومتى أضيف إلي عددٍ اقتضي ذلك العدد مثله، نحو أن يقال: ضعف عشرةٍ وضعف مئةٍ، فذلك عشرون ومائتان بلا خوفٍ.
قال الشاعر علي هذا: [من الطويل].
922 -
جزيتك ضعف الود لما اشتكيته
…
وما إن جزاك الضعف من أحدٍ قبلي.
وإذا قيل: أعطه ضعفي واحدٍ اقتضي ذلك ومثليه، وذلك ثلاثةٌ، لأن معناه واحد واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثةٌ. هذا إذا كان مضافًا، فإن لم يكن مضافًا فقلت: الضعفين فإن ذبك قد يجري مجري الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأن كل واحدٍ منهما يضاعف فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلي واحدٍ فيثلثهما. وقال أبو بكر بإسناده عن هشام بن معاوية النحوي عن أبيه قال: العرب تتكلم بالضعف مثني فتقول: إن أعطيتني درهمًا فلك ضعفه.
قوله: {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} [آل عمران: 130] قيل: أتي بالفظين علي التأكيد. وقيل: بل بالمضاعفة من الضعف- بالفتح- لا من الضعف- بالكسر- قيل: ومعناه ما يعدونه ضعفًا هو ضعفٌ أي نقصٌ كقوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 276]. قوله تعالي: {فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} [الأعراف: 38]. سألوا أن يعذبهم عذابًا بضلالهم وعذابًا آخر بإضلالهم كما أشار بقوله تعالي: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمٍ} [النحل: 25] وقوله: {لكلً ضعفٌ} [الأعراف: 38] أي لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب، وقيل، أي لكلٍ منكم ومنهم ضعف ما بدا للآخر، فإن من العذاب ظاهرًا وباطنًا.
وكل لا يدرك من الآخر إلا الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن. قوله تعالي: {إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 75} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات علي تقدير ركونك إلي ما استدعوك. وليس في هذا الخطاب غض منه عليه الصلاة والسلام ولا نقصٌ من مرتبته ولا وعيدٌ له، وإنما ذكره
تعالى منةً عليه بالتثبيت بالنبوة.
قوله: {فأولئك هم المضعفون} [الروم: 39] أي المتصدقون ابتغاء وجه الله تعالي، أولئك هم أصحاب التضعيف أي زيادة الحساب لأنهم يجازون بالحسنة عشرة أمثالها، ولا إضعاف أكثر من ذلك. يقال: أضعف الرجل فهو مضعفٌ، أي ذو أضعافٍ في الحسنات. قوله:{فأولئك لهم جزاء الضعف} [سبأ: 37] قال ابن الأنباري: يريد جزاء المضاعفة فألزم التضعيف التوحيد لأن المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع يزيدون مثله، وإفراده لا بأس به، إلا أن التثنية أحسن. قال أبو عبيدة: ضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، وقوله:{يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] يجعل إلي الشيء شيئان حتى يصير ثلاثةً.
قلت: قد تقدم حكاية ابن عرفة عنه في ذلك. وقوله: إنه لا يحبه، أي لا يختاره لقوله:{نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] كما مر شرحه. وقال الأزهري: الضعف في كلام العرب: المثل إلي ما زاد وليس بمقصور علي مثلين فيكون ما قال أبو عبيدة صوابًا بل جائزٌ في كلام العرب أن نقول: هذا ضعفه، أي مثلاه وثلاثة أمثاله، لأن الضعف في الأصل وزيادةٌ غير محصورةٍ. ألا تري قوله تعالي:{فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} لم يرد به مثلًا ولا مثلين ولكنه أراد بالضعف الأضعاف وأولي الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله لقوله تعالي: {من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها} [الأنعام: 120] فأقل الضعف محصورٌ وهو المثل وأكثره غير محصورٍ. وإنما أوسعت الكلام لاختلاف الناس فيه حتى اختلف الفقهاء في ما لو أوصي موصٍ لزيدٍ بضعف ما لابنه ماذا يعطي، ومذهبنا أن ضعف الشيء هو مثله، وضعفاه هو مثلاه، وهلم جرا.