الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالشيء قد يكون صغيرًا في جنب شيءٍ وكبيرًا في جنب آخر. وقد يقال تارة باعتبار الزمان. فيقال: فلان صغير لمن قل زمان عمره، وفلان كبير لمن كبر وإن كان جرمه أقل تارةً باعتبار الجرم وتارةً باعتبار القدر والمنزلة.
قوله: {وكل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر} [القمر: 53]. وقوله: {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49]{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} [يونس: 61]. كل ذلك من القدر والمنزلة في الخير والشر من اعتبار بعضها ببعضٍ. وفي الحديث: "المرء بأصغريه، إن قال قال بجنان وإن تكلم تكلم ببيان عن القلب واللسان".
ص غ و:
قوله تعالى: {ولتصغى إليه أفئدة} [الأنعام: 113] أي ولتميل إليه قلوب. والصغو: الميل: يقال صغت الشمس والنجوم صغوًا: مالت للغروب. وصغيت الإناء وأصغيته: أملته. وقد أصغيت إلى فلانٍ بسمعي [نحوه]. وحكي: صغوًا، وصغيت أيضًا وأصغيت أصغي. وصاغية الرجل: الذين يميلون إليه، ويكنى بذلك عن قلة الحظ؛ فيقال: فلان مصغي إناؤه. وقد يكنى به عن الهلاك أيضًا. وفي الحديث: "يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة" أي خاصته والمائلون إليه. وعين صغواء إلى كذا. أي مائلة. والصغي: ميل في الحنك والعين. وفيه أيضًا: "وكان يصغي لها الإناء" أي يميله. ويقال: صغى يصغى وصغى يصغي. فالمادة يجوز أن تكون من الواو ومن الياء لأنه قد سمع فيها الحرفان. وقد ذكر الراغب اللغتين، ولم يذكرهما الهروي إلا في مادة الياء.
فصل الصاد والفاء
ص ف ح:
قوله تعالى: {أفنضرب عنك الذكر صفحًا} [الزخرف: 5] أي إعراضًا، والمعنى
أفنعرض عنك إعراضًا فلا ندعوكم؟ يقال: صفحت عنه أي أعرضت، وأصله من أوليته صفحة وجهي وصفحة عنقي؛ لأن المعرض يولي المعرض عنه ذلك، لأن صفح الشيء وصفحته: عرضه، كصفحة السيف والوجه والحجر. وصفحت عنه، أي أعرضت عن ذنبه. والصفح: ترك التأنيب، وهو أبلغ من العفو؛ فقد يعفو الإنسان ولا يصفح. فصحفت عنه: أوليته مني صفحة جميلةً معرضًا عن ذنبه. ولقيت صفحته متجافيًا عنه، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيه ذنبه من الكتاب إلى غيرها، من قولك: تصفحت الكتاب. فصفحًا مصدر من معنى "أفنضرب" أو بمعنى اسم الفاعل، ونصبه على الحال أي صافحين معرضين. والصفوح: هي التي تريك أحد صفحتي وجهها دلالاً وتحببًا. قال كثير: [من الطويل]
881 -
صفوح فما تلقاك إلا بخيلةً
…
فمن مل منها ذلك الوصل ملت
قوله: {فاصفح عنهم} [الزخرف: 89] أمر له بالمجاملة، وهذا ونحوه قيل: هو منسوخ. والظاهر أنه محكم لأن هذا خلقه عليه الصلاة والسلام. وأما القتال فذاك لأجل الإسلام، ولا تنافي بينهما حتى يقال: نسخ أحدهما الآخر. قوله: {فاصفح الصفح الجميل} [الحجر: 85] هو الإحسان إلى من أساء، وإلا فالصفح الذي يراد به ترك التأنيب والمعاقبة كافٍ في ذلك.
ص ف د:
قوله تعالى: {مقرنين في الأصفاد} [إبراهيم: 49] هي القيود، الواحد صفد، ويقال: صفد وصفاد. وقيل: هي الأغلال. والصفد: العطية أيضًا، وذلك على تخييلهم أن النعمة قيد للمنعم عليه. ومن ثم قالوا: أنا مغلول أياديك، وأسير نعمتك. وقال علي رضي الله عنه:"غل يدٍ أنت مطلقها". إلا أنه يقال: صفدته وصفَّدته -مخففًا ومثقلاً- قيدته في الحديد وبالحديد. وأصفدته -بالألف-: بمعنى أعطيته. وأنشد للأعشى: [من الطويل]
882 -
وأصفدني على الزمانة قائدًا
وجمع الصفد أصفاد، قيل: وأصفد وصفد أيضًا. وفي الحديث: "إذا جاء شهر رمضان صفدت الشياطين" أي غلت.
ص ف ر:
قوله تعالى: {بقرة صفراء} [البقرة: 69] هو تأنيث الأصفر. والصفرة: لون معروف. وقيل في قوله: {جمالات صفر} [المرسلات: 33] وفي "الصفراء" إنه السواد، وأنشد للأعشى:[من الخفيف]
883 -
تلك خيلي منه وتلك ركابي
…
هن صفر أولادها كالزبيب
وحضرت يومًا درس الشيخ فأوردت البيت متعجبًا من استشهاد الزمخشري وغيره به على ذلك. وقلت: أليس من الزبيب ما هو أصفر؟ فقال: صدقت، ولكن الغالب في الزبيب السواد، حتى إن بعض البلاد لا يكون فيها إلا كذلك. وقوله:{فاقع} [البقرة: 69] هذا تابع لا معنى له غير ذلك؛ يقال: أصفر فاقع، أي خالص، وأسود حالك وحائل، وأبيض يقق، وأحمر قانٍ، وأخضر ناصع، وأزرق حطباني، كل ذلك بمعنى الخلوص. وقال الراغب: الصفرة بين السواد والبياض، وهي إلى البياض أقرب، ولذلك قد يعبر عنها بالسواد. وقال الحسن: سوداء شديدة السواد. قال بعضهم: لا يقال في السواد: فاقع. قوله: {كأنه جمالات صفر} هو جمع أصفر [وليبيس البهمى] صفار. والصفير للصوت الكائن من الأشياء الخالية. قيل: ومن هذا صفر الإناء، أي خلا، إذا خلا سمع منه صفير من أجل الهواء، ثم صار متعارفًا في كل خالٍ من الأبنية وغيرها. وفي الحديث:"إن يدهما صفراء" أي فارغتين.
وفي الحديث: "لا صفر ولا هامة ولا عدوى" الصفر: تزعم العرب أنه حية في
البطن إذا حصلت جاع الإنسان، فإذا جاع آذته. نزعم أنها تعدي. والهامة تزعم العرب أن القتيل إذا قتل خرج منه طير يرفرف عليه ويقول: اسقوني اسقوني، حتى يؤخذ بثأره فيسكن. والعدوى: أن يصيب الإنسان مثلما بالمبتلى. فنفى الشارع ذلك كله، فإن المقادير بكف الإله. قال بعض الحكماء: سمي [خلو] الجوف والعروق من الغذاء صفرًا. ولما كانت تلك العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاءًا امتصت أجزار المعدة، اعتقدت جهلة العرب أن ذلك حية في البطن تعض الشراشيف، وعلى ذلك قال شاعرهم:[من البسيط]
884 -
ولا يعض على شرسوفه الصفر
وصفر: علم لشهرٍ، سمي بذلك لخلو بيوتهم من الزاد، والصفري من النتاج: ما يكون في ذلك الوقت. وقيل: صفر لما كانوا يفعلونه من النسيء؛ يؤخرون المحرم إلى صفر. وفي الحديث: "صفرة في سبيل الله" أي جوعة، من الخلو. وفي حديث أم زرعٍ:"صفر ردائها وملء كسائها وغيط جارتها" أي ضامرة البطن سمينة، إذ رأتها جارتها غاظها حسنها، وفي الأضاحي:"نهى عن المصفرة" والمصفرة أي المستأصلة الأذن لخلو صماخها من الأذن. وقيل: المهزولة، لصفرها من السمن وقيل لأبي جهلٍ:"يا مصفر استه" رماه بالأبنة. وقيل: يا مضرط نفسه، مأخوذ من الصفير، وهو صوت الضراط.
ص ف ف:
قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 22] الصف: جعل الشيء
على خط مستوٍ كالناس والأشجار، والمعنى صفًا بعد صف، فلا يراد به واحدًا أبدًا. ولهذا كان قول من قال: إن "صفا" الثاني تأكيد لفظي ساقط كما بيناه في غير هذا. قوله: {وعرضوا على ربك صفًا} [الكهف: 48] أي صفًا واحدًا، ولا يتوارى منهم واحد خلف آخر، كقوله:{يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء} [غافر: 16]. قوله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا} [الصف: 4] يحتمل أن يكون مصدرًا، وأن يكون بمعنى الصافين. وكذا قوله تعالى:{ثم ائتوا صفًا} [طه: 64] أي صافين. ومعنى المصدرية أن يتناول الفعل قبله به كأنه قيل: يصطفون في القتال صفًا. وقيل: "ثم ائتوا صفًا" أي الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم. قال الأزهري: يقال: أتيت الصف. أي أتيت الصلاة. قال: ويجوز أن يكون: ثم ائتوا مصطفين، ليكون أنظم لكم وأشد لكم وأشد لهيبتكم.
قلت: لو أراد موضع الصلاة لقال للصف لأنه مكان معين. قوله: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} [النبأ: 38] قيل: الروح بعينه يقف وحده، وتقف الملائكة كلهم أمامه فيساويهم ويسامتهم لعظم خلقه. وقيل: الروح جبريل نص عليه لشرفه. قوله تعالى: {والصافات صفًا} [الصافات: 1] قيل: هم الملائكة، وهذا هو الظاهر لقوله تعالى حكاية عنهم:{وإنا لنحن الصافون} [الصافات: 165] وذلك لاصطفافهم في عبادة الله من ركوعٍ وسجودٍ وتسبيحٍ وتقديسٍ. وقيل: هم المقاتلة في سبيله صفًا. وقيل: هم المصلون من المسلمين. وقيل: هي الطير لصف أجنحتها. قال تعالى: {أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبض} [الملك: 19] أي وقابضاتٍ.
قوله: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} [الحج: 36] أي مصطفةً، يعني بدن الهدي والضحية لأنه أعظم في القربة، وذلك أن تعقل وتصف فتنحر. كان ابن عمر يفعل ذلك، ومن ثم قرئ {صوافن} أي قائمة على ثلاثٍ، وسيأتي. وقرئ {صوافي} أي خاصةً لله لا كما كان المشركون يفعلون. والجمع صفوف. وفي
الحديث: "لتسون صفوفكم" يعني في الصلاة. والصفيف: اللحم المصفوف؛ إما لتقديده وإما لشيه. ومنه حديث ابن الزبير: "كان يتزود صفيف الوحش وهو محرم"، أي قديدها. وقال امرؤ القيس:[من الطويل]
885 -
فظل طهاة اللحم ما بين منضجٍ
…
صفيف شواءٍ أو قديدٍ معجل
يقال: صففت اللحم أصفه صفًا، أي جعلته صفًا واحدًا. والصفة: ما يرفتع في جانب البيت، ومنه: أهل الصفة لناحيةٍ كانت في المسجد يأوى إليها المساكين. وصفة السرج تشبيهًا بها في الهيئة. والصفوف: الناقة التي تصف رجليها عند الحلب. وقيل: التي تكون بين محلبين. قوله: {قاعًا صفصفًا} [طه: 106] هو المستوي من الأرض؛ قيل: كأنه على صف واحدٍ. وقيل: هو الخالي المستوي من الأرض.
ص ف ن:
قوله تعالى: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} [ص: 31] أي الخيل القائمات. يقال: صفن الفرس، أي قام. وأهل اللغة يقولون: أ، يثني الفرس إحدى يديه أو رجليه فيقف على ثلاثٍ، وهو أجود الخيل، وأنشد:[من الكامل]
886 -
ألف الصفون فلا يزال كأنه
…
مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقيل: هو قيامها مطلقًا، ومنه الحديث:"قمنا خلفه صفونا" أي صافين أقدامنا. وفي حديثٍ آخر: "من سره أن يقف الناس له صفونا" أي مصطفين قيامًا. وقرئ "صوافن" وقد تقدم تفسيره. والصافن أيضًا: عرق في الصلب يجمع نياط القلب. وأصل الصفن الجمع بين شيئين ضامًا بعضهما إلى بعض، ومنه تقدم من صفون الناس
لجمعه قوائمه. ومنه الصفن -بضمن الصاد وفتحها- لخريطةٍ تكون مع الراكب فيها زاده وأداته. ومنه حديث عمر: "حتى يأتي الراعي حقه في صفنه". وصفن ثيابه: جمعها. والصفنة: السفرة المجموعة بخيطٍ.
ص ف و:
قوله تعالى: {وأنهار من عسلٍ مصفى} [محمد: 15] أي خالص مما يشوبه. والصفو: الخلوص، ومنه الاصطفاء افتعال من الصفو، وهو تناول صفو الشيء كالاختيار: تناول خيره، والاجتباء: تناول جبايته. وصفي الغنم: ما يصطفيه الإمام لنفسه فيخلص له. قال الشاعر: [من الوافر]
887 -
لك المرباع منها والصفايا
قوله: {إن الصفا والمروة} [البقرة: 158] هما موضعان معروفان بمكة، شرفها الله تعالى. وأصل الصفا الحجر الأملس؛ سمي بذلك لخلوصه مما يشوبه. ومثله الصفوان في قوله تعالى:{كمثل صفوانٍ} [البقرة: 264] الواحدة صفوانة. واليوم الصفوان: الصافي الشمس الشديد البرد. وأصفى الحافر: بلغ الصفا، كقولهم: أكدى أي بلغ كدية. قوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75] قيل اصطفاؤه تعالى لبعض عباده قد يكون بإيجاده صافيًا من الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وحكمه وإن لم يتعر ذلك من الأول. ويقال للناقة أو الشاة الغزيرة اللبن وللنخلة الكثيرة الحمل صفية. وبنو فلانٍ مصفون، أي لهم صفايا من ذلك.
قوله: {اصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153] هذا إنكار عليهم قالوا: الملائكة بنات الله؛ يقول: اختار أخس النوعين عندكم وخصكم بأشرفها.